جهاز مخبّأ تحت سريري: الاستهلاك بين الأبوية والنسوية

31/01/2022
2002 كلمة

ترافق تعرّف آلاء عبدالوهاب إلى الإقلال مع بداية تفتّح وعيها النسوي. فإذ كانت تتخلّص من الأغراض الفائضة في حياتها، كانت تتخلّص أيضًا من أكوامٍ أخرى غير مرئيةٍ من أفكارٍ قديمةٍ عن ذاتها كانت زرعَتها الأبويةُ في ذهنها.

أُهرول مع أمي في السوق يوم الأحد،1 لا لتسوّقنا الأسبوعي المعتاد، إنما بسبب مكالمةٍ هاتفيةٍ بينها وبين صديقتها. المتجر المُراد مزدحمٌ للغاية. تُطبق أمي على مجموعتَي كؤوسٍ زجاجيةٍ فخمة، وعلبتَي تقديم شيكولاتة من الكريستال ومزهريتَين صغيرتَين ناولتني إيّاهما لأحملهما بين يديّ. استغربتُ حينها وظننتُ أننا ننتظر زوارًا كثرًا قد لا تكفيهم أدوات الضيافة في بيتنا. لكن حين عدنا إلى المنزل، رفعت  أمي سريري وخبأت المشتريات أسفله، وأخبرتنا أن هذا جهازي2 أنا وأختي لأن "البنات تكبر بسرعة". كنتُ حينها في السادسة عشرة وأختي في الرابعة عشرة من العمر.

التكديس خوفًا من نَفقات المُستقبل

لم تكن أمي تهتم بمستقبل زيجتَينا أنا وأختي خلال مراهقتنا، فالحصول على تعليمٍ راقٍ كان جُل ما تفكر فيه. لكن عندما تعرفَت إلى أمٍ أخرى لها ثلاث فتياتٍ في مثل سنّنا كانت تُجهّزهنّ منذ سنوات، بدأَت تفعل مثلها وتستجيب لنداء الواجب منها عبر الهاتف حين تخبرها عن التخفيضات والمتاجر التي تعرض سلعًا جيدةً وتقدّم هدايا ثمينة للزبائن.

تكدسَت مشتريات أمي لجهازنا، وملأَت أسفل الأَسِرّة والخزائن والحقائب خلف الأبواب، تهيئًا ليومٍ بعيد وغير أكيدٍ حدوثه، لكن التفكير فيه كان عبئًا على والديّ. كانا يشتريان من دون تفكيرٍ مُتمهِل. "هل ستتزوج ابنتانا أساسًا؟ كيف نتيقّن أن ما نشتريه لن تنتهي صلاحيته بسبب  تقنيةٍ حديثةٍ ما في المستقبل؟ لمَ لا نستثمر تلك الأموال في تعليمٍ  أفضل لابنتينا؟ أو ربما نستمتع بتلك الأموال سويًا الآن؟ أو ندّخرها لمصائب المستقبل؟"

حاولتُ وأختي إثارة تلك التساؤلات الغائبة عن أمي، لكن تأثير الأمهات بعضهنّ على بعضٍ كان أقوى، كما كانت أمي سهلة التأثّر في هذا الموضوع، لاسيما أن عائلتها لم تكن ميسورةً كعائلة والدي. أعتقد أن الخوف من تكرار الماضي وضغوطات المستقبل جعلا أمي تصمّ أذنيها عن كل ما كنا نقول. كانت تردّد: "أنا ما كنش عندي حاجة لما اتجوّزت". لذلك كان يصعب عليها التخلص من أيّ فرضٍ تظنّ أنها قد تحتاجه يومًا ما، أو ربما خوفًا من أوضاعنا المالية المُتقلّبة.

كنّا نقتني ونستهلك الكثير من الأشياء التي لم تكن تناسب وضعنا المادي الهشّ

ولدتُ لأسرةٍ من الطبقة المُتوسطة لكنها تعتقد أنها تنتمي للطبقة الثرية، ذلك لأن أبي كان يعمل مترجمًا فوريًا يتقن ستّ لغات، ولأنه وأمي يتمتعان بتعليمٍ وثقافةٍ عاليَين. لذا، كنّا نقتني ونستهلك الكثير من الأشياء التي لم تكن تناسب وضعنا المادي الهشّ. كان والدايَ حريصَين على أن نأكل ونرتدي ونمتلك أفخم الأشياء، حتى وإن كنا في أوضاعٍ ماليةٍ مُتعسرة. كانت تنتابني مشاعر مرتبكةٌ حيال تعاملهما مع الأمور المالية: امتنانٌ مشوبٌ بمزيجٍ متضاربٍ من القلق والطمأنينة، ورغبةٌ في الحصول على إجاباتٍ لكثيرٍ من الأسئلة. 

