أحببته مُعدمًا

حصار

أنا ابن جبلٍ واستقرار، ومُنذ جاورت جبالنا جارة غنية أصابتني هجرة الطّير وما أنا بطائر وما أنا ببدويّ يُطيق الرحيل والصّحراء.

بعد هجرتي هذه، تغيّر نمط الحياة، أصبحت "لاجئ".. ومع أني كنت أقيم سنين طوالاً خارج الوطن، وأعود إليه في سنين أقل، إلا أنه وبعد الحرب أصبح اسمي "لاجئ" وقد كنت فيما سبق "مغترب".

اندلعت الحرب وأنا في أولى سنين الجامعة،خلّفت خلفي هاربًا وطن، ودراسة، وعُمر.. والرجل الذي أحب.

لم أكن أعلم أنّ السياسة وهذا التهجير والرماد والبرد والباورد سيدخلون حتى في جلدك وعظمك وعلاقتك العاطفية، كان هذا أغرب درس قدمته لي الحرب، فبعد مرور ثلاثة سنوات عليها كان الرجل الذي أحب قد استقر في دولة نفطية، وأدخل في جيبه القرش فوق القرش حتى غدا بقدرة مقتدر "راعي حلال" أما أنا فحصلت على جواز أوروبي وأكملت دراستي، وهذا بلا شك قد خلق بيننا مسافة فوق المسافات الجغرافية.

أصبحت الطبقة التي يعيش فيها تدخل بيننا فمرّةً يتهكم على جسمي الهزيل وأخرى يحكي لي عن صدور الحسنوات التي يراهم في رسالةٍ أنّ ابرزيه أكثر! ولا أعلم من أين آتي بجسد يشبه مايرى في طبقته الجديدة.

أما أنا، فمهما بدت عليّ آثار التمدّن والبرجوازية أحرص على أن أتذّكر-وأُذكر- أنني الشّعب الأعزل المُهجّر.

وكلما أصابني التّراب، أو تمزقت بعض ثيابي أتعمد إظهار الأثر بوضوح، واتشح السّواد؛ حتى يظهر التّراب جليًّا وأؤكد على فكرة أنني الشّعب.

وهذا لا ينافي أنني أتحسس جسدي كأنثى، واسعى لأن أجعله بصورة حلوة تناسبني.

لا أنكر أنّ حالة الرضا التي كنت فيها قبل أن يقتحم حبيبي الطبقة البرجوازية ويخرج من وطننا البسيط قد تحولت إلى انعدام ثقة وبؤس شديد يظهر على وجهي.

أنا خرجت من كل هذا بعد مرور عامين من الاكتئاب والشك والكثير من البؤس، من يخرج الفتيات الأخريات من هذا؟ لاسيما المراهقات؟