لماذا نحتاج منظورًا نسويًّا تقاطعيًّا لقراءة المساواة في الانتفاع من الأراضي السلالية في المغرب؟

تُعتبر الأراضي الجماعية في المغرب مصطلحًا عامًا يُستخدم لوصف أنواعٍ مختلفةٍ من الأراضي في أنحاء المملكة، تملكها جماعاتٌ إثنيةٌ وقبَليةٌ في البلاد بشكلٍ جماعي. إحدى هذه الأنواع، وأكثرها شيوعًا، هي الأراضي السّلالية. تدير هذه الأراضي الجماعاتُ التاريخية التي يحقّ لها استخدامها، وهي لم تكن ملكيةً خاصةً حتى العقود الماضية، حين بدأَت الدولة بمأسَسة عمليّات الخَصخَصة، والتي كانت انطلقَت في خلال الاستعمار الفرنسي مع مرسوم الظهير البربري في 27 نيسان/أبريل 1919.1 وشكّل هذا النص القانوني بداية تراجع صلاحيات هذه الجماعات على أراضيها.

سلاليّات الغرب: هل هي حركة من أجل المساواة الجندرية أم من أجل الحق في الأرض؟

منطقة الغرب الشمالي في المغرب، أو جهة الغرب، كانت تُعرف سابقًا باسم الغرب-شراردة-بني حسن2 قبل تقسيم الجهات الإقليمية في عام 2015، ودُمجت لاحقًا مع منطقة الرباط - عاصمة المغرب، وأصبحَت تُعرف اليوم باسم الرباط سلا القنيطرة. تتميّز هذه المنطقة بسهولها الخصبة وقربها من المحيط الأطلسي، ما جعلها منطقةً جذابةً في خلال الاستعمار الفرنسي، حيث حوّلها المستعمرون إلى مستوطنةٍ زراعيةٍ رئيسةٍ تضمّ أراضي زراعيةً مرويةً وميناءً عسكريًا جديدًا (مثل القنيطرة). بعد استقلال المغرب في عام 1956، أصبحَت إمكانية حيازة الأراضي والاستفادة منها قضيةً رئيسةً في المنطقة. في حين استولى مستثمرو القطاع الخاص، بمن فيهم النخب الوطنية والدولية، على تلك الأراضي الزراعية، بدأَت القبائل الرعوية التي كانت تمتلك حقوق استخدام تلك الأراضي منذ استيطانها في البلاد في القرنَين الرابع عشر والسادس عشر في الكفاح من أجل الحفاظ على حقوقها في الوصول إلى مواردها. وجدَت هذه القبائل نفسها بمواجهة سياساتٍ متسارعةٍ لخَصخَصة الأراضي نتيجةً لزيادة كثافة السكان في المنطقة،3 والتحضّر السريع في سبيل التنمية. من المهم الملاحظة هنا أنه، مقارنةً بالمناطق التي تديرها الحكومات أو الكيانات الخاصة، تشير البحوث إلى أنّ حيازة السكان الأصليّين والجماعات المحلية حقوق ملكيّة الأرض تؤدّي إلى معدّلات تصحّرٍ أقلّ، وانخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحمايةٍ أفضل للتنوع البيولوجي وسُبُل معيشةٍ أفضل. وبالتالي، تصبح حقوق السكان الأصليّين في الأراضي ركيزةً أساسيةً للنضال المناخي، وفي نهاية المطاف لتحقيق العدالة البيئية.

