"كلّ شيء يدور حول الجنس إلّا الجنس": قصّةٌ من نوادي ألمانيا

13/09/2022
702 words

أغسل جسدي مرارًا، أدعَكُ أجزاءً منه حتّى تدمي علّني أتخلّص من مناطق داكنة تطبعه نتيجة "أوساخٍ مُتراكمةٍ" وفق ما قاله لي مرّةً زميلي في المدرسة الثانوية. للمفارقة، هذه المناطق هي نفسها التي تميّزني وفق مصوِّرٍ فوتوغرافي خضعتُ لجلسة تصويرٍ معه في السنة الماضية. وهي المناطق الداكنة نفسها التي تلامسها بتحبّبٍ أصابع بيضاء خلال ممارسة الجنس.

أذكر مرّةً في الجامعة أنّي كنتُ أتفاخر بتفوّقي الدراسي، فعلّق أحدهم قائلًا: "العبد عبد ولو طُلِي بالذهب". طرقَت هذه العبارة في ذهني حين ناداني أحدهم مؤخّرًا بالسيّد في إحدى حفلات الـ 1BDSM الخاصّة بفتيش الخضوع والسيطرة في العلاقات الجنسيّة في ألمانيا.

نبّهَتني هذه المواقف المتضادّة إلى وجود صلاتٍ بينها، وربطتُها بالقول المنسوب إلى الكاتب الكويريّ المعروف أوسكار وايلد (Oscar Wilde): "كلّ شيءٍ يدور حول الجنس، إلّا الجنس، فهو يدور حول القوّة"،2 أي أنّ التمتّع بالقوّة وفقدانها، كما التمتّع بالجاذبيّة وفقدانها، كلاهما جزءٌ من لعبةٍ جنسيّةٍ في نهاية الأمر، إسوةً بما يحدث في النوادي الليليّة الخاصة التي تجمع بين الرقص والجنس.

من خلال الفعل الجنسي نعكس أفكارنا ومستوياتنا الاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويمكننا ملاحظة ذلك في تخيّلاتنا الجنسيّة ذاتها

في الواقع، يُعدُّ الجنس تجربة مركّبة تتعدّى كونها مجرّد وسيلة للإنجاب أو حتّى مصدرًا للمتعة. تطفو خلال العمليّة الجنسية – أيضًا قبلها وبعدها – مشاعر عدّة جديرة بأنّ نحاول تفسيرها، أبرزها الرغبة في الجنس، وكذلك الترقّب والخوف وسعينا إلى إثبات جدارتنا وثقتنا بأنفسنا. وأكثر من ذلك، من خلال الفعل الجنسي نعكس أفكارنا ومستوياتنا الاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويمكننا ملاحظة ذلك في تخيّلاتنا الجنسيّة ذاتها، وكيف تعكس وضعنا الاجتماعي ومشاكلنا الاقتصاديّة. 

يقول أحد روّاد مدرسة التحليل النفسي جاك لاكان (Jacques Lacan) إنّ: "لا وجود للعلاقات الجنسيّة"،3 باعتبار أنّ الفعل الجنسي قائم على الصورة والخيال المثير الذي يتبادله الطرفان. على سبيل المثال، إنّ الحلم بشخصٍ قويّ نمارس معه الجنس بعنف - بتراضي الطرفَين - وفي مكانٍ عامٍّ مهجورٍ، لا بد أن يشير إلى رغبة ما في دواخلنا نعبّر عنها من خلال هذا "التخيل الجنسي".

كان فضولي لاكتشاف المستور من شخصيّتي وراء ولوجي عالم الجنس وقبولي بعض أنواع الفيتش، وصرتُ أتساءل بصدقٍ: لِمَ أرفضُ الأنواع الأخرى؟ في محاولةٍ جدّيةٍ لتقصّي الأمر من الناحية الفكريّة والنفسيّة قبل التجريب الفعلي.

يعود الفيتش أو التفضيل في الجنس، سواء في الوضعيّات الجنسيّة أو نوعيّة الأداء وهويّة الطرف الآخر، إلى تركيبتنا الشخصيّة ولا وعينا الخاصّ بحسب مؤسس علم التحليل النفسي سيغموند فرويد (Sigmund Freud).