مع ذلك، كنت أتصرف مثل أمي، فأُراكم المشتريات وتمتلئ خزانتي عن آخرها بالملابس، بعضها لم أرتدِه منذ سنوات، لكنني أشتري غيرها وأرغب في شراء المزيد. كذلك الأمر بالنسبة للحليّ والأحذية ومستحضرات التجميل، وحتى الكتب التي أحتفظ بها وإن لم تعجبني. كان لديّ الكثير من كل شيء، ولم أكن أستعمله ولا أحتاجه.

لكن تغيّر كل هذا منذ ستّ سنوات، عندما قرأتُ للمرة الأولى عن مفهوم الإقلال أو التقليلية (Minimalism) في كتابٍ بعنوان The Life-Changing Magic of Tidying Up: The Japanese Art of Decluttering and Organizing لماري كوندو (Marie Kondo). لم أتمكن من تطبيق كل ما في الكتاب من قواعد الترتيب والتنظيف والتخزين، فأخذتُ المبدأ وعملتُ به وفق احتياجاتي وراحتي، ثم انضممتُ إلى مجموعةٍ فيسبوكيةٍ تُعنى بالتقليلية ونظام العيش البسيط، حيث تعلّمتُ فيما بعد اعتماد التقليل وفق نمط حياتي الخاص، بعيدًا عن عادات المُقلّلين الآخرين التي قد تكون صارمةً ومثالية. مثلًا، قد يتخلّى جزءٌ من التقليليّين عن بعض أثاث المنزل، فيكتفون بعددٍ قليلٍ من الطاولات وفراشٍ من دون سرير، أو يتبعون نهجًا بسيطًا في اقتناء أدوات التنظيف ومستلزماته بعيدًا عن الكيماويات، وجميعها طرقٌ أحترمها لكنّي لا أتبناها ولا تبدو مناسبةً لحياتي وطريقة عيشي. هذا لا ينفي عني التقليلية أو يخرجني من فئة التقليليّين.

يعُرّف الإقلال بأنه نمط حياةٍ فردي قائمٍ على تقليل الاستهلاك وعيش حياةٍ بسيطة، فلا نمتلك إلا الأشياء التي نحتاجها ونستعملها، أو الأغراض التي تبعث الراحة والسعادة في نفوسنا. كما نتخلص من كل ما هو فائضٌ في حياتنا على كافة الأصعدة المادية والاجتماعية والشخصية، وندرك أولوياتنا ونبجّلها. هكذا، نحتفي بكل الأشياء التي تهمّنا ونحتفظ بها، بينما نتخلص ممّا يُشتِتُنا عنها. لا توجد قواعد صارمة لتطبيق التقليلية: فلكلٍّ منّا حياةٌ مختلفة، وما نُحب ونُقدّر ونرغب به مختلفٌ أيضًا.

على سبيل المثال، إن كنتُ أهتم بممارسة الرياضة بشكلٍ احترافي ولا أعمل من المنزل، يمكنني أن أفرغ غرفة مكتبي التي لا أستخدمها وأحوّلها إلى صالة ألعابٍ رياضية. ليس ضروريًا أن تمتلئ بأجهزة وأدوات الرياضة، بل تكفي سجادة اليوجا وبعض الأوزان. لكنني لا أمارس الرياضة وأكتفي بالمشي، لذا أفرغتُ خزانتي وتخلّصتُ من كل ما لا أحتاجه، أو لا أستعمله أو يحزنني وجوده. تكوّم أمامي جبلٌ من أوراق الدراسة الجامعية، وحقائب اليد الفارغة، والملابس التي ارتديتُها في عزاء أمي وخلال فترة الحداد الطويلة، وغيرها من الأشياء التي لم أكن أذكر امتلاكها حتى. بدا لي أن ذلك كان أفضل قرارٍ اتخذتُه  في حياتي؛ فها هي نفسي تنسلخ عن جلدي لتظهر "أَنَايَ" الجديدة في مساحةٍ أرحب وبأحمالٍ أخف.

