لماذا لم يحبّني الله كما أحببته؟

20/01/2020
827 كلمة

ذات يوم من شهر رمضان، وبعد صيام متعب جدًا أفضّل أن أختمه بقراءة القرآن قبل وقت الإفطار بحوالي نصف ساعة، كنت قد انتهيت من قراءة سورتي المفضّلة؛ الرحمن. من ثم، وأنا أنهض من وضعية الجلوس شعرتُ بشيء غير مريح، ركضتُ إلى الحمام لأكتشف أنها الدورة الشهرية. لم يكن يومًا جيدًا على كلّ حال.

وأنا أعدّ شراب التمر الهندي في المطبخ بدأت الأفكار تراودني:

"هل أعتبر مُذنبة عندما مسست المصحف وأنا حائض؟ أمّي كانت تنهر أخواتي عندما يفعلن ذلك. لقد دنّست كتاب الله بنجاستي. ولكنّي لم أقصد ذلك وسيغفر الله ذنبي لا محالة".  

أغمضت عيني وأصبت بخيبة أمل لأنني تذكرت أنّه لا يُمكنني متابعة صيامي قبل أن تنتهي الدورة الشهرية. المضحك في الأمر أنني واصلتُ صيامي في ذلك اليوم ولم أفسده. كان يومًا متعبًا ولم أتقبل فكرة أنه ذهب سدىً وعلي أن أكرّر الصيام في يوم لاحق.

لم تفارقني الأفكار على الإفطار، كنت غاضبة ومُحبطة ولم أمنع نفسي من معاتبة الله. سرعان ما ترجمتُ مشاعري وأفكاري إلى سؤال صادم ومخيف: لماذا لا يحبني الله؟

ودارت معركة الشك واليقين حينها، تلك المعركة الثقيلة التي كانت تضع حمولتها في رأسي تجاه أية قضية تواجهني، سطحية كانت أم عميقة، الشك كان مفسد اللحظات وشريكي في كلّ شيء.

والآن، صوتان بداخلي، يتعاركان وأنا في قمة الهدوء أتناول طعامي على  مائدة الإفطار:

- "لماذا شعرت بأنّ الله لا يحبّك؟"

- "لأنه ليس بإمكاني أن أتابع صيامي عندما تأتي الدّورة الشهرية!"

- "أيتها الفتاة الحمقاء، إنّ الله رحيم لذلك لن يسمح لك بإيذاء جسدك الذي ينزف دمًا بالصيام والانقطاع عن الطعام والشراب، والأمر لا يتعلّق بالنجاسة والكره كما تعتقدين"

كان ذلك الجواب مُقنعًا لبضع دقائق، إلى أن تذكّرت أنّه لا يُمكنني قراءة القرآن الذي أحبه أو حتى لمسه. في نفس اليوم وبعد اكتشافي أنّ الدورة الشهرية قد أتت، طلبت من أختي أن تنقل القرآن من سريري إلى مكانه، لم يكن بمقدوري حتى أن أحمله لثوانٍ حتّى لا أدنّسه بنجاسة جسدي. يا لحجم تلك النجاسة التي تمتد من رحمي إلى أطراف أصابعي.

سكت الصوت الأول برأسي، لعلّه أصيب بخيبة أمل هو الآخر، أو ربّما كان يبحث عن حجّة حقيقية ومقنعة ولكن دون جدوى. وقف عاجزًا ضعيفًا مُستكينًا غير قادر على تقديم أدنى عذر أو مبرّر لما يحدث.

شاهدت مرّة فيلمًا أجنبيًا، مرّت فيه جملة ما زالت عالقة بذهني حتى اليوم، جملة أصبحت دستورًا في حياتي، تقول تلك الجملة: "لا تستمر بالدفاع ومحاولات إيجاد المبرّرات لشخص خذلك وجعل جعبتك تفرغ حتى الحجج المقنعة للدفاع عنه".

