العنف في سوريا - دائرة مفرغة ومستمرة

02/02/2020
1166 words

ننشر مقتطفات من تقرير "العنف في سوريا - دائرة مفرغة ومستمرة" بالتعاون مع مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات. تم إنتاج التقرير ضمن برنامج جندر رادار. 

الصحفيات المساهمات في كتابة التقرير:

رولا عثمان، نعمة علواني، آڤين شيخموس، هادية منصور، لمى راجح وبإشراف مديرة برنامج جندر رادار رؤى الطويل.

العنف ضد النساء والفتيات خلال الحرب: السياق العام

استخدمت الأطراف المتنازعة المسلحة النساء والفتيات في مختلف أنحاء العالم وعلى مرّ العصور كأداة لإذلال الخصم أو الضغط عليه أو ترويع العائلات وغيرها، ولا يقتصر ارتكاب هذه الانتهاكات على الجيوش النظامية وإنما تمارسها المجموعات المسلحة غير النظامية وحتى قوات حفظ السلام التي يتمحور دورها على ضمان الحماية واستعادة النظام1. ومن النزاعات المعروفة بانتهاكات حقوق الإنسان للنساء والفتيات عمليات الإبادة الجماعية في رواندا عام ١٩٩٤، وخلال الحرب الأهلية في سيراليون بين عامي ١٩٩١ و ٢٠٠٣، وفي ليبيريا والبوسنة، وفي الصراعات المسلحة المستمرة التي تشهدها المنطقة العربية حالياً.

العنف ضد النساء والفتيات خلال الحرب كما أيام السلم ذو طبيعة وجذر واحد وهو الذكورية التي تتمحور في أساسها حول فكرة تفوق الذكور على الإناث وبالتالي دونية المرأة مقارنةً بالرجل مما يعطي الرجال الأحقية الحصرية باتخاذ القرارات والهيمنة على النطاقين العام والخاص والملكية لجسد وحتى عقل المرأة، تنعكس هذه الأفكار على ممارسات وسلوكيات وسياسات الأفراد والمجتمعات والحكومات السلطوية في جميع مناحي الحياة. تقول الناشطة في حقوق الإنسان والنساء؛ أنداي سيجور: 

"الحرب هي نشاط ذكوري بطبيعته، والاغتصاب هو أحد أكثر التعبيرات تطرفاً ضمن الحملة الذكورية نحو السيطرة الذكورية على النساء. ويتم تطبيق هذه الأيدولوجية بشكل أكبر من خلال الطابع العدواني للحرب نفسها، أي السيطرة والهيمنة على أمة أو شعب آخر."

بالرغم من تنوّع خلفيات مرتكبي العنف ضد النساء والفتيات،  إلا أن الفعل ينبع من ذات المنشأ، ويبدو من غير المنطقي تبرير أو إدانة العنف بناءً على من يقوم به وليس لكونه نهجاً لا إنسانياً أو بناء على الأذى الذي يلحقه بالآخرين ويخلّفه في المجتمع. وفي نفس الوقت لا يمكن الفصل بين مستويات العنف المختلفة عندما يكون منشأها واحد. مما يعني أنه من غير الممكن الفصل بين أنواع العنف ضد النساء والفتيات على المستويات المختلفة، فالعنف الدولي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ينعكس على العنف المنزلي وعنف الشريك وغيره، وتقول الناشطة في حقوق الإنسان فرانسواز ندويمانا "العنف هو نوع من السيطرة، ولا يمكن السيطرة على الغير دون امتلاك قوة وحقوق ومكانة أكبر، العنف المنزلي هو البداية المرتبطة بالعنف السياسي ولكن بدرجات متفاوتة2."

