قراءة في حملات الكراهية الأخيرة ضد مجتمع الميم-عين

شهدَت المنطقة الناطقة باللغة العربية مؤخرًا كثافةً في الخطابات التحريضيّة وحوادث العنف المبنيّة على أساسٍ جندري ضد الأفراد من مجتمع الميم-عين. ففي لبنان، أصدر وزير الداخلية بسّام المولوي في 24 حزيران/يونيو أمرًا بمنع أنشطةٍ وتجمعاتٍ تهدف للترويج "للشذوذ الجنسي" كان مخطّطًا تنظيمها في العاصمة بيروت. وجاء القرار بعدما تلقّت الوزارة اتصالاتٍ من مراجع دينيةٍ رافضةٍ لانتشار هذه "الظاهرة". وفي مصر، أطلقَت مجموعةٌ من الشباب حملة "فطرة" الإلكترونية تحت شعار "كلنا هدفنا واحد... وكمان دلوقتي رايتنا بقت واحدة" للتوعية ضد ما أسموه "الشذوذ والأفكار الخبيثة" التي تخالف الفطرة الإسلامية. أغلق موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حساب الصفحة بعد وصولها لمليون متابع/ة، لكنها ما زالت موجودةً على منصّاتٍ أخرى مثل تويتر. وفي مدينة رام الله في فلسطين، تهجّمت مجموعةٌ من الشبّان على مسيرةٍ فنّيةٍ كانت تحمل دميةً ملونةً وتجول في المدينة احتفالًا بعيد الأضحى، واتهموها بالترويج للمثلية. كما نشرَت هيئة تحرير متراس مقالًا أعلنَت فيه تحوّلها من دعم مجتمع الميم-عين إلى التحريض عليه، معتبرةً المثلية قضيةً جندريةً "بحت" ينبغي فصلها عن قضية الشعب الفلسطيني ونضاله للتحرّر من الاستعمار، لكونها تتعارض مع قيم وتصوّرات الدين الإسلامي، بحسب رأي الكتّاب. 

تستعرض هذه المقالة الخطابَ المعادي للمثلية أو لمجتمع الميم-عين في المنطقة الناطقة بالعربية، وتعمل على تفكيكه وتحليله من حيث التوقيت، والمحتوى، وطبيعة اللغة، والمفردات، والحجج، والوسائل المستخدَمة في ذلك الخطاب. كذلك يستكشف التحليل أدناه كيفية استخدام اللغة لإضفاء الشرعية على التمييز ضد مجتمع الميم-عين بصفته أقلّية، وطرق تهميشه وعزله.

إنّ القاسم المشترك بين الأحداث المذكورة أعلاه هو ارتكازها على خطابٍ متّسمٍ بالتحيّز، والقوالب النمطية، والتعبير صراحةً عن التعصّب ضد جماعاتٍ أقلّية، وممارساتها، وقيمها، وحقوقها المدنية، بل حتى حقّها في الوجود. وفي الخطاب المؤسّسي، غالبًا ما تدافع المجموعات القوية عن الوضع القائم لصالحها عن طريق إرساء أطرٍ متشدّدةٍ تضع المجموعات الأضعف في موقعٍ أدنى أو تصوّرها على أنّها "سيئة" بطريقةٍ ما.1

التوقيت

يأتي توقيت هذه الخطابات المعادية لمجتمع الميم-عين والمحرّضة عليه بالتزامن مع حالةٍ من عدم الاستقرار تعانيها معظم دول المنطقة. ففي لبنان، اشتعل الجدل في شأن المثلية الجنسية بينما تعصف بالبلاد أزمةٌ سياسيةٌ واقتصاديةٌ واجتماعيةٌ غير مسبوقة، فانشغل السياسيّون ورجال الدين "بالأخلاق العامة" وحيوات الناس الخاصّة وحرّياتهم الفردية، تاركين الشعب غارقًا في البطالة، والجوع، والفقر، وانهيار العملة، بقصد فبركة الذعر الأخلاقي لدفع الناس للتغاضي عن تقاعس الدولة وفساد حكّامها وأحزابها. كما تمكن قراءة هذه الهجمة كجزءٍ من حملة قمعٍ أوسع تخوضها أجهزة الدولة ضدّ الحرّيات العامة والجماعات المهمّشة، وفقًا للنشطاء، بهدف صرف انتباه الشعب عن الكارثة الاقتصادية والمالية التي دفعَت بأكثر من 75% من السكان إلى الفقر.2

