"إما نخلف أو نفركش": صراعات يومية بين لا إنجابي ومجتمعه

شهادات مقتضبة من تجارب لاإنجابيات ولاإنجابيين في البحث عن الحب والشراكة.

«انسى إنك تلاقي واحدة ترضى بالهبل اللي بتقوله ده»

هذه الجملة هي ختام نقاش ساخن مع جدتي حول قناعتي بالفلسفة اللاإنجابية، التي تعني عدم رغبتي في إنجاب أي أطفال إلى هذا العالم لأسباب متعددة، لكن النقاش احتد في النهاية مثله مثل عشرات النقاشات مع أقاربي وأصدقائي.

ما كانت جدتي مُحقة فيه هو أن فرصة ارتباطي بفتاة تتقبل قناعتي شبه منعدمة، وما يؤكد ذلك أنه منذ أعلنت عن قناعتي بالفلسفة اللاإنجابية منذ أكثر من سنتين، انتهت معظم علاقاتي العاطفية لسبب واحد؛ رغبة شريكتي في الإنجاب في مقابل رفضي. وهو ما اكتشفت لاحقًا -عند تفاعلي على مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة باللاإنجابيين واللاإنجابيات- أنه أمرٌ شائع، حيث يشكو الكثيرون والكثيرات هناك من قلة حظهم في الوصول إلى شريك أو شريكة حياة ملائمة، وفي نفس الوقت رافض/ة للإنجاب.

من هنا وددت أن أروي حكايتي مع فكرة اللاإنجابية والعقبات التي أواجهها في حياتي اليومية بسبب قناعتي هذه، بالإضافة إلى شهادات مقتضبة من تجارب لاإنجابيات ولاإنجابيين آخرين في البحث عن الحب والشراكة؛ جمعتها من خلال استمارة إلكترونية قصيرة طرحتها على إحدى مجموعات التواصل المجتمعي ذات الصلة، وسعدت باستجابة مشاركين ومشاركات من جنسيات متنوعة ما أثرى كتابتي من عدة زوايا.

لماذا أصبحت لا إنجابيًا؟

كنت منذ صغري لا أرضى بالإجابات الأولى وأبحث دائمًا وراء أصول الأشياء، لذلك لم يكن سهلًا علي تقبل السير وراء المجتمع حيثما ذهب، بما فيه الخطوات الموضوعة مُسبقًا للحياة ومنها الإنجاب دون تعقّل باعتباره ضرورة. إلى جانب ذلك، لن أخفي بأني عشت طفولة قاسية بعض الشيء تعرضت فيها للكثير من المخاطر.

في النهاية لم أكن متحمسًا للإنجاب مستقبلًا، فلست متأكدًا من قدرتي على توفير حياة كريمة آمنة لأطفالي، ولست مستعدًا لأكون أنانيًا للدرجة التي تجعلني أنجبهم فقط لخدمتي في مرضي عندما أكبر، أو للشعور بفائدتي وأهميتي لهم.

سيكون إنجابي لطفل بمثابة الإتيان بضحية جديدة تدخل مسار الحياة الممل المجهول النهاية

كانت جميع الأفكار السابقة مبعثرة في ذهني، ولم أكن بعد أدري أن هناك ما يُدعى بالفلسفة اللاإنجابية، إلى أن شاهدت في يومٍ على موقع "يوتيوب" مشهدًا من مسلسل "True Detective"، يقول فيه المحقق روستن كول الذي تبنى اللاإنجابية في المسلسل: "نحن كائنات لا ينبغي أن توجد حسب قانون الطبيعة، فنحن أشياء تكدح وتجتهد مدفوعة بوهم امتلاك الذات، برمجتنا مشاعرنا وخبراتنا الحسية بتأكيد تام على أن لكل منا أهميته، بينما في الحقيقة لا أهمية لأحد، لذلك أعتقد أن رفض برمجتنا هو أنبل ما يمكن لجنسنا فعله، بأن نكف عن التناسل، نتوقف عن إعادة الإنتاج، نساعد بعضنا على الانقراض".
سعدت حينها بأن هناك من يشاركني أفكاري في سياق منظم، فبحثت أكثر وراء "اللاإنجابية - Antinatalism" وقرأت العديد من  الموضوعات والكتب عنها، التي من أهمها كتاب "الأفضل ألا تأتي أبدًا: ضرر القدوم إلى الوجود"، لمؤلفه "ديفيد بينتار"، رئيس قسم الفلسفة بجامعة "كيب تاون" في جنوب أفريقيا، الذي يرى أن الإنجاب أصبح من تبعات ممارسة الجنس، بدلًا من أن يكون نتاج قرار واعٍ  بأفراد جدد لهذا الوجود، وحتى الأشخاص الذين يأخذون وتأخذن قرار الإنجاب عن وعي فإنهم يفعلون ذلك لأسباب عديدة، لكن ليس من ضمنها التفكير في مصلحة الطفل نفسه، وإن كان مجيئه إلى هذا العالم بمثابة شيء جيد بالنسبة له، فلا يوجد أحد ينجب طفلًا لمصلحة الطفل نفسه.