من جهته، أشار مصطفى حجازي في كتابه "سيكولوجية الإنسان المقهور" إلى أن القهر جزءٌ من الهدر الإنساني وكلاهما يؤديان إلى بعضهما البعض. وانطلاقا من هذه النظرية يبدو بلا شك أننا جميعاً نعيش ضمن دوامة الهدر الإنساني لطاقاتنا، وأفكارنا، وحتى لكرامتنا الإنسانية، من خلال وجود منظومات سياسية وعسكرية سلطوية، وأجهزة ديكتاتورية تمارس القمع على الجميع وتشجع ممارستهم له فيما بينهم. في ظل هذا القمع اللامتناهي يمارس صاحب السلطة القهر على الأضعف منه. في العلاقات بين الجنسين، وبتوفر مجموعة عوامل كالنظام الأبوي السائد في الأنظمة السياسية، والقوانين، والثقافة المجتمعية، التي تعمل على حصر كلا الجنسين ضمن صفاتٍ وأدوارٍ معينة محددة مسبقاً، يكتسب الذكور شيئاً من التوازن والقيمة التعويضية الزائفة من خلال هذا الإسقاط. 

ويعبر عن هذه الممارسات بمفهوم "استمرارية العنف" الذي يشير إلى الترابط بين الأشكال المختلفة للعنف القائم على النوع الاجتماعي كالعنف النفسي والجسدي والاقتصادي الممارس على كل من المستوى الأسري والمجتمعي والدولي، ويوضح الروابط بين العنف القائم على النوع الاجتماعي في كل من سياقي الحرب والسلم، فجميع عمليات الاغتصاب في النطاقات المختلفة تحمل نفس الطبيعة الجنسية والدلالات والأضرار. كما يفيد المصطلح في طمس الحدود بين الحرب والسلم بشكل أوسع، ودحض فكرة أن الحرب حدث واضح ومحدد ذو نقطتي بداية ونهاية بدلاً من كونها عملية مستمرة، وهذا يدلّ على أن الحرب تبدأ أبكر وتستمر لفترة أطول مما تحدده التعريفات التقليدية، عن طريق محرّضاتها المتأصلة أساساً وتأثيراتها الممتدة.

ولكن هذا لا يعني افتراض أن عمليات العنف على المستوى الدولي متشابهة بشكل ملموس تماماً مع تلك التي تحدث على المستوى الخاص، فهناك اختلافات فعلية تكمن في الأشخاص المرتكبين والضحايا والناجين/ات، فالعنف خلال الحروب والنزاعات يرتكبه في الأغلب رجال مسلحون وغالباً ما يكون أشد من غيره وقد يؤدي للموت، كما يمكن أن يرتكبه أكثر من شخص في نفس الوقت وأن يشهد عليه عدة أشخاص أيضاً وبشكل قسري، وغالباً ما يستخدم أدوات إضافية وليس الأعضاء الجسدية فقط، ويتم تفسيره واستقباله بشكل مختلف من قبل الناجين/ات والجناة والمجتمع ككل. كما أن اغتصاب الرجال المسلحين للنساء والفتيات من مجتمعات العدو يحمل في كثير من الأحيان أسباب استراتيجية لا تكون موجودة عادةً على مستوى الاغتصاب المنزلي، الذي بدوره ينطوي على تجارب مختلفة أيضاً. هذه الاختلافات مهمة ولا يمكن تهميشها إلا أنه من الضروري الاعتراف بالمنشأ الأساسي المشترك بين العنف على كافة المستويات، والتأثيرات المتبادلة بينهما. بمعنى أن فعل الاغتصاب هو واحد سواء تمت ممارسته على المستوى المنزلي أو أثناء الحروب، كما أنه يحمل النتيجة والأثر نفسه من انتهاك وخوف وقهر ومشاعر إذلال قد يعيشه الناجي/ة.

وعلى الرغم من ذلك فإن معظم المبادرات الهادفة إلى إنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي في النزاعات تركز على العنف الذي يرتكبه المسلحون ضد النساء والفتيات كتكتيك حرب، ما يخلق تسلسلاً هرمياً للأضرار ويعطي أولوية لمعالجة الأخير عن أشكال العنف في السياقات الأخرى، فيحجب استمرارية العنف الذي يربط أشكال متعددة من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في كل من الحرب والسلم، مما يجعل من الصعب رؤية الانتهاكات اليومية السائدة في جميع البيئات وبشكل متزايد خلال الحرب3.

