نوبات الغضب والكآبة في حياةٍ مُعلّقة

25/10/2021
1509 words

من خلال سلسلة لمحات قصيرة من حياتها حرّكت فيها الغضب والكآبة، تعود أمل خليف بالذاكرة إلى زواجها من رجل يكبرها سنًا وكيف عاشت نهاية هذه العلاقة.

مرةً أخرى، أجلس قبالة المعالِجة على كنبةٍ غير مريحة.

امرأةٌ أربعينيةٌ جميلةٌ وأنيقةٌ باعتناءٍ فائق. تتحدّث بصوتٍ إيقاعي، بفرنسيةٍ صحيحةٍ جدًا - ربما أكثر من اللازم - خاليةٍ من أيّ لكنة. يذكّرني صوتها بالموزّع الصوتي وصوت إعلان مواعيد الرحلات في محطة القطار بباريس.

"مرحبا أمل"، قالت لي بابتسامةٍ مرحّبة. "قولي لي ماذا حدث منذ التقينا آخر مرة".

عدّلتُ جلوسي وصوتي، ثم سكتُّ للحظةٍ محاوِلةً إعداد جملةٍ تقديميةٍ مناسبة. 

**********

"قولي لي ماذا حدث منذ التقينا آخر مرة".

هذا ما قاله لي حبيبي السابق أمس أيضًا، بينما كنّا ننتظر سيارة تاكسي في شوارع الكرم الخالية.

مرّت أربع سنواتٍ منذ التقينا آخر مرة. لم يحدث شيء. كل شيء كما هو. 

- "ماذا حدث؟! أحببتُ رجلًا، تزوّجتُه، سافرتُ إليه، إلى مصر، افترقنا، عدتُ إلى البلد وها أنا ذا. وأنت؟"

- "أنا كما أنا. لم يحدث شيء".

يرحل الجميع، الأصدقاء والأهل. يفرغ كرسي إلى كلّ طاولة. هجرةٌ نظاميةٌ أو حرقة ''هجرةٍ غير نظامية''، لا فرق

أصدّقه، لأنّ الزمن متوقفٌ هنا. الحياة مُعلّقة. المدينة تتساقط كأوراق شجرةٍ في الخريف، ورقة تلو ورقة، كأنها تعجز عن الوقوف هكذا طويلًا بلا سببٍ أو قوة دفع.

يرحل الجميع، الأصدقاء والأهل. يفرغ كرسي إلى كلّ طاولة. هجرةٌ نظاميةٌ أو حرقة ''هجرةٍ غير نظامية''، لا فرق.

تهاوى سقف مدرسةٍ منذ فترةٍ قصيرة. أربعون طفلًا جديدًا سيعانون كرب الصدمة أيضًا. متى أُصيبَت هذه المدينة الطفلة بالعجز؟! 

**********

الطبيبة تتململ وتطلب إجابةً لسؤالها: "ماذا حدث؟". 

- "ماذا حدث؟؟ لم يحدث شيء. تفسّحتُ. حاولتُ أن أتحرّك في أيّ اتجاه. راكدةٌ هي الأيام هنا. يحتاج دمي للحركة. حاولتُ بناء علاقةٍ مختلفة".

- "لم تختاري سوى مصر!"

سمعتُ هذه العبارة مرارًا وتكرارًا حتى صرتُ أطرحها سؤالًا على نفسي بالنبرة المتهكمة والعاتبة ذاتها. لكن مع ذلك، دافعتُ عن خياري برحمةٍ تستحقّها مشاعري.

- "أجل، يبدو الأمر غريبًا، لكنه الحبّ! حمَلَني إلى هناك".

- "تحبّين رجلًا يكبركِ بعشرين سنة!"

ها أنا ذا مجددًا تحت اختبار الكشف النفسي القديم المتهالك. أحببتُ رجلًا يكبرني بعشرين سنة. ثم ماذا؟ هل يجب أن أُحتجَز احتياطًا في مستشفى الأمراض النفسية حتى أثبتُ براءتي من عقدة الأب؟ 

**********

حملَتني تلك المحادثة إلى القاهرة، إلى قهوة الريش تحديدًا: 

- "ليس حبًا. أنت تعانين مشكلةً ما، عقدةً ما. يجب ألّا تخشَي طرح الأسئلة الحقيقية على نفسك". 

