نساء اليمن: صناعة الفن في زمن الحرب

في زمن المجاعة والكوليرا والدمار وتشظّي المجتمع اليمني، ماذا يعني لو تحدثنا عن الحراك الفني اليمني النسائي؟

قد يبدو الحديث عن الحراك الفني اليمني، ناهيك الحديث عن الحراك النسائي بالتحديد، في مرحلة تشهد فيها اليمن أكبر كارثة إنسانية أمر ليس في أوانه. فقد مرت أكثر من أربعة أعوام على بداية حرب اليمن، والمأساة الإنسانية تهدد حياة أكثر من 22 مليون شخص، سواءً من رجال أو نساء أو أطفال. هناك شحّ في التغطية الإعلامية لما يجري في اليمن، ومتى ما كانت هناك تغطية إعلامية فنجد ان القصص الإنسانية عن المجاعة والأمراض تعطى الأولوية. إذاً، في زمن المجاعة والكوليرا والدمار وتشظّي المجتمع اليمني، ماذا يعني لو تحدثنا عن الحراك الفني اليمني النسائي؟

فكيف لا و المبدعات اليمنيات من مخرجات، ورسامات وكاتبات وأخريات أخذن على عاتقهن التعبير عن ألم مجتمعهن والدفاع عن قضية الإنسان بشكل مستقل عن سيطرة السلطات.

والحق يقال، بعكس ما هو معروف في العالم أن النساء في عالم الفن يعملن في مجال يغلب عليه الرجال وتهميش انتاجهن بالمقارنة مع الاهتمام الكبير للإنتاج الفني للذكور، ولكن في اليمن الوضع مختلف تماماً. من تجربتي في التغطية الإعلامية لليمن منذ عشرة أعوام، أرى أن النساء والرجال بشكل متساوي يشكلون الحراك الفني اليمني، والكل مهمش ولا يحظى بإهتمام اعلامي ولم يتم توثيق أعمالهم/ن ومواهبهم/ن بشكل جيد وكافي. ومع ذلك، أخصص هذا المقال للحديث عن النساء المبدعات اليمنيات.

 

سارة إسحاق في هذا السياق من أهم المبدعات اليمنيات في جيل الشباب اليوم الذي وجد صوته مع بداية ثورة اليمن في 2011. سجلت المخرجة الشابة اليمنية من جهة الأب وإسكوتلاندية من جهة الأم، إنجاز تاريخي بإنجازها أول فيلم يمني (بالتعاون مع فريق يمني) "ليس للكرامة جدران" (2012) الذي رُشح لجائزة الأوسكار ضمن فئة الأفلام الوثائقية القصيرة. يحكي الفيلم عن مجريات أحداث يوم دامي في بداية الثورة، الذي يعتبر نقطة تحول في مسار الثورة اليمنية.

منذ أن رجعت سارة لليمن في 2011 بعد غياب لمدة عشرة أعوام في سكوتلاندا، وهي توثق تفاصيل حياتية بين الواقع السياسي والإجتماعي في اليمن، فهي تأرجحت بمهارة بين الأفلام الوثائقية التي عبرت فيها عن تجربة المواطن أو المواطنة اليمنية كنتيجة للتطورات السياسية، والأفلام الوثائقية التي تحكي من خلالها تجربتها الخاصة. فمثلاً، الفيلمان القصيران لسارة عن سيدة متظاهرة في ساحة التغيير في صنعاء 2012 أو فيلم "عالقون" عن اليمنيين العالقين في مصر في 2015 يؤكدان على أهمية كاميرا سارة في توثيق لحظات حرجة في ذاكرة المواطن اليمني. أما فيلمها الوثائقي "بيت التوت" الحائز أيضاً على عدة جوائز عالمية وعربية يلخص طبيعة حياة الأسرة اليمنية من خلال سرد السيرة الذاتية والعائلية لسارة إسحاق نفسها.

Yemeni Woman's Protest

عندما أجريت لقاء مع سارة إسحاق في 2013 بعد ترشحها للأوسكار، سألتها عن طموحاتها الفنية فأخبرتني كيف أنها مستاءة من عدم وجود أي مكان في اليمن لتعليم صناعة الأفلام ولهذا تطمح في إنشاء مدرسة أو مركز لتعليم صناعة الأفلام في اليمن، ويبدو أن الحلم صار حقيقة.

في مكالمة خاصة مع سارة إسحاق من صنعاء، تخبرني بحماس عن تحضيراتها لورشة العمل الثانية بدعم الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، بعد نجاح ورشة العمل الأولى لصناعة الأفلام لمجموعة من الشباب والشابات في صنعاء. فبعد أن أخذت قسطاً من الراحة لفترة وجيزة بعد ولادة مولودها الأول، تحاول سارة اليوم أن توفق بين مشاريعها العديدة. فإلى جانب إقامة ورشة العمل مع فريق مكتبها قمرة لإنتاج الأفلام، تعمل وراء الكواليس في إنتاج أفلام قصيرة بالتعاون مع وسائل اعلام دولية واقليمية، والاهم من ذلك تعمل الآن على تحضير فيلمها الروائي الطويل الأول وفيلم وثائقي عن النساء والحرب.

STRANDED / عالقون

سارة اسحاق تقول لي سواءً في الحرب او في السلم لصناعة الافلام دور حيوي لدى الشباب اليمني، فهو اداة تمكين للشباب ومصدر إثراء للنقاش والرأي العام. تقول سارة، "عموماً، صناعة الفنون في زمن الحرب هو بمثابة علاج نفسي، وهنا صناعة الأفلام هي كذلك، سواءً لصانعي الأفلام أو الجمهور - فالأفلام تساعدنا على أن نعبر عن أنفسنا وعلى أن نثري وجهات نظرنا للأمور بعيداً عن الأطر المعلبة."

