رهاب المثليّة والوجه الآخر للفصل العنصري

يوضح هذا المقال كيف تتداخل الجنسانيات مع أشكال القمع المختلفة مثل الاستعمار، والسلطة الأبويّة، ورهاب المثليّة؛ وكيف تمارس إسرائيل الفصل العنصري ضدّ الفلسطينيات والفلسطينيّين من مجتمع الميم-عين، لا في كامل الأراضي الفلسطينيّة فحسب، بل أيضًا في الفضاء الإلكتروني.

لا يختلف وضع صادق (اسم مستعار) من فلسطين عن غيره من أفراد مجتمع الميم-عين في المجتمعات العربيّة المحافظة. فهو يتوخّى الحيطة في المجاهرة بجنسانيّته، ولا يتصرّف على سجيّته سوى في كنف مجموعة أصدقاءٍ يعتبرهم "مساحة آمنة". في برّ الأمان هذا، يتقمّص صادق الأدوار والشخصيّات التي تُعبّر عن الطبقات المختلفة المكوِّنة لشخصيّته، ولا يستطيع أن يعيشها في مجتمعاتنا العربيّة وحتّى الغربيّة أحيانًا. من خلال إحدى الشخصيّات، يتحرّر صادق من أيّ قيودٍ دينيّةٍ واجتماعيّةٍ يفرضها المجتمع. فالكثير من أفراد مجتمع الميم-عين يتعرّضون للاضطهاد، وعدم القبول، وحتى التهديد بالقتل أو العنف الشديد بسبب هويّتهم الجندريّة فقط. يتميّز نضال مجتمع الميم-عين في فلسطين بأنّه نضالٌ ضدّ منظومتين؛ الأولى مجتمعيّةٌ عنيفةٌ ضد الاختلاف الجندري والجنسي، والثانية استعماريّةٌ استيطانيّةٌ قمعيةٌ وإقصائيّة.

يوضح هذا المقال كيف تتداخل الجنسانيات مع أشكال القمع المختلفة مثل الاستعمار، والسلطة الأبويّة، ورهاب المثليّة؛ وكيف تمارس إسرائيل الفصل العنصري ضدّ الفلسطينيات والفلسطينيّين من مجتمع الميم-عين، لا في كامل الأراضي الفلسطينيّة فحسب، بل أيضًا في الفضاء الإلكتروني.

الاستعمار والجنسانيّة

تروّج إسرائيل عالميًا بأنّ العرب والمسلمين، بمن فيهم الفلسطينيّين، يعانون رهاب المثليّة، وبأنّها آفةٌ متأصّلةٌ في ثقافتهم وبنيتهم الاجتماعيّة والدينيّة.1 يروي أحد أفراد مجتمع الميم-عين حالة القلق الدائم التي تشعر بها والدته في شأن مثليّته، ويرى أنّها ضحيّةٌ كغيرها مِمّن وقعوا في فخّ رهاب المثليّة الجنسيّة الذي ينتج ثقافيًا عن الخوف أو التحيّز ضدّ المثليّين، ويتجلّى عادةً في القيود القانونيّة، والتنمّر، والعنف الجنسي ضدّ الأفراد الكويريّات والكويريّين.2 لم يقف الأمر عند الرهاب فحسب، بل هدّده والده بالقتل بسبب شكوكه بمثليّته. في كتابه "Queer Palestine and the Empire of Critique"، يروي سائد عطشان (Sa'ed Atshan) قصص الفلسطينيّين المثليّين الذين عاشوا معاناةً نفسيّةً وجسديّةً شديدةً عندما علمَت أُسرهم بهويّتهم الجنسيّة، وحكايا الذين اضطروا إلى الزواج للهروب من ردّات فعل المجتمع العنيفة.3

يُعدُّ الاستعمار أحد المسبّبات الرئيسة لرهاب المثليّة. فقد استوردَت المساحات الاستعماريّة المفاهيمَ الغربيّة عن المثليّة، والتي تعتبرها خطيئة، أو جريمة، أو مرضًا

