أيّها العالم، أنا بينيّة الجنس في مجتمعٍ يرفضني

08/10/2020
837 words

رغم التطوّر الطبيّ وتقدّم دراسات الجندر والجنسانيّة، ما يزال الأطبّاء يُحدّدون الجنس بطريقةٍ رجعيّةٍ لا تستوعب الجسد الإنسانيّ بأبعاده المختلفة وأشكاله المتعدّدة. تشاركنا سام قصتها عن الخطأ الطبي الذي غيّر حياتها بالكامل.

اسمي سام، عمري 30 سنة وأنا بينيّة الجنس. عشت لمدة 27 سنة من حياتي كذكر رغم أنّ شكلي وميولي لم تكن نمطيّة. ظننت لسنواتٍ عديدةٍ بأنّني عابرةٌ جندريّة لكنّ حقيقتي مختلفة ولم أكتشفها إلا بعد رحلةٍ طويلةٍ من التعب والخذلان. لم تكن الطريق سهلةً، بل محفوفةً بصراعاتٍ داخليّةٍ قاسية. حاولت قمع مشاعري، وبّخت نفسي كثيرًا، تركت إحساس الذنب يبتلعني ويُفقدني الثقة في اختياراتي، تقوقعت وانسحبت من دوائر علاقاتي ولم أنجح. الأمر ليس بيدي ولن أرضخ لسلطة المجتمع والعائلة التي تُريدني ذكرًا فحلًا. بدأت العلاج الهرموني لتصحيح الوضع وفقًا لهويّتي الجندريّة في ديسمبر 2017.

بعد 3 أشهر من العلاج الهرموني والذي كان يتكلف في حدود 600 جنيه شهريًا (38 دولار) بين حُقن الأستروجين وأقراص تثبيط إفراز هرمون الذكورة، لاحظت أن التغييرات كانت سريعةً للغاية، ففي خلال أسبوعين بدأ ثدياي يزيدان في الحجم بشكلٍ ملحوظٍ للغاية وتغيّر شكل الحلمات لتُصبح بارزةً أكثر، كما كانا متورّمين ويؤلماني بشدّة. يُمكن أن أصف آلام العلاج الهرموني بآلام الدورة الشهريّة عند النساء متوافقات الجنس ولكنّنا نعاني منها لأشهر. نسيت أن أقول لكمنّ بأنّ حجم خصيتيّ تقلّص ولم يعد لهما وجودٌ تقريبًا فقد ارتفعتا داخل جسمي حتى أصبحتا خارج كيس الصفن الذي بدوره أصبح فارغًا.

رفضت عائلتي فكرة عبوري خوفًا من العار والفضيحة فاضطررت إلى ترك المنزل. حاولت التقرّب منهم وزيارتهم بين الحين والآخر دون جدوى. كان الأمر صعبًا بالنسبة لي، أن أخرج من البيت الذي كبرت فيه غصبًا عنّي فقط من أجل إرضاء النّاس وتجنّب الأقاويل والإشاعات. عُدت إلى منزل والديّ بعد فترةٍ لإجراء فحصٍ طبيٍّ يُمكّنهما من فهم حالتي. كانا يبحثان عن أيّ شيءٍ يُطمئنهما ويُؤكّد لهما بأنّ "ابنهما" الصغير "سويّ" وليس "شاذًّا". 

بعد الخضوع للفحص الطبي في أغسطس 2018، شُخّصت بأنني لم أكن يومًا ذكرًا وهذا بالطبع بعدما طلب الفريق الطبي المعالج تحليل خارطتي الجينيّة وتحليل الهرمونات مثل التستوستيرون والبروجسترون والبرولاكتين، إلخ. وقاموا بالاطلاع على النتائج مع عمل سونار تحت الحوض (Below Pelvis) للتأكد من وجود رحمٍ أو لا، ليكتشفوا بأنني ولدت بينية الجنس؛ لديّ العضوان التناسليان الذكري والأنثوي، ولكن أحدهما اكتمل نموه وهو الذكري ويظهر باتضاح خارجيًا، والآخر الأنثوي لم يكتمل نموه ولم يكن مرئيًا بوضوح، إذ تظهر فقط بداية تكوينه تحت الجلد، وبالتحديد بعد كيس الصفن، ولم أُخلق برحم.

