كيف تتغيّر عاداتنا الجنسيّة وإحساسنا بذواتنا خلال رمضان؟

19/04/2021
1388 words

لكلّ واحدةٍ وواحدٍ منّا علاقةٌ مُختلفةٌ بشهر رمضان. قد نُغيّر فيه بعض عاداتنا، وقد نُواجه بسببه جزءًا من مخاوفنا، وقد نصطدم خلاله بحقائق كنّا ننكرها أو نجهلها، وقد نتواصل بفضله مع عوالمنا الداخليّة. أشياءٌ كثيرةٌ تتغيّر خلال هذا الشهر لأنّنا نتفاعل معه بطرق مُختلفة ولأنّ تصوّراتنا وتمثّلاتنا عن الدّين والروحانيّات تتباين وتتعدّد. نعيش في دولٍ تفرض علينا الالتزام بأفكار وطقوس "الجماعة"، فيُضطرّ بعضنا إلى كبت مشاعره/ها ورغباته/ها ويتضاعف الإحساس بالذنب في كلّ مرّة يسرح فيها خيالنا داخل عوالم النشوة والمُتع الحسيّة. تكثر التابوهات ويُصبح الجنس فاكهةٌ مُحرّمةٌ يُمكن أن تنفتح بسببها أبواب العذاب على مصراعيها. سنعرض عليكمنّ مجموعة من الشهادات المختزلة من المنطقة عن تغيّر عاداتنا الجنسيّة وإحساسنا بذواتنا وأجسادنا وميولاتنا خلال رمضان.

   * ساهمت في تجميع الشهادات وإعدادها كلّ من ميساء أجزناي بنموسى ووئام مختار وأميرة الدسوقي.


رمضان ساعدني على تقبّل مثليتي

ــ باسم

ولدت وعشت مع أهلي في مدينة سلا بالمغرب. كنت في طفولتي أنتظر شهر رمضان بشغفٍ كبيرٍ لقدرته على تغيير إيقاع الحياة. منذ أول يوم في الشهر الكريم، يتغيّر جدول مواعيد الدراسة، وبرمجة التلفزيون، وأوقات النوم، ونوعية الأكل. وتتغير سلوكيات الناس بشكلٍ غريبٍ أيضًا. في الشارع، مثلًا، يتوقف أصدقائي عن استعمال الألفاظ النابية لاعتقادهم أنها قد تبطل الصيام.

عندما حل شهر رمضان وأنا في سن التاسعة عشر، كنت ضائعًا في دوامة من التساؤلات حول ميولي الجنسية. كنت عالقًا في منتصف الطريق. لا أعيش حياتي العاطفية والجنسية كشخصٍ مثلي بسبب عدم تقبّلي لذلك، ولا كشخصٍ مغايرٍ بسبب عدم انجذابي للفتيات. كنت أحس بالحب والارتياح والسعادة عند الالتقاء بأشخاص مثليي الجنس، لكن بمجرد الاختلاء بنفسي أبدأ بجلدها ولومها وتذكيرها أن "اللواط" مجرّمٌ ومرفوضٌ ومحرّمٌ. لم أكن قادرًا على أخذ أي قرار في هذا الشأن، لذلك فكرت في أن أترك الاختيار لرب العالمين.

قررت أن أقوم بكل ما في وسعي لأصبح مغايرًا عبر الخشوع في عبادة الله خلال الشهر المُبارك. وقلت لنفسي إذا تعافيت بعد رمضان، فنحمده ونشكره. وإذا لم تتغير ميولي الجنسية، فهذا يعني أن الرب راضٍ عني كما أنا، وبالتالي يجب أن أتقبّل نفسي.

كنت جادًا في ذلك، ومؤمنًا بقدرة الله وبأنه يسمعني. وقبل يومٍ من شهر رمضان، مسحت كل حساباتي على تطبيقات المواعدة، وغيّرت رقم هاتفي، وقطعت جميع العلاقات مع معارفي من مثليي الجنس. تسّلحت منذ أوّل يومٍ بسجادة الصلاة التي كنت أضعها على كتفي وأذهب بها إلى المسجد للصلاة لساعات متتالية، وأدعو الله أن يرشدني إلى طريق الصواب. وبين الصلوات، أشاهد القنوات الدينية أو أقرأ القرآن. كان شهرًا طويلًا جدًا.

انتهى رمضان، وفي يوم العيد كنت ما أزال أنجذب إلى الذكور. لم تتغير ميولي الجنسية ولم يزعجني الأمر للمرة الأولى، بل أحسست بالفرح. فالله الآن بجانبي، يريدني كما أنجبني: مثليًا.

اتصلت بصديقي خالد يوم العيد مساء لأخبره بأني الآن مثليٌ فخور، وقلت له: "دعنا نتعرف على أشخاص مثليي الجنس جدد فأنا الآن جاهزٌ للوقوع في الحب".