تشير البحوث إلى أنّ حيازة السكان الأصليّين والجماعات المحلية حقوق ملكيّة الأرض تؤدّي إلى معدّلات تصحّرٍ أقلّ، وانخفاض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وحمايةٍ أفضل للتنوع البيولوجي وسُبُل معيشةٍ أفضل

أمام هذه التغيّرات السريعة والوشيكة في سياسات الأراضي التي تسعى إلى خصخصة الأراضي الجماعية باسم التنمية، بدأَت الجماعات السلالية في منطقة الغرب باتخاذ قراراتٍ متسرّعة، وأحيانًا فردية، من أجل ضمان بعض المكاسب من تلك الأراضي. وكانت إحدى نتائج هذه العمليّات استبعاد نساء هذه الجماعات بشكلٍ منهجي عن القرارات المتعلّقة بمستقبل أراضيهنّ، وبالتعويضات4 بعد تسليم الأراضي الجماعية للدولة أو لأصحاب الملكية الخاصة. ولذلك، بدأَت نساءٌ من جماعات الحدادة السلالية (إقليم القنيطرة، منطقة الغرب-شراردة-بني حسن) بالاحتجاج على هذا الظلم في عام 2007 وأسّسن حركةً قوية، تضمّ سلالياتٍ من جماعاتٍ أخرى في منطقة الغرب وغيرها، وهي حركةٌ تواصل نشاطها حتى يومنا هذا. وواجهَت جهودهنّ الجماعية مقاومة، سواء من داخل مجتمعاتهنّ أو من مجلس الوصاية على الجماعات السلالية على الأراضي الجماعية، أي مديرية الشؤون القرويّة في وزارة الداخلية. برّر بعض السلاليّين هذا الاستبعاد باسم الشريعة، وأحال آخرون إلى العرف في مجتمعاتهم. أمّا وزارة الداخلية، فقد رفضَت التدخل في الشؤون الداخلية للجماعة السّلالية، مؤكدةً أن ذلك يقع خارج نطاق صلاحياتها. أدّى نضال السّلاليات، الذي وصفَته وسائل الإعلام بأنه نضالٌ نسوي، إلى نجاحٍ نسبي لحركتهنّ وفقًا للحسابات الإعلامية، حيث تمّ تحديث التشريعات المتعلقة بالأراضي الجماعية وانتُخبت أول امرأةٍ نائبةٍ في عام 2019.5 لكن في غمرة المفاوضات والاحتجاجات من أجل المساواة الجندرية في عمليات خَصخَصة الأراضي، لم يتم التطرق إلّا نادرًا إلى أسباب تنازل المجتمعات عن أراضيها في المقام الأول.

في الواقع، تكشف الخطابات الإعلامية عن انقسامٍ بين إطارَين مختلفَين للعمل الجماعي للجماعات السّلالية، والتي تفتقر إلى التشابك التقاطعي. من جهة، يصوّر الإعلام حركة السّلاليات بوصفها حركة نسوية، ويشير إليها ككيانٍ موحدٍ لنساءٍ من دون أيّ هويةٍ عِرقيةٍ أو إثنيةٍ أو إقليميةٍ محدّدة، تتركز مطالبهنّ فقط على المساواة الجندرية بدلًا من المطالبة المشروعة بالأرض نفسها. حتى أنّ حركة السّلاليات هذه تُعتبر من قِبل العديد من وسائل الإعلام6 أحدَ رموز النضال النسائي في المغرب من أجل المساواة الجندرية. ومن ناحيةٍ أخرى، تناولَت المنصّات الإعلامية الأكثر نقديةً مطالبَ الحركة الأمازيغية التي تركّز على المطالبة المشروعة بالأراضي الجماعية للسكان الأصليّين. وعلى الرغم من أن خطاب هذه المنصّات الإعلامية بشأن التحركات الجماعية الأمازيغية يُظهر دعمها وتضامنها مع الحركة السّلالية من أجل المساواة الجندرية، إلا أنه ما زال يصوّر الحركة على أنها غير مُجندرة. وبالتالي، في ظلّ هذا الخطاب الثنائي بين حركةٍ سلاليةٍ نسويةٍ تقودها النساء وحركةٍ أمازيغيةٍ أصليةٍ تسعى إلى الحق في الأرض،7 ما هو موقع السّلاليات الأمازيغ؟ هل يتمّ تجاهلهنّ كنساءٍ في خطاب الحركة الأمازيغية، أم أنهنّ غير مرئياتٍ كأمازيغيّاتٍ في الخطاب المتعلّق بالحركة السّلالية؟

