نحو مقاربة متكاملة لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية في الأردن

01/12/2021
914 wörter

ما هي التحديات التي يواجهها أفراد مجتمع الميم-عين المتعايشين والمتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية في الأردن. وكيف نستطيع تخطّيها لتحقيق مقاربةٍ متكاملةٍ للرعاية الصحية لهمنّ؟

أعمل منذ أكثر من خمس سنواتٍ ناشطًا ومقدّم خدماتٍ في منظمةٍ محلّيةٍ في الأردن تعنى بشؤون المجتمعات المهمّشة على أساس الهوية الجنسية والجندرية. يتركّز جزءٌ كبيرٌ من مهامي على معالجة طلبات المساعدة من أفراد مجتمع الميم-عين، من بينها طلبات الدعم والإرشاد بشأن الالتهابات المنقولة جنسيًا وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV). عندما أتأمّل في عملي في خلال هذه الفترة، يتبيّن لي أنّه برغم الوعي النسبي بشأن الالتهابات المنقولة جنسيًا والتقدّم العلمي في علاج فيروس نقص المناعة البشرية، ما زال الأشخاص المتعايشين والمتعايشات مع الفيروس - لاسيما أفراد مجتمع الميم-عين - يواجهون صعوباتٍ في الوصول إلى المعلومات بشأن الصحة الجنسية والخدمات الصحية. فما هي هذه التحديات؟ وكيف نستطيع تخطّيها لتحقيق مقاربةٍ متكاملةٍ للرعاية الصحية لأفراد مجتمع الميم-عين المتعايشين والمتعايشات مع الفيروس في الأردن؟

كسر الوصم المزدوج 

يواجه أفراد مجتمع الميم-عين الوصم الاجتماعي والتمييز لمجرّد أن جنسانيتهم/ن وسلوكياتهم/ن وتعابيرهم/ن الجندرية لا تتوافق مع معايير المجتمع للجنسانية والجندر. ويتضاعف هذا الوصم إذا ما تبيّن أن أحد هؤلاء الأفراد يحمل فيروس نقص المناعة البشرية. وقد شهدتُ في سياق عملي حالاتٍ رفض فيها مقدّمو ومقدّمات الخدمات الصحية معالجة حامل/ة الفيروس وأفرادٍ من مجتمع الميم-عين بسبب إصابتهم/ن بالفيروس، و/أو مظهرهم/ن اللامعياري و/أو حتى علاقاتهم/ن المثلية. تجدر الإشارة إلى أنّ الكوادر الطبية والمراكز الصحية في الأردن مُلزمون بإبلاغ الحكومة عمّا إذا كان الشخص حاملًا فيروس نقص المناعة البشرية أم لا. فإذا تبيّن أن أحدًا من الرعايا الأجانب يحمل الفيروس، يُحرم من العلاج ويُرحّل بغض النظر عن العواقب على صحته وسلامته. وهنا يضاف التمييز على أساس الجنسية إلى أشكال الإجحاف الأخرى التي يواجهونها. إن استمرار الوصم والتمييز ضد أفراد مجتمع الميم-عين (سواء كانوا متعايشين ومتعايشات مع الفيروس أم لا، وسواء كانوا أردنيين/ات أو من الرعايا الأجانب) يدفعهم/ن إلى التزام الصمت بشأن إصابتهم/ن بالعدوى، ويقوّض على نحوٍ خطيرٍ قدرتهم/ن على الوصول إلى العلاج والوقاية والخدمات الصحية، ما يؤثر على جودة حياتهم/ن ويمنعهم/ن من ممارسة حقّهم/ن بالصّحة.

من دون معالجة التمييز البُنيوي المترسّخ في الأنظمة التي تحكم كل جوانب حياتنا، مثل القوانين والتربية والرعاية الصحية والعمل، سيبقى الوصم ظاهرًا والتمييز مسيطرًا

إنّ المبادرات الشخصية لتثقيف أنفسنا والتغلّب على القصور في فهمنا للجنسانية والجندر وفيروس نقص المناعة البشرية وكيفية التعايش معه قد تساعد في مكافحة التمييز ضد أفراد مجتمع الميم-العين المتعايشين والمتعايشات مع الفيروس، وإن على نطاقٍ فردي وضيّق. لكن من دون معالجة التمييز البُنيوي المترسّخ في الأنظمة التي تحكم كل جوانب حياتنا، مثل القوانين والتربية والرعاية الصحية والعمل، سيبقى الوصم ظاهرًا والتمييز مسيطرًا. 

تعزيز الوقاية من الفيروس والوعي بشأنه

بحسب مصدرٍ رسمي في وزارة الصحة الأردنية، بلغ عدد مرضى الإيدز في الأردن بين عامَي 1986 و2018، حوالي 406 حالات. لكننا كناشطاتٍ وناشطين في هذا المجال، نعلم أن هذه الأرقام ليست دقيقةً ولا تعكس الحقيقة على الأرض، بسبب غياب الدراسات والأبحاث وإحجام الأشخاص المتعايشين والمتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية و/أو المصابين والمصابات بمرض الإيدز عن الكشف عن الإصابة أو المرض، تحاشيًا للوصم الاجتماعي. كما أننا نجهل كيفية تأثير الفيروس في حياة الأفراد باختلاف الفئة التي ينتمون إليها، مثل الرجال والنساء والعابرين والعابرات، بسبب عدم توفّر البيانات والدراسات ذات الصلة.

