حكايات الكورونا من الضاحية الجنوبية

 

صوت قارئ القرآن السديسي يتصاعد من مأذنة  جامع أبي بكر الصديق قبالة محطة القطار بالضاحية الجنوبية. حالة من السكون تحوم المنطقة اقترب موعد بداية حظر التجول  الدكانين  مقفلة  ، مجموعات من شباب الحي يقفون وسط الدائري الذي يؤدي  إلى الشاطئ و كانت هي تشق الشارع مهرولة ، تجر ورائها حقيبة جمعت بها ما تيسر لها من ملابس و أحذية

وهاتفها الجوال في يديها اليسرى تتدحث به و تقول إني : ذاهبة و سأعود و لم يرني أحد !  .

تركض هاربة من العنف ولكن في الحقيقة هي تهرب من أعين الجيران و من أخبار الشرف التي قد تلحق بها أيام الحجر الصحي فالجارات قد ينسين الوقوف عند دكان الحي ولكن لا ينسين الحديث عنها  و هي الهاربة من منزلها ساعة الغروب و في زمن الحجر الصحي  . 

أين المفر ؟ إلى أين ؟ رن هاتفها مرة أخرى .

هذه أختها تتصل : يا شومك فضحتينا ! وين ماشية ؟ 

ماذا سنقول للناس ؟ عودي الآن ! 

هي ألم أقل لم يلمحني أحد ؟ 

لم تتوجه إلى أي من أفراد أسرتها بل إختارت أن تطلب المساعدة من مجموعة نسوية ، عبر الفايس بوك ، إيمانا منها بأنهن قد يساعدنها في إيجاد سكن و مكان آمن لتتحدث فيه عما وقع لها و تقول بين أركانه أنها تعرضت للعنف .كتبت لهن انها تبحث عن مكان لتنام فيه و تريح جسدها . لم يكن لها طموح بالقصاص و لا بإيقاف المهزلة بل كانت تبحث عن مكان تتحدث فيه و تروي فيه أوجاع جسدها الذي تحول مع الزمن الى اسطبل تركض فيه ارجل العابثين دون هوادة . 

وهل يوجد قصاص في هذه الضاحية ؟ 

"مش وقتو " نحن في زمن الحجر الصحي و المرض يحاصر الضاحية ، الا ترين الخوف في اعين الناس ؟ الوباء يفتك بالبلاد و انت تتحدثين عن العنف ألا تصبري ؟ انتظري ينتهي الحجر و قولي ما شئت . 

ان شرف العائلة و سمعتها أهم من روايات العنف ، فمنذ متى كان الضرب جريمة ؟ على النساء بالصبر و التفهم . الفتاة العاقلة هي التي تصبر و تقوم بواجبتها الاسرية وثم تتحدث . وثم هي ليست أنت الوحيدة التي تتعرض للعنف كلهن يتعرضن للعنف و الضرب و يصبرن و لاسيما هذه الأيام العصيبة كفى أنانية ! 

إستمعت للعديد من النصائح و التوجيهات في مجال إحترام الوحدة الأسرية و ضربوا أمثالا للعديد من النساء للاواتي يواجهن الضرب و الشتائم و لا يقلن شيئا و يتحولن بذلك الصبر الى ايقونات يحتذى بهن  .

حملت حقائبها من بيت صديقتها و عادت الى البيت ، الى غرفتها الكئيبة المطلة على البحر لتشاهد كل مساء باعة القنب الهندي بالضاحية يتاجرون بما لديهم  و يتسامرون و يقولون نكاتا حول الكورونا و حول البوليس التونسي الذي غدى خائفا من إنتقال العدوى . 

عادت  و إعترضتها  فلانة التي تقطن في بيت قد يطاله السقوط قريبا   شابة ثلاثينية تعمل  "حارزة لحمام " الحي ، مطلقة و لها أبناء و بينهم ابن غير شرعي ، لا مورد لها هذه الأيام ، تراها تدق الأبواب لتجني بعضا من المساعدات . تمشي وسط الحي متطأطئة رأسها تحاول إرضاء الجميع و تقفل آذانها عن حديث النساء المتمركز دائما حولها . 

 فلانة تحاول أن تبدو راضية و تقول أنها أخطئت و تؤكد أن الكورونا عقاب نزل من السماء لأن الفساد تفشى بين الخلق.

عند المساء ،  تعانق هاتفها الجوال و تنام .تراها تلازم غرفتها قدر الإمكان ، تغفوا  مطولا و تصحو متثاقلة الخطى لتشاهد مسلسلات تؤكد لها أن شرف المرأة مثل بلورة الزجاج الشفافة أي خدش طفيف ينتابها قد يفسدها و يجعلها غير صالحة للاستعمال . النوم و الحلم كانا سلاحها لقضاء الأيام بهدوء النوم الذي قد يغادرها إذا ما قرر شباب الحي الشجار فيما بينهم و الشتم بأعراض النساء و تنتهي المشاجرة بكلمة : عندكم لولايا  عيب ! 

صباحا ، تنهض متثاقلة ترتدي بنطالا فضفاضا و حذاء رياضا و تتوجه نحو المغازة لتشتري ما تيسر لها إقتناؤه في هذا الوضع الوبائي ، في طريقها نحو المغازة يعترضها البعض من شباب الضاحية . ترتبك في مشيتها  و  تسرع الخطوات تجنبا لنظراتهم الوقحة و همساتهم حول جسدها المكتنز أو "جلاب المشاكل " كما تقول لها أمها  . 

تصل المغازة و العرق يتصبب على جبينها ،  نزعت من فمها الكمامة مسحت بيديها على وجهها و بدأت تفكر كيف لها ان تشتري من المغازة وكيف لها ان تصطف وراء نساء اللواتي اخترن عدم الالتزام بالصف و الحديث فيما بينهن ، تبتعد قليلا و تقف  وراء صف للرجال كان يبدوا أكثر تنظيما و فيه احترام لمسافة الأمان . 

تقف آخر الخط و تفاجئها  عجوز تصرخ بوجهها  : ابتعدي و تعالي وراء النساء. 

 اجابتها :  الصف عندكن  غير آمن !

ردت سيدة أخرى بصوت ساخر : آمن ماذا ؟ كله بآمر رب العالمين وهذا الوباء عقاب لأننا ابتعدنا عن طريق الرحمان .

نظر إليها الجميع و بدت كأنها تبحث على الاصطفاف وراء الرجال ليس على سلامتها الجسدية ، مر الوقت ببطء و هي واقفة تنتظر دورها للدخول للمغازة ، تزاحم و تتدافع  ازداد العرق تصببا على جبينها . 

طأطأت رأسها و صمتت عن الإجابة عادت الى غرفتها لتعانق الحلم وهي تنظر لشاطئ الضاحية الجنوبية .