بين المحو وسوء التمثيل: كيفية إعادة مركَزة السّلاليات الأمازيغ في الخطاب

ثمّة تمثيلٌ مفرطٌ في وسائل الإعلام للسّلاليات في الغرب.8 ومن المفارقات، وفقًا للبيانات التي جمعَتها وزارة الداخلية في عام 2010، الغرب هي أيضًا الجهة التي يوجد فيها أقل مساحة من الأراضي المتبقية في أيدي المجتمعات القبلية (بين 100 ألف و500 ألف هكتارٍ تقريبًا). على عكس بعض المجتمعات السّود9 الغائبة عن أيّ خطابٍ في شأن الأراضي الجماعية (في وسائل الإعلام أو غيرها)، فإنّ النساء الأمازيغ يُمّثلن بشكلٍ خاطئ ويُمحَين جزئيًا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بدورهنّ الفعّال في تنظيم العمل الجماعي من أجل الأراضي السّلالية. وغالبًا ما يُشار إليهنّ فقط في بعض المقالات التي تتناول المساواة الجندرية في المغرب، والتي ترّكز على تقاطعية الاضطهادات التي تتعرّض لها النساء الأمازيغيات القرويّات. وتُنشر عادةً هذه المقالات في مواعيد تتزامن مع نشر البحوث والتقارير عن انعدام المساواة الجندرية في يوم النساء العالمي. وعلى الرغم من أهمية نشر وإتاحة المعلومات في شأن المساواة الجندرية، إلا أن غياب التنوع في الخطاب الذي يمثل النساء لا يزال يمثّل مشكلة. تواجه النساء الأمازيغيّات القرويّات العديد من التحدّيات بدرجاتٍ متفاوتة، بدءًا من صعوبة الحصول على خدمات الرعاية الصحية ووصولًا إلى الأمّية والهشاشة الاقتصادية. لكنّ مجرّد الاعتراف بهذه الحقيقة لا يروي القصة بكاملها. على عكس الخيال الخطابي المُفرغ سياسيًا الذي نُسجَ حول النساء الأمازيغيّات وصوّرهن كضحايا ضعيفاتٍ يتعرّضن لقسوة بيئتهنّ الاجتماعية والإيكولوجية، من دون مساءلة هياكل السلطة الاستعمارية والأبوية التي تكمن وراء هذه اللامساواة، فإنّ النساء الأمازيغيّات لسنَ مجموعةً متجانسةً ولا هنّ يتحمّلن مصيرهنّ راضياتٍ بصمت، إذ لطالما قاومنَ جميع أشكال التمييز التي تعرّضن لها.

إنّ النساء الأمازيغ يُمّثلن بشكلٍ خاطئ ويُمحَين جزئيًا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بدورهنّ الفعّال في تنظيم العمل الجماعي من أجل الأراضي السّلالية. وغالبًا ما يُشار إليهنّ فقط في بعض المقالات التي تتناول المساواة الجندرية في المغرب

