نريد أن نكون أمهات عاديات

زهره الفرج

 

الاستعباد المقدس

غير مسموح لنا بالفشل، أنه أكبر عقاب يمكن أن يفرض على أحد. عندما يتعلق الأمر  بالأمومة يجب أن نتمتع بمهارات هذه المهمة المستحيلة، أن نصبر دائمًا، نضحك، نحكي، نخدم، ندلل، نضحي، نفنى، ولا  نسأل عن المقابل. أن نقاوم كل شعور بالإحباط، أو الغضب من  هذه المخلوقات التي تسمى أبناؤنا. يجب أن لا نقول أننا لسنا دائمًا مستعدات بأن نكون أمهات، وبأن  هذه المهمة لا توقظ  قاع أرواحنا أحياناً. لم يخبرنا أحد بأن التعثر والارباك مسموح بهما، وأنه من الممكن أن نكون مختلفات عن أمهاتنا اللواتي سحقت أجسادهن وأرواحهن في سبيل آلهة الأمومة المبالغ فيها.الأمومة كما يصورها المفهوم المجتمعي التقليدي ماهي إلا استعباد مقدس.

أشجار عارية

هكذا يبدو الأمر.. عندما يتم إلصاق قيمتنا كنساء بالإنجاب، و فرض أمومة خدمية علينا، و كل ما دون ذلك هراء ولا يؤخذ على محمل الجد، الأمر الذي وصفته  الكاتبة  فيونا شميت  " وكأن محاولة الإنجاب أو الحمل، هو الفعل الوحيد المجدي للمرأة، ويطلق لقب "النساء العاريات" على اللواتي لا يستطعن الإنجاب، كأنهن شجرات عارية فحسب، لا يورقن ولا يثمرن".

وليس هذا فحسب  بل  يتم توجيه إيحاءات سلبية  تجاه الأمهات العاملات، أو اللاتي يلجأن للمساعدات و الحاضنات، يوصمن بالتخاذل والتقصير، وعدم الاستحقاق، مما يدفع الكثيرات للدخول في متاهة لوم الذات و الشعور الدائم بالفشل، و أحيانًا كره أبنائهن. في حين يجب التعامل مع الأمومة  على أنها تجربة شعورية خاصة، لا يمكن تعميمها ولا يمكن حصرها في المهام الخدمية، التي من المفترض أن نتقاسمها مع الشريك. 

تلميع و تمييع 

يتم وصف النساء بأنهن كائنات عاطفية، نواحة، متطلبة، ماذا نتوقع منهن؟ عندما نوهمهن بأن البيت و تربية طفل أو أثنان وقد يصل الأمر لعشرة أطفال، هو الأفضل لهن، مرافقة الأبناء وخدمتهم, امتصاص غضبهم وتلبية متطلباتهم الوجدانية والعاطفية, هذا التلقي الهائل من مشاعر الآخرين وهم (الأبناء) هنا, و أيضاً بذل و تصنع و كبت مشاعر كثيرة و طويلة ممتدة إلى أرواح متعبة ما هو إلا استنزاف يتم تلميعه وتميعيه في مفهوم الأمومة المبالغ. 

ربما التصديق على مقولة "الأمومة  منتج ذكوري" يبدو فعل فادح، لكن يمكن القول بأن تأطير الأمومة بهذا الشكل الاستعبادي هو فعل ذكوري، أن يتم استعباد المشاعر والوقت والجهد ووضع اوسمة لكل فعل فيه أمحاق للذات مقابل الآخر (الأبناء-الزوج) هو توحش يمارس ضد النساء. ولعل قصص النساء اللواتي عانين من تنمر المجتمع على خيارتهن الأمومية أن صح التعبير، هو خير شاهد على ما أقصد  بالمبالغة، وهذا يبدو واضحًا  عندما يتم التقليل من أمومة النساء العاملات، وبالتالي قد تضطر بعضهن لترك أعمالهن, حتى تتخلص من شعور الذنب، وهكذا يبقى الرجل هو المتحكم والمترأس للحياة في الخارج. 

وهذا ما تؤكده الكاتبة الهولندية يوكه سميت في مقالة "نزق المرأة" حيث تذكر

 " منذ اكتشاف فرويد مدى تأثير الطفولة على مسار حياة الإنسان، صار الناس يموتون من خوف أن تقصّر الأمهات في مهامهن. لقد تم تسويق كلام فرويد كطبيب مختص من أجل إدامة حكم مسبق قديم: مكان المرأة هو المنزل. كما أن للأب دور مهم أيضاً في فكر فرويد. ولكن بشكل من الأشكال لم ينعكس هذا على الوضع العملي، لا يتم تذكير الرجال بمهامهم التربوية بشكل منهجي كما يحصل مع النساء" 

نريد أن نكون أمهات عاديات

الكاتبة التركية إليف شافاق في روايتها "حليب أسود"، تصف تجربتها مع الأمومة والمنعطفات الجسدية والوجدانية التي كان من الصعب تجاهلها مقابل الظهور بمظهر الأم السعيدة المتوقعة, وكما قالت

" إننا نقمع جوانب كثيرة من شخصياتنا ونكبُتها في سعينا للوصول الى الصورة المثالية التي نحاول العيش وفقها هكذا يندر ان تحيى بداخلنا أي صوره للديمقراطية وانما استبداد الاقلية حيث تسيطر على بعض الأصوات على كل ما عداها". 

لقد تآمر الكثير من المستفيدين من خلق هذا الدور الاستعبادي ليظهروه بمظهر الجلال، لكنه جلال مُقنّع، وعندما تثور ثائرتنا و نطلب أن نكون أمهات عاديات، يتم إسكاتنا بالقصائد والمقولات والوعود التي أنشئت من أجل تكريس هذا الدور، وأحيانًا كان يتم بشكل مباشر وفج, عندما لا نشاهد في إعلانات المنظفات, والطبخ, والحفاظات، والأدوات الكهربائية المنزلية، سوى النساء و بالأحرى النساء الأمهات  نفهم الأمر، بأنه بالإضافة لكل ما سبق ذكره هو أيضًا ابتزاز عاطفي يتم استغلاله وربطه بالخدمة  والعاطفة.