 

بعد الإفطار تعود الحياة الجنسية إلى طبيعتها

ــ محمد

نصوم طوال اليوم، لكن بعد الإفطار لا شيء يمنع من ممارسة الحياة بشكلها العادي. طلبت من صديقٍ لي أن يترك لي شقته لألتقي فيها بشريكتي. بعد أن وصلنا إلى الشقة وأكلنا وضحكنا، بدأنا بالمداعبة وبعدها انتقلنا الى السرير لنمارس الجنس مثل العادة. بدأت بالصراخ منتشية، ولم أستطع أن أمنعها لأن الأمر طبيعي بالنسبة لكلينا. وبعد لحظات سمعت طرقًا بالمكنسة قادمًا من إحدى الشقق. كانت جارة صديقي تصلّي صلاة التراويح على الأغلب، وبعد أن سمعت صراخ رفيقتي توقفت وبدأت بمهاجمتنا رافعة صوتها حتى نسمعها: "مكتحشموشي وهادا سيدنا رمضان وأنا اللي مزوجة مكنعملشي هدشي ومكنغوتشي هيدا". هي تعلم أن صديقي صاحب الشقة شابٌ أعزب. بعد أن سمعنا ما سمعناه، انتابنا الخوف ولم يعد لدي أي رغبة في إكمال العلاقة. نهضنا ولبسنا ملابسنا وخرجنا قبل أن تفكر المرأة في إخبار الشرطة ونصبح متهمين بجنحة ممارسة الجنس خارج إطار الزواج. اتصلت بصديقي لأحذّره في حال التقى بتلك المرأة ليعرف بما يجيبها.

 

الخوف من المجتمع في رمضان

ــ فاتي 

اتفقت مع رفيقي أن نلتقي، لكن بالرغم من أنني فتاةٌ متصالحةٌ مع رغباتها في الأيام العادية خارج شهر رمضان، إلا أنني في هذا الشهر أصير فتاة تخاف المجتمع وتحسب له ألف حساب. هذا الخوف وقف بيني وبين رغباتي وحتى العلاقة الجنسية التي نمارسها في بقية الأيام دون الإحساس بالذنب، وصرت أخاف حتى استحضار احتمال حصولها بيني وبين رفيقي. التقينا وما إن اقترب مني حتى أبعدته متفاجئة من نفسي ورفضت رفضًا قاطعًا أن يحدث بيننا أي شيء. أسعدني لأنّه تفهّم مشاعر خوفي واحترم قراري. أعتقد أنّ السبب من وراء رفضي هو انصياعي لما يفرضه عليّ الدين الاسلامي من التزام وعدم انتهاك حرمة وقدسية شهر رمضان. كان خوفي نابعًا في الأصل من الرقابة الإلهية التي تعلّمنا منذ الصغر أنها تحضر وبقوةٍ طوال فترة الصيام. هو خوفٌ من العقاب الذي ينتظرني إذا ما تجرّأت وقمت بممارسة العلاقة الحميمة مع شريكي. هذا النوع من الخوف الذي كبر معي لا يجعلني أسمح لرغباتي بأن تعبّر عن نفسها كما تفعل في الأيام العادية، وإلى اليوم ما زلت أرفض ممارسة الجنس خلال رمضان. ابتلعني الخوف ولم أعد قادرة على المواجهة. 

 

الصيام الجماعي بين "الطقوس" والروحانيات

ــ وئام

هذا الميم (meme) يضحكني كثيرًا لأنّه يُعبّر عن ثقافة مجتمعاتنا العربيّة في ما يخص العلاقات في شهر رمضان، وبالتأكيد يمثّل جزءًا لا بأس به من تجاربي الشخصيّة مع الشهر الكريم!

الميم يظهر اختلافًا في الشخصيّة ودرجة التديّن بين الشريكين: المرأة بالطبع هي التي تعرض والرجل المتديّن يتعفّف. نتربّى نحن النساء على أهمية أن نختفي خلال الشهر، بدايةً من إخفاء إفطارنا خلال فترة الدورة الشهرية وقد يصل الأمر إلى حد محاكاة الصيام طوال اليوم حتّى لا يكتشف أحد رجال البيت أو العمل أو المدرسة أو الشارع أن النساء لديهن دورة شهرية يفطِرن أثناءها، وصولًا إلى وصايا الأمهات والجدّات عن منع ارتداء الملابس المثيرة والتلامس، وأحيانًا القُبل خلال فترة الصيام لمنع أي إثارة للشهوات، وتحديدًا الجنسية. يتركّز مفهوم الشهوة خلال الشهر الكريم على الطعام. يُمكن للجميع أن يأكلوا ويشربوا كما يريدون ويُردن بعد الإفطار وحتى الفجر، لكن دائمًا ما يُعامل الجنس معاملة خاصة.