والآن ماذا؟ هل يكرهني الله؟

لماذا خلقني امرأة إذن؟ لم أكن أرغب أن أشعر أن الله أفرغ جعبتي من حجج الدفاع عنه، فلقد أحببته حقًا ولم تكن علاقتي به نمطيّة وتشبه سائر علاقات العباد بربّهم في محيطي. لم أكن أخافه أبدًا بقدر ما كنت أخاف أن أخيّب أمله، فلماذا خلق جسدي مُدنّسًا. كلّ الأسئلة والأزمات الوجوديّة التي أوصلتني يومًا إليه، ها هي تُبعدني ملايين الأمتار عنه.

لماذا خلقني الله امرأة غير قادرة على عبادته في جميع أيام السنة؟ لماذا لم يمنحني القدرة على اختيار جنسي؟ كنت سأختار حتمًا أن أكون ذكرًا حتّى أتقرّب منه أكثر وأكثر. لماذا خلقني امرأة ويعاقبني على كذلك؟ لماذا خلق هذا النزيف الشهري، ويعاقبني عليه؟ ربّما لا يعاقبني بل يُشعرني بأنني ناقصة بسببه. كأنك قلعت عين شخص ما، ومن ثم عايرته بأنه أعور.

لم أنكر وجود الله في تلك الفترة. كلا، لم أكفر. ولكنّ علاقتي به تشوهت. أصبحت أخافه أكثر ممّا أحبّه، أخاف ناره أكثر مما أرغب بجنّته، أخاف غضبه أكثر مما أرغب برضاه، تحولت لنسخة مكرّرة لكلّ من حولي، وتحوّلت علاقتي به لعلاقة أسوأ ربما من علاقتهم به.

في تلك الفترة من حياتي، وأنا بعمر الأربعة عشر عامًا، كان عليّ أن أختار، أنا أو الله.

اخترته هو، وذلك الاختيار لم يكن دون ثمن، فلقد كان عليّ أن أصدّق أنّ جسدي لم يعد طاهرًا كما أعتقد. بما أنّني امرأة كان عليّ أن أُذعن لفكرة أني أقل شأنًا. كائن لا يُمكن أن يظلّ طاهرًا طيلة أيّام السنة، كائن ليس بمقدوره أن يقرأ القرآن أو يلمسه.

لم تكن علاقتي بالله العلاقة الوحيدة التي تشوهت، بل علاقتي بنفسي أيضًا. 

صرتُ أكره جسدي وأكره كلّ تفاصيله. أنظر إلى جسدي مثلما ينظر الله له: جسد مدنّس في فترة الدورة الشهرية، يُبعده عنه في تلك الأيّام بمنعه الصيام والصلاة. 

أمّا عن شعوري بعد تلك الفترة، فأنا عاجزة حقًا عن وصفه. لعلّه شعور يشبه شعورك عندما تكتشف أنك لست الطفل المفضل لوالديك، أو أنك لست التلميذ المحبّب إلى معلمتك التي تقضي أسابيعك في المدرسة تنتظر حصتها. المؤلم أنّه لا يُمكنك أن تتذمّر أو تصرخ أو تغضب أو حتى أن تحزن، لأنّ  هذه المشاعر ستؤخذ على أنّها رفض لأوامر الله وحكمته. 

ذلك العار، العار من جسدي، حملته معي طيلة حياتي، ورحت أتجنب التفكير في علاقتي  مع الله، وتبنيت عوضًا عن ذلك المقولة التي يُردّدها الجميع ويتبنّاها: "ابتعد عن المحظورات ولا تفكر كثيرًا، فمن تمنطق تزندق". 

صار يطاردني شبحٌ مخيف، هو شبح الكفر. لم أعد أرغب أن أفكّر في طبيعة جسدي الأنثوي والتصوّرات الدينيّة عنه، لأن تلك النقطة كانت ستقودني حتمًا إلى الكفر بالدين الذي ضرب بعرض الحائط كلّ ما أقوم به من أفعال جيدة وأقصاني لعيبٍ اختلقه هو بجسدي؛ نجاسة لستُ مسؤولة عنها.

كلّ تلك الأفكار التي ظلّت خامدة كبركان طفت على سطح أفكاري وظلّت تتصارع وتتهادن. مللت هذا التمزّق. مشاعر الغضب والعار والحزن والإحباط والأمل خبت. كلّ ما تبقى لي آنذاك هو ندبة ذلك السؤال الذي حرقني:

لماذا لم يحبّني الله كما أحببته؟