Add new comment

المرأة السعودية والفضاء العام: حريات مكتسبة أم مشروع سياسي؟

ما الذي سيتغيّر في المجتمع السعودي بعد إعطاء المرأة بعض الحقوق؟

في الرابع والعشرين من يونيو/حزيران الماضي تم السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة بعد إصدار أمر ملكي في سبتمبر/أيلول الماضي يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة ”مع مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها“ كما جاء في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية. منذ إصدار القرار بدأت الشقيقتين السعوديتين فرات وفاطمة بتعلم قيادة السيارة في مدرسة تعليم السياقة في الدمام لتكونا على أتم الاستعداد.

يأتي ذلك ضمن سلسلة من التغييرات التي أحدثتها السلطات في السعودية فيما يتعلق بإعطاء النساء بعض الحريات، فقد شهدت مدرجات ملاعب كرة القدم في الرياض وجدة والدمام في يناير/كانون الثاني الماضي حدثا تاريخيا في تاريخ المملكة العربية السعودية، وهو السماح للنساء بحضور مباريات كرة القدم وتشجيع الفرق التي يحبونها لأول مرة في المملكة، بالإضافة لاستضافة السعودية لأول بطولة اسكواش للنساء في الشهر ذاته، كما استضافت بطولة الجامعات لكرة السلة للنساء في جدة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

هذا بالإضافة للسماح بالحفلات الغنائية في المملكة والسماح للنساء بحضورها، بالإضافة للسماح بفتح دور للسينما بعد غياب دام 35 عاما، والسماح للرجال والنساء بحضورها.

خاضت المرأة السعودية حِراكا طويلا مطالبة فيه بالكثير من حقوقها

لم تأت هذه التغييرات بين ليلة وضحاها، فقد خاضت المرأة السعودية حِراكا طويلا مطالبة فيه بالكثير من حقوقها وعلى رأسها قيادة السيارة بالإضافة لمنح الجنسية لأبنائها عند زواجها من غير السعودي، وإلغاء وصاية الرجل بالإضافة للعديد من المطالبات.

إلا أن القيادة السعودية الجديدة التي يدير دفتها ولي العهد السعودي الشاب الأمير محمد بن سلمان فترى بأن هذه التغييرات هي ضمن تحركات لتحويل البلاد إلى الأفضل من خلال برنامج رؤية 2030.

مع إعطاء المرأة هذه الحقوق، ما الذي سيتغير في المجتمع السعودي؟ وكيف تقبّل الرجال الفكرة؟ وكيف ترى المرأة هذه الخطوة من القيادة السياسية؟ وهل ستساهم هذه الحريات في تغيير النظرة النمطية الجندرية في المجتمع السعودي؟

المرأة أثبتت قدرتها

يرى الكاتب السعودي ”جعفر الشايب“ في حديث لـموقع "جيم" أن هذه التغييرات هي ”تحولات كبيرة في المجتمع السعودي نتجت عنها معالجة العديد من القضايا التي تخص المرأة بشكل عام من بينها السماح لها بقيادة السيارة ومشاركتها بشكل أوسع في مختلف المجالات الاجتماعية والإدارية، مما أعطى المرأة فرصة اشمل لأن تكون حاضرة في مختلف مجالات الحياة العامة“.

وأشار الشايب إلى إنه لضمان سلاسة هذه التحولات ”فقد تم تشريع حزمة من الانظمة والقوانين تساعد على حماية المرأة وتمكينها، وتعالج تأقلم المجتمع في التعامل مع مشاركة المرأة في الحياة الاجتماعية، كان آخرها نظام مكافحة جريمة التحرّش الذي صوّت عليه مجلس الشورى مؤخرا“.

كما أكد الكاتب السعودي أن ”المرأة السعودية أثبتت أنها قادرة أكثر من أي وقت مضى لأن تكون شريكة حقيقية في عملية التنمية على الرغم من وجود بعض المعوّقات والتحفّظات من البعض حول هذه المشاركة ولكن كما يبدو فإن الاكثرية من أبناء المجتمع يميلون ويتقبلون هذا الحضور ويدعمون مشاركة المرأة ودورها في المجتمع“.

وأختتم الشايب حديثه قائلا: ”هذا التحوّل سيقود المجتمع لحالة من التوازن الطبيعي والفاعلية الجمعية بحيث يستفاد من كل امكانيات وكفاءات وقدرات افراده للمساهمة في تنميته وتطويره، وأرى ان هناك حماسا وتفاعلا مع هذه التوجهات الجديدة في المجتمع بشكل عام“.

منح حريات؟ حقا؟

إلا أن السلطات السعودية اعتقلت في مايو/أيار الماضي سبعة من الناشطين والناشطات من بينهن ثلاث سيدات "ناشطات اشتهرن بدفاعهن عن حق المرأة بقيادة السيارة ومطالبتهن برفع وصاية الرجال على النساء“ هن لُجين الهذلول وإيمان النفجان وعزيزة اليوسف، كما جاء في بيان منظمة هيومان رايتس ووتش نُشر في شهر أيار/مايو الماضي.

