رتق بكارةٍ وشيخٌ مكبوتٌ وشريطٌ حميم: صراعاتُ الرغبة والمجتمع والدين في رواية "حُرمة"

"لماذا كلّ هذا الضرب من أبي؟"
"هل يجوز أن نسمع صوت المرأة ولو كانت تتلو قرآن؟"
"أنت لا تصدّقي أنّ بالإمكان إعادة العذرية إلى البنت إذا فقدَتها؟"
"لماذا ضربَتني مدرّسة التربية الإسلامية بسبب رسمي للقلب؟"

تحضر هذه التساؤلات في رواية "حُرمة" للروائي والشاعر اليمني علي المقري، التي تدور أحداثها في اليمن، حيث لا مجال لحرّية التعبير عن رغبات الجسد والجنس.

عمل  علي المقري محرّرًا ثقافيًا لمنشوراتٍ عدّة، وتُرجمت رواياته إلى الإيطالية والفرنسية والإنجليزية والكردية. في عام 2002، عمد بعض رجال الدين إلى ملاحقته وتكفيره وإصدار فتوى تقضي بجلده، على خلفية قصيدة "تدليك" التي يقول فيها:

"أريد أن أعرِّيكِ تمامًا
ثم آخذكِ إلى الحمّام
وأدلّكُ جسمكِ بالصابون وتدلِكينني
حتى يسهل الدخول إليكِ والخروج مِنِّي
بعدها تقفين عاريةً
تنشِّفينَ جسمكِ

بالمنشفة التي أُقدِّمها للناس الذين لا أهتمُّ بهم كثيرًا

وتذهبين بدون وداع".

في الأسطر الأولى من الرواية، تسترجع الشابّة، حُرمة، حرمانها الجنسي في مراحل الطفولة والمراهَقة بينما تستمع إلى أغنيةٍ أهداها إياها جارها سهيل. تردّدَت كثيرًا قبل سماعها لاعتقادها بأنّ الغناء حرام، لتكتشف بعدها أن الأغنية هي "سلوا قلبي"، وهي أغنيةٌ إسلاميةٌ لأم كلثوم في مدح الرسول محمد. 

كلّ مقطعٍ من الأغنية يعيد لحُرمة ذكرى ما.

 وكنتُ إذا سألتُ القلبَ يومًا

تولّى الدمعُ عن قلبي الجوابا

تتذكّر حرمة عندما كانت في الثامنة كيف أجبرها والدها على ارتداء النقاب للمرة الأولى، ومنذ ذلك اليوم لم يرَها أيّ شابٍّ أو رجل. "شعرتُ بأنّني لم أعُد أمشي وإنما أتدحرج ككومةٍ سوداء.. سألتُ نفسي أمام المرآة ما الفائدة من هذا الجسد؟"

في المقطع التالي من الأغنية:

وَلي بين الضلوع دمٌ ولحمٌ

هما الواهي الذي ثكل الشبابا

تتذكر حُرمة يوم انهالَت عليها مدرّسةٌ بالضرب. لم يكن ذلك لذنبٍ اقترفَته وإنما لأنّ زميلتها أعطتها ورقةً عليها رسمُ قلب.

لا تكتفي المدرّسة بالضرب، بل تشكوها لأبيها الذي يضربها بدوره أيضًا، لتستنتج حُرمة عندها أن التربية تعني الضرب.

أمّا شقيقتها لولا، فتعيش تجارب جنسيةً مع مديرها في اليمن، بينما تتظاهر بالتديّن أمام أبوَيها. وقبل أن تسافر إلى باريس، تعمد لولا إلى رتق بكارتها نزولًا عند رغبة المدير. وعندما تركب الطائرة، تذهب إلى الحمّام لتخلع عباءتها السوداء وترتدي تنورةً قصيرةً وقميصًا شفافًا.

في باريس، يرسمها أحد الفنّانين ويُفاجأ بأنها عذراء مزيّفة ببكارةٍ مخيّطة، ويغضب منها كثيرًا. وفي طريق عودتها إلى اليمن، تلتقي لولا بأحمد، وهو شابٌّ سعوديٌّ يدّعي الحداثة والإيمان بحرّية المرأة، لكنّه يعتقد أنّ عليها الحفاظ على "بكارتها" من أجل الشّرف.

أما شقيق حُرمة، عبد الرقيب، فنتعرّف إليه في مرحلة اعتناقه الماركسية، فنراه يشجع شقيقته على الحبّ، ويهديها كتابًا بعنوان "رسائل حب"، كما يسمّيها روزا تيمّنًا بروزا لوكسمبورغ، الفيلسوفة والمناضلة الماركسية البارزة. لكن عندما يتبيّن أنه صوّر نفسه وهو يمارس الجنس مع زوجته نورا، يعتقله مسلّحون تابعون لأجهزة الدولة ويزجّون به في السجن، فيتحوّل إلى التطرّف ويلتحق بجماعاتٍ دينيةٍ متشدّدة.
عندما تدخل حُرمة الكلية الإسلامية، تجد نفسها في صراعٍ بين التعليمات الدينية من جهة، ورغبات جسدها من جهةٍ أخرى. هناك، نتعرّف إلى تشريعاتٍ جنسيةٍ من وجهة نظرٍ دينية، حيث يُلقي أحد الشيوخ محاضرةً عن دعائم الزواج الناجح، يستند فيها إلى أحاديث نبويةٍ يقول إنها تبيح للخاطب رؤية أعضاء خطيبته، ثم يمضي متحدثًا عن رواياتٍ نُسبت للنبيّ محمد عن إكثاره من تقبيل نسائه. يلقي الشيخ المحاضرة وهو يفرك ثوبه بارتباك، بينما تدوّن حُرمة وزميلاتها ملاحظاتهنّ، في  دلالةٍ على مستوى الكبت الجنسي لدى الشيخ وطالبات الكلّية.
عندما تتزوّج حُرمة، يعجز زوجها عن ممارسة الجنس معها في ليلة الدخلة، وهو شيخٌ  خجولٌ ومحافظ. تضع العطر في محاولةٍ لجذبه، لكنّها تُصاب بالخيبة لأنه لا ينحني ليشمّه.
على امتداد فصولها، تستعرض الروايةُ التناقضاتِ التي تنجم عن الكبت في مجتمعٍ محافظ مثل اليمن، لاسيّما في حادثةِ الشريط الجنسي الذي يجمع عبد الرقيب وزوجته نورا، والتي تفضي إلى انهيار زواجهما. هكذا، يظهر المجتمع - الذي تدّعي السلطة الدينية حمايته - مفكّكًا وهشًّا، إذ تنهار عائلةً بسبب فيديو حميمٍ صوّره زوجان بإرادتهما. كما تظهر السلطةُ الدينية في تناقضٍ مع نفسها، من الشيخ الواعظ إنما المكبوت، إلى حُرمة التي تحاول العثور على نفسها بين المحاضرات الدينية والرغبات الجنسية التي لا يلبّيها زوجها المتديّن، إلى نورا وعبد الرّقيب اللّذَين وقعَا ضحيةً لهذه المنظومة الدينية الاجتماعية المحافِظة بعد انكشاف أمر شريطهما الحميم.