لطالما كانت المعايير الجنسانيّة والجنسيّة، المقبولة وغير المقبولة، أمرًا محوريًا في المشاريع الاستعماريّة. على مدى أربعمئة عام، فرض الاستعمار الأوروبي أنظمته المُغايرة معيارًا أساسيًا للجنسانيّات بهدف "تربية" الشعوب، واستخدم الجنسانيّة شكلًا من أشكال السيطرة وتحديد الهوية الذاتيّة.4 فرض الاستعمار الاستيطاني النظامَ الأبوي المُغاير في المناطق التي سيطر عليها لتعزيز سطوته، واستخدم الأسرة النوويّة، والملكيّة الخاصّة، والاقتصاد الرأسمالي لعزل السكّان الأصليّين، والتفريق بينهم، والقضاء على قيمهم المُرتبطة بالقرابة والعلاقة بالأرض، كما برّر انتهاكاته للجنسانيّات الأصليّة بادّعاء أنّها بدائيةٌ ومُنحرفة.5

من هنا، يُعدُّ الاستعمار أحد المسبّبات الرئيسة لرهاب المثليّة. فقد استوردَت المساحات الاستعماريّة المفاهيمَ الغربيّة عن المثليّة، والتي تعتبرها خطيئة، أو جريمة، أو مرضًا.6 ففي قطاع غزة مثلًا، ينصّ قانون العقوبات الصادر في العام 1936 على معاقبة الرجال بالسجن لمدّة عشر سنوات كحدٍّ أقصى لممارستهم أنشطةً جنسيّةً مثليّة. وُرِث هذا القانون عن الانتداب البريطاني، ولا يزال ساري المفعول في غزة حصرًا، دون غيرها من الأراضي الفلسطينيّة. ومع ذلك، استخدمَته النيابة العامّة الفلسطينيّة في العام 2017 لملاحقة الكاتب عباد يحيى بتهمة خرق الآداب والأخلاق العامّة، وحظرَت روايته "جريمة في رام الله" التي تستكشف موضوعاتٍ ترتبط بمجتمع الميم-عين.7

رهاب المثليّة: سلاحٌ للتطبيع

تستغلّ أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيليّة الفلسطينيّين المثليّين عبر استخدام رهاب المثليّة سلاحًا، فتهدّد بكشفهم أمام عائلاتهم ومجتمعاتهم إذا رفضوا العمل كمخبرين ومتعاونين.8 في الوقت عينه، عملَت بعض المؤسّسات الصهيونيّة على مدار العقد الماضي لاستمالة أصواتٍ فلسطينيّةٍ كويريّةٍ لتبرير الاحتلال العسكري الإسرائيلي لفلسطين أمام الجماهير العالميّة.9 يروي أحد الأفراد من مجتمع الميم-عين10 ما يختبره من خوفٍ وارتباكٍ أثناء التعرّف إلى أشخاصٍ آخرين من ذلك مجتمع، وتراوده أفكارٌ بأنّ أحدهم يتصنّع الإعجاب به بهدف الإيقاع به. ويضيف آخر:11 "يتواجه الفلسطينيّون من مجتمع الميم-عين مع الاحتلال والفصل العنصري والتمييز بشكلٍ يومي، إذ يتعرّضون للرفض بشكل روتيني، ويُمنعون من الانتقال إلى أراضي-48 للهرب من بيئاتٍ تتسم برهاب المثلية. كما يتعرّضون للابتزاز من الجيش الإسرائيلي الذي يهدّدهم بإعادتهم إلى مجتمعاتهم في حال عدم تقديمهم المعلومات المطلوبة".

تستغلّ أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيليّة الفلسطينيّين المثليّين عبر استخدام رهاب المثليّة سلاحًا، فتهدّد بكشفهم أمام عائلاتهم ومجتمعاتهم إذا رفضوا العمل كمخبرين ومتعاونين

ردًّا على هذه الانتهاكات، أسّس الناشطون الفلسطينيون/ات من مجتمع الميم-عين حركاتٍ وتنظيماتٍ لتأطير طرق المقاومة والمواجهة. بدأ صعود هذه الحركات في العام 2002 في فلسطين، ثمّ انتشرَت دوليًا في العام 2009، واستمرّت بالنموّ حتّى العام 2012.12 انشقّت تلك الحركات عن هوامش الحركة المثلية في إسرائيل بسبب الاختلافات السياسيّة على القضية الفلسطينيّة والصهيونيّة.13 في الواقع، يواجه الناشطون/ات الفلسطينيون/ات الكوير معوّقاتٍ راسخةً في المجتمع، مثل اعتبار أنّ النضال من أجل التحرّر الوطني له الأسبقيّة على النضال من أجل التحرّر الكويري والنضال ضدّ النظام الأبوي المُغاير.14