انشغل السياسيّون ورجال الدين "بالأخلاق العامة" وحيوات الناس الخاصّة وحرّياتهم الفردية، تاركين الشعب غارقًا في البطالة، والجوع، والفقر، وانهيار العملة

أما في فلسطين، فيمكن تفسير تلك الهجمة العنيفة على مجتمع الميم-عين بأنّها نتاج أزمةِ ذكورةٍ عميقةٍ خلّفها عنفٌ استعماريٌ عزّز أيضًا الهيمَنة والهرميّة الذكورية في نفوس الرجال المُستعمَرين المهزومين. هكذا، مِن خلال تعنيف رجالٍ فلسطينيّين آخرين لا يماثلونهم في معايير الذكورة، يعوّض أولئك الرجال الغاضبون رجولَتهم المكسورة، فتتبلوَر السلطة الأبوية القمعيّة في أوضح صُوَرها. وتجدر الإشارةُ إلى أنّ أفراد مجتمع الميم-عين هُم/ن الطرف "الأدنى" في علاقة الحاكم والمحكوم من منظور السلطة، وهو منظورٌ ذكوريّ استعماريّ مُستبدّ، أدواتُهُ التمييز الجنسيّ والعنصريّ والطائفي. وفي نهاية المطاف، تمارسُ الفصائل الفلسطينية عنفًا واسع النطاق على المجتمع نفسه حفاظًا على سلطتها وبقائها، وتتعزّز هذه السلطوية بفعل سطوة الدين والدولة التي تُخضع الأجساد والأفكار وتسيطر عليها. 

تجادل الكاتبة مها ابراهيم بأنّ هذه الخطابات والممارسات ليسَت بالأمر الجديد والمفاجئ في المجتمعات العربية المحافظة، ولا تقتصر على أيديولوجيات الحركات الوطنية والإسلامية، بل هي جزءٌ من بنيةٍ اجتماعيةٍ وعلاقات قوةٍ موجودةٍ داخل الصيَغ الخطابية المختلفة. كما أنّ السيطرة على أجساد النساء ورفض المثلية ليسَت أفعالًا مستجدّة، بل ممارسات يومية ومتكررّة وراسخة في البُنى المجتمعية. وغالبًا ما تكون هذه الممارسات ضمنيةً وغير مرئية، لكن مع تفاقم "التهديد الخارجي" لمجتمعٍ ما، تطفو تلك الممارسات على السطح وتغدو مرئية، وواضحة، وعنيفةً حدّ القتل. لذا، من الممكن قراءة حملات العنف والكراهية تلك بصفتها عوارض مجتمعٍ قابعٍ في حالةِ ذعرٍ مستمرةٍ أخرَجَته عن توازنه، مجتمع تقوم ركائزه على قيم المحافَظة ومفهوم "الأسرة الغيريّة" التي يرأسها الأب/الزوج/الرجل الذكوري، فيصبح إزاء أيّ تهديدٍ قوميّ أو وجوديّ في أمسّ الحاجة لسدّ ثغراتٍ يراها تزعزع ثباته المُفترض، عن طريق التشدّد في توكيد قيَمه الهويّاتية والاستماتة في الدفاع عنها أو الاحتفاء بها (مثل التديّن، والرجولة، والاستقامة، والفطرة السليمة، كلّها وفقًا للمفاهيم التقليدية السائدة).3 

وفي سياقٍ مماثل، يؤكد الفيلسوف البرازيلي باولو فريري (Paulo Freire) في كتابه "تعليم المقهورين" أنّ المضطهَدين - بدلًا من النضال لنيل حرّيتهم - يسعون إلى ممارسة دور المضطهِد أو القاهر، في انعكاسٍ للواقع المتناقض الذي يعيشونه. فلطالما حلم هؤلاء بأن يصبحوا "رجالًا"، لكنّ صورة الرجل في مخيّلتهم اقترنَت بصورة المضطهِد والقاهر، ما جعلهم يرون في ذلك النموذج تجسيدًا لرجولتهم الضائعة.4