النشوة في عالم الجنس الواسع ليسَت الهدف الوحيد. على سبيل المثال، الجنس الجماعي (Orgy)، أو لقاءات الاسترخاء (Chill Party)، أو حتّى النوادي الليليّة الجامحة، تحلُّ فيها التجربة مكان النشوة، وتتضمّن التجربة التواصل بين الأطراف الأخرى، وكذلك اللعب على الإثارة، واستعراض القدرات الجنسيّة، والتنافس، فيما تخدم كلّ هذه العناصر تكريس الأنا (Ego). 

النشوة في عالم الجنس الواسع ليسَت الهدف الوحيد

لم يكن اختراق هذا العالم سهلًا في البداية نظرًا إلى الموانع الثقافيّة التي تربّيتُ عليها، مثل النمطيّة التي تُحدِّد مفهوم الرجل في ليبيا، بالإضافة إلى مواجهتي تصنيفاتٍ ثقافيّة أخرى وجدتُها في ألمانيا، مثل لوني الأسود، وشعري الطويل على هيئة (دريد لوكس) الذي يقدِّم صورة عن الفيتش المُسيطِر (dominant) على حساب أدوارٍ أخرى يُمكِنُني اكتشافها، وبالتالي اكتشاف المزيد عن نفسي من خلالها.

لهذا، كان عليَّ مواجهة الصورة الثقافيّة المُتخيّلة التي يحملها كثرٌ في أوروبا عن السّود، وتُعدُّ إحدى الصور التي نتصوّرها كأفرادٍ وجماعاتٍ عن بعضنا البعض، وتُسبِّب ضغطًا هائلًا يؤثِّر في مناحي الحياة الأخرى، فتحصر تصرّفاتنا، وطرق تفكيرنا، وحتّى أسلوب ملابسنا، ما يؤكّد تعقُّد الجنس وتداخله مع عناصر حياتنا ككائناتٍ اجتماعيّة.

في رحلتي لمعرفة ذاتي، أدركتُ أنَّ الجنس بوصفه مغامرة لمعرفة النفس، بدلًا من حصره في صورته التقليديّة، فتح نوافذ عن طفولتي، ومراهقتي، وتكويني الاجتماعي والنفسي عمومًا. إذ يمكن أنّ يكون دور المُسيطِر ردَّ فعلٍ على ضعفٍ عشتُه لسنين، أو تأكيدًا للقوّة والثقة التي أملكها الآن. كذلك يمكن أنّ يكون دور الخاضع وسيلةً لتحدّي هذه القوّة والذكوريّة التي في داخلي، فضلًا عن أنّ الخوض في المحظورات التي نجدها في البداية مثيرةً للاستغراب، وحتّى الاشمئزاز، قد تُسفِر عن لذّة التحرّر وفهم الآخر عبر تبادل الأدوار والخلفيّات الثقافيّة معه. لهذا، أجد نفسي وسط مواقف كوميديّةٍ أحيانًا حينما يسرح ذهني في التفكير، أو أخوض نقاشًا عن الرغبات في حفلاتٍ أو نوادٍ تضجّ بالجنس من حولي، ساعيًا لفهمٍ أكبر. فالأمر يتعدَّى كونه مجرد أداءٍ تقني ينتهي بنشوةٍ مؤقّتة.

  • 1. الـ BDSM هي اختصار لـ Bondage, Discipline, and Sadomasochism، أي التقييد والتأديب والسادو-مازوخيّة، وهي ممارساتٌ وأنشطةٌ جنسيّةٌ تحدث بالتراضي والموافقة، وترتبط بفكرة الاستمتاع بأفعالٍ مثل السيطرة والعقاب والإخضاع بين الشركاء في الفعل الجنسي.
  • 2. Sarah Anne Johnson, The Very Telling: Conversations with American Writers, Hanover Lebanon, University Press of New England, 2006, page 14.
  • 3. Jacques Lacan, L’étourdit, Scilicet, Seuil, Paris,1973.