"صاحبك راجل"*

محمّد

*صديقك رجل

 

عندما بعثت في رحم أمي، لم أكن أعلم شيئًا عن الحمية الخاصة التي اعتمدتها من أجل إنجابي أو عن التمارين القاسية التي قامت بها من أجل إنجاب ذكر. رغم أنّها نجحت في ذلك وتمكّنت من إرضاء زوجها وحماتها والمجتمع، لا أزال باهتًا أمام جهلها أو تجاهلها أن النطفة تتكوّن من ماء المرأة والرجل وأن هذا الأخير هو الذي يحدّد جنس الجنين.

 

يقول جان جاك روسو: "يولد الإنسان حرًّا، لكنه فى كل مكان يجرّ سلاسل الاستعباد". إلا أنني أظنني مسجونًا منذ كنت علقة في بطن أمي. فبعد التحاليل الجينية اللازمة لمعرفة إن كنت سأولد بعاهة أو متلازمة داون ولتأكيد جنسي، بدأت رحلة اشتراء الملابس والادباش الزرقاء واختيار الأسماء من قائمة لقادة ومناضلين من التاريخ تباركاً بهم. وعندما جاء المخاض، اشرأبّت الأعناق لتنظر بين رجلي لتأذُن بقطع أعناق الأضاحي إحتفاءً بولادة أوّل ذكر في العائلة.

 

تظن المجتمعات العربية أن مفهوم الرجولة عبارة عن هرمون يولد به الإنسان ويجري في دمه ويفرزه الدماغ. ويصل ذلك إلى حد كناية النساء ب "صاحبك راجل" كتعبير عن القوّة والشجاعة. وأصبحت هذه العبارة على ابتذالها ذات دلالة على القدرة على مجابهة الشدائد والمخاطر، مفارقة لمضادها "صاحبتك مرا" التي تدل على الضعف وقلّة العزم.

 

ولعلّ عائلتي لم تكن من "العاكسين" حيث ظنّت أن تربيتي في حجر ست نساء مع غياب الأب للعمل ستخلق منّي رجلًا  فحلًا ذي صوت جوهري وعضلات مفتولة فقط بسبب هذا الهرمون، أو أنني ولدت على فطرة ستجعل مني مهتمًّا بكرة القدم أو المسدسات أكثر من الدمى والمكياج. أتذكّر إلى اليوم أوّل مرّة جرّبت فيها طلاء أظافر أختي خلسة ثم عمدت إلى مسحه على عجلة خشية أن يجف فيُكتشف أمري. أو عندما جرّبت أحمر شفاه قاني وأحسست لأوّل مرّة أنني أستطيع أن أتحرر من سجّيني، ومن وطأة المجتمع الذي رسم حدودًا لمظهري وصنع قوالبًا لتعبيري الجندري حتى لا أُزعزع أعمدته الهشة القائمة على الذكورة السامة.

 

إلا أنني لم أبالِ قط عندما بدأ التأنيب العنيف منذ الصغر والتعليق المشين على طريقتي في المشي وصوتي وحركاتي. لا أدري كيف استطعت وقتها مجابهة الحزن في عيون أمي، وخيبة الأمل في عيون أبي، والاشمئزاز في عيون العالم. ولو كنت أستطيع العودة إلى الماضي لخاطبت نفسي وقتها وقلت لذلك الطفل ذي الإثني عشر ربيعًا ألّا يحاول التشبّه بالرجال ولا حتى بالنساء، بل أن يكون دائمًا وأبدًا وفيًّا لجوهره مهما زعزعته الحياة أو دفعته إلى البكاء.