من أجهزة للتدليك إلى ألعاب جنسية: نساء مصر وإمتاع الذات

كما كانت النساء يجلسن أمام الأفران لصنع الخبز وإعداد الطعام لأُسرهّن، لم ينسَين أن يخبزن لأنفسهنّ أداةً تمنحهنّ بعضًا من لحظات المتعة المسروقة بعيدًا عن المسؤوليّات الكثيرة التي أثقلَت كاهلهنّ.

"ديلدو الخبز" هو الاسم الذي أُطلق على تلك القطعة الأثرية التي تعود إلى عصر روما القديمة، وهي عبارةٌ عن خبزٍ متحجّرٍ في شكل عضوٍ ذكري مصمّمٍ ليكون صلبًا وصالحًا للاستخدام أداةً جنسية لإمتاع الذات. ديلدو الخبز موجودٌ الآن في متحف ديلوس باليونان، ويُجسّد قدرة النساء على التأقلم مع مختلف الظروف وإصرارهنّ المُبهر على نيل متعةٍ جنسيةٍ فريدةٍ لا يقدر الرجال على منحهنّ إيّاها. فكما كانت النساء يجلسن أمام الأفران لصنع الخبز وإعداد الطعام لأُسرهّن، لم ينسَين أن يخبزن لأنفسهنّ أداةً تمنحهنّ بعضًا من لحظات المتعة المسروقة بعيدًا عن المسؤوليّات الكثيرة التي أثقلَت كاهلهنّ. ثم تمرّ مئات السنين ولا يتغيّر الوضع كثيرًا، فرحلة البحث عن المتعة الجنسية ما زالت متواصلةً وشاقّةً جدًا في بلداننا العربية.

الألعاب الجنسية ممنوعةٌ في بلداننا

تقف صديقتي نهلة (اسم مستعار) في ميدان الدقّي بينما أنتظرها أنا في المنزل بلهفة. تشعر بمزيجٍ من الإثارة الجنسية والتوتر وبعضًا من العار الخفيّ، منتظرةً تلك الفتاة التي تعبر الطريق إليها حاملةً "صندوق الكنز" الذي طلبَته من إحدى المجموعات النسائية المغلقة على موقع فيسبوك. يُفترض بتلك المجموعة أن تكون مخصّصةً لأدوات التجميل، لكنها في الواقع ستارٌ لبيع أجهزة المسّاج (التدليك) الهزّازة التي تصلح للاستخدام أداةً جنسية، بأسعارٍ زهيدةٍ تبدأ من 150 جنيهًا مصريًا فقط. اكتشفتُ ونهلة المجموعةَ هذا العام وطلبنا جهازَين على سبيل التجربة.

استخدام المرأة الألعابَ الجنسية في مجتمعٍ يظنّ بعض رجاله أنّ النساء لا يُمارسن العادة الجنسية أساسًا، هو مغامرةٌ يصعب خوضها لأنّ الأدوات اللازمة غير متاحةٍ للبيع في المتاجر. أذكر جيدًا المرة التي حلّت فيها صديقتي السّويدية ضيفةً في منزلي بالقاهرة، وأرسل لها صديقها صورة هديّةٍ أحضرها لها، وعندما أطلعَتني عليها، لم أفقه ما هي حتى أوضحَت لي أنها لعبةٌ جنسية. كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها كلمة "رابيت"، وهو جهازٌ جنسيّ مخصّصٌ لإمتاع النساء.

استخدام المرأة الألعابَ الجنسية في مجتمعٍ يظنّ بعض رجاله أنّ النساء لا يُمارسن العادة الجنسية أساسًا، هو مغامرةٌ يصعب خوضها لأنّ الأدوات اللازمة غير متاحةٍ للبيع في المتاجر

كذلك لا يُتاح لنا ابتياع تلك الأدوات عبر شبكة الإنترنت. فإن وُجدت صفحاتٌ على فيسبوك تروّج بها وتعرضها للبيع، من يضمن لنا أنها لا تُدار من قِبل رجالٍ يصطادون النساء الباحثات عن المتعة؟ وإذا ما قرّرنا شرائها من مواقع عالمية، ستكون التكلفة مع نفقات التوصيل باهظةً وتتجاوز قدرة غالبية النساء، رغم عدم وجود قوانين جمركيّةٍ صريحةٍ تمنع إدخال تلك الألعاب إلى البلاد. لذلك، أصبحَت أجهزة المسّاج الهزازة - بجميع أشكالها التي تتطور مع الوقت - الحلّ المثالي لكثيرٍ من النساء المصريّات من أجل بلوغ النشوة. 