هكذا قالت صديقةُ زوجي السابق، المختصّة النفسية السابقة.

''الأسئلة الحقيقية'' تبدو عبارةً عبثيةً في مدينةٍ ساحقةٍ مثل القاهرة. 

مذهلةٌ قدرة المختصّين النفسيّين على ادّعاء المعرفة بغياهب الآخرين، كما لو كنا مجرد آلاتٍ متطابقةٍ يمكن التكهّن بطريقة عملها

كانت تحاول أن تشرح لي أنّ مشاعر التعلّق التي أشعر بها نحو الرجل الذي أحبّه: هي مشاعر مدفوعةً بصدماتٍ سابقةٍ في طفولتي. طفولتي التي تعرف عنها بعضًا من معلوماتٍ متفرقةٍ أشاركها أحيانًا في ثرثرتي العابرة. 

مذهلةٌ قدرة المختصّين النفسيّين على ادّعاء المعرفة بغياهب الآخرين، كما لو كنا مجرد آلاتٍ متطابقةٍ يمكن التكهّن بطريقة عملها أو آليات تعاملها الميكانيكية بمجرّد جمع بعض المعلومات التقنية عن طفولتنا وسجلّنا الشخصي. لا يتطلب التشخيصُ في معظم الحالات أكثر من نصف ساعة، ويبرز تمكّن المعالج/ة في درجة الثقة والحسم في صوته/ا. 

**********

الأريكة مزعجةٌ حقًا ومؤخرتي تتخدّر.

توصّلت طبيبتي إلى الخلاصة ذاتها بعد خمس عشرة دقيقةٍ من بدء الجلسة: "يتعلق الأمر بطفولتك، بتعلّقك بوالدك!".

شعرتُ برغبةٍ في الضحك والتهكّم علنًا: "يبدو دقيقًا جدًا علمُ النفس هذا!".

**********

كنتُ مرتاحةً أكثر في الكرسيّ الخلفي في سيارة التاكسي ليلة أمسٍ وهواء سبتمبر البارد يخفّف من الحرارة في داخلي.

أسترجع وجه حبيبي السابق الثلاثيني وأبتسم وأنا أفكر في الشبه العجيب بينه وبين أبي؛ تلك السّمرة التونسية جدًا، ضحكته، والهشاشة المفضوحة خلف جديةٍ مفتعلةٍ تثير حناني دومًا. 

بينما يسير التاكسي في شوارع تونس الخالية، تونس الميتة، تونس التي لا يحدث فيها شيءٌ بعد الساعة الحادية عشرة مساءً سوى الجرائم، أفكر في زوجي السابق، في علاقتنا الميتة.

إن أمعنتُ في التفكير، و إن كان لا بدّ من صلةٍ لطفولتي، يشبه زوجي أمي أكثر بكثيرٍ من أبي. لا يمكن أن أفكر في محبّة أمي الحريصة والقلقة دون أن أفكر في زوجي السابق. حرصها على احترام قواعد المجتمع وتحقيق صورةٍ اجتماعيةٍ خاليةٍ من الشوائب. لو كان أمر التشخيص بيدي، فأنا أعاني حقًا من تخمةٍ عاطفية، فلا أعرف التخلّص من مشاعري نحو أبي ولا أمي، ولا نحو تونس، ومصر، وبيروت، وكازابلانكا وكلّ المدُن التي عشتُ فيها وأحببتُها وجرحَني جمالها وخرابها.

إن أمعنتُ في التفكير، و إن كان لا بدّ من صلةٍ لطفولتي، يشبه زوجي أمي أكثر بكثيرٍ من أبي. لا يمكن أن أفكر في محبّة أمي الحريصة والقلقة دون أن أفكر في زوجي السابق

لا أتخلّص من أحبّائي السابقين: محبّتهم، ذكرياتهم، جروحهم، لحظات اللقاء المقدسة و لحظات الفقد المزلزلة. لا أتخلّص من وجوه النساء اللاتي ابتلعتهنّ المدُن والخيبة. أشعر أنّي أفيض رغبةً جامحةً في الحياة، رغبةٌ مكتومةٌ ومُسيّجة.

