عن الفقدان

تمارا ناصر

"ترويحة" تزور "جدل"

ننشر على جدل هذا النص الذي يتفاعل مع كوميكس "ترويحة" - وهي مجموعة قصص مصوّرة تتناول تجارب مراهقات/ين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة. 

انظروا الحلقة 3 من "ترويحة" خلال الرابط

ننشر هذه المادة كثمرة من ثمار التعاون بين موقع جيم ومؤسسة القوس.

 

تُباغتنا فقداناتنا/خسائرنا الصغيرة كما تباغتنا خسائرنا الكبيرة، في معظم الوقت. ربما لا ندركها ولا نلمسها توًا عند حصولها، فترتدّ إلينا حسب مزاجها حينما تشاء وكيفما تشاء. قد تعود أشباحًا متوحشة خارجة من وكر الشيطان نفسه تهزّ النفس البشرية هزًا مدويًا. وأحيانًا أخرى تكون خسائرنا بمنزلة موسيقى كلاسيكية يعزفها الألم مع كأس نبيذ معتّق. نتخيّل سماعها، ندقق ونتمعن بها، فيتجلى الصوت طيفا يلوح خجولا في المخيال. وفي أحيان أخرى تُصدر المعزوفة صوتا صامتا، تفعل في النفس ارتجاجات، نرقص على إيقاعها رقصة رقيقة مترنّحة. 

 

هل تفقد الكويريات أكثر بصفتهن كويريّات؟ هل للفقدان حضور أكبر في حياتهن؟ هل يدور الأشخاص الكويريين في فلك مثقوب يرشح منه الوجود الذي كان يُمكن أن يكون؟ (الحياة الهترونورماتيف) هل يمكن أن يكون الفقدان النقطة التي يرتكز عليها التأسيس "للذات الكويريّة"؟ وهل تسلك الكويريات دربًا فيه عدّ متواصل للخسائر؟ أم هي رحلة في درب تُقطف فيه الثمار ويُقتلع منه الشوك من جانبيّ الطريق؟ شيء واحد مؤكّد، وهو أن لا وجود لإجابات مطلقة أو مؤكدة. ولا مبدأ واحد يسيّر الوجود الكويريّ. قد يكون توجّه البعض  للحياة بوِزر شعار "الوجود كله فقدان وحرمان" ويحكم البعض الآخر خفّة مبدأ "أن الوجود كله امتلاء ومحبّة". وهناك من يرقص على حبل يصل بين المبدأين.

 

قد تسيطر أحيانا على الكويريّات الحسرة لمرأى احتفال عائليّ عند زواج الأخوة مثلًا، وفي أحيان أخرى يسيطر شعور بالراحة وارتياح لفكرة عدم المشاركة في طقوس وعادات اجتماعية سأم منها الناس ولكنهم ما زالوا ملزمين بممارستها. 

كيف وبماذا تختلف خسائر الكويريّات عن الخسائر التي يتكبدها الأشخاص الهترونورماتيف؟ هل يتكبدن الكويريّات الخسائر لأنها جزءًا من سيرورة طبيعية يجب تقبّلها والتصالح معها؟ أم هي خسائر يتكلّفن بها جرّاء القمع الممنهج والممارسة السلطوية العنيفة والذكورية؟ هل الألم ناتج عن خسارة إمكانية أن يُحب الشخص الكويريّ ويشعر بالحب بسبب كويريّته؟ أم هو ألم ناتج عن فقدان إمكانية الزواج مثلًا؟ هذه فروقات جوهرية، ومع إدراكها يصغر أو يكبر حجم الألم والغضب.

 

ربما نكون في فترة المراهقة مرهفين الاحساس ومتحمسين. ربما نكون مدفوعين بالحب والحماس ولا نتوقف حينها لحظة كي نقيس حجم الخسائر المحتمل، سواء كانت خسائر عضويّة أو غير عضويّة للحياة. فالوجود في تلك الأيام ربما يكون كله موسيقى شابة نابضة وصاخبة أحيانا، وتكون شياطيننا ما تزال أفراخ صغيرة تلعب سويّة مسرورة في باحات خلفيّة. ربما لا نخاف من شيء ولا نشعر أننا بحاجة لحساب شيء. ربما يكون مبدأنا الوحيد هو الحماس. فلا نودّع خسائرنا بطريقة حساسّة، ولا نقيم تأبينا ودفنا يليق بمكانتها. للخسائر مراتب وتراتبيّة أيضا(ربّما). قد نُمسك بخسائرنا ونقول لها"مع القَلعة"، لا نريد ولن نعتاز شيئا من تلك الأرباح والامتيازات. ومع هذا، قد تباغتنا أحيانا تلك الخسائر الصغيرة\الكبيرة التي ظننا أننا رميناها إلى الجحيم. ترتدّ هذه الخسائر وتعود، وأحيانا تقوم بملاحقتنا بعناد. لكن ربما سوف تأتي ساعة نستطيع فيها أن نقف في وجه الخسائر متصديات ومتصديين. نستلّ مسطرة حادة ومقياسًا نقيس بهما حجمها الحقيقيّ. أنظر الى "خسرت الطريق الأسهل بس كسبت حالي" من كوميكس ترويحة وأرى المباغتة السيكولوجية للخسائر. كأنها تقول لنا ولمن يراها من الكويريّات/ين: ربما سوف تفقدون وتخسرون، ولكنكم على هذا الدرب سوف تجدون وتجنون أيضًا.