ومن وجهة نظري، في ظل عالم لا تنتهي كوارثه، وتنافسية تزداد شدتها يومًا بعد يوم، سيكون إنجابي لطفل بمثابة الإتيان بضحية جديدة تدخل مسار الحياة الممل المجهول النهاية، والأمر لا يرتبط بعدد الأطفال الذين سأنجبهم، لكنه يرتبط باحتمالية أن أجد نفسي في لحظة غير قادرًا على تحمل مسؤوليتهم.

أكشف أوراقي منذ البداية

ربما كان السبب في سرعة انتهاء علاقاتي العاطفية هو حرصي من البدايات على توضيح موقفي الكامل من الإنجاب، دون وضع أي احتمالات للتراجع أو التغير الجزئي. من اللقاء الأول أقدم نفسي باعتباري عبدالرحمن اللاإنجابي.

بالطبع كان ذلك يستدعي الدهشة، وفي بعض الأحيان الظن بأني أرغب في إبعاد الطرف الآخر، لكن ما أريده في الواقع هو تقصير المسافات التي سأسير فيها دون أن تكون النتائج مضمونة، أو دون أن تكون الصورة المبدئية على الأقل واضحة.

فمن المستحيل بالنسبة لي الانطلاق في علاقة نبذل فيها الكثير من المشاعر ونتشارك فيها الذكريات، دون أن نكون قد اتفقنا على الشكل الأساسي لمستقبل حياتنا الذي نود أن نحياه، فالأمر هنا أشبه بأن تركب قطارًا ولا تدري إلى أين يذهب بك.

من إنجابي/ة إلى لا إنجابي/ة أثناء علاقة قائمة

مواعيد تغيّر قناعتنا لا تكون معلومة مسبقًا، لذلك من الوارد جدًا أن نكون في علاقة مع طرف إنجابي ونغير قناعتنا إلى اللاإنجابية وهو بالفعل ما حدث معي، فمنذ تعرّفي على اللاإنجابية وبحثي المتزايد عنها، بدأت أناقش شريكتي عندها فيما أقرؤه وأعرض عليها المبررات المنطقية من وجهة نظري لكي تتبنى معي نفس الرأي، إلا أنها لم تزحزح عن تأييدها المطلق للإنجاب.

كانت وجهة نظرها أنها عاشت طفولة قاسية تريد تعويض خسارتها النفسية فيها من خلال إنجاب أطفال وتربيتهم بشكل سويّ. لم يتماشَ ذلك بالطبع مع أفكاري الجديدة، ما أودى بنا إلى  المزيد من النقاشات الساخنة التي يجذب كل طرف فيها الحبل إلى ناحيته، حتى انقطع ذلك الحبل أخيرًا بانفصالنا في هدوء.

كذلك كان الموقف مع الطيب - 27 سنة - من مصر، الذي انتهت علاقته بشريكته السابقة عددًا لا نهائيًا من المرات نتيجة لاإنجابيته، و4 مرات مع شريكته الحالية رغم علمها المسبق برغبته في عدم الإنجاب نهائيًا، ما جعله يفكر مؤخرًا بألا يقترب من أية فتاة إلا إذا ما إذا ما أبدت تأييدها للأفكار اللاإنجابية.