**********

- "لماذا تحتاجين المساعدة الطبية اليوم؟"

تقول الطبيبة لتنتشلني من أفكاري.

- "أحتاج أيّ مساعدةٍ لتخفيف الألم". 

أجيبها دون تفكير، ثم أستطرد: "في الحقيقة، أحتمل الألم على نحوٍ جيد، بل جيدٍ جدًا. تدرّبتُ عليه بما فيه الكفاية، لكن الألم يسحبُني إلى الغضب. أخاف الغضب".

- "ما الذي يثير غضبك؟"

نظرتُ في عينيها. وددتُ لو أسألها: "هل حقًا تتسائلين؟". 

بماذا أجيب؟ قفز إلى ذهني بيتٌ من قصيدةٍ كتبتُها منذ خمس سنوات:

''أيّ سجنٍ هذا الذي يجمعُنا، أيّ سجن!

نساءٌ هنا. هذا ما نحن عليه. والحرب تهلّ راقصة''

**********

عرّضَت صديقتي للعنف على يد عون أمنٍ الأسبوع الفارط. كانت في سيارتها تحاول العودة إلى بيتها حين أوقف سيارتها وسمح لنفسه بأن يضع يده عليها، وعندما اعترضَت على سلوكه، عنّفها بشكلٍ وحشيّ ما زالت تحمل آثاره على كل جسمها.

فسّر صديقٌ الأمر بأنها حادثةٌ "متوقعةٌ" لامرأةٍ غاضبة. أشعر بالتهديد لكوني امرأة، أشعر بالتهديد لكوني غاضبة. 

**********

- "تناولتِ أدويةً في السابق؟"

- "تناولتُ الكثير من مضادات الاكتئاب ومضادات القلق أثناء إقامتي بمصر. أصبحتُ أعتمد عليها بشكلٍ كبير". 

- "لماذا تناولتها؟"

- "كنتُ غاضبةً أكثر ممّا تحتمل وحدتي، وأكثر مما كان زوجي السابق يحتمل. التحرّش في الشارع يثير غضبي، والثقافة ذكورية جدًا بشكلٍ مستفزٍ ومباشرٍ ووقحٍ تثير غضبي".

- "الناس من حولي يُسجنون بلا سبب. الحياة عنيفة، سريعة، مخيفة وكثيفة. فقدتُ نسقي الداخلي. علاقتي كانت مُعطّلةً بسبب الحدود الاجتماعية والأحكام.  أحسستُ بالمجتمع يخترقني دون قدرةٍ لي على التراجع وبلا أيّ دعم. فقدتُ إحساسي بالأمان وصارت حياتي عبارةً عن نوبة قلقٍ مستمرة".

- "ثم ماذا حدث؟"

 - "الغضب احتراقٌ صامتٌ في مصر، انتحارٌ بلا معنى. أُقفلت كل مساحات الرفض. تناولتُ الكثير من المسكّنات. صرتُ شبح نفسي. ماتت العلاقة فعُدت". 

- "الآن وقد عدتِ إلى تونس، لماذا ما زلتِ غاضبة؟"

- "لأن الحياة معلّقةٌ ولا أرى أيّ أفق. المحاكم معلّقة، والإجراءات مهما بدت بسيطةً تستهلك وقتًا خرافيًا. الخدمات سيئة جدًا. الخدمات عنيفة. سائقو التاكسي عنيفون. رجال الشرطة عنيفون. النادل في المقهى الذي لا أعرفه عنيفٌ جدًا. العاملة على شبّاك المواطنين في البلدية عنيفة. سكرتيرتك في قسم الاستقبال عنيفة. الحياة متوقفةٌ وجميعنا مرهقون وغاضبون. نجلس على مقاعد الانتظار، والسيد رئيس الجمهورية لا يبدو أنه يستوعب حالة الاحتقان المتواصلة. لا يبدو أنه ملتزمٌ بأيّ رزنامة". 