يولي خطابُ "الهوية الجماعية" الأولويةَ للجماعة على حساب الفرد، وهويّاته/ا، ورغباته/ا، ويفشل في فهم أهميّة حريّة الفرد في التعبير عن جميع جوانب ذاته/ا ونضالاته/ا، ويزجّ بأشخاصٍ من توجهاتٍ جنسيةٍ وجندريةٍ مختلفةٍ في خطابٍ هويّاتي ضيّق، فيُدرج مناصري ومناصِرات الحرّيات الفردية تحت مسمّى "الفردانية" ويضعهم/ن بالتالي في تضادّ مع "النضال الجماعي"، وهو التباسٌ خطير. لا يمكن لأيّ جانبٍ من هويّاتنا أن ينتفع بقمع جانبٍ آخر، وتطوير مشروعنا السياسي كمساحةٍ شاملةٍ للجميع لا يطلب من الفرد قمع هويّاته/ا الأخرى لصالح الجماعة، فتعدّدها وتنوّعها هو ضرورةٌ وأولويّةٌ لأيّ مشروعٍ تحرّري. إنّ تعزيز الفرد بهويّاته/ا المتنوعة، وربط مختلف أشكال القمع الذي يمارَس على أفرادٍ وجماعاتٍ مختلفة، يخدم بالضرورة كبح الفردانية وتعزيز الجماعة ودورها في النضال ضد الاستعمار، والرأسمالية، والطبقية، والأبوية؛5 فالذكورة في أيّ سياقٍ ثقافيٍ لا تكون مفردةً أبدًا.6

خطابٌ شعبوي وتحريضي

يتصف خطاب الكراهية بأنّه خطابٌ شعبويٌ تعبويٌّ وتحريضي، كما أنّه مُجندَرٌ وانعزاليّ على نحوٍ خطير، إذ يعتمد على ثنائية "نحن"/"هم" والمفاهيم القومية التي تحدّد بصرامةٍ مَن ينتمي ومَن لا ينتمي لفئة "نحن". ويسوّق هذا الخطاب أيضًا لضرورة الانغلاق من أجل حماية "نحن" من "هم"، مع مراعاة الأدوار الجندرية المفروضة لضمان استمرار حكم الأغلبية.7 وعادةً ما يعتمد القادة الشعبويّون لتأجيج حماسة الجماهير على القيم التي يتشاركها أعضاء جماعتهم مقابل التشكيك في مَن قد يعارضونهم، فالشّعبوية تولي الأهمية والتقدير للقطيع، وتحارب أيّ عنصرٍ مختلفٍ قد يشكّل تهديدًا لانصهار القطيع، ووحدته، وخضوعه.8

يتصف خطاب الكراهية بأنّه خطابٌ شعبويٌ تعبويٌّ وتحريضي، كما أنّه مُجندَرٌ وانعزاليّ على نحوٍ خطير، إذ يعتمد على ثنائية "نحن"/"هم" والمفاهيم القومية التي تحدّد بصرامةٍ مَن ينتمي ومَن لا ينتمي لفئة "نحن"

ويتجلّى هذا مثلًا في مقال هيئة تحرير متراس بعنوان "في زمن الترويج للمثلية: كلامٌ يجب قوله"، حيث يركّز الخطاب على ثنائية "نحن"/"هم": فهناك الفلسطيني "الطبيعي" الغيري، مقابل "الآخر" المثلي/ة وغيره/ا من ذوات وذوي الهويّات الجنسية والجندرية المختلفة. ويُعيد هذا الخطاب إنتاج المثلي/ة بصفته "الآخر"، بينما يمنح الغيري/ة موقع القوة والسلطة والصفة "الطبيعية"، ما يُشرعِن التهميش والإقصاء والعنف ضد كلّ "آخر" باعتباره كائنًا "غير طبيعي"، وبالتالي أقلّ قيمةٍ من الـ"نحن" ومستحقًا للعنف. 