عمليًا، يعيد نضال التحرّر الوطني الفلسطيني المُهيمِن إنتاج بنيةٍ أبويّةٍ مماثلةٍ لتلك التي يرسّخها الاستعمار، في حين تعمل الحركات النسويّة والكويرية الفلسطينية على تفكيك تلك البنية، وتوضيح ضرورة اتباع منهجيّةٍ تقاطعيةٍ ومُتعدّدة المستويات في سبيل التحرير. يشكّل هذا الخطاب الأبوي التوجيهي عن التحرّر والمعياريّة، والذي يطغى على الحركات النضاليّة، جزءًا لا يتجزّأ من منظومة الاستعمار الاستيطاني، وينظر بدوره إلى المثلية كتهديدٍ لنضال التحرّر الوطني، ما يقيّد إمكانيّة ظهور حركةٍ نضاليةٍ مثليّةٍ علنيّة. 

الفصل العنصري يمتدّ إلى الفضاء الإلكتروني

تحاول الصهيونيّة تمثيل الفضاء الإسرائيلي الكويري على أنّه واحةٌ للتعايش والتسامح والسلام. لكن في الواقع، يواجه الفلسطينيّون/ات المثليّون/ات العديد من العقبات والحواجز للعبور إلى تلك المساحات والانخراط فيها. فالدخول إليها يخضع لمحدّداتٍ هوياتيّةٍ عنصريّة، دينيّةٍ وقوميّة، يفرضها الإسرائيليّون/ات المثليّون/ات، مستخدمين الأساليب التي يعتمدها الجنود الإسرائيليّين على حواجز العبور الفعليّة المُنتشرة في جميع أنحاء فلسطين. على سبيل المثال، كثيرًا ما يُمنع الفلسطينيّون/ات المثليّون/ات من أراضي-48 من دخول الحانات لمجرّد أنّهم فلسطينيون/ات.15

تبرز نقاط التفتيش التي تفصل بين المثليّات/ين الفلسطينيّات/ين والمثليّات/ين الإسرائيليّات/ين في الفضاء الإلكتروني، بشكلٍ واضح، من خلال "أطراف"، وهو موقعٌ وتطبيقٌ إلكتروني إسرائيلي للمواعدة خاصٌ بأفراد مجتمع الميم-عين في إسرائيل، وموجودٌ بنسختَين إنجليزيةٍ وعبرية، كلاهما يوفّر إمكانيّة الوصول إلى قاعدة بيانات المستخدمين نفسها، ويستخدمه أفراد مجتمع الميم-عين من الإسرائيليّات/ين والفلسطينيّات/ين الذين يعيشون في القدس وأراضي-48.16 

يضطرّ الفلسطينيّون/ات الذين يعيشون في القدس وأراضي-48 إلى الانفصال عن هويّتهم العربيّة، إذا كانوا يرغبون بالمواعدة عبر تطبيق "أطراف" من دون اتباع التسلسل الهرمي فيه

يفرض "أطراف" نقاط تفتيشٍ إلكترونيّةٍ وفقًا للانتماء الديني، على عكس غالبيّة مواقع المواعدة في أميركا الشماليّة وأوروبا التي تعتمد "العرق" أو "الإثنية" لتصنيف الأفراد. ويضع التطبيق تسلسلًا هرميًا للأديان لتحديد الفئات المرغوبة أكثر من غيرها من بين العرب،17 إذ تشمل خيارات الدين المتوفرة: لا ينتمي إلى أي ديانة، يهودي، درزي، مسيحي، مسلم، بوذي، هندوسي.18 وهو مشابهٌ لما تقوم به نقاط التفتيش الفعليّة المُنتشرة في جميع أنحاء فلسطين، والتي تعتمد معاينة أوراقٍ معيّنةٍ تُحدّد هويّة حاملها، وبالتالي مَن يحقّ له العبور. يعتمد "أطراف" على الملف الشخصي لمُستخدميه من أجل تحديد هويّتهم، وهو ما يفرض على المُستخدم أنّ يقرأ بين السطور - وأحيانًا ما وراءها - لمعرفة هويّة الأشخاص وموقعهم في التسلسل الهرمي للمواطنة، الذي بدوره يحدّد انتمائهم إلى مساحاتٍ معيّنةٍ في إسرائيل وفلسطين. يؤكّد استخدام هذا التصنيف للتعريف عن الأشخاص وملفاتهم الشخصيّة على ارتباط المواطنة في إسرائيل، بشكلٍ وثيق، باليهوديّة كدينٍ وعرق، ويدحض الادّعاءات الإسرائيليّة عن التعايش والاندماج.19