- "لمَ يبدو العالم عنيفًا ومهددًا لك؟"

شعرتُ برغبة في الضحك بصوتٍ عال. ماذا أقول لها كي تفهمني؟ فكرتُ بالإجابة الصحيحة وقلتُ بصوتٍ كأنه بوحٌ خطير: 

- "يتعلّق الأمر بتروما الطفولة. كان أبي مضطربًا نفسيًا ولم يتلقَّ الرعاية اللازمة. صار عنيفًا. تخلّت عنه الدولة. لم تكن العائلة متضامنةً أو واعيةً بما يكفي… كانت فترةً سيئة". 

- "هل يشعركِ ذلك بالغضب؟"

- "أجل. الكثير من الغضب. لأن الكثيرين ما زالوا يعانون في صمت. لأن دور الدولة يتراجع والعائلات تصبح أقل تضامنًا، ولأنّ المضطربين نفسيًا يتوجّهون إما للصلاة أو للمخدرات". 

- "تثقلين حياتك الشخصية بكثيرٍ من السياسة". 

 تنفّستُ بعمق. هنا مربط الفرس.

**********

كنتُ مع زوجي السابق في عيادةٍ أقل فخامةٍ من عيادة طبيبتي الحالية، وإن كانت أريكة الخشب المنقوش أكثر راحة.

كنا في وسط المدينة بالقاهرة، نتابع جلسة استشارةٍ زوجيةٍ من أجل ''معالجة'' علاقتنا:  

- "الأشياء ليسَت بسيطةً معك. كل موضوعٍ يتحول إلى قضيةٍ فكريةٍ ذات أبعاد. الزواج ليس كفاحًا". 

- "أحب أن أعيش فوق خط النجاة وفوق خط الحماية. أتمنى أن يتحقق هذا دون كفاح. يمكنكَ أن تدعمني أو أن نسافر!"

- "نسافر لنُنجح الزواج؟"

- "بل لننجو، لينجوَ حبنا. لا بنيةً تحتيةً للحبّ هنا". 

**********

كانت المعالِجة المصرية أكبر سنًا وملامحها أقلّ جديةٍ ورسميةٍ من المعالجة التونسية التي اعتدلَت في جلوسها ومالت نحوي كأنها ستقول أمرًا خطيرًا. في تلك اللحظة تطابق وجهاهما، كأنّ صوتهما الهادئ والمهذّب يخرج من حنجرةٍ واحدةٍ وبوتيرةٍ واحدة:  

- "طيّب. لنعُد إلى مشاكل الطفولة، هناك تقنيةٌ حديثةٌ لمعالجة الصدمات النفسية السابقة".

- "أنا جاهزةٌ لأيّ شيء. العلاج، الدواء، أيّ شيء. أنا مصرّةٌ جدًا ومجتهدة. لننتهِ فقط من هذا الموضوع".  

- "تحتاجين أن تتعلّمي السيطرة على حياتكِ الخاصة وتحسين رفاهكِ النفسي بغضّ النظر عن الظروف العامة، سنعمل معًا على تحرير ذاكرتك". 

هززتُ برأسي موافِقة.

**********

أتخيّل جيشًا من الطبيبات والأطباء يعالجون جيشًا آخر من الغاضبين والغاضبات مثلي. يضعن حبة في فم كل منهم/ن، فيتحوّلون إلى آلاتٍ مطيعةٍ وطيبة.

لقد روّضني العملُ بما يكفي. فقدتُ الكثير من نفسي، ذاتيّتي الساطعة، أحلامي المجنونة وفورة الرفض في دمي. انصعتُ تمامًا للمؤسسة.

حين دخلتُ الزواج قلتُ: "لقد تدرّبتُ كفاية، سأسير على ذلك الخط الرفيع الفاصل بين أن أكون أنا نفسي وأن أكون زوجة". 