تبقى التهم الموجهة لهؤلاء النشطاء والناشطات غامضة حتى الآن، فيما بدأت حملة شعواء على مواقع التواصل الاجتماعي تتهمهم/ن بالخيانة والعمالة للخارج فيما أكتفى المتحدث باسم جهاز أمن الدولة بإتهامهم/ن بالتجاوز على "الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل المشبوه مع جهات خارجية (...) بهدف النيل من أمن واستقرار المملكة وسلمها الاجتماعي والمساس باللحمة الوطنية“.

كما بينت المنظمة أن ”الديوان الملكي اتصل بناشطين بارزين سبتمبر/أيلول الماضي، في نفس اليوم الذي صدر فيه قرار رفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات، وحذّرهم من مغبة الإدلاء بتصريحات إعلامية".

وترى مديرة فرع المنظمة في الشرق الأوسط سارة ليا ويتسن أن "الجريمة"الوحيدة التي ارتكبها هؤلاء الناشطون تكمن في أن رغبتهم برؤية النساء يقدن السيارات سبقت رغبة محمد بن سلمان بذلك".

على ذلك علقت ناشطة حقوقية سعودية، فضلت عدم ذكر إسمها ”لما يترتب عليه حاليا من خطورة الاعتقال والتعرض لمحاكمات غير عادلة“ حسب تعبيرها، فقالت: ”التغييرات التي تحدث في المملكة وإن كانت في ظاهرها تغييرات وخطوات ايجابية للمرأة والمجتمع ولكنها لا تُعدّ تغييرات حقيقية وجذرية وإنما تغييرات لتجميل الواجهة السياسية للمملكة، فكما يتضح من خلال اعتقال عدد من أهم الشخصيات التي طالبت بقيادة المرأة للسيارة بهذه الطريقة (مداهمات لمنازلهم فجرا) ودون وجود محاكمة عادلة، واتهامهم بالخيانة، بالإضافة لاختيار أن تكون أميرة سعودية موضوع غلاف مجلة فوغ العربية فيما يخص موضوع قيادة السيارة، وغيرها من الأمور تدل جميعها على أن الحكومة تريد أن تقول بأن هذا الإنجاز ليس نتيجة مطالبات أحد ولكن هو انجاز حكومي وإداري بحت، كما إنه لا يمكن الحصول على شيء بالمطالبات، والحقوق تُعطى بقرار مركزي وإداري من أعلى هرم في الدولة“.

وترى الناشطة أن ”تهافت الفتيات والسيدات على هذه التغييرات أمر طبيعي، رغم إنني أتوقع إنه ستواجههن العديد من المشكلات منها مسألة ولاية الأمر والتكلفة الاقتصادية العالية التي ستتكبدها المرأة في استخراج رخصة القيادة ودفع تأمين السيارة وكذلك شراء السيارة“.

وأضافت: ”أنا من المُطالبات والمشجعات لقيادة المرأة للسيارة، ولكنني لم استخرج رخصة قيادة حتى الآن، بسبب وجود مدرسة واحدة وأكثر من 15 ألف امرأة مسجلة فيها، فهناك ازدحام شديد بالإضافة لوصول مبلغ التدريب إلى 3500 ريال سعودي (795 يورو) كما أنني إمرأة عاملة لذا لا وقت لدي للتدريب“.

"إذا أردنا إصلاحات جذرية فعلينا إصلاح النظام القضائي والنظام السياسي"

وأشارت إلى أن هذه التغييرات لقت قبولا شعبيا عند غالبية الشعب، ولكن المعترضين صامتين لأنهم غير قادرين عن التعبير عن رأيهم، وواصلت: ”بعض الرجال يطلقون النكات ويبثون التثبيط والخوف من التغييرات الجديدة، فهم لا زالوا يعيشون مجموعة من المشاعر المتضاربة، فلم يشجع كل الرجال زوجاتهم أو بناتهم على ممارسة هذه الحقوق، كما أن الكثير من السيدات أجلّن موضوع القيادة ليختبرن الوضع، فهن يشعرن أن الموضوع في بدايته سيحتاج إلى بعض التنظيم“.

وأختتمت حديثها: "إذا أردنا إصلاحات جذرية فعلينا إصلاح النظام القضائي والنظام السياسي، والسماح بتأسيس النقابات و جمعيات مجتمع مدني وإطلاق حرية رأي بالإضافة لإيقاف الاعتقالات والمحاكمات غير العادلة، فأي تغييرات يجب أن تحترم حقوق الإنسان، فإذا كانت قيادة السيارة حق للمرأة، فلها أيضا حق التعبير عن الرأي وتكوين جمعيات نسوية وجمعيات للحماية من العنف“.

وترى الناشطة أن ”السماح للمرأة بالتواجد في الفضاء العام هو ضمن الحقوق البسيطة التي تأخرت طويلا ودفعت المرأة أثمانا باهضة حتى تحصل عليها، ولكنها اليوم تستخدم للاغراض السياسية وليست اصلاحات حقيقية، فالاعتقالات لا زالت قائمة على الناشطات السعوديات وهذا لا يدل على رغبة حقيقية في الإصلاح الحقيقي للدولة ولكن لتسكيت وإغلاق فم أي أحد يطالب بعد إذن بأي حق آخر“.