كما قد يكون تجاوز النقاش أو تخديره في بعض الأحيان ما هو إلا تأجيلٌ لوقوع خلافات مستقبلية، وهو ما تؤكد عليه سهى (اسم مستعار)- 28 سنة- من مصر، التي لم تتفق مع شريكها بشكل صريح على قناعتها باللاإنجابية؛ فعلى الرغم من عدم وقوع خلاف ضخم عندما تناقشا في الأمر، إلا أنها  ترى أن الصدام آتِ لا محالة.

لكن ما حدث معنا قد لا ينطبق مع بعض اللاإنجابيين واللاإنجابيات، ففي حالة رباب (اسم مستعار)- 25 سنة- من السعودية مثلًا، حالفها الحظ بأنها كانت في علاقة مع شريك متوافق مع تفكيرها، ولم تواجه أية صعوبات في الاستمرارية أو إقناع الآخر.

الحب واللاإنجابية: هل لأحدهما أن يهزم الآخر؟

لا تغيب عن ذاكرتي الكثير من النقاشات الساخنة والمرهقة مع شريكاتي في عدة علاقات، وكذلك الكثير من الجدالات التي تحاول فيها شريكتي إقناعي بحلول بديلة لكي نستمر بارتباطها، بعيدًا عن قناعتي اللاإنجابية الراسخة.

فمثلًا قد تعرض علي أن أؤجل التفكير في الأمر، وهي ستتكفل بجعلي أحب الأطفال بالتأكيد وأن المطلوب هو طفل واحد ليس أكثر. بينما رأت شريكة أخرى حلًا لم يرد على ذهني، وهو أن نستمر في علاقتنا ونعيش تطوراتها، وأنه في حال لم تتغير قناعتي بعد الزواج وأردت الانفصال، يمكننا حينها أن ننجب ثم نفترق وتتكفّل هي بالطفل. كان هناك حل آخر مشابه من شريكة أخرى وهو أن ننجب أطفالًا ولا أحمل هم تربيتهم، فهي ستتكفل بعناء ذلك بشكل كامل.

أما أنا فكنت أشعر بالاستياء من مقترحاتهن وطريقة عرضها التي تضعني موقع الشخص غريب الأطوار، وأن ما أفكر فيه منافٍ للطبيعة كما ترين هنّ كذلك، وكنت أنسحب من العلاقة أو أتركها لتنتهي دون إجبار أو تنازل.

وليس بالضرورة أن يكون الشريك أو الشريكة مصدر الضغط باتجاه الإنجاب، لأنه على الرغم من الاتفاق المشترك، إلا أن الضغوط قد تأتي من المجتمع المحيط، وتحديدًا والد ووالدة الشريك أو الشريكة اللذان يرغبان برؤية أحفاد لهما، ما يسبب ضغطًا كبيرًا على الشريكين اللاإنجابيين ما يدفعهما للتصادم المستمر أو الانصياع.

ثمن قول لا في وجه من قالوا نعم

«استغفر ربنا علشان ما يغضبش عليك وتنحرم من نعمة الخلفة»

كانت تلك وجهة نظر إحدى قريباتي عندما أخبرتها عن فكري اللاإنجابي، فالإنجاب برأيها نعمة لا بد على الفرد أن يشكر الرب عليها ويرعاها؛ مرحلة تلقائية من مراحل الحياة لا بد أن يمر بها الجميع دون تفرقة، زواج ثم إنجاب فتربية أطفال فموت.

لكنني أكره بشدة المسارات الموضوعة مسبقًا. كيف لي أن أحيا فقط لأمر على محطات مُختارة ليس فيها أي جديد، إنما هي مكررة بشكل ممل وسخيف، ما يتبعه كرهي لسؤال كثيرًا ما يُطرح في التجمعات العائلية: «مش هنفرح بيك بقى؟»، وكأني أمنع عنهم فرحة لا سبيل لهم إليها إلا بزواجي وإنجابي، وهو ما يجعلني أرد بإجابات صادّة مثل: «افرح/ي بنفسك»، و «لأ مش دلوقتي»، و «هما اللي اتجوزوا مبسوطين قوي يعني؟».

وهكذا تنهال عليّ التوقعات بنهاية بائسة، لأنني لا أحسب حساب المستقبل جيدًا، وقد ينتهي بي المطاف مريضًا وحيدًا بدلًا من أن يحيط بي أبناء وبنات يقومون على خدمتي ورعايتي وتسليتي. والحقيقة أني أرى في هذا المبرر منتهى الأنانية، فكيف لي أن آتي بطفل ليس لشيء سوى لتحقيق منفعة شخصية.