يعُرّف الإقلال بأنه نمط حياةٍ فردي قائمٍ على تقليل الاستهلاك وعيش حياةٍ بسيطة، فلا نمتلك إلا الأشياء التي نحتاجها ونستعملها، أو الأغراض التي تبعث الراحة والسعادة في نفوسنا

ما زاد من راحتي هو أن تعرّفي إلى الإقلال ترافق مع بداية تفتّح وعيي النسوي، أي أني كنتُ أتخلص أيضًا من أكوامٍ أخرى غير مرئيةٍ من أفكارٍ قديمةٍ عن ذاتي كانت زرعَتها الأبويةُ في ذهني. كانت صدفةً سعيدةً أن تتغير حياتي بسُبلٍ مصيريةٍ عِدةٍ رغم غياب الرابط بينها. فكّرتُ في الجهاز المُكدس تحت سريري وأَسِرّة المنزل ومخابِئه: تُرى هل أثّرَت أمي وصديقاتها في نمط الاستهلاك في منزلنا والتجارة من حولنا، ليس فقط بشراء الجهاز، بل عبر كُل مشترياتهنّ اليومية؟ وكيف أثّرَت أحوالهنّ المالية عليهنّ، وعلى قراراتهنّ الشرائية، ونظرتهنّ إلى أنفسهنّ وعائلاتهنّ والمجتمع حولهنّ؟ 

الاستهلاك بعدسةٍ نسوية

لا ألوم أمي وصديقاتها على قرارهنّ رغم رفضي له. أعرف أن الانضمام للقافلة له توابع عدة، فجميعهنّ خشين بقاء منظومة الزواج الاستهلاكية كما هي لحين زواج بناتهن. لم يُردن أن نمرّ بما مررن به حين لم يكنّ يمتلكن شيئًا قبل زواجهنّ، وأردنَ لنا فرصًا أفضل بحسب فهمهنّ للزواج والاستقرار. فاهتمامنا كبشرٍ بالمظاهر والممتلكات3 يمنحنا الشعور بالأمان الجماعي ويضمن لنا الاندماج في المجتمع والمنظومة، كما أنه جزءٌ من غريزتنا للبقاء. كان هذا الدافع لأولئك الأمهات.

في الوقت ذاته، لا يُعدُ مفهوم الإقلال بحد ذاته نسويًا، إذ تختلف أوضاع النساء الاقتصادية حول العالم، ولكلٍ منّا أولوياتها ونمط استهلاكها وفق ما تراه صائبًا في قائمة مشترياتها وممتلكاتها. لكن حقوق النساء والأقليات تتقاطع مع أنماط الاستهلاك غير الواعي،4 أي الاستهلاك من دون اهتمامٍ بسياسات الشركات أو تعاملها المُجحف مع القوى العاملة، مثل العلامة التجارية "زارا" (ZARA)، أو عمالة الأطفال كعلامة "غاب" (GAP)، أو الاستهلاك القهري من غير حاجةٍ آنيةٍ مثلما فعلَت أمي وصديقاتها. الحركة النسوية تناهض كل ما يرسّخ الرأسمالية المُتسبّبة في سرقة الموارد، واستغلال العمال وانتهاك حقوقهم، واحتكار الثروات من قبل فئةٍ معينةٍ وحجبها عن البقية من دون سبيلٍ لكسر حلقةِ الفقر والديون وارتفاع تكاليف المعيشة والرفاهية للجميع، فالاستهلاك غير الواعي هو جوهر الرأسمالية.

لكلٍ منّا أولوياتها ونمط استهلاكها وفق ما تراه صائبًا في قائمة مشترياتها وممتلكاتها. لكن حقوق النساء والأقليات تتقاطع مع أنماط الاستهلاك غير الواعي

لكن الإقلال لا يعني وقف الاستهلاك بشكلٍ عام،5 بل إدراك النزعة الاستهلاكية المُشتتة الكامنة في الاستهلاك غير الواعي بهدف تطبيق خياراتٍ استهلاكية مُتعمدة ومدروسة، وصياغة استراتيجيات فردية للحد منه، وبالتالي الحدّ من تمدّد الرأسمالية التي ترتكز على التراكم والنمو الاقتصادي عبر استهلاك الأفراد الدائم.