تخبرني نهلة أنها تستخدم تلك الأجهزة مذ كانت عذراء، واستمرّت بعد زواجها؛ فالأمر ليس متعلقًا بمدى شعورها بالمتعة مع شريكها، إنما بنوع المتعة التي تمنحها إيّاها تلك الأدوات.

"لن يفهم أحدٌ احتياجات جسمي مثلي". مهما شعرَت نهلة بالمتعة مع زوجها، هناك متعٌ لا يستطيع أن يقدّمها لها. تخبرني أنها تنتظر الاختلاء بنفسها في المنزل، فتنظّفه جيدًا، وتستحمّ بأطيب العطور، وتشعل البخور، وتختار أحد أفلام البورنو الكلاسيكي وتبدأ برحلة المتعة التي قد تمتدّ لساعات، تستخدم خلالها أكثر من أداةٍ تبلغ تكلفتها الكلّية قرابة 1000 جنيه، مثل قلم المسّاج، وجهاز مسّاج الرقبة متعدّد الرؤوس وجهاز شفط الدهون من الوجه.

"كنت أنتظر الزواج للشعور بالمتع الجنسية التي لطالما سمعتُ وقرأتُ عنها، لكن زوجي منغلقٌ جنسيًا". هكذا حدّثتني سلمى (اسم مستعار) عن شعورها الدّفين بالإحباط من زوجها. حاولَت سلمى في بداية زواجها مفاجأة شريكها بشراء "خاتم العضو الذكري" الذي تنتجه إحدى شركات الواقيات الذكرية المعروفة، وهو عبارةٌ عن حلقةٍ مزوّدةٍ بهزّاز، يُدخل الرجلُ قضيبه فيها أثناء مجامعة شريكته، فيختبران متعةً مزدوجة. لكن زوجها نهَرَها ورفض استعماله بذريعة تخوّفه من إصابة عضوه بمرضٍ ما، كما لم يهدأ حتى تيقّن أنّ مَن أحضرَت لها الخاتم صديقةٌ تعمل في صيدلية، وأرغمها على أن تريه الرسائل بينهما، ثم شدّد عليها لتُعيده. لكن سلمى لم تمتثل، بل شرعت تستخدمه لإمتاع ذاتها من دون علم زوجها. إذن، بدلًا من أن يَدخل العضو الذكري في تلك الحلقة المفرغة من الخاتم، أدخلَت سلمى إصبعَيها وعثرَت على طريقةٍ لاستخدام الهزاز لبلوغ النشوة عن طريق البظر، وهي متعةٌ لم تختبرها مع زوجها بعد، لكن وفّرها لها جهازٌ سعره 80 جنيهًا فقط!

أجهزة المسّاج: السرّ الجماعيّ

ظهرَت أجهزة المسّاج للمرة الأولى داخل بعض المجموعات النسائية المغلقة، وسرعان ما تنبّهت الشركات المُنتجة إلى استخداماتها الإضافية، فبدأت تتفنّن في صناعتها وإخراجها بالشكل الذي يوفّر للنساء أكبر قدرٍ ممكنٍ من المتعة، وبأسعارٍ في متناول الجميع. بدءًا بجهاز شفط دهون الوجه والرؤوس السوداء الذي يصلح لإمتاع حلمة الثدي، وصولًا إلى قلم المسّاج الهزاز الذي يمنح متعة الإيلاج مصحوبةً بمتعة الاهتزاز في آن، تتنوّع الأجهزة وتتعدّد، لكن لا يتجاوز سعر الواحد منها 200 جنيه، حتى أنّ بعض الأجهزة قد تكلّف 45 أو 70 جنيهًا على مواقع التسوّق العربية الشهيرة.

