هل تتصنّعين النشوة مثلي؟

11/02/2021
1144 wörter

نهاد تشاركنا تجربتها الشخصية عن ممارسة الجنس بلا متعة داخل إطار الزواج، وما تشعر به في العلاقة: خوف من التصريح لزوجها الذي يخشى على صورته الذكورية أو ابتلاع رغبتها في الحصول على نشوة أو التكتم عليها.

النشوة الجنسية حلمٌ بعيد المنال. كنتُ أنتظر شريكي كي يبلغ النشوة بسرعةٍ حتى أكفّ عن تصنّع المتعة والتلذّذ المغشوش، والنوم لأطول فترةٍ ممكنة. لم أكن أريد شيئًا سوى أن تنتهي العلاقة الحميمة بلا ألم.

في بداية زواجي، كنتُ أشعر بالمتعة وأستكشف خفاياها مع شريكي. كانت الحياة مثيرةً وكان الشغف سيّد كلّ المواقف. انطفأت شعلةُ البدايات بعد فترة، وصار الجنس ضيفًا ثقيلًا على جسدي. تحوّل إلى واجبٍ وفعلٍ روتيني، وتحوّلتُ معه إلى دميةٍ لا تملك خاصّية المشاعر، كلّ ما عليها هو إمتاع الطرف الآخر حتى يصل إلى ذروة النشوة. ومع غياب الرغبة، يحضر الألم طرفًا ثالثًا في العلاقة.

كنتُ أعتقد أنّ جسدي معطوبٌ وباردٌ ويحتاج إلى وقتٍ إضافيّ كي يشعر بالإثارة. لكني فوجئتُ بأن حتى مع اشتعال رغبتي، لا أصل أبدًا إلى النشوة. بالتالي، لم تُحدِث الرغبة أيّ فارقٍ سوى أنها خلّفَت فيّ شعورًا بالفقدان وميلًا للتكتم على الأمر خوفًا من التصريح بحيازة رغباتٍ غير مُلبّاة.

دائمًا ما أخشى التصريح عمّا أرغب به، كأنّ الرغبة ليست حقًا أصيلًا للنفس البشرية. معظم نساء عائلتي حُرمن من الرغبة بمشرط جرّاح، وحدنا أنا وأختي نجونا من المذبحة. كانت لدينا أمٌ أكثر وعيًا، ربما لهذا السبب لم ينتهِ بنا الحال مبتوراتٍ كالجيلِ الأول.

أذكر كيف كانت المتعة من الأحاديث المحرّمة في عائلتنا، حتى أن اكتشاف الجسد للمرةِ الأولى كان بالنسبةِ لي فعلًا موصومًا يشوبه الشعور بالعار. أخجل من جسدي الذي يرغب، وفي النتيجة، أخجل من نفسي. أحتقرها وأمقتها، فقط لأنها اشتهت. ربما حينها، وُلد في داخلي الشعور بالذنب للمرةِ الأولى، كأنّ جزءًا مني خطيئةٌ عليّ التكفير عنها باستمرار.

أذكر كيف كانت المتعة من الأحاديث المحرّمة في عائلتنا، حتى أن اكتشاف الجسد للمرةِ الأولى كان بالنسبةِ لي فعلًا موصومًا يشوبه الشعور بالعار

في المرحلةِ الثانوية، كانت الأحاديث الخاصة بين الفتيات في غرفة الموسيقى تتخذ طابعًا غامضًا. لم يكن بيننا بنتٌ واحدةٌ تعرف جسدها جيدًا. كانت العذرية مجرّد أسطورةٍ بعضنا لا يصدّقنها. حتى الدورة الشهرية، لم نكن على يقينٍ من وجودها إلا بعد أن بَلغت إحدى الصديقات. جلسنا بعدها وحلُمنا بهطول المطر الأحمر لنتأكد من جودتنا كفتيات.

كنّا نتجنّب الحديث عن المتعة. تنصّلنا تمامًا من غرائزنا كي لا نوصَم باختبار الشعور. كان هذا قبل أن تفتح صديقةٌ قلبها في مرحلة الجامعة، وتحكي لي عن خضوعها للختان بكامل إرادتها، لأنها بحسب قولها: "لا تريد أن تتزوّج هكذا". عشتُ بعدها لعامَين وأنا أشعر بأن جسدي مُعيبٌ وبحاجةٍ إلى الإصلاح والتقويم، تمامًا كما فعلَت الصديقة. وقتها، كنتُ أتجنب الحديث عن الختان خشية أن تسألني إحداهنّ إن كنتُ خضعتُ للعملية أم لا.