حين نستهلك دون وعيٍ لا نكدس الأغراض في محيطنا فحسب، بل نرفع حجم الطلب على السلع التي نشتريها، فينقل المستثمرون الصناعة إلى بلدانٍ لا يتلقى فيها العمال الحد الأدنى من الأجور، وتستمر المأساة إلى ما لا نهاية. ثمة أمثلةٌ عديدةٌ عن هذه المشكلة، لكن أكثرها شهرة هي الأزياء السريعة التي تنتج في مصانع يتعرض العاملون/ات فيها للعنف، لاسيما النساء، فيتلقّين أجورًا بخسة، ويعانين الاستغلال والعنف الجسدي والجنسي. وغالبًا لا تتمكن العاملات حتى من الإبلاغ عن الاعتداءات، كما يُحرمن التأمين الصحي، وقد يُفرض عليهن أحيانًا العمل لقاء الإقامة والسّكن فقط.

هذه قضيةٌ نسويةٌ يتشابك فيها الاستهلاك والفقر وانخفاض الأجور وفجوة الأجور بين الذكور والإناث، و تؤثر على ملايين النساء خصوصًا في الدول النامية. لكن على الرغم من هذه الصورة القاتمة، ثمة أملٌ ضئيلٌ قد يُمكّننا من كسر الحلقة.

وقع قراراتنا الشرائية

تشير الإحصاءات إلى أن النساء يتحكّمن بثلاثة أرباع عمليات الشراء على اختلاف أنواعها حول العالم، أي ما يعادل عشرين تريليون دولار. ويعزى  ذلك إلى القوالب النمطية التي تعود إلى قرونٍ خلت، والضغوط الجندرية التي تلقي على النساء مسؤولية إدارة  المنزل ورعاية الأطفال وما يستدعيه ذلك من عمليات شراء. كما أن نسبة النساء اللواتي يستهلكن بشكلٍ واعٍ تفوق نسبة الرجال بثلاثة أضعاف، إذ يراعين أخلاقيات الصناعة ويبحثن عن معلوماتٍ عن الشركات وسياساتها قبل الشراء.

الحركة النسوية تناهض كل ما يرسّخ الرأسمالية المُتسبّبة في سرقة الموارد، واستغلال العمال وانتهاك حقوقهم، واحتكار الثروات من قبل فئةٍ معينةٍ

لذا، أتساءل إن كان يمكننا استثمار سيطرتنا على الأسواق بتوحيد طاقاتنا ضد منتجات الشركات التي تروّج إعلاناتها للعنف المنزلي أو الذكورية السامة مثلًا؟ بالطبع ليست الحياة وردية، ويصعب علينا تغيير العالم وتعويض جميع ضحايا الرأسمالية عن جرائمها ونظامها الاجتماعي السيء والضّار بالبيئة، لكن يمكننا المساهمة وإن بشكلٍ بسيطٍ في بناء مستقبلٍ أفضل. إن فكرنا للحظاتٍ في قراراتنا الشرائية واخترنا المنتجات التي يحترم صانعوها مبادئ التجارة العادلة وحقوق العمال، قد يُحدث ذلك فرقًا في حياة شخصٍ ما ويؤثر في المدى البعيد على سياسات الإنتاج.

فضاءٌ آمن يُخفّف من الرغبة في الهرب

كثيرًا ما أسأل نفسي: هل نحن حقًا بحاجة إلى اتباع التقليلية والتخلي عن الأشياء كي ننجو؟ في حالتي أنا، نعم. الفراغ في خزانتي يساعدني على التنفس، بينما أشعر بالأشياء المتراكمة تطبق على صدري. لم أعد أشتهي تلك الأشياء. عندما أرى أماكن مكدسةً بالأغراض، أشعر أني أحيا أيامًا لا أريدها، أو أني مجبرةٌ على استعمال هذا الغرض أو ارتداء ذاك، كأنني في سباقٍ مع الأيام لأستهلك كل ما أقتني قبل أن أموت. لكنّني تحررتُ الآن من ذلك الشعور، كما أنّي كلما فكرتُ في دور منتجٍ ما في إيذاء الطبيعة، تذكرت أنّي أتشارك الكون مع كائناتٍ أخرى بعيدةٍ وقريبةٍ مني.

في بعض الأحيان، تُحاول نزعتي الاستهلاكية السيطرة عليّ مجددًا لأشتري ما لا أحتاج، كأن استقلاليتي ومكانتي في المجتمع ترتبطان باقتناء ذلك المنتج. لكني أعود لأذكّر نفسي بالوقت والطاقة التي يتطلبها تنظيف تلك الأشياء وترتيبها، ثم أتذكّر أن الأغراض التي أقتنيها الآن تحتل مكانها من دون أن تختفي تحت أنقاض أشباهها، فتنطفئ رغبتي في الشراء سريعًا وبلا ندم.

