haya_jeem_jadal

عن وحش أسود

هيا حلاو

أفتح عيناي ببطء. دقات قلبي متسارعة. تقف بجانب سريري وتنظر نحوي بثقب. سوداء قاتمة لزجة. تعلق بكل أشيائي، وتترك بصمات غامقة من الصعب مسحها.

أرفع جسدي بحركات حذرة وأتنفس بعمق. أشعر بها تضع يدها على رأسي، يدها ثقيلة تخترق رأسي. تعتصر دماغي وتنفخ سوادها في أنسجتي وعروقي. "يوم أسود آخر"، أردد لنفسي. منذ سنوات وهي تتبعني. تحيط بي كضباب أسود خانق، وتعتصرني من رقبتي ليلًا. أما نهارًا، فتعلك جميع لحظات يومي وتبصقها أمامي لا مبالية. تبعد يداي عن الرسم والكتابة وترشق أغراضي بسموم سوداء. تلحق بي إلى سرير نومي يوميًا، وتجلس أسفله ناقرة بأطراف أصابعها ببطء على حوافه. "أنا موجودة"، تؤكّد لي.

أمشي بتقاعس نحو مكتبي. آثار أقدامها تملأ البيت، دبقة تعلق أسفل قدميّ، تجعل خطواتي ثقيلة كأنها ملتصقة بالأرض بصمغ. الطاولة سوداء، الأقلام سوداء، لا وجود لصفحات بيضاء... هي لم تترك لي أي بقعة صافية. تمسك بكتفي بحزم لتُعلِمني انها هنا. لا مهرب منها. 

أصبحت أيامي كشريط موسيقي رديء يعيد نفسه مرارًا وتكرارًا. أقف وراء نافذتي وأرى ظلالًا وأطيافًا. أرى أصدقائي يلوحون لي من بعيد. الحياة تضج في الخارج كسيرك من الألوان والحركات. لكن قدماي لا تستطيعان ان ‏تطآ عتبة المنزل. أنا سوداء الآن، قاتمة، أتبعثر بين أفكاري وكلماتي المبهمة. مكاني هنا وراء النافذة.

ها هي تقف خلفي على مائدة الطعام، وحش أسود عملاق لا أحد يراه غيري. تتناول طعامي معي وتهمس في أذني أنها موجودة، لن تتحرك... أبتلع دموعي مع اللقمة، وأنظر إلى الصحن.

haya_jeem_jadal.jpeg

haya_jeem_jadal

- الرسمة لهيا حلاو