تاريخيًا، تبدّل الخيال الاستعماري الأوروبي حول المرأة الأمازيغية ما بين العجز والانزعاج.10 اعتقد ضباط الاستعمار الفرنسي أنهم بحاجةٍ إلى إنقاذ النساء من الرجال والعرب، ما يفسّر وجود ضباطٍ فرنسيّين في المحاكم القرويّة في جميع أنحاء البلاد آنذاك. ومع ذلك، سرعان ما أصبحَت النساء الأمازيغيّات مصدر إزعاجٍ لهؤلاء الضباط، حيث لجأن بشكلٍ مكثفٍ إلى هذه المحاكم في كفاحهنّ من أجل حقوقهن، كما لاحظَت عالمة الأنثروبولوجيا، كاثرين هوفمان (Katherine Hoffman)، في عملها الأرشيفي عن نظام العدالة في جبال الأطلس الكبير في المغرب.11 واستمرارًا للسردية الاستعمارية، يصوّر الإعلام الحالي النساء الأمازيغيّات بشكلٍ سلبي ويركّز على معاناتهنّ من دون أن يقدّم فعليًا أيّ خطابٍ مضادّ: شملَت دراستي لخطاب وسائل الإعلام12 مقالةً واحدةً فقط تضمّنَت مقابلةً مع ناشطةٍ أمازيغيةٍ تُعرّف بهويّتها علنًا، ونَقلت شهادتها واقتباساتها مباشرةً في النص. بالإضافة إلى ذلك، في المرّات التي لا تعمد فيها وسائل الإعلام هذه إلى تصوير النساء الأمازيغيّات على أنّهن يعانين بصمتٍ في قراهنّ، أو كأرقامٍ في إحصائيات المنظمات الدولية والوكالات المانحة، فإنّها تصوّرهن كمصدر إزعاجٍ للسلطات عندما يسعَين إلى تحقيق العدالة لأنفسهنّ ومجتمعاتهنّ، بما في ذلك الحقّ في الأرض.

نظرًا لعدم توفّر إحصاءاتٍ مفصّلةٍ عن التركيب العِرقي والإثني في المغرب، عاينتُ الخطاب الإعلامي في مقالاتٍ تناولَت حركة السّلاليات في المناطق ذات الأغلبية الناطقة بالأمازيغية، مثل سوس-ماسة، ودرعة-تافيلالت13 أو إقليم إفران. تبرز بعض الاختلافات في الطُرق التي تصِف بها وسائل الإعلام نضالات السّلاليات في هذه المناطق مقارنةً بالغرب. أولًا، لا يصِف الخطابُ الإعلامي العملَ الجماعي للجماعات السّلالية في هذه المناطق بأنّه قضيةٌ نسويةٌ حصرًا. إذ حتى عندما تكون هذه الحركات السّلالية مختلطةً أو تقودها غالبيةٌ من النساء، فإنّ مطالبها المُعلنة لا تعتمد تراتبيةً منهجيةً بين المطالبة المشروعة بأراضيها، وضرورة إشراك مجتمعاتها في تنمية المنطقة، وضمان المساواة الجندرية في جميع الإجراءات والسياسات. في الوقت عينه، ثمّة عددٌ قليلٌ من التقارير الإعلامية التي تتناول نجاحات النساء السّلاليات خارج منطقة الغرب. وتعزو بعض المنظّمات غير الحكومية النسوية الداعمة للسّلاليات في الغرب، هذا الفشل إلى ضعف التمثيل النسائي في مجالس جماعاتهنّ السّلالية. لكنّ انتخاب نساءٍ نائباتٍ عن المجتمعات السّلالية في الغرب كان مجرّد نجاحٍ رمزي، إذ واجهنَ تحدّياتٍ جمّةً في بيئةٍ يسيطر عليها الرجال، ما حدّ من قدرتهنّ على التغيير.

ثانيًا، أفادَت بعض وسائل الإعلام عن مزيدٍ من حالات العنف الموجّه ضد المتظاهِرات في جهة سوس-ماسة ودرعة-تافيلالت مقارنةً بجهة الغرب. في حين أن الخطاب الإعلامي يؤطّر العنف الذي تواجهه سلاليات الغرب على أنّه مؤسّسي أو مجتمعي (أي عنف يرتكبه الرجال ضمن مجتمعاتهم المحلية)، فإنّ التقارير المتعلقة بالعنف الذي تتعرض له السّلاليات في المناطق الأمازيغية الرئيسة ترتكبه إلى حدٍّ ما قوّات الأمن، بدءًا من تسجيل حضورٍ كبيرٍ للشرطة في خلال المظاهرات ووصولًا إلى وفاة امرأةٍ في خلال مظاهرةٍ للسّلاليّات في إقليم إفران (جهة فاس-مكناس). وفي حين دعمَت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان هذه المظاهرة وعائلة الضحية صراحةً، التزمَت المنظمات النسوية غير الحكومية والجماعات السّلالية في مناطق أخرى الصمتَ بشأن هذه الأحداث، ما يدلّ على محدودية نطاق عمل حركة السّلاليات.

