المغرب: مطلقات قاصرات يلجأن لامتهان الجنس لكسب الرزق

قاصرات مطلقات يتحدثن عن معاناتهن، وكيف تحوّلن إلى ممتهنات للجنس منبوذات من مجتمعهن.

"في سن 14 عامًا أجبرني والدي على الزواج برجل يكبرني بأربعين سنة، لم أكن أعلم بأن طفولتي ستغتصب حينها"، تروي خديجة، البالغة الآن 17 عامًا، تفاصيل اغتصابها في قرية "واوزيغت" في إقليم أزيلال وسط المغرب، بعدما قرر والدها تزويجها بمهاجر مغربي يعيش في إيطاليا. تضيف خديجة "زوجوني بالفاتحة، كان والدي يظن أن الزواج سيسترني".

و"زواج الفاتحة" زواج بدون عقد تنتشر ممارسته في المناطق النائية والجبال البعيدة في المغرب، حيث تقرأ فيه عائلتي العروسين سورة الفاتحة لتجمع الثنائي تحت مظلّة الزواج. وعلى الرغم من كونه زواجًا مُشهرًا، غير أنه يترتب على هذا النوع غير الموثّق من الارتباط تداعيات سلبية على الزوجة من حيث الحقوق.

الهجالة

تواصل خديجة قائلة "لم أكن أعرف ما تعنيه ليلة الدخلة حينها؛ كان يحاول لمسي، وأنا أهرب منه، ثم استعان بشقيقته لتمسكني… اغتصبني أمامها بوحشية ..."

بعد شهرين فقط من الزواج، يختفي الشريك وتكتشف خديجة أن الزواج كان بغرض المتعة. وبدلًا من تلقّي الدعم بعد هروب الزوج، رفضتها عائلتها وأدانها أهل القرية، ما دفعها إلى ترك مدينتها أزيلال مرغمة والسفر إلى مدينة أكادير جنوب المغرب.

تضيف خديجة "لقد نعتوني بالهجالة والعاهرة"، و"الهجالة" لفظة تطلق على النساء المغربيات اللاتي تخلى عنهن الرجال بعد أن فقدن بكارتهن. وفي الموروث الشعبي المغربي توجد أمثالٌ تُحذر من هذه المرأة وبأنه لا يمكن الثقة فيها، بل تدعو إلى نبذها وعدم التعامل معها لفقدانها قيمتها بعد هجران الزوج.

فنرى في "الهجالة ربّت عجل ما فلح وربّت كلب ما نبح"، كيف يُنظر إلى هذه المرأة على أنها لا تصلح حتى لتربية أطفالها أو لتربية أي شي. وفي "لحم الهجالة مسوّس وخا دير لو الملحة قلبي عافو"، يبخس المثل من قيمة هذه المرأة وجسدها، واصفًا إياه بأن لا قيمة له ولا يثير النفس، ويعافه المحيطون بها.

عاملات جنس مرغمات

تعيش خديجة اليوم في منطقة ولاد تايمة في مدينة أكادير، بعدما هجرها زوجها وتركت عائلتها لأزيد من 3 سنوات، كما ترغمها الظروف - بحد قولها - على الشغل كعاملة جنس.

لكن خديجة ليست وحدها، فكثيرٌ من الفتيات تجبرن مثلها على العمل في الجنس بعد انتقالهن إلى المدن الكبرى، حيث يقول أحمد بوهية، ناشط حقوقي في مدينة أكادير: "إن أغلب الفتيات اللاتي طُلقن في سن صغيرة في جهة أزيلال المعروفة بانتشار زواج القاصرات يتوجهن الى مدينة أكادير حيث تتواجد ضيعات فلاحية للعمل". ويستكمل موضحًا أنه سرعان ما ينتقل بعضهن من عاملات في الضيعات إلى عاملات جنس، وذلك بسبب تعرضهن للاستغلال الجنسي والتغرير بهن من طرف المسؤول عنهن في الضيعة، كما أن العمل في الضيعة موسمي، حيث يمتد لستة أشهر فقط، ما يدفع الفتيات إلى امتهان الجنس في الشهور الستة الأخرى.

وزواج القاصرات لا يساهم فقط في ارتفاع عدد عاملات الجنس، بل في تزايد عدد الأمهات العازبات، حيث تجد الطفلة نفسها أمًا عازبة لأطفال عاجزة عن رعايتهم؛ فليس بعيدًا عن منزل خديجة التقيت فاطمة، أم عازبة لطفل، ومثل خديجة أُجبرت على الزواج كقاصر ومن ثم ترك بيت العائلة بعد هروب الشريك. تقول فاطمة البالغة 18 عامًا اليوم بلهجة عربية تمتزج بالأمازيغية: "لم أختر الزواج أو حتى الطلاق، لقد وجدت نفسي في سن 16 عامًا، أمًا لطفل بحاجة إلى الرعاية".

بين عنف العادات وعنف المدينة

تنحدر خديجة من مجتمع محافظ، وبرغم تعرّضها للعنف على يد التقاليد والأعراف، غير أنها ما تزال متشبثة بثقافة ’عيب وحشومة’؛ يرافقها إحساسها بالذنب وتلوم نفسها وتشعر بالعار وأنه لا ينبغي أن تشتغل عاملة جنس بيد أنها مرغمة لكي تعيش فتقول: "لست متعلمة وليست لدي عائلة، لم أجد شيئًا لأبيعه سوى جسدي". لكن العنف يستمر بالطبع، تروي خديجة عن ما تعيشه خلال امتهانها الجنس "حتى لو عنّفني زبون، لا أحد سيدافع عني لأني عاهرة ".