في خزانة ملابسي اليوم، هناك ملابس مريحة للارتداء داخل المنزل تكفي لأربعة أيامٍ فقط، وأخرى للارتداء خارج المنزل تتألف من ثلاثة قمصان، سترة رسمية وأخرى عملية وبنطالان. أما بالنسبة لمستحضرات التجميل، فلديّ خافي العيوب (لم أتصالح مع هالاتي السوداء ولا أظن أني سأفعل يومًا)، والماسكارا، وقلم ملء الحواجب، وأحمر الخدود، واثنَين من أحمر الشفاه وطلاء أظافر واحد.

في بعض الأحيان، تُحاول نزعتي الاستهلاكية السيطرة عليّ مجددًا لأشتري ما لا أحتاج، كأن استقلاليتي ومكانتي في المجتمع ترتبطان باقتناء ذلك المنتج

أما ما أقتنيه في مطبخي، فهو بالضبط كل ما أحتاجه للطبخ: مقلاة صغيرة وأخرى كبيرة، وطنجرتان بحجمَين مختلفَين، وأدوات مائدةٍ بعدد أفراد الأسرة الخمسة، وثلاث ملاعق للغرف وصينيّتان للخبز. وإن حلّ لدينا ضيوف، فالأوعية الورقية وصحون الكرتون والقصدير تنقذنا بسرعةٍ من دون أن نُخلّ بنظام المطبخ.

لكن في بداية توجهي للإقلال واجهتني مشكلة: ماذا أفعل بجبال الكتب التي أعشق؟ وهل سأستمر في شراء الإصدارات الأدبية الجديدة؟ لا يبدو هذا إقلالًا أبدًا لأنّي أحب أن أشمّ رائحة الكتب بينما أقرأ، كما أن القراءة هي متعتي وبهجتي الوحيدة، وتتداخل مع مصدر رزقي ككاتبةٍ أيضًا. لكن محاولات ضبط النفس آتت ثمارها، وبمرور الوقت، توقفتُ عن شراء الكتب الورقية. اليوم، أحتفظ فقط بالكتب التي أحبّ أن أعيد قراءتها أو التي لي معها ذكرياتٌ سعيدة. كما أشتري الكتب الإلكترونية ضمن حدود ميزانيتي وأتبادلها مع قارئاتٍ وقرّاء في مجموعات القراءة على الإنترنت، وأستعين باشتراكٍ في المكتبات الإلكترونية العالمية لتلبية حبي للقراءة بثمنٍ يسير.

أكتب هذا النص الآن بينما أحتسي الشاي في قدحٍ أسود عمره أكثر من عشرين عامًا. كان الهدف من شرائه، هو وأقرانه، أن أتشارك شُرب الشاي مع زوجي بعد عودته (أو عودتنا إن كنتُ محظوظة!) من العمل. تغيّر قَدر قدحي، لكنه أخيرًا، سعيد: لقد بدأَت حياته ورحل عن بيته المظلم تحت السرير إلى الأبد.

 

 

  • 1. في تسعينيات القرن العشرين المملكة العربية السعودية، كانت الأجازة الأسبوعية يومي الخميس والجمعة، وهي الأيام المناسبة للتنزه، والتسوق استعدادًا لأسبوع العمل والدراسة الجديد.
  • 2. المراد بجهاز العروسة هو الأجهزة والملابس والأدوات المنزلية التي تساهم بها العروس وأهلها حين تنتقل إلى بيت الزوجية. يبدأ الاستعداد لهذه المرحلة منذ مراهقة الفتاة وأحيانًا منذ طفولتها في بعض المجتمعات خاصةً في مصر، وذلك بغرض تخفيف الأعباء المادية على أهل العروس حين تتزوج ابنتهم.
  • 3. Meg Wolfe, The Minimalist Woman's Guide to Having It All, Kindle Edition, Self-Published, 2011, Chapter 1, page 6.
  • 4. Nicki Lisa Cole and Alison Dahl Crossley, "On Feminism in the Age of Consumption", Consumers, Commodities & Consumption, Vol. 11, No. 1, December 2009.
  • 5. Miriam Meissner, “Against accumulation: lifestyle minimalism, de-growth and the present post-ecological condition”, Journal of Cultural Economy,  Volume 12,  Issue 3,  January 2019.