لم أكن أعرف أن الزواج أعنف من المؤسّسات الرأسمالية، وأنه لا يتفاوض على أساس النجاعة والنتائج. لم أكن أعرف معنى أن أتزوّج زواجًا مصريًا يختلف ثقافيًا عن الزواج التونسي.

مقابل المشارَكة الهرَمية غير العادلة في الزواج التونسي، أعتقد بحسب تجربتي أنّ الزواج المصري خاصٌ جدًا لأنّه يُرسّخ مبدأ القوامة ومركزية الرجل بشكلٍ عنيف.

لا معنى للمشاركة مع رجلٍ تتعدّد زيجاته و يعامل زوجاته على أساس القوامة الدينية والعرفية. لا يعترف الزواج المصري بكينونة المرأة كفاعلٍ اجتماعي مستقل، هي كيان ناقص تحت وصاية الزوج أو الأب أو الأخ أو أيّ ذكرٍ متوفر، وينعكس ذلك ثقافيًا وعلى مستوى التعامل. 

لا معنى للمشاركة مع رجلٍ تتعدّد زيجاته و يعامل زوجاته على أساس القوامة الدينية والعرفية

تزوجتُ زواجًا تونسيًا وفق قوانين تونسية، لكنّه تحوّل إلى زواجٍ مصري. شربتُ الكثير من المهدئات لأتجاوز خرق  هذا التعاقد، ولأنّي  أقحمتُ نفسي طوعًا في منظومةٍ أشدّ قمعًا وظلمًا وإهدارًا للكرامة. غضبي شمسٌ ساطعةٌ تحرق أحلامي الطيبة الساذجة، وتُنضج وعيي بمحدودية وعد الحبّ في غياب أرضيةٍ ثقافيةٍ وسياسيةٍ مشتركةٍ بين الزوجَين.

**********

قبل أن أغادر، التفتُّ إلى المعالِجة وقلت: 

- "دكتورة، لقد اخترتُ زوجي لأني أحبّ ضحكته ورقّته. يهدأ العالم بين ذراعَيه وتغمرني الرحمة. لا علاقة لطفولتي أو لأبي بذلك. أنا غاضبةٌ لأنّ أفق الممكن أقلّ من مجحف، ولا أحبّ أن أُدفع للهجرة كي أنجوَ بأحلامي . هل تصدّقين ذلك؟"

هزّت برأسها مبتسمةً ابتسامةَ مختصّةٍ خبيرة. 

**********

سيّدي رئيس الجمهورية، 

تحية عصبية وغاضبة كما يليق بطباعنا التونسية الجديدة وبعد، 

كما ترى، حاولتُ كثيرًا أن أتجاوز غضبي بالمسكّنات وجلسات العلاج. حاولتُ أن أتجاوز الفشل الجماعي وأقفز في حياةٍ معلّقةٍ بشكلٍ فردي. لكن غضبي لا يذوب. لا يختفي. 

لقد تجاوزتُ تمامًا الأحلام الكبرى المرتبطة بالثورة والنضال السياسي وتثوير المجتمع،  وحاولتُ فعلًا.

''تعقّلت'ُ' محاوِلةً بناء أسرةٍ وإنجاب طفلٍ يحمل مشروعي وأعلّق عليه آمالي كما يليق بامراةٍ مطيعة. لكن حتى هذه المحاولة أضيَق من أن تُحتمل وأغلى من أن أحتمل كلفتها.

سيّدي الرئيس،

هنا لستُ وحدي. نحن قبيلةٌ من النساء الغاضبات حيث لا أمن ولا مساواة ولا أفق ولا أيّ وعدٍ بالرفاه.

صدّقني، أتعاب جلسات العلاج لا تهوّن الأمر. ثمن أربع حصص علاجٍ يعادل تقريبًا ثلثَي الراتب المتوسّط للشعب التونسي دون احتساب مصاريف الدواء والتاكسي.

سيّدي الرئيس،

ما زلنا نعاني تروما الديكتاتورية الذكورية والفقر. العلاج النفسي لن يساعد في ترويض الغضب. هذا الغضب يكبر يومًا بعد يومٍ ويراقبك بعينٍ نصف مخدّرة؛ فلا تغمض عينيك.