عن الغيرة

ألاء محمّد

"ترويحة" تزور "جدل"

ننشر على جدل هذا النص الذي يتفاعل مع كوميكس "ترويحة" - وهي مجموعة قصص مصوّرة تتناول تجارب مراهقات/ين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة. 

انظروا الحلقة 7 من "ترويحة" خلال الرابط

ننشر هذه المادة كثمرة من ثمار التعاون بين موقع جيم ومؤسسة القوس.

من أكتر الصور اللي بتيجي ع راسي  بس حدا يجيب سيرة أيام الطفولة هو ساحة المدرسة الكبيرة: غابة مصغّرة، فضاء كبير مليان بالكائنات الصغيرة المتوحشة ملتمة ع بعضه؛ بتتعارك، بتتصالح، بتشارك أشيائها. بس زي كل اشي تاني  بعالمنا الو كبير، كان في بهاي الغابة اللي اسمها ساحة ملكة. 

الملكة بنت صفي اللّي لسوء الصدف كنا أنا وإياها بنتشارك نفس الاسم، بس مكناش نتشارك نفس الخصائص، كانت ألاء بنت صفي متل أسد الغابة الي الكل بده يكون حوليه: مرحة، اجتماعية، ذكية، وكل الصفات الي ممكن تنحَب بطفلة صغيرة، وأنا ع النقيض متل قنفذ الأرض ما حدا بشوفه و بطل عالسطح من فترة للتانية.

خلال الابتدائيه كان في عندي شعور تجاه هاي البنت أنه أنا مش حبيتها ومش طايقتها  وأصلا أصلا مش عنجد في اشي مميز عندها. طول الوقت أحاول أقنع حالي بهاي الأفكار وأستخدم غريزتي الأولى: الابتعاد. هيك صار شعوري تجاه هاي البنت اللي مكانش مفهوم شو هو،  وهالشعور خلاني أختار الانعزال وأصير أنا القنفذ اللي بقعد تحت الأرض عطرف الغابة لا بده يسمع ولا يشوف.

لسنين طويلة مكانش واضح شو هذا الشعور بس مع الوقت أدركت أنه شعوري تجاه هاي البنت كان الغيرة. إنه ليش هي المفضلة و أنا لأ؟ ليش ما أكون أنا هذا الشخص الي الكل بده يكون حوليه؟ مع الوقت أدركت إنه شعوري بالغيرة تجاه هاي البنت ضرني أنا بالأساس، خلاني أبعد عشان ما أشوفش الاشي اللي مضايقني وعشت عزلة الطفولة وأنا بقالب بهالشعور.  

خلال مراهقتي، لعب معي الزهر زي ما بقولوا و انتقلت لمستوى آخر بالغابة المصغرة (المدرسة) وصرت الشخصية المحبوبة لكتير طالبات ومعلمين ومعلمات، بس برضه لمّا أتذكر هاي المرحلة بتذكر زميلة كانت دايمًا بدها تعمل مواجهة معي ومش مواجهة من محل منيح، إنما مواجهة تحسسني عاطل مع نفسي بكل المرات، مواجهة و صدامات بلا أي سبب منطقي، و مليانة بالرفض إلي. مكنتش أفهم شو بدها منّي، إنه تمام منكونش صحاب بس الاشي كان دايمًا يترك جواتي تساؤل إنه ليش هيك بصير معها. 

و على ضوء الاكتشافات اللي بنمرقها مع حالنا، بفكر اليوم إنه اللي كان يصير مع هاي الزميلة هو اشي مشابه للي عملته أنا بطفولتي، شعور بالغيرة مني لأسباب ممكن تكون مش مبنية ع نفس الأساس ولكن الإيحاء هو ذاته. هون فهمت إنه مش بس لما إحنا منغار من حدا منتأذّى، وإنّه كمان لما حدا يغار منّا ممكن يسببلنا شعور بالضيق مع حالنا لأنه بشكل مستمر بضل  يحط علامات سؤال على مين إحنا و بخلينا نتفرج و ندوّر في عيوبنا.

من كم سنة طلعنا نسهر أنا و شريكتي وأصدقاء، كان المكان حلو: قعدة، أغاني حلوة، صحابي حوليّ، الكل عم يحكي ويمزح ويضحك، بمرحلة ما  صرنا عم نرقص، و من لما بدينا الرقص بلشت الأمور تتصاعد عندي، و أنا برقص لمحت من بعيد صبية عم تتقرب من شريكتي وبدأت تلتف حوليها متل الحية وأنا هون بلش عداد الغضب عندي يعلو. إنه مين هاي وشو عم تسوي حولين شريكتي، وبدوري كحيوان اجتماعي بحاول يكون محترم ضليت أقمع شعور الغضب الناتج عن الغيرة، وأخدت دور الثعلب اللي بتفرج بصمت و بسجل الحدث لحدّ ما روحنا وهناك بلشت الحرب العالمية الثالثة الي مليانه بالصياح و الغضب، والأسئلة التحقيقية زي مين هاي البنت وشو بدها منك، من وين بتعرفيها وأسئلة كتيرة ع هاي الشاكلة.