كان شهر رمضان يمثل بالنسبة لي اختبارًا حقيقيًا لأفكار الشخص وعلاقته بالدين ومدى اتساقه مع المواقف التي يتخذها. ففي حين يتشدّق البعض بكونهم غير مؤمنين من الأساس، أو لديهم علاقة خاصّة مع الروحانيات وينفرون من "الطقوس"، وبالتالي يمارسون رغباتهم بحريّة خلال شهور العام، كان معظم هؤلاء لا يستطيعون مواجهة هيبة الصيام الجماعي في مصر. فبينما ترتدي بعض النساء الحجاب بشكل موسمي، كان الرجال يمتنعون عن أي ممارسة حسّية خارج إطار الزواج، ويواظبون على الصيام، وقد تتوقف العلاقة كُلّها خلال الشهر منعًا لإثارة أي شهوة عابرة.

الصيام الجماعي في بلداننا العربية له رهبةٌ خاصة. قد يتجاهل الرجل الصلوات الخمس أو أيًا من فروض الدين خلال العام، لكنه لا يقدر على مخالفة الأجواء الرمضانية التي تزهد في شهوة الحب والجنس وتنطلق بلا رادعٍ في ما يتعلق بالمأكل والمشرب ومشاهدة المسلسلات التلفزيونية والخيم الرمضانية.

 

الصراع مع الشهوة

ــ سارة

خُلق جسدي شهوانيًا. رغباته تفرض نفسها عليّ دون رحمة. في مرحلة المراهقة أو مرحلة ثورة الهرمونات كما أسمّيها  تديّنت. كنت أبكي بعد كلّ مرّةٍ أمارس فيها العادة الجنسيّة لتفريغ طاقاتي المكبوتة. صحيحٌ أنّني أشعر بالذنب لكن لا يُمكن مقارنة شعوري في الأيّام العاديّة بما أحسّ به في شهر رمضان. 

كنت أضع خططًا واضحةً في رمضان، بين قراءة القرآن بغرض "ختم المصحف"، وصلاة التراويح والأذكار. وكنت أمارسها جميعًا بحبٍ وراحةٍ نفسيةٍ، ثم تأتي هرموناتي لتقتحم تلك الحالة الهادئة، التي تَعلّمنا منذ نعومة أظافرنا أنها تتعارض مع كوننا روحانيين وروحانيّات. الشهوة عائقٌ ضدّ تطوّر الرّوح، هذه الفكرة التي رسّخها داخل عقولنا رجال الدّين كانت السبب في ليالٍ غير معدودات من البكاء والإحساس بالذنب وعدم الاستحقاق.

على الرغم من صعوبة هذا التحدي، كنت معظم الأيام في رمضان أصمد ولا أمارس العادة الجنسيّة. لكن سرعان ما أدركتُ أن كبتي لرغباتي تصرّفٌ ضد الطبيعة، لأنّ كلّ ما أتجنبه من أفكار وخيالات مثيرة وأنا مستيقظة يهاجمني في أحلامي بشراسة، ويغذي رغبتي بأفكارٍ أكثر إثارةً وجنونًا. كل ما أتذكره عن رمضان - رغم كل ما كنت أمارسه من طقوس روحانية - هو هذا الصراع والإحساس بالذنب الذي سيطر علي طوال فترة مراهقتي، قبل أن أكتشف أن الجنس ومتعته يمكن لهما أن يكونا عاملًا فعالًا في ارتقاء الروح.

 

"الأورغازم الرمضاني" والرغبة الممنوعة

ــ ريم

"الممنوع مرغوب" هو عنوان قصتي، فزوجي الذي يكاد يكون زاهدًا للجنس طوال عام، خاصة بعد أن رزقنا بطفلين وأصيبت حياتنا الجنسية بالفتور، يتحول إلى شخصٍ آخر تمامًا في شهر رمضان. فيكون ملهوفًا على الجنس أثناء فترة صيامه، أكثر من لهفته على الطعام أو الشراب أو القهوة التي يعشقها.

بعد فترة، أصبح  شهر رمضان بالنسبة لي مغامرة جنسية في زواجي، وأحيانًا يفضّل زوجي أن نفطر على الجنس بدلًا من الطعام، ما يشعرني بالسعادة العارمة. أشعر أن هذا الشهر وشعور زوجي بأنه محرومٌ من الجنس يُنعش رغبته الجنسية التي تستمر لما بعد رمضان بأشهر قليلة، إلى أن تفتر مرة أخرى، وأظل في انتظار رمضان حتى تتوهج حياتنا الجنسية مرة أخرى. ولا أنكر أنني مارست خدعة أثناء السنة بين رمضان ورمضان الآخر، وهو ممارسة طقوس الصيام حتى أشعره بنفس الرغبة. أحيانًا تفلح تلك الخدعة ويثار، وأحيانًا لا يكترث لها. لكن يظل شهر رمضان هو الأفضل بالنسبة لنا في حياتنا الجنسية.