تخبرني ندى (اسم مستعار) أن ظهور تلك الأجهزة في الأسواق "غيّر حياتها" حرفيًا. فبعد إنجاب طفلها الثالث، لم تعُد حياتها الجنسية مع زوجها تمنحها المتعة التي تحلم بها، إذ صارا يمارسان الجنس مرةً في الشهر أو أقل، وعادةً ما تكون مجامعةً سريعةً غرضها إمتاعه هو فقط.

بدأت ندى باستخدام فرشاة الأسنان الكهربائية لبلوغ النشوة البظرية، إلى أن نصحَتها إحدى الصديقات بتجربة تلك الأجهزة التي تُباع على أنها أجهزة تدليكٍ للعنق والوجه. تقول ندى: "كدتُ أطير فرحًا. كان اكتشافًا سحريًا أنقذ زواجي"، مُضيفة: "لولا الدقائق التي أقضيها في إمتاع ذاتي بأجهزةٍ لم تكلّفني سوى 300 جنيه، لما كنتُ تحمّلتُ القيام بمسؤوليّات رعاية أطفالي وأعباء العمل، ولا ممارسة الجنس مع زوجي". 

في بلدٍ يتحرّش فيه الرجالُ بالنساء في الفضاء العام ويفلتون من العقاب، نُوصم فيه نحن ونُجرّم بسبب رغبتنا في إمتاع ذواتنا

لم يكن طقس إمتاع الذات بالنسبة لي مشابهًا لقصّة ندى. كانت تجربتي مختلفةً تمامًا لأنّي بدأتُ باستعمال تلك الأجهزة حينما كنتُ حرّةً من أيّ مسؤوليّاتٍ زوجية، كما أنّي أرفض ربط متعتي الشخصية بالرّجال - أي أرفض أن أمتع ذاتي بهدف أن أكون زوجةً صالحةً وأمًا مثاليّة. إمتاع الذات بالنسبة لي جزءٌ من كينونتي، مثل مشاهدة الأفلام وتناول الطعام اللذيذ. لا أنكر أنّي كنتُ أحيانًا أشعر بالذنب وعدم الارتياح بسبب ثقافتنا التي تجرّم كلّ ما يرتبط بالجنس، لكنّي بمرور الوقت تحرّرتُ من ذاك الشعور الذي ما زال يُكبّل بعض النساء اللّائي تحدّثتُ إليهنّ ويُشعرهنّ بالضيق والفراغ بعد كلّ ممارسة، كأنّهن كنّ يداعبن أجسامًا غريبةً عنهنّ لا أجسامهنّ.

"جهاز المسّاج والراحة والاسترخاء"، هكذا تسوّق بعض الشركات لتلك الأجهزة مرفقةً بخلفيةٍ صوتيةٍ من مقاطع مصوّرةٍ لامرأةٍ تمسك بالجهاز وترمقه بنظرة حبٍّ وامتنان. لا تُقال أيّ كلمةٍ صريحةٍ في تلك الإعلانات، لكنّنا نفهم، والرجال يفهمون، وصانعو الأجهزة يفهمون أيضًا أنّ استخداماته جنسيّة أساسًا. الاعتراف بالأمر أكبر من قدرة مجتمعٍ كمجتمعنا على التقبّل، كأنّ الاعتراف بإلإمتاع الذاتي لدى النساء عارٌ يجب تناوله بالتورية وفي الخفاء.

منذ ابتكار ديلدو الخبز حتى يومنا هذا، لم تتغيّر قدرتنا نحن النساء على اقتناص لحظات السعادة وإمتاع ذواتنا بأقلّ التكاليف وأسهل الوسائل المتاحة، رغمًا عن أنف مجتمعاتنا المنغلقة. ففي بلدٍ يتحرّش فيه الرجالُ بالنساء في الفضاء العام ويفلتون من العقاب، نُوصم فيه نحن ونُجرّم بسبب رغبتنا في إمتاع ذواتنا. لكن سواء كان خبزًا أو جهازًا للمسّاج، سنجد دائمًا طريقنا إلى عوالم المتعة والنشوة والحريّة.