أما عندما ينعدم المنطق في بعض حججهم، أجد نفسي مُحاصرًا بنصوص دينية كثيرة يؤكد من خلالها الطرف الآخر أحقيته في فرض الإنجاب عليّ فرضًا، وأن عدم استجابتي لهذا الأمر الديني يجعلني آثمًا أرتكب ذنبًا لا يرضى عنه الله، فأنا برأيهم أعترض على سُنّة الحياة التي وُضعت لمصلحة الكون.

وفي حال الإصرار على الاعتقاد باللاإنجابية، قد يطرح المحيطون باللاإنجابي واللاإنجابية حلولًا من وجهة نظرهم الشخصية، مثل أن تتزوج أو يتزوج من شريك/ة عنده/ا أطفال بالفعل، إلا أن الأمر لدى أغلب اللاإنجابيين واللاإنجابيات غير مرتبط بأصل الطفل البيولوجي، بل بوجود أي طفل من الأساس؛ لأنهم/ن غالبًا ما يرغبون في البعد عن تحمل مسؤولية ضمان مستقبل آمن وكريم لهذا الطفل.

أما اللاإنجابيات، فلهن حصّتهن من الذكورية والتصوير المجتمعي النمطي للنساء

أما عندما تبادر معتنقات ومعتنقوون الأفكار اللاإنجابية بالسير عكس التيار، عبرنشر أفكارهم/ن في الجلسات الاجتماعية أو في العمل أو الجامعة، يتراوح حينها رد الفعل من الاستهزاء بالفكرة واستنكارها، إلى الغضب وقطع العلاقات وهو ما حدث بالفعل مع أسامة اليونس- 22 سنة- من سوريا، الذي انقطعت صلته بالعديد من أصدقائه ومعارفه نتيجة موقفه اللاإنجابي.

أن لا تنجب يعني أن تختل رجولتك أو أنوثتك

«أنا نفسي ما أخلفش، بس الناس هيقولوا عليا إني مش راجل»

هذا ما قاله لي أحد أصدقائي قبل سنوات عديدة من اقتناعي باللاإنجابية، في سياق حديثه عن رغبته في الزواج دون إنجاب، والتي تأخذ الهجوم على الذكور من اللاإنجابيين إلى أبعد من النصوص الدينية أو الحديث عن الفطرة الإنسانية، حيث تضعهم أمام ذكورية مركبّة؛ ذكورية تضع القدرة الجنسية والإنجابية كمعيار للرجولة، فتصم أولًا الذكر المتأخر عن الإنجاب بسبب مرضٍ ما، وتتعامل مع مرضه كمُصيبة كارثية تقلل من رجولته وتُخجل عائلته، ثم تُعيد توظيف هذا الوصم مرة أخرى في سياق رفض أحد الرجال للإنجاب، فيُشكك بعض الناس بجدارتهم الجنسية، وهو ما يؤكده شريف (اسم مستعار)- 27 سنة- من تونس، الذي اتهمه بعض من صارحهم بلاإنجابيته بكونه عاجز جنسيًا، وبأنه إعلانه عن لا إنجابيته ما هو إلا تهرّب من واقع مرضه.

أما اللاإنجابيات، فلهن حصّتهن من الذكورية والتصوير المجتمعي النمطي للنساء على أنهن بالضرورة يرغبن بأن يكن أمهات، وأن الأمومة إحدى وظائفهن وأحلامهن الأساسية، ومن هنا تتنافى اللاإنجابية مع عاطفة الأمومة "المؤكدة" في نظر المجتمع، وهو ما ترويه سمر (اسم مستعار)- 24 سنة- من مصر، التي اتهمها المحيطون بها بأنها غير طبيعية ومجنونة، وتعجبوا منها بشكل بالغ فهي من وجهة نظرهم خالية من الإحساس بالأمومة.

عن وهم أن تجمعنا التكنولوجيا

نظرًا لأن اللاإنجابيين واللاإنجابيات قلة قليلة في المجتمع العربي، يصعب الالتقاء بشريك/ة لاإنجابي/ة، وحتى حين يحدث  ذلك، فلا يعني ذلك نجاح العلاقة بالضرورة؛ لما تتطلبه أي علاقة من توافقات ومجهودات في عناصر أخرى، ما يزيد الصعوبة.