بفعل خطابها الإقصائي هذا، أعلنَت هيئةُ تحرير متراس الحرب على شرائحَ كاملةٍ من الشعب الفلسطيني على خلفية الانتماء الديني، والهوية الجندرية، والميول الجنسية، والتوجّهات الفكرية عمومًا. ففي واقع الأمر، أيّ هجومٍ يستهدف المثليّين/ات الفلسطينيّين/ات يطال الشعب الفلسطيني بأسرِه، وأيّ هجومٍ على الشعب الفلسطيني وقضيّته الوطنية يطال المثليّين/ات الفلسطينيّين/ات بطبيعة الحال. إنّ قضايا التحرّر والحقوق العادلة غير قابلةٍ للفرز والفصل. وهذا ما أشارَت إليه الكاتبة النسوية السوداء أودري لورد (Audre Lorde) في قولها "ليس علينا أن نكون متماثلين حتى نعمل سويًا من أجل مستقبلٍ نتشاركه جميعًا، وطالما أنّنا منقسمون نتيجةً لهويّاتنا الجزئية، فلَن نستطيع الاتحاد معًا في عملٍ سياسي مؤثر، لأنه لا يوجد تسلسلٌ هرميٌّ للقمع والاضطهاد".

لغةٌ عنيفةٌ ومهينة

يخاطب منتجو خطاب الكراهية بشكلٍ ممنهجٍ أفراد مجتمع الميم-عين باستخدام مصطلحاتٍ ذات دلالاتٍ مهينة، وسلبية، وعنصريةٍ مثل "منحرف"، و"شاذ"، و"شذوذ جنسي"، و"لواط". كما تطال هذه اللغة أيضًا الأفراد المغايرين/ات جنسيًا الذين يناصرون مجتمع الميم-عين ويدافعون عنه، بهدف ترهيبهم/ن وإسكاتهم/ن. وتعكس هذه المصطلحات انحطاط مكانة المثليّين/ات في الثقافة العربية الأبوية السائدة، والرفض والتهميش الذي يتكرّر ويتجسّد في اللغة المستخدمة لوَصف المثليّين/ات ومخاطبتهم/ن. كما تُعدّ النعوت المثلية الموجّهة إلى الرجال غير المثليّين إهانةً قصوى للفخر الرجالي والعربيّ.9 فبحسب العقليّة الأبوية، الذكورة هي الفاعلة المتفاخِرة ذات المكانة العليا، أما الأنوثة فمفعولٌ بها وهي بالتالي ذات مرتبةٍ أدنى؛ ولعلّ هذا الاعتقاد الراسخ هو أحد أبرز الأسباب التاريخية لوَصم أفراد مجتمعات الميم-عين ورفضهم/ن. 

لا تُستخدَم اللغة للوَصف فحسب، بل لتشكيل الفرد والجماعة، وقمع التفرّد، والحفاظ على هيكل السلطة القائم، وضمان استمرار الوضع الراهن لصالح أهل السلطة

في واقع الحال، لا تُستخدَم اللغة للوَصف فحسب، بل لتشكيل الفرد والجماعة، وقمع التفرّد، والحفاظ على هيكل السلطة القائم، وضمان استمرار الوضع الراهن لصالح أهل السلطة، ومعظمهم من الذكور أصحاب الامتيازات.10 فاستراتيجية انتقاء المصطلحات تهمّش المثليّين والمثليّات وتعمل على إلغاء هويّاتهم/ن، وتنميطها، وشيطَنتها. علاوةً على ذلك، يجادل مُنتِجو الخطاب المناهض للمثليّة بأنّ هدفهم هو حماية القيم الأخلاقية للمجتمع والتأكيد على جذوره الإسلامية وتراثه الأصيل، بحيث تنقلب الآية وفق منطق هؤلاء ليصبح المجتمع المُهيمِن والقامع هو ضحية "مؤامرة" تُحاك ضده، والأقلّية المهمّشة هي الجلّاد الآتي لتدميره.