 

العنف ضد النساء والفتيات في السياق السوري: "الشرف" كأداة 

إن هناك عدداً لا يستهان به من النساء السوريات اللواتي تعرضن لانتهاكات عديدة من قبل النظام السوري وداعش من خلال الاعتقال والاغتصاب والتحرش. فأجساد النساء السوريات باتت وسيلة النظام لإذلال معارضيه، وهو ما يعكس حقيقة اعتبار المجتمعات بأن جسد المرأة هو ملكية للرجال وهم وحدهم الأوصياء عليه،  فحتى من نجين من الاعتقال لم ينجين من ظلم المجتمع. 

إن  استغلال أجهزة المخابرات السورية لمفهوم الشرف في قضية اعتقال النساء، بشكل واع ومقصود، دفع نسبة كبيرة من الأهالي، بشكل غير واع وغير مقصود، للتعامل مع بناتهم ونسائهم على أساس فرضية أنهن مغتصبات لا ضحايا اغتصاب.

فالنظام بدأ بفرضية مدروسة وممنهجة، وكان المجتمع عموما والنساء خصوصاً، ضحية هذه اللعبة، فالمجتمع ساعد في لعبة النظام دون وعي، وتعامل مع المرأة على أنها مذنبة ومشاركة لما تعرّضت له قسراً، فرفضها وحرمها من أبسط حقوقها في استئناف حياتها بشكل طبيعي. وقدم خدمة كبيرة للنظام بصمته وإجبار نسائه وبناته على الصمت عمّا تعرضن له في المعتقلات، وبالتالي التكتم عن الكثير من الشهادات، التي كانت ستدين انتهاكات النظام السوري وممارساته بحق شعبه، كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

إن إشراك المجتمع للمرأة في عملية الاغتصاب الذي تعرّضت له في المعتقل لا يقل وحشية ولا همجية عمّا عاشته وعانته طول فترة اعتقالها في فروع الأجهزة الامنية. فالكثير من النساء تعرّضن للطلاق من أزواجهن وهن لا زلن معتقلات في السجن المدني للنساء في عدرا، فقط لافتراض كونهن قد تعرّضن للاغتصاب. نساء حرمن من أطفالهن، فقط لكونهن معتقلات. نساء زوّجن قسراً، بعد فترة قصيرة من خروجهن من المعتقل، نساء حرمن من دعم أسرهن وحرمن من بيوتهن ومن العودة إلى حياتهن بشكل طبيعي، فقط لكونهن اغتصبن أو حتى لمجرد افتراض ذلك.  

وهنا ينبغي تركيز اهتمام مجال عمل المنظمات النسوية والنسائية ومنظمات توثيق انتهاكات النظام، بشكل خاص على قضية الاغتصاب في المعتقلات، من أجل تسليط الضوء وتوعية المجتمع على فكرة أن النساء الناجيات ما هن إلا ضحايا وحشية هذا النظام، ولسن مشاركات أو مسؤولات عن كل ما تعرّضن له قسراً في المعتقلات.

 

هذه مقتطفات من تقرير "العنف في سوريا - دائرة مفرغة ومستمرة" والذي تم إنتاجه ضمن برنامج جندر رادار. ننشر هذا التقرير بالتعاون مع مؤسسة شبكة الصحفيات السوريات.

  • 1. M. Rashida, and M. Calleigh (2011). 'Gender-Based Violence and Justice in Conflict and Post-Conflict Areas', p.11
  • 2. Partnership Africa Canada (2004). ‘Why Gender Still Matters: Sexual Violence and the Need to Confront Militarized Masculinity’.
  • 3. Gray, H., 2019. The ‘war’/‘not-war’divide: Domestic violence in the Preventing Sexual Violence Initiative. The British Journal of Politics and International Relations, 21(1), pp.189-206.