لتعزيز الوعي بشأن الالتهابات المنقولة جنسيًا في أوساط مجتمع الميم-عين، عمد أحد المراكز في الأردن إلى التعاون الوثيق مع أفرادٍ من المجتمع ذاته، وتدريبهم/ن على تعزيز الوقاية ونشر الوعي ضمن دوائرهم/ن عن توفّر مساحةٍ آمنةٍ في المركز للوصول إلى المعلومات والخدمات المرتبطة بالصحة الجنسية، مثل الوقاية، والفحوصات، والاستشارات النفسية والطبية والدعم المادي. كما نسعى كعاملاتٍ وعاملين في المجال إلى تطوير نظام الإحالة على مختصاتٍ ومختصّين ملمّين باحتياجات أفراد مجتمع الميم-عين المختلفة وحساسّين تجاهها، بالرغم من محدودية الموارد والقدرات والاختصاصات المتوفرة في الأردن.

نجهل كيفية تأثير الفيروس في حياة الأفراد باختلاف الفئة التي ينتمون إليها، مثل الرجال والنساء والعابرين والعابرات، بسبب عدم توفّر البيانات والدراسات ذات الصلة

وقد لاحظتُ شخصيًا زيادة الوعي بشأن فيروس نقص المناعة البشرية بشكلٍ خاصٍ على تطبيقات المواعدة التي يستخدمها الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال وغيرهم من أفراد مجتمع الميم-عين، إذ يحرصون على ذكر تاريخ آخر فحصٍ أجروه للفيروس على صفحاتهم. لكن رغم أهمّية هذه المبادرات والممارسات، يبقى أثرها فرديًا ومحصورًا، في ظل غياب مقاربةٍ حكوميةٍ تستهدف عموم الأردنيّين والأردنيات والرعايا الأجانب من دون أيّ تمييزٍ على أساس الجندر والجنس والميل الجنسي والجنسية.

تقديم الدعم النفسي والمادي

بسبب الوصم وقلّة الوعي ومحدودية الموارد، يواجه أفراد مجتمع الميم-عين المتعايشين والمتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية صعوباتٍ إضافية، مثل ارتفاع خطر انتقال العدوى، والإقصاء الأسري، وفقدان العمل، ومصدر العيش، والمسكن، والرعاية الصحية والقدرة على التنقل. يوفّر مركزُ المشورة والفحص الطوعي التابع لوزارة الصحة الأردنية الفحصَ المخبري للكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية، كما يقدّم المعلومات والنصائح بشأن الفيروس وكيفية علاجه لجميع الأردنيّين والأردنيات مجّانًا. لكن يبقى الدعم النفسي الفعّال غائبًا عن ذلك المركز، كما أن أفراد مجتمع الميم-عين يتردّدون في اللجوء إلى المراكز الحكومية خوفًا على أمنهم/ن وخصوصيتهم/ن. على صعيدٍ مماثل، تقدّم بعض منظمات المجتمع المدني في مراكزها الاستشارة النفسية والطبية والدعم المادي وفقًا لإمكاناتها، إذ إنّ أفراد مجتمع الميم-عين معرّضون أكثر من غيرهم/ن لفقدان الوظيفة والمسكن بسبب التمييز والوصم الاجتماعي وانعدام الدعم المجتمعي من العائلة والمحيط عادةً. لكن هذه المبادرات تبقى غير كافيةٍ لتلبية جميع احتياجات الأفراد.

أفراد مجتمع الميم-عين معرّضون أكثر من غيرهم/ن لفقدان الوظيفة والمسكن بسبب التمييز والوصم الاجتماعي وانعدام الدعم المجتمعي من العائلة والمحيط عادةً

وتبرز أهمّية توفير الدعم النفسي والمادي كجزءٍ من مقاربةٍ متكاملةٍ للتعايش مع فيروس نقص المناعة البشرية وغيره من الالتهابات المنقولة جنسيًا، في كونه يساعد الأشخاص المتعايشين والمتعايشات مع الفيروس على اتخاذ قراراتٍ مستنيرة، والتأقلم مع حالتهم/ن المرَضية، والوصول إلى العلاج المناسب والالتزام به، ومواجهة التمييز الذي يتعرّضون له، والحدّ من انتقال العدوى وتلبية احتياجاتهم/ن العملية والمادية والسكنية.

لقد بيّنَت سنواتٌ من الجهود المبذولة في سبيل مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية أنه ينبغي دمج خطة الاستجابة للفيروس ضمن أجندةٍ صحيةٍ وتنمويةٍ أوسع. فمن خلال اعتماد مقاربةٍ شاملةٍ لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية، باستطاعتنا تقديم الرعاية الصحية المتكاملة التي من شأنها تعزيز رفاهية أفراد مجتمع الميم-عين والمساهمة في تحسين جودة حياتهم/ن.