عن نفسي، حاولت البحث عن شريكة من خلال الدائرة المحيطة بي من أصدقاء وصديقات، لكني لم أنجح في الوصول إلى شريكة لاإنجابية صريحة، إنما أقصى ما كان متاحًا هو تأجيل فكرة الإنجاب لسنوات، لحين تأكدنا من صلاحية العلاقة للاستمرار ليس أكثر. لجأت حينها إلى تطبيقات التعارف، لكني لم أنجح في الوصول من خلالها إلى نتيجة مثمرة، فعلى الرغم من وجود فتيات يصرحن بلا إنجابيتهن إلا أنني  لم أستلم أي ردود من طرفهن، وحين تواصلت مع صديقة لا إنجابية تعرفت عليها عن طريق موقع «فيس بوك»، لم تنجح العلاقة لتعذر فهمنا الاختلافات الشخصية بيننا.

تتنازعني الأفكار بين التراجع عن قناعتي اللاإنجابية أو الاستمرار فيها

وقد تكررت القصة مع مروة (اسم مستعار)- 29 سنة- من مصر، التي جربت تطبيقين للوصول إلى شريك مناسب مُحتمل، لكنها تصف نتائجهما البحثية بغير الدقيقة، ولم تتمكن من  الوصول إلى شخص لا إنجابي.

المستقبل: بين الخضوع والصمود

في ظل رغبتي في الارتباط  بشريكة تقتسم معي تفاصيل حياتي، وبعد المشوار المتعثر للوصول إلى شريكة ملائمة، يصيبني الإحباط بين الحين والآخر، وتتنازعني الأفكار بين التراجع عن قناعتي اللاإنجابية أو الاستمرار فيها، رغم أنها بُنيت على أساس منطقي سليم بالنسبة لي، حيث أنني نحيّت عندها احتياجاتي العاطفية. لكن الأمر عمومًا يحتاج إلى نفس طويل، فحسبما تقول رباب (اسم مستعار)- 25 سنة- من السعودية، فإنها قد انتظرت حتى وجدت إنسانًا يلائمها فكريًا، وتوجهاته تشبه توجهاتها.

وأثناء انتظار شريك أو شريكة حياة يتباين الموقف بين الصمود مثلما تفعل شهد (اسم مستعار)- 22 سنة- من سوريا التي تؤكد أنها لن تغير قناعتها إطلاقًا ولن تخضع لضغوط المجتمع، فلن يتوافق معها أي شخص إلا إذا كان لاإنجابيًا بالدرجة الأولى، ويفسر أسامة اليونس- 22 سنة- من سوريا، إصراره على موقفه الرافض للإنجاب بأنه من باب الاقتناع التام بالفلسفة اللاإنجابية، وأنها صحيحة ومحقة، لذلك يخبرنا بأنه سيستمر في البحث عن شريكة حياته اللاإنجابية لآخر يوم في حياته، وإن لم يجدها سيموت عازبًا.

على الناحية الأخرى هناك بعض المرونة التي تجعل الاقتناع باللاإنجابية قابلًا للتغير عند البعض مثل ماريا- 23 سنة- من العراق، التي توضح أنها لا تعرف هل ستصمد أم لا، وتضيف بأنها لن تستطيع البقاء وحيدة، أما من وجهة نظر سهى (اسم مستعار)- 28 سنة- من مصر، الأمر غير صارم فقد يتغير رأيها بعد سنوات وتقرر الإنجاب أو التبني، لكن الثابت بالنسبة لها أنه قرارها الحر دون إجبار، خاصة أن النساء يتحملن العبء الأكبر في الإنجاب والتنشئة.

وقد يكون التراجع غير سهل أحيانًا في حال أصر الطرف الآخر على الإنجاب، لكن ذلك لم يمنع سعاد (اسم مستعار)- 31 سنة- من مصر، عن إعلانها أنها قد تنفصل يومًا ما عن شريكها في حال وصولهم لنقطة خلاف، تُخير عندها بين الإنجاب والاستمرار أو اللاإنجابية والفراق.