انتخاب نساءٍ نائباتٍ عن المجتمعات السّلالية في الغرب كان مجرّد نجاحٍ رمزي، إذ واجهنَ تحدّياتٍ جمّةً في بيئةٍ يسيطر عليها الرجال، ما حدّ من قدرتهنّ على التغيير

يوضِح بحث فاطمة آيت موس وياسمين بريان عن حركة السّلاليات14 أنّ التركيز على المساواة الجندرية كان خيارًا استراتيجيًا واعيًا تبنّته حركة السّلاليات في جهة الغرب، جزئيًا بناءً على نصيحةٍ من المنظمات غير الحكومية النسوية المؤسّسية، مثل الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب (ADFM).15 وكان المنطق الكامن خلف هذا الخيار هو تعزيز احتماليّة كسب معركة المساواة الجندرية مقارنةً بقضيةٍ تبدو خاسرةً لاستعادة الحقّ في الأرض ضمن إطارٍ حقوقي أوسع.

وبفعل خطابٍ إعلامي موحّد - لا بل جوهرانيّ - يصوّر النساء السّلاليات على امتداد البلاد على أنّهن يواجهن أشكال القمع نفسها، معطوفًا على الخيار الاستراتيجيّ بالتركيز بشكلٍ رئيسٍ على تحقيق المساواة الجندرية عن طريق الإصلاحات القانونية، يبدو أن حركة السّلاليات حصدَت النجاح إلى حدٍّ ما. لكنّ هذا المنظور الأحادي للنساء السّلاليات وحركتهنّ هو سيفٌ ذو حدّين. وعليه، تشتكي بعض النائبات المنتخبات حديثًا في المجالس السّلالية الجماعية وفي الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب من ضبابية قوانين تنظيم الأراضي التي طال انتظارها سعيًا لتحقيق المساواة الجندرية، وتركيزها عوضًا عن ذلك على مأسَسة عملية خَصخَصة الأراضي الجماعية.

وعلى الرغم من أنّ حركة السّلاليات التي كوّنَتها أساسًا المجموعاتُ في الغرب والجمعيةُ الديمقراطية لنساء المغرب أخذَت تتوسّع لتبلغ المناطق ذات الأغلبية الأمازيغية بفعل ورشات العمل والقوافل التثقيفيّة المتنقّلة حول البلاد، على سبيل المثال، ما زال الخطاب النسويّ التقاطعيّ غائبًا عن السّردية المتعلّقة بالنساء السّلاليات.