"غير مختونة"، عبارةٌ تعني في هذا المجتمع امرأةً لا تهدأ رغبتها، أي أنها قادرةٌ على استكشاف جسدها بأريحيّة. لا أنسى سؤال صديقةٍ لي مرةً - عندما علمَت أنني لم أخضع للختان - إن كنتُ فعلًا أشعر بالرغبة بشكلٍ دائمٍ أم لا. سؤالٌ عجزتُ عن الإجابة عنه، جعلني لوقتٍ طويلٍ غير واثقةٍ بجسدي الذي قُدّر له أن يعاني "داء" الرغبة. بعدها، بدأتُ أكذب على الصديقات بشأن خضوعي للختان.

في  مرحلة نشأتي، من التسعينيات حتى مطلع الألفية الجديدة، ساد توجّهٌ عامٌ لإدانة الرغبة، لاسيما في مدينة حلوان، جنوب القاهرة، حيث عشتُ مراهقتي وجزءًا من شبابي. كان فتيان جيلنا يتحدثون علانيةً عن رفضهم الزواج من فتاةٍ غير مختونة. كأنّ جزّ رغبة المرأة من جذورها قد يضمن للزوج إخلاصها الأبديّ، ما جعل نظرتهم إلى المرأة غير المختونة مليئةً بالريبة، كأنها مشروعٌ مستقبلي "للانحلال".

كانت تلك الخلفية الاجتماعية التي جئتُ منها أنا ومعظم معارفي من مواليد الثمانينيات. نتنصّل من رغباتنا كأنها جُرم، وندفن رؤوسنا في الرمال في خوفٍ غير مبررٍ من التصريحِ عن كينونتنا. عن ذلك، تقول لي صديقتي المقربة إنها طوال عامٍ كاملٍ من الزواج كانت تخشى أن تعبّر لزوجها عن احتياجها الجسدي إلى ممارسة الجنس بكثرة، لاسيما أن انشغاله في العمل يمنعه من ممارسة الجنس أكثر من مرةٍ في الشهر، أو مرّتين إن حالفها الحظ، وقد تمتدّ أحيانًا المدةُ الفاصلة بين الممارستَين إلى ثلاثة أشهر.

"غير مختونة"، عبارةٌ تعني في هذا المجتمع امرأةً لا تهدأ رغبتها، أي أنها قادرةٌ على استكشاف جسدها بأريحيّة

هي الأخرى لم تستطع الكشف عن حيازتها رغبةً زائدة، خوفًا من أن تجرح الشريك. في النتيجة، ابتلعَت صديقتي رغبتها و"قمعَتها" على حدّ تعبيرها، كي لا تهدد نعيم حياةٍ زوجيةٍ هادئة. الأفكار ذاتها كانت تجول في خاطري عندما تنتهي الممارسة الحميمة، وأجدُ متعتي مفقودة.

بعد الزواج، تتعامل نسبةٌ كبيرةٌ من الرجال مع المداعبة كطقسٍ غير مهم، أو كفقرةٍ يمكن تجاهلها. تقول لي صديقةٌ أخرى إنها اعتادت على غياب المداعبة قبل الممارسة الجنسية. لكنها بالرغم من ذلك، تفتقد أحيانًا شعور المداعبة لأنها تدلّ على رغبة الشريك في إسعادها بطريقةٍ خاصة.

لغرض كتابة هذا المقال، بحثتُ كثيرًا عن دراساتٍ تتناول الحياة الجنسية للنساء العربيات، نظرًا لأهمية البيئة المحيطة في تشكيل وعينا وتصوّراتنا بشأن الرغبة. صادفَتني في خلال رحلة البحث دراسةٌ باللّغة الإنجليزية نُشرت في جامعة بنها، تعالج أهمية المداعبة ودورها في خلق الإثارة وسرعة الوصول إلى النشوة الجنسية، عبر بحث الحياة الجنسية لـ200 امرأةٍ مصريّةٍ مُتزوّجة.