مجتمعنا الذكوريّ ينجح دائمًا في دسّ الأفكار السامّة وتخريب الأشياء الجميلة

يومها تذكّرت كلّ اللّحظات الصعبة التي مررت بها في حياتي. عانيت كثيرًا بسبب جسدي المختلف والآن أعاني الأمرّين لأنّني لم أستطع تغيير جنسي على الأوراق الرسميّة. فكلمة "ذكر" مثل البصمة التي تلازم صاحبها منذ ولادته وحتى منيته، تلاحقه في أوراقه الحكومية وبياناته، وحتى إذا حدث وتغيّرت البصمة إلى أنثى، فهل سيمرّ هذا في مجتمعنا الذكوري مرور الكرام دون أن يُحدث ضجّةً إعلاميةً أو بمعنى أدق وأصح "فضيحة"؟ لم أتعرض لهذا لأنني رفضت الخضوع لأية عملياتٍ جراحيةٍ في مصر، ولكنني رأيت الكثير من الحالات التي تعرّضت إلى التشهير والتشويه مثل سالي وهي أول عابرةٍ جنسيةٍ ظهرت على الملأ في مصر. أخاف أن أجري العمليّة بالرّغم من أنّها ضروريّة لتغيير الأوراق الرسميّة ليس فقط لأنّني لست واثقة من كفاءة الأطبّاء هنا بل لأنّ الكثير من صديقاتي العابرات جنسيًّا عانَين من الاكتئاب لفتراتٍ طويلة بعد العمليّة. في النهاية ومهما فعلت أنا في نظر المجتمع "رجلٌ تحوّل إلى امرأة"، وعذرًا لاستخدامي هذا اللفظ الواصم1 لأننا لا نتحول، نحن فقط نعبر من جنسٍ إلى آخر، فالحقيقة هي هويتنا الجندرية والزائف هو الشكل الخارجي الذي نحاول أن يكون متوافقًا مع ما نشعر به. أنا "المتحوّلة" التي ينظر لها الناس باستغراب ويُعاملونها باحتقار وكل هذا بسبب خطأ طبيب، مجرد خطأ حوّل حياتي إلى جحيم!

لا أفهم لِمَ رغم التطوّر الطبيّ وتقدّم دراسات الجندر والجنسانيّة ما يزال الأطبّاء يُحدّدون الجنس بطريقةٍ رجعيّةٍ لا تستوعب الجسد الإنسانيّ بأبعاده المختلفة وأشكاله المتعدّدة. يكفي أن ينظر الطبيب أو الطبيبة إلى العضو التناسليّ للرضيع حتّى يُحدّد جنسه ويحكم عليه بأن يكون إمّا ذكرًا أو أنثى رغم أنّ العديد من الأشخاص يُولدون بينيّي الجنس، وهذا ما حصل معي، ولم يجتهد الطبيب في فهم حالتي وقام بخطأ أدفع ثمنه إلى اليوم كما يدفع ثمنه الآلاف.

أعيش حاليًّا في بيت أهلي. ورغم أنّهم على علمٍ بوضعي وبكلّ تفاصيل الفحص الطبيّ، إلاّ أنّ ذلك لم يكن كافيًا ليجعلهم يحترمون هويّتي الجندريّة وتفضيلاتي الجنسيّة. وفي كلّ مرةٍ أغضب وأحتجّ على طريقتهم في التعامل معي، أسمع منهم الآتي: "اعتدنا على شخصيتك واسمك كرجل طيلة 27 سنة، فلا تطلب منا تغيير ذلك الآن". كنتُ أعتقد أنّ نتائج الفحص ستجعلهم يتقبّلونني بشكل أفضل ولكن معاناتي ما زالت مستمرّةً وأحسّ بالاغتراب والوحدة. التقيت منذ فترةٍ بشريك الأحلام ورفيق الدرب الذي خفّف وحدتي وتقبّلني دون أحكام، لكنّ فرحتي بهذه العلاقة منقوصةٌ لأنّ أهلي لا يُراعون مشاعري ويُنادونني بصيغة المذكّر أمامه. صحيحٌ أنّه مُتفهّمٌ وحسّاسٌ ويُحبّني بصدق، لكنّ مجتمعنا الذكوريّ ينجح دائمًا في دسّ الأفكار السامّة وتخريب الأشياء الجميلة. لا أعرف حقّا مدى قدرته على تحمّل كلّ هذا الضغط ولكنّني واثقةٌ من مشاعره.

أيّها العالم، أنا بينيّة الجنس في مجتمعٍ يرفضني ولا يقبل جسدي ولكنّني أقاوم. قد يبدو واقعي مريرًا وصعبًا ولكنّني أحبّ الحياة وأريد أن أعيش وأقفز وألعب وأغنّي وأرقص وألبس ما يحلو لي وأمشي في الشارع دون مضايقاتٍ وتعليقاتٍ ساخرة. صحيحٌ أنّ كلّ شيءٍ ضدّنا ولكنّنا يجب أن نغامر ونستمرّ في النجاة وفي البحث عن قلبٍ يحتوينا ويُربّت على أكتافنا بحنوّ ويقول لنا: "الحياة تستحق أن تُعاش".

 

  • 1. ملحوظة من فريق التحرير: استخدام تعبير "الوصم" يعبّر عن رأي الكاتبة. هناك عابرات وعابرون لا يرون تعبير "التحول" واصمًا ويستخدمونه بدل العبور.