مصدر الخطاب

يمثّل رجال الدين والسياسيّون والجهات الرسمية المعادية للمثلية المصدرَ الرئيس لخطابات الكراهية والتحريض والتمييز ضد مجتمعات الميم-عين. إنّ استخدام الكراهية ضد مجتمع الميم-عين هو فعلٌ سياسي، وتمييزيّ بحت، وممارسةٌ للسلطة.11 وغالبًا ما يكون هذا الخطاب العام مدفوعًا بالأيديولوجيات الدينية الإسلامية أو المسيحية، والعادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية عميقة الجذور، وبعض الأفكار الشعبية المتوارثة التي تشكّل كلّها معًا بوتقةً أيديولوجيةً موحدةً وشاملةً تهدف إلى تهميش وتجريم مجتمع الميم-عين،12 أي "الآخر" الذي يهدّد "نحن" الجماعة المُتخيّلة على أنها موحّدة، ومتناغمة، ومتماسكة.

غالبًا ما يكون هذا الخطاب العام مدفوعًا بالأيديولوجيات الدينية الإسلامية أو المسيحية، والعادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية عميقة الجذور، وبعض الأفكار الشعبية المتوارثة

كما تعزّز وسائل الإعلام عبر الإنترنت هذا السلوك المعادي للمثلية بسبب سهولة الوصول غير المحدود، والحرية التي يتيحها التواصل أونلاين، ما يؤدّي في كثيرٍ من الأحيان إلى تفاقم حالات التعصّب الأعمى والتواصل العنيف على منصّات التواصل الاجتماعي.13 كذلك يُستخدم خطاب الكراهية المعمّم سلاحًا لتحقيق مكاسب سياسيةٍ عن طريق وصم وتعيير الأقلّيات، والمهاجرين/ات، واللاجئين/ات، والنساء، وكل مَن يُصنّف "آخر"، وتجريدهم/ن من إنسانيتهم/ن.

وفي معظم الحالات، يجري توجيه تلك الرسائل السياسية والاجتماعية على نحوٍ مجهول، بحيث تنتشر على نطاقٍ واسعٍ جدًا وفي وقتٍ قصير، بينما يبقى منتِجوها ومُعمّموها غير معروفين في الغالب. وبالتالي، يمرّ خطاب الكراهية السّام هذا وينساب من دون أن يلاحظه أحد، أو يتمكّن من تتبّعه من أجل مقارعته أو الحدّ منه، أو تحديد الجهة المسؤولة عنه، ما يساهم في استمراريته وانتشاره بالرغم من خطره الداهم على الأفراد والمجتمع، لِما يحويه من رسائل عنيفةٍ وتحريضيةٍ وملوّثةٍ بالشّر على أساس الانتماء القومي أو العرقي، أو اللون، أو الدين، أو الهوية الجنسية أو الجندرية.14 

خاتمة

إنّ العنف ضد أفراد مجتمع الميم-عين ليس بظاهرةٍ جديدة، إذ يُرجعه الباحثون/ات إلى العصور الوسطى.15 وفي عصرنا الحالي، يُعدّ العنف بدافع التحيّز ضد مجتمع الميم-عين أحد أسرع أشكال عنف الكراهية نموًا في الولايات المتحدة.16 فمهاجمة الفرد المثلي/ة تسمح للجاني/ة بتأسيس هويته/ا الجنسية والجندرية بصفتها هوية "طبيعية" وجزءًا من "نحن" الجماعة الغالبة والمسيطرة، كما تتيح للمهاجِم الرجل تحديدًا بناء وإظهار رجولته أو ذكورته "الصحيحة" مقارنةً بالذكورة "الخاضعة" أو "الفاشلة" لضحيّته المثلي.17 ومن الناحية النظرية، يسعى مرتكبو العنف ضد أفراد مجتمع الميم-عين في آنٍ معًا إلى التعبير بصريًا عن تحيّزهم في طريقة اللباس والسلوك مثلًا، ومعاقبة من يعتبرونه/ا منتهكًا الأدوار والصور الجندرية النمطية التقليدية، بغية إثبات انتمائهم/ن إلى الفئة الاجتماعية "الصحيحة" والمقبولة بحسب المعيارية الغيرية؛ وهو أمرٌ نلحظه أيضًا في تعليقات مُهاجِمي أفراد مجتمع الميم-عين على منصّات التواصل الاجتماعي.