عن الوحدة

محمّد أبو رميلة

"ترويحة" تزور "جدل"

ننشر على جدل هذا النص الذي يتفاعل مع كوميكس "ترويحة" - وهي مجموعة قصص مصوّرة تتناول تجارب مراهقات/ين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة. 

انظروا الحلقة 1 من "ترويحة" خلال الرابط

ننشر هذه االمادة كثمرة من ثمار التعاون بين موقع جيم ومؤسسة القوس.

 

3 أسئلة بتشغل بالي لما أفكر بالوحدة. متى بديت أفهم إنه محتاج للآخرين؟ شو بتقول عني حاجتي العميقة لتلقي الحب من شخص آخر ولعلاقة عاطفية؟ وكيف علاقتي مع هويتي الجندرية رح تأثر على مستقبلي؟

في مراحل المراهقة مع إدراكي لكيف المجتمع بيشوف الميول الجنسية المختلفة، بديت أبني فرضيات براسي عن شو ممكن يكون رد فعل عائلتي لميولي، حتى بدون ما ينفتح الموضوع بشكل مباشر. كنت أنكش الموضوع مرات وأشوف شو إمي وأخوي بيحكوا، وأحاول أجيب حقائق وأجاوب أسئلتهم. بفكر كنت أتامل أو أستنى أسمع عبارة معينة اللي رح تخليني أحس إنه فيه أمل. ويصراحة، مرات كان النقاش يجيب نتيجة. لكن بشكل عام هاي المحادثات كانت مرهقة وما كان عندي حدا أحكيله ويساعدني كيف أعمل هاي المحادثات الصعبة. وهون بديت أنعزل. أفكر إنه ازا الاشي هلقد متعب، فأنا مش رح أواجه، ورح أستنى ليتغيروا أهلي من حالهم، وأخدت جملة راني شعار إلي  "فش أحلى من القعدة لحالك".

بس هاي العزلة للأسف ما دفعتني أدور على ناس داعمة. ما كان عندي فكرة إنه فيه هيك أشخاص وين أنا عايش أصلاً، وبشكل عام ما كان صحاب قراب لحد هاد الوقت من حياتي. بالصدفة لقيت مساحات أونلاين اللي فيه أشخاص عندهم تجارب بتشبهني وكانوا يحكو عن علاقتهم بأهلهم ومع حالهم. فيه هاي المساحات قدرت أكون مرتاح وأحاول ألاقي أمل - بس بالإنجليزي. وكان طول الوقت في الفترة نفسها في عزلة عن اللغة العربية، لأنها اللغة اللي ما كانت تسعفني بكلمات تريحني. كنت أفكر إنه راحتي بتيجي من المصطلحات اللي انكشفت عليها واللي أشخاص بستخدموها يوصفوا هويتهم، زي مثلي / gay / ترانس  / كوير / جندركوير... في الواقع مش هاي الكلمات هي اللي ساعدتني أفهم حالي، اللي ساعدني إني تعلمت كلمات بتوصف شو بحس، زي الحزن، الغيرة، الغضب، الخزي. لما قدرت أفهم شو أنا حاسس، حسيت أقل وحدة.

فعلياً، أنا فقط بعُمُر ال 19 في الجامعة بديت أفهم أهمية يكون عندي صحاب أحكي معهم عن اللي بمرّ فيه وبحسّ فيه. كنت بقضي وقت مع مجموعة صحاب التقيتهم في الجامعة، وبنفس السنة كمان انضميت لمجموعة شبابية للقوس كنت شايف إعلان عنها على فيسبوك. وقتها لما قدرت أختبر وأعيش داخل مجموعات، فهمت قديش كنت وحيد بكل السنين اللي مرقت. وهون بديت ألاقي مساحة اللي ما كنت فيها عايش نفس العزلة، وكانت كافية تعوضني عن وحدتي بين أهلي. وزادت الوحدة بالبيت لما أختي الكبيرة تزوجت وطلعت من البيت، بعد ما كانت هي الأقرب إلي بالبيت. كنت أحياناً أحس بغضب إنها تركتني، بس هلأ بفهم إنها هي كمان كانت ولسا عم تحارب صراعاتها. كلنا بصراع بشكل أو بآخر.

وشعور التخلي اللي كان وقت زواج أختي ما كان حادثة منفصلة. أنماط تفاعلنا مع الناس اللي بنحبها بتعيد حالها في محلات تانية. الحاجة للحب في حياتي كانت واضحة من عمر صغير، ولما بنيت جدران بيني وبين عيلتي، صحيح إني خففت من الألم، بس ما قللت من الأذى. لأنه جدراني كمان منعت الحب يوصلني من أهلي. وحاولت ألاقي هاد الحب في علاقات اجتماعية تانية. بس استمر النمط واضح من الشعور المستمر بالتخلي من الناس اللي كانت قريبة علينا، والبحث المستمر عن الحب. تساؤل مجد "وأنا… رح ألاقي بنت تحبني وأحبها؟" كتير مألوف. بمرحلة معينة بنبطل نصدق وبنجلد حالنا على تضييع أي فرصة نلاقي حدا يحبنا. بلاحظ قديش صرت أتمسك بأصدقائي والناس اللي بحبها بشكل أكبر؛ فيه خوف نخسر الناس اللي بنحبها. انزرع فيي هاد الخوف بمرحلة معينة، ولحد وقت قريب كان الخوف يدفعني أعيد نفس الأنماط وأتشبث بأشخاص علاقاتي فيها مش سليمة أو أحياناً مؤذية للطرفين.

غير إنه العلاقات العاطفية بتتعقد لما أنا بمرحلة عم بحاول أستكشف وأفهم تجربتي أو هويتي الجندرية. اللي هي كمان رحلة ممكن تكون مليئة بالوحدة والتخبط. بكتير مراحل اتجاهلت هويتي الجندرية وما تعاملت معها، بس السبب كتير واضحلي اليوم. السبب هو إنه ازا أجبرت نفسي أتخيل حالي بالمستقبل، رح أضطر أفكر وين بدي أعيش ومع مين، وعلى أي علاقات بدي أحافظ، وكيف هويتي الجندرية رح تأثر على علاقاتي العاطفية، ولمين مهم إلي أحكي ولمين لأ، وشو أصلاً مهم إلي أقول عن هويتي الجندرية… هل بقدر أبني علاقة أو رابط عاطفي مع حدا تاني في الوقت اللي ما عندي اللغة أعرَف عن نفسي؟ أو في الوقت اللي عندي هلقد تساؤلات عن حالي؟

بس بنفع هلأ آخد نَفَس. لأنه هاي الأسئلة رح تضل معي، وجزء كبير من صورة المستقبل بتتحدد بالعلاقة مع مين أنا اليوم، ومين بدي أكون بكرا. وهاي الأسئلة كبيرة وبنفع نخليها ليوم تاني. بس في هاي اللحظة، الاشي اللي عندي ثقة فيه هو إني قادر أقرر كيف أنا حابب أعيش. وفي هاي الحياة المتخيلة فيه عدة جوانب ولسا فيه كتير خطوات بالطريق. بس الأكيد إنه بدي إياها تكون حياة فيها هدف وشغف وكمان -بتمنى- أشعر أقلّ بالوحدة، سواء لحالي أو بين ناس...