 

وبالفعل هذا ايضاً ماحصل مع الرسامة اليمنية الشابة هيّا الحمومي. فعن عمر ال 23 تخبرني هيا في مكالمة خاصة من صنعاء أن الرسم بالنسبة لها وسيلة للتأقلم مع الواقع والضغوطات التي فرضت عليها. تقول هيّا، "أنا أرسم لأنها الوسيلة التي أبرع فيها للتعبير عن نفسي وعن محيطي. البعض يستطيع أن يكتب مقال أو كتاب أو يصنع فيلم ويعبر عن نفسه، لكني أجد الرسم أقرب وسيلة تعبير لي."

heya-scream.jpg

صرخة غضب - هيا الحمومي

صرخة غضب - هيا الحمومي

بدأت هيّا في عرض رسوماتها للعامة منذ 2014 وهي الفترة التي دخلت فيها اليمن مرحلة الحرب الأهلية، بإجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء وإجتياح مؤسسة الدولة. منذ ذلك الوقت وهيا ترسم لتعبر عن مشاعرها. فمثلاً، رسمتها "الضحية" أو "صرخة غضب" رسمتها هيّا في فترات أرادت فيها أن تصور حالة مجتمعها حيث هو ضحية حرب شعواء يريد أن يصرخ غضباً في وجهها. أما رسمتها عن العنف اللفظي ضد المرأة، ضمن مشروع للمؤسسة تنمية القيادات الشابة في اليمن، لخصت من خلاله هيًا معاناة النساء في اليمن من العنف اللفظي.

heya-victim.jpg

الضحية - هيا الحمومي

الضحية - هيا الحمومي

شاركت هيّا حتى اليوم في 16 معرضا فنيا في صنعاء وواحد في الكويت وتثني على اهتمام الجمهور في صنعاء ، فهم في أعداد متزايدة مع افتتاح المعارض على مر الأعوام الماضية ولكن تتمنى أن يكون هناك دعم أكبر للطاقات الشابة.

heya-violence_against_women.jpg

العنف ضد المرأة - هيا الحمومي

العنف ضد المرأة - هيا الحمومي

 

مثال، المغنية اليمنية و عازفة الجيتار الهنا من من لقوا دعم كبير. سطع نجم مثال بعد تعاونها مع فرقة (x ambassadors) العام الماضي في إصدار اغنية مشتركة بإسم (cycles) ضمن حملة تضامن بإسم (i am with the banned) مع البلدان المحظورة من دخول أمريكا بعد القرار التنفيذي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. منذ ثورة اليمن 2011 ومثال تألف وتغني وتنشر أغانيها الخاصة باللغة الإنجليزية.

methal-1.jpg

مثال

نجاح مثال لم يكن الوصول إليه بالهين. في حوار لي مع مثال فور اصدار اغنية Cycles اخبرتني كيف أنها واجهت استهجان ومضايقات عديدة في اليمن عندما بدأت الغناء في 2011، وتقول: "كانت تصلني رسائل كره ومضايقات من الناس، بسبب غنائي في أماكن عامة و مختلطة. زادت المضايقات فتوقفت عن الغناء في 2014 واختفيت تماماً عن الحياة الإجتماعية. ومع بداية الحرب في مارس 2015 اخذت جيتاري وسافرت بقوارب اللاجئين الى جيبوتي. هناك عزفت لفترة في الفنادق حتى يكون لي مصدر رزق، وخلال تلك الفترة عملت على نشر أعمالي على الإنترنت فوصلتني دعوات للمشاركة في فعاليات عن اليمن في ألمانيا وكندا. وبعدها استقريت في كندا."

Methal

ريم مجاهد تعبر عن حنينها الى اليمن في قصص تدهش بواقعيتها وتعبيرها عن معاني مشتركة لدى كل يمني ويمنية

ومن مقرها الجديد في براغ منذ بداية حرب اليمن، ريم مجاهد تنقلك بكلماتها إلى اليمن. الباحثة الإجتماعية والكاتبة ريم مجاهد تعبر عن حنينها الى اليمن في قصص تدهش بواقعيتها وتعبيرها عن معاني مشتركة لدى كل يمني ويمنية. عندما التقيت بريم في براغ بداية هذا العام اعترفت لي انها تحاول من خلال هذه القصص أن تتواصل مرة أخرى مع ريم الصغيرة التي نشأت في احدى القرى في تعز - ريم، بنت القرية.

في رحاب صفحات جريدة السفير، نشرت ريم حتى الان ست قصص متتالية بالعناوين التالية: "بلوزة" و"زفاف"، "فرار" و"سرقة" و"نزوح" و"طريق". لم يمر وقت طويل حتى أدرك فريق جريدة السفير موهبة ريم مجاهد فعرضوا مؤخراً قصص ريم في صفحة واحدة وقالوا، "ادهشتنا الصبية ريم مجاهد. كل قصة لها لوحة عن زاوية من المشهد اليمني اليوم... أو سيناريو لفيلم يمتلك كل الكثافة اللازمة. ادهشتنا ريم مجاهد، وأيقنّا أننا إنما "نكتشف" قاصّة خطيرة."

هذه أربعة أمثلة من قائمة طويلة بأسماء مبدعات يمنيات يواجهن الحرب والنزوح، مسلحات بالخيال والشغف لصناعة الأفلام، الرسم، الغناء والقصة. لم يكتب الكثير بعد عن اليمن والحرب، ونحن بحاجة دائمة لتوثيق أعمال الفنانات والفنانين.