لا تستطيع عاملة الجنس بالمغرب تقديم شكوى ضد الزبون إذا اعتدى عليها

لا تستطيع عاملة الجنس بالمغرب تقديم شكوى ضد الزبون إذا اعتدى عليها، لأن عملها غير قانوني، فخوفها من أن تُلقي الشرطة القبض عليها يجعلها تتنازل عن حقوقها حتى وإن تعرضت للعنف بالضرب أو الاغتصاب، ومن هنا تشعر خديجة بأنها تغامر بحياتها بشكل يومي لأنه لا يوجد من يحميها.

تصل القاصرات المطلقات المعنّفات إلى مدينة كبيرة مثل أكادير دون تعليم ودون دعمٍ عائلي، وبدلًا من حصولهن على الدعم النفسي والمادي ليبدأن حياة جديدة، ينتهين إلى يد العنف من جديد. وللحد من هذه الظاهرة، يشتغل نشطاء حقوقيون مثل أحمد بوهية على مساعدة بعض القاصرات على إيجاد عمل مناسب، كالعمل في تعاونيات إنتاج زيت الأرجان، في محاولة لحمايتهن من التعرض للاستغلال. ويقول بوهية: "هناك فتيات تمكّن بالفعل من تجاوز معاناتهن والبدء من جديد"، إلا أنه يشير إلى محدودية هذه الفئة الناجية مقارنة بعدد القاصرات المطلقات اللاتي تُرغمن على امتهان الجنس. كما يطالب "بضرورة توفير برامج مخصّصة لدعم هذه الفئة التي ترغب في إيجاد عمل يحفظ كرامتها".

ثقافة رجعية وجهل مستمران   

وبالرغم من الجهود المبذولة من الجمعيات الحقوقية للتوعية، لكن التمسك بالعادات الرجعية والجهل بتبعاتها لدى العائلات في القرى يجعلانها تقاوم التغيير. وأشار رئيس فرع المركز المغربي لحقوق الإنسان بإملشيل، باسو ألتو، الذي اشتغل على توعية العائلات بالمنطقة بخطورة زواج القاصرات وبضرورة تعليمهن، أشار إلى أن العائلات في المنطقة تتخوف من أن لا تتزوج بناتهن قبل أن يتجاوزن سن العشرين وهو السن الذي تصبح فيه الفتاة عانسًا بحسابات أهالي القرية، على حد تعبيره.

وتشهد ظاهرة زواج القاصرات تناميًا مستمرًا بمنطقة أزيلال، فحسب دراسة أجرتها جمعية "صوت المرأة الأمازيغية" عن زواج الطفلات فيها، انتقلت مؤشرات تزويج الطفلات قسريًا من 18,341 زواجًا خلال سنة 2004، إلى 35,152 زواجًا خلال سنة 2013.

زواج تمظليت

وأضافت الناشطة الحقوقية ماجدة فتاح: "بعض الرجال يستغلون فقر العائلات ويقصدون المنطقة بغرض زواج المتعة، ولأن القاضي لا يوافق أحيانًا على تزويج الفتاة في سن صغيرة، فإن بعض العائلات تلجأ لزواج تمظليت".

"تمظليت" لفظة بالأمازيغية تعني السلطانية، وهي عادة قديمة لدى المجتمع الأمازيغي وما زالت تمارس في بعض القرى بالأطلس، وتقول العادة بأن العائلة في أول ليلة زواج تضع السلطانية في مسكن الزوجين كرمز لزواج بدون وجود وثيقة قانونية لاثبات الزواج، وخلال الطلاق يكسر الزوج السلطانية ما يرمز إلى أن الزواج انتهى. غير أن هذه العادة غير مقبولة اجتماعيًا في باقي المناطق المغربية.

ماذا عن القانون؟

تحدد "مدونة الأسرة" التي صادق عليها البرلمان المغربي سنة 2004 السن الأدنى للزواج القانوني في المغرب لكل من الإناث والذكور عند 18 عامًا، لكنها تمنح القاضي حق توقيع استثناءات: "لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة تحت سن 18 سنة" (الفصل 20 من المدونة). ​ويشترط القانون على القاضي أن يعلل قراره بعد أن يستمع لأبوي القاصر أو نائبه/ا الشرعي ويستعين بخبرة طبية أو يجري بحثًا اجتماعيًا، ما يخلق ثغرة قانونية تتيح استمرار تزويج القاصرات بسهولة.

وتطالب الجمعيات الحقوقية في المغرب بإلغاء الفصل 20 من مدونة الأسرة الذي يعطي السلطة التقديرية للقاضي لتزويج القصّر. ونبهت أمينة زيوال، رئيسة جمعية صوت المرأة الأمازيغية إلى مسألة عدم اكتمال النمو العقلي والجسماني للإنسان قبل سن 18 سنة، متسائلة عن السبب الذي يجعل القانون لا يسمح للقاصرين ببيع وشراء العقار والانتخاب؛ في حين يسمح لهم بالزواج، على الرغم من أن الأمر يتعلق بالأسرة باعتبارها أهم مؤسسة في المجتمع.

وأمام استمرار زواج القاصرات في المغرب، ستبقى حكاية فاطمة و خديجة تتكرر مع قاصرات أخريات حرمن من أبسط حقوقهن الإنسانية بالتعليم والصحة والحياة الكريمة، ومن بينهن من تحوّلن إلى أمهات عازبات يمارسن دورهن كأمهات في وقت لازلن يحتجن لدعم وحب العائلة.