 

 

 

 عطول الوقت موضوع الغيرة اشي مرافق بحياتنا ، ومش مرافق سهل أنه نحمله معنا و نحكي عنه، شي ثقيل  بستنزف طاقاتنا و تفكيرنا و مع كل مرات التفكير صرت أرجع لورا وأفكر كيف المشاعر عنا بتتكون   .بالأساس إحنا كبشر وجزء من كائنات حية من أوّل ما  نصحى ع الدنيا في كتير مشاعر بتكون عم تجتاحنا، وآه بتجتاحنا لانه منعرفش كيف بنصير نحسها  وكيف بتتكون وببداياتها بتكون اشي غريب علينا وبضايقنا متل شعورنا بالحب، الكره، الحزن، الغضب. بس أنا بفكر أتقل شعور بين كل هالمشاعر اللي بنحس فيها هو الغيرة.

 بالنسبه إلي الغيرة هي اشي كتير كبير، شعور بحتوي جواته كل المشاعر من حب، كره، غضب، زعل، وكتير مشاعر تانية. كيف يعني هيك؟ وبصير عنا كمشة أسئلة: شو يعني إنو أنا بغار ومتى أنا بغار؟ وسؤال بنقضي  كل حياتنا معه هو شو يعني أنا بغار أصلًا؟ أنا غيران من ولا على؟ و بنكتشف بعدين إنه كمان بنفس الوقت ممكن حد تاني يغار منّا، طب هو أنا بس لحالي اللي بغار، هيك بصير معنا هاي الأسئلة بتخلي عنا أفكار بتاكل راسنا لأسابيع وأيّام.

 

ومع الوقت بتتحول كل هاي الأسئلة   والأفكار  لصراع داخلي مع حالي قبل ما تكون صراع مع الناس اللي برّا وصراع مع كل عيوبي و تناقضاتي، ولأنه مرات صعب إني أشوف عيوبي لكتير أسباب ولأنه أسهل إنه نشوف عيوب التانيين بصير أكعكش بغيري و بلتهي عن اللي عندي.

  بعد محاولات ل فهم حالي ع مدار السنين  صرت أشوف أو أحاول أشوف  الأشياء بطريقة تانية، أو أتطلّع عمواقف أنا غرت فيها من أشخاص أو أحداث، وأفهم وأتساءل  هل عنجد كانت مستاهلة كل هالغيرة والتعب والغضب والزعل بوقتها، لما بديت أفهم ليش أنا غرت و أتقبل هذا الشعور و من أي محل أنا غرت، بدون ما أذنّب نفسي وأفهم أنه هدا شيء مذوت من سنين و مش اشي بروح بكبسة زر. 

صرت أحكي عن الغيرة كاشي مضحك وأضحك عحالي كيف تصرفت هيك، بس السؤال عنجد أنا شايفته مضحك، ولا أنا بدي أفكر فيه كحدث مضحك عشان صعوبة تقبل أنه أنا مريت بهذا الشعور.     

بس اللي بقدر أتذكره وأدركه أنه الغيرة بتكون زي "النار بالهشيم"، باللحظة الي منبدا نغار فيها بتصير الغيرة زي نار وفاقت وبتبلش تحرق كلشي حوليها بقصد ومش بقصد وبتحرقنا معها وبتغمي عنينا وبتضغطنا وبتحطنا بمواقف مع حالنا ومع صحابنا ومع شريكتنا/شريكنا بمحل مش حلو، و بحطنا بمحل أنه نسبب أذى لغيرنا و لنفسنا ومنبطل نشوف الحب والأشياء الحلوة اللي عنا وعند غيرنا. شعور الغيرة هو اشي مذوت بمجتمعاتنا من  سنين و انتقلت إلنا وبنذوتها من احنا صغار. هي اشي مش عيب و لا غلط ، لأنه الاشي الي احنا بنشعر فيه فهو حقيقة اشي بنشعر فيه، مهم نحكي عنه و نشاركه بدون ما نضل نلوم نفسنا ونذنبها و نفهم حالنا ونتعامل مع مشاعرنا حتى ما  نغرق بمشاعر صعبة اللي تخفينا و تخلينا ما نتواصل مع غيرنا.