الرجل لم يتقبل

مع إطلاق بعض الحريات للمرأة السعودية ترى المذيعة بهيئة الإذاعة والتلفزيون وعضو المجلس البلدي عرفات الماجد أنه ”لم يحدث تغيير كبير حتى الآن“ وأضافت: ”طموحنا ان تكون كل الأماكن مشتركة ولا تمنع المرأة من دخول أي منشأة داخل الدولة خصوصا أن تكون مساحة مشاركة المرأة أكبر وأقوى يأتي ضمن توجيهات ولي العهد“.

وأشارت إلى أن هذه التغييرات ”ستحدث فرقا كبيرا بالطبع لاننا مجتمع محافظ جدا وتعوّد على أن يكون دور المرأة دائما متواري ولكن بهذه القرارات أصبحت المرأة أمر واقع وشريك حقيقي في كل مناحي الحياة“ حسب تعبيرها.

ولاحظت الماجد أن ”الجيل الجديد و الصغير نسبيا تهافتن على هذه الحريات ولكن النساء في سن النضج يعشن المرحلة بهدوء، مثلا من حضرن المباريات أغلبهن صغيرات في السن وهذا ينطبق على السينما والحفلات، مع استثناء التدرب على قيادة السيارات لأنه أمر مطلوب للجميع“.

وبيّنت الماجد أن المرأة السعودية لا زالت تطالب بمشاركة أوسع ورفع ما تبقى من قيود والحصول على مناصب أعلى، وأضافت: ”من المتوقع أن يتم تطبيق كل ذلك قريبا ضمن رؤية 2030، فحتى الآن لا توجد امرأة وزيرة ولكني متفائلة بالنظرة المستقبلية لبلدي“.

وتضيف الماجد: ”من حق الجميع التمتّع بمستوى طبيعي من الحرية ضمن ضوابط وأنظمة البلد بالطبع، وأنا على ثقة ان الجيل القادم سيمارسها بشكل أكثر أريحية من الآن لأنه سيكون قد اعتادها أكثر“.

وعن تقبل الرجل للدور الجديد للمرأة قالت عرفات الماجد: ”للأسف ليس بعد، وهذا أمر طبيعي فقد عشنا عقودا مغيّبات فليس من الطبيعي أن يتقبل الرجل هذا التحول، وان كنت أجد التحوّل مازال يحتاج للكثير ولكنه بنفس الوقت صادم لرجل تعوّد ان يكون الآمر الناهي، ولكنه سيتقبلها مرغما بما ان القوانين تمنح هذه الحقوق وهي الآن أمر واقع، سيحتاج لوقت للتأقلم، كما أن البعض قد يرفض الكثير منها ليس علنا بالطبع ولكن من خلال الضغط على نساء أسرته غير المدركات لحقوقهن الجديدة ليظلوا تحت سيطرته ولكني متأكدة ان وعي المرأة السعودية سيظهر وجها مشرقا ومشرفا يجعل الرجال يعيدون حساباتهم“.

وأتفقت معها نهلة عصام، وهي مصممة غرافيك مصرية تعيش في الرياض قائلة: ”هناك رجال متقبلين للفكرة جدا ومتحمسين ومشجعين أيضا، وهناك رجال متمسكين بالأفكار التي تعودوا عليها ومقتنعين ان المرأة لا يمكنها القيادة على سبيل المثال لأنها قد تتعرض للخطر أو التحرّش وما إلى ذلك“.

وواصلت: ”وفي رأيي هذا أمر طبيعي، فقد كان الوضع الطبيعي لسنوات طويلة بأن المرأة ممنوعة من القيادة ومن التواجد في الفضاء العام، فمن المؤكّد بأن التغيير سيخلق تضاربا في الآراء وسيتمسك البعض بالافكار السابقة ليس من الرجال فحسب وإنما من النساء أيضا“.

وأعربت نهلة عن فرحتها فيما يتعلق بالسماح للمرأة بالقيادة: ”الإجراءات بالنسبة لمن لديهن رخص قيادة من المغتربات سهلة، والسماح بالقيادة سيوفر علينا عناءا كبيرا كنا نتكبده سابقا، يتمثل في التكلفة العالية للذهاب إلى مقرّ العمل، كما كنت دائما بانتظار أن يكون هناك رجل لديه الوقت ليأخذني للتبضع أو لتخليص مشاويري، لذا فهو أمر ايجابي جدا بالنسبة لي“.

كما رأت أن السماح للمرأة بالتواجد في الفضاء العام هو أمر ايجابي ”لوجود سيدات وفتيات يهمها الأمر، ولكنني شخصيا لا أتابع الرياضة ولم أذهب لأي من الحفلات التي أقيمت في جدة، وكذلك في موضوع السينما الذي وفّر خيارا جديدا للترفية بالنسبة لفئة عمرية كانت محرومة منها“.