إنّ فصل الفلسطينيّات/ين عن انتمائهم/ن وهويتهم/ن العربية ليس غريبًا، خصوصًا عند الاطلاع على التاريخ الطويل لسياسات الفصل والتقسيم الإسرائيليّة. يرى المؤرِّخ الفلسطيني قيس فرّو أنّ سياسة التجزئة الإسرائيليّة تهدف إلى إنتاج "عربٍ جيِّدين" (دروز، بدو، مسيحيّون) في مواجهة "عربٍ سيِّئين" (البقية). ويضيف فرّو أنّ إسرائيل خلقَت تسلسلًا هرميًا داخل المجتمع العربي: الدروز في القمّة، يليهم البدو، ثمّ المسيحيون، والغالبيّة المتبقية المسلمة من غير الدروز وغير البدو في أسفل الهرم، باعتبارها النوع الأقل تفضيلًا من المواطنين. وعبر تصنيف الفئات وتسميتها بالدروز والبدو والمسيحيين والعرب، تحاول إسرائيل الإيحاء بأنّ الدروز والبدو والمسيحيّين ليسوا عربًا، أو أقلّ عروبةً، وفق وصف صحافي إسرائيلي.20

يضطرّ الفلسطينيّون/ات الذين يعيشون في القدس وأراضي-48 إلى الانفصال عن هويّتهم العربيّة، إذا كانوا يرغبون بالمواعدة عبر تطبيق "أطراف" من دون اتباع التسلسل الهرمي فيه، وذلك نظرًا إلى وجود فئة "غير ذي صلة" ضمن خيارات الهويّة، والتي تشير ضمنًا إلى الهويّة العربيّة، وغالبًا ما يستبعدها الإسرائيليّون/ات.21 أمّا الفلسطينيّون/ات الكويريّون/ات من الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، فلا يمكنهم استخدام تطبيق "أطراف" أساسًا، إذ لا تسمح السلطات الإسرائيليّة لسكّان الضفّة الغربيّة بدخول القدس وأراضي-48، فيما يعيش سكّان قطاع غزّة في عزلةٍ وحصارٍ منذ أكثر من 16 عامًا، ما يُعتبر أحد أوجه الفصل العنصري والإقصاء الذي يفرضه النظام الإسرائيلي.

تصوّر إسرائيل طمس الهوية العربية على أنّه فعلٌ تحرّري، وفرصةٌ للفلسطينيّات/ين المثليّات/ين لتصوّر مستقبلهم في فلسطين وإسرائيل من دون النظر إلى عروبتهم

مع ذلك، تصوّر إسرائيل طمس الهوية العربية على أنّه فعلٌ تحرّري، وفرصةٌ للفلسطينيّات/ين المثليّات/ين لتصوّر مستقبلهم في فلسطين وإسرائيل من دون النظر إلى عروبتهم.22 إلّا أنّ الهدف الفعلي ليس فصل الفلسطينيّين/ات من مجتمع الميم-عين عن هويّتهم وطمسها فحسب، بل خدمة المشروع الصهيوني الاستيطاني القائم على الفصل العنصري والفوقيّة العرقيّة، لا سيّما أن التفضيلات المُتاحة في "أطراف" ترتكز على المنطق نفسه الذي وُضِعت من أجله نقاط التفتيش، والذي يرى أنّ جعل المناطق أكثر أمانًا مشروطٌ بزيادة تقييد حركة الفلسطينيّات/ين والتقليل من خياراتهم/ن.23

يحدِّثنا أحد أفراد مجتمع الميم-عين مِمّن يستخدمون تطبيقات المواعدة عمّا يصله من رسائل عنصريّةٍ وتهديدات، كونه يعرّف عن نفسه، في ملفّه الشخصي على التطبيق، بأنّه عربي وفلسطيني. ويصف الشاب شعوره بعدم الراحة والإقصاء في الفضاء الإلكتروني، والناتج جزئيًا عن تصفّحه الملفّات الشخصيّة لجنودٍ إسرائيليّين مثليّين يرتدون الزيّ العسكري، والذين يمكن مصادفتهم على حواجز ونقاط التفتيش الفعليّة أيضًا، مقابل إمكانيّة حظر حسابه هو في حال وضع صورًا أو شعاراتٍ تعبّر عن فلسطينيّته، مثل كتابة شعار "الحرّية لفلسطين".24

