عن طفولة غير مكتملة باتت لعنة أبدية

نوال الربعي

كان قاسيًا. ملامحه جدّية. لا يحب الضحك. كان جافًّا وكنت طفلة.
 كنت أرى الحياة بألوان الورد أو ربما قوس قزح. المهم أني لا أراها أحادية اللون، أو بلون لا حياة فيه. ورغم إحساس الطفولة الساكن في داخلي والمفعم بالحياة والمنطلق دائمًا بفرح وسعادة، كان القدر قد صنّفني في مكان ما، في مقعد ما في قطار الحياة.


كنت الإبنة الكبرى ولم أكن الولد الأكبر ومن هنا بدأت الحكاية.
 منذ ذلك الحين، قفزت مرحلة الطفولة من عمري قفزًا. كنت طفلة في الخامسة من عمري بعقل امرأة ناضجة. أخبأت الطفولة في مكان ما لا يعرفه أحد في قلبي وأقفلته بمفتاح.


علاقتي الجافة بأبي كانت نقطة ضعف أخبئها في داخلي وأبني فوقها أسوارًا من القوّة والصلابة حتى يراني الجميع المرأة الحديدية التي لا تنكسر!


أذكر في إحدى المرّات قال لي: "أنا مانحبش البنات… كنت نحب أول صغير عندي يكون ذكر مش أنثى". وكأنه تعمّد ذلك اليوم أن يغرس سكين كلماته في أعماقي بتشفٍّ رهيب وهو ينظر في عيني وهو الذي لطالما أرسل لي هذا الإحساس حتى في صمته. 
مع مرور الأيام، زادت الفجوة بيننا اتساعًا وصار بُعد المسافة بين قلبينا بحجم المحيط
.

تلك الطفلة الناضجة قبل أوانها أصبحت مراهقة. نافذة جديدة فُتحت على مصراعيها في وجهي بكل انفعالاتها وأحاسيسها الجياشة بتغييرات فيزيولوجية على جسدي أراقبها بخوف وحذر وتعجّب.

وانطلقت التجربة أو الأصح التجارب العاطفية المتعدّدة والمختلفة والفاشلة. كنت أدخل تجربة لأخرج منها بخيبة وأدخل أخرى وكأنني في سباق مع الزمن أو في رحلة للبحث عن شيء ما بين الوجوه الذكورية المتعّددة.


تواصلت خيباتي العاطفية من المراهقة وحتى فترة النضج لأدرك مؤخّرًا أن سبب فشلي المتعاقب هو عقدة الأب التي أخبئها داخل قلبي وقد أغلقت عليها بمفتاح منذ زمن. كنت في كل تجربة أتصرّف كطفلة بعقل امرأة ناضجة. يُقال وقد قال لي بعض الرجال الذين مرّوا بحياتي: "نحن نعشق دلالك الطفولي" أو "أنت دلّولة". لكنهم لا يعرفون أن طفولتي غير المكتملة بحنان أبي هي لعنتي الأبدية وأنني ما زلت أبحث في وجوههم جميعًا عن رجل لا يشبه أبي.