تبيّن الدراسة أن نصف الأزواج المُستطلَعين فقط يميلون إلى المداعبة قبل كل مجامعة، مقابل نصفٍ آخر يُهمل طقسَ المداعبة كلما أُتيحت الفرصة. كما تشير النتائج إلى أنّ 46% من الأزواج لا يهتمّون ببلوغ الشريكة النشوة الجنسية. من جهةٍ أخرى، أعربت 33% من السيدات موضوع الدراسة عن عدم شعورهنّ بالرضا في العلاقة الجنسية.

كانت النساء مقسمات إلى أربع فئات عمرية، أغلبهنّ في الفئتين العمريتين: بين 20-29، و30-39. من مجموع المشارِكات في الدراسة، بلغت نسبة النساء اللواتي خضعن للختان 66.5%، ونسبة من صرّحن بأنهنّ لم يمارسنَ أبدًا الإمتاع الذاتي 56%. يعني هذا أن أكثر من نصف المشارِكات في الدراسة - وهنّ جميعًا سيداتٌ متزوّجات - لم يستكشفن أجسادهنّ بعد.

تبيّن الدراسة أن نصف الأزواج المُستطلَعين فقط يميلون إلى المداعبة قبل كل مجامعة، مقابل نصفٍ آخر يُهمل طقسَ المداعبة كلما أُتيحت الفرصة

هذه صنيعة البيئة التي خرجنا منها. بيئةٌ تحتقر الرغبة عمومًا، فما بالك إن كانت صادرةً عن امرأة؟ لذلك، امتنعَت كثيراتٌ من بنات جيلي عن لمس أجسادهنّ وممارسة العادة الجنسية خوفًا من وصمهنّ بمعرفة بواطن الرغبة. الغريب أن الوضع لم يكن مختلفًا حتى عندما انخرطتُ في الفئات الأكثر انفتاحًا في المجتمع.

تعرّفتُ إلى نساءٍ على درجةٍ عاليةٍ من الوعي بالجسد، وعلى الرغم من أن عقولهنّ كانت تحرّرت من أفكار المراهقة عن الرغبة والمتعة والجسد، إلا أنهن ظللن يحملن العبء القديم ذاته. تلك المخاوف المستترة الكامنة منذ سنوات نشأتنا الأولى في مكانٍ سحيقٍ في الذاكرة، تنشط من جديدٍ بمجرد التعرّض لموقفٍ نضطرّ فيه إلى شرح رغباتنا أو التعبير عنها.

كان ردّ فعلي الأول على عدم الشعور بالمتعة في العلاقة الجنسية هو الصمت وابتلاع الرغبة لفترةٍ طويلةٍ خوفًا من إحراج الشريك، لكنّ الوضع لم يتغير كثيرًا حتى بعد أن صارحته بالأمر، بل ساهم في تردّي العلاقة.

عندما أخبرتُ زوجي أنني أرغب في المداعبة قبل العلاقة الجنسية، وامتنعتُ عن الاستجابة لرغبته المفاجئة، فضّل النوم على المحاولة ثانيةً وبذل المجهود المطلوب. بحلول الصباح، تظاهر بعدم تذكّر الأمر برمّته. بعد يومين، حاول ممارسة الجنس معي مجددًا من دون مداعبة.

لسببٍ ما، شعر شريكي بالإهانة من تصريحي عن رغبتي علنًا. وعلى الرغم من أفكاره المتحررة، كان ردّ فعله الأول معاقبتي بالنوم. يظل أسوأ ما في الأمر، تجاهله تحقيق رغبتي، ما ولّد في داخلي شعورٌ بالإهمال تراكم لأشهرٍ كرهتُ خلالها العلاقة الجنسية.

كان ذلك قبل أن أعمل جاهدةً لأتصالح مع رغبات جسدي وأتقبّلها، لا على المستوى الذهني فحسب، بل على مستوى الشعور، لأني اكتشفتُ أن مشاعرنا، في كثيرٍ من الأحيان، لا تخضع لما تعرفه العقولُ وتصدّق به. يحتاج الأمر تدريبًا شاقًا للنفْس من أجل المصادقة على إنسانيتنا وأحقّيتنا في الرغبة وطلب المتعة.