جنّةٌ للتسامح والتعايش 

أسهم الاحتلال الإسرائيلي في تجذّر الذكورة على نحوٍ أعمق، وأثّر في مختلف المؤسّسات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة - بما فيها الهويّات والعلاقات الجندريّة داخل الأسرة - بهدف اقتلاع الفلسطيني/ة من أرضه/ا. هكذا، عرقَنَت "الحداثة الإسرائيليّة" الفلسطينيّات/ين وجنسَنَتهم، من خلال ربطهم بالنظام الأبوي الوحشيّ، وأحلت المجتمع الإسرائيلي الحديث غير المُتجانس محلّ الفلسطيني.25 

في إسرائيل، تُعتبر الحركة الكويرية من حيث علاقتها بالدولة، وجاذبيتها للمجتمع الدولي، من أهم القوى الأيديولوجية والرأسمالية التي تقف وراء ظاهرة الغسيل الوردي. فالحركة الكويرية الإسرائيلية هي إحدى الحركات الاستيعابيّة والاندماجيّة التي تضمن إشراك الكويريّين/ات الإسرائيليّين/ات واندماجهم في المجتمع، أي تواطؤهم مع حملة الغسيل الوردي وعنف الدولة. إنَ العلاقة بين الاندماج والمساواة علاقةٌ متناقضة. وفي إسرائيل اليوم، "الاندماج" يعني المساواة في الخدمة في الجيش الإسرائيلي، والمشاركة في القمع والتمييز العنصري ضد الفلسطينيّين/ات.26 في الواقع، تستخدم إسرائيل ممارساتها الإقصائيّة المُعادية للفلسطينيّات والفلسطينيّين، والعرب، والمسلمين/ات، في ميدان حقوق مجتمع الميم-عين أيضًا، وذلك من أجل طمس الوجود الفلسطيني، واقتلاعه، وفصله عن هويّته وانتمائه العربي والفلسطيني، كشرطٍ لتصنيع هويّتها الاجتماعيّة.

فيما يُعتبر احترام حقوق المثليّين والمثليّات مقياسًا للتقدّم والتحضّر وسِمةً مميّزةً للحداثة الليبراليّة، تستخدمه إسرائيل أداةً للبروباغندا والترويج لنفسها على أنّها دولةٌ صديقةٌ لحقوق الإنسان وللمثليّة

يتجلّى العنف الإسرائيلي في كافة مناحي الحياة الفلسطينية، إذ تسيطر إسرائيل على أجساد الفلسطينيّين/ات، وتعيد تشكيل الجنسانيّة بما يسهّل قمع النضال الفلسطيني وأيّ تجسيدٍ للكويرية التي ترفض التواطؤ مع ممارسات هذا النظام وانتهاكاته. وفيما يُعتبر احترام حقوق المثليّين والمثليّات مقياسًا للتقدّم والتحضّر وسِمةً مميّزةً للحداثة الليبراليّة، تستخدمه إسرائيل أداةً للبروباغندا والترويج لنفسها على أنّها دولةٌ صديقةٌ لحقوق الإنسان وللمثليّة، وبالتالي تلميع صورتها أمام العالم وشرعَنة وجودها على الأرض الفلسطينيّة.27

إنّ الممارسات الإسرائيليّة تجاه الفلسطينيّين والفلسطينيّات الكويريّين/ات ما هي إلّا امتدادًا للواقع الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني بمعزلٍ عن توجّهاته الجنسانيّة. ولا يثمر نضال مجتمع الميم-عين بمعزلٍ عن نضالنا كفلسطينيّين وفلسطينيّاتٍ للتحرّر من قيود الفكر الذي يضطهد أجسادنا وحرّياتنا. فالحركة الكويرية في فلسطين لا تسعى إلى مواصلة عملها من أجل تحرير الكويريّات/ين فحسب، بل إلى توسيع المساحات التي يمكن أن تجتمع فيها السياسات الجنسانيّة والوطنيّة. هناك العديد من الناشطين والناشطات الكويريّين/ات الذين يؤكّدون وجودهم/ن ويصوغون نضالاتهم/ن داخل المجتمع الفلسطيني، وتحتاج أصواتهم/ن إلى أن تُسمع في أوساط حركة التضامن الفلسطينيّة الكويريّة العالميّة.28 ففي نهاية المطاف، النضال من أجل الحرّية، والعدالة، والمساواة، يترافق مع تحرير العقول، وتغيير السياسات، وتحويل التفكير بعيدًا من ثنائيّة التفوّق الأبيض، والتفرقة بين الجنسَين، وغيرها من أشكال الاضطهاد التي تحدّد طريقةً واحدةً "صحيحةً وطبيعيّةً" للوجود.