ولكن لماذا هذه المقاربة مهمّة؟

تخيّل الحقّ في الأرض من خلال قراءةٍ نسويةٍ وديكولونيّةٍ للقانون الأمازيغيّ 

على الرغم من أنّ الخيارات الاستراتيجية التي اتخذَتها سلاليّاتُ الغرب فتحَت أبوابًا كثيرةً للسّلاليات الأخريات، إلا أنّها بدأَت تبلغ منتهاها. على سبيل المثال، في حين يراقب بعض الناشطات النسويات عن كثبٍ كيف سيتمّ تنفيذ التشريعات الجديدة المتعلّقة بالأراضي الجماعية من حيث المساواة الجندرية، لم يتبقَ سوى القليل من الأراضي الجماعية لإعادة التوزيع في مناطق أخرى، كما هو الحال في تنغير وزاكورة بجهة درعة-تافيلالت. كان الخطاب الإعلامي في بعض الأحيان مضللًا، إذ لم يتردّد في الإيحاء بأنّ نجاح حركة السّلاليات هو خطوةٌ أولى نحو المساواة في الميراث لجميع النساء المغربيّات. في الواقع، لا شيء يوحي بأيّ تغييرٍ في هذا الاتجاه. لطالما منحَت الشريعةُ الإسلامية جزءًا من الميراث للنساء، وإن بقدرٍ غير متساوٍ مع الرجال. لكنّ وضع السّلاليات شكّل استثناءً لهذه القاعدة لأنّ أرضهنّ لم تكن ملكًا خاصًا، كما أنّ هذه المسائل كانت تُقرّ ضمن أُطُر العُرف لدى كل جماعة. تاريخيًا، لم تُمانع بعض الجماعات نقل حقوق استخدام الأراضي إلى الزوجات والبنات، في حين تردّدَت جماعاتٌ أخرى في تبنّي هذه الممارسة.16 هذه حالُ تعسّفية العُرف (أو أزرف في الأمازيغية)، التي تضمن في الوقت عينه بعضًا من حرّية التفسير والمرونة في التغيير.

تاريخيًا، لم تُمانع بعض الجماعات نقل حقوق استخدام الأراضي إلى الزوجات والبنات، في حين تردّدَت جماعاتٌ أخرى في تبنّي هذه الممارسة

في الحالات التي لا تنطبق فيها الشريعة، كما هو حال الأراضي السّلالية الآن، قد يكون مثيرًا للاهتمام الاستعانة بالفقه التشريعي الأمازيغي للذهاب بالنقاش أبعَد من ثنائية المساواة الجندرية مقابل الحقّ في الأرض. من الناحية التاريخية، لطالما تحرّكَت النساء الأمازيغيّات بين الفقه الأمازيغيّ والعُرف في مسائل الطلاق والميراث، ولجأنَ إلى المحاكم على نطاقٍ واسع. ولطالما كان لديهنّ الحق، مثل الرجال، في اللّجوء إلى أحد هذين النظامَين القضائيّين حسبما يناسبهنّ. وحتى في الحالات التي لم يرِثن فيها الأرض، كان بوسعهنّ دائمًا الاستفادة من تعويضٍ مالي مقابل الحصص التي يتنازلن عنها. وكان في عُرف منطقة الأطلس الصغير ممارستَان قانونيّتان شائعتَان في ما يتعلّق بميراث الأرض: أوكردة (التخطّي جيلًا)، وتايسي (التنازل عن الأرض).17 وبقدر ما قد تبدو هذه الممارسات إقصائيةً للنساء، يمكن استخدامها لصالحهنّ إذا ما فُسّرَت وطُبّقَت من منظورٍ نسوي. فمُمارسة أوكردة تضمن أن ترث سلالةُ المرأة الأرضَ منها في ما بعد، في حين يمكن أن يكون اختيار تايسي استراتيجيًا في الحالات التي تفتقر فيها الأرض للخصوبة، أو إذا كانت المرأة تعيش بعيدًا ولا يمكنها الاعتناء بها، وبالتالي تفضّل التنازل عنها مقابل تعويضٍ يوازي قيمتها. على أيّ حال، لكي تحقّق هذه المفاهيم القانونية العرفية غايات التمكين وضمان الحقّ في الأرض، فإنّ عملية تنفيذها وتطبيقها تتطلّب المشاركة السياسية وإشراك مختلف فئات أصحاب المصلحة المغاربة في تنوّعهم/ن، وهوياتهم/ن، وقدراتهم/ن ومعرفتهم/ن المتقاطِعة جندريًا، وعِرقيًا، واجتماعيًا واقتصاديًا.

ويشمل ذلك النساء الأمازيغيّات وغيرهنّ ممّن يمتلكن تجارب ومعارف متوارثةً عبر الأجيال تتعلّق بممارسات المؤسّسات القانونية في المجتمعات الأصلية، مثل المنظمة غير الحكومية، صوت المرأة الأمازيغية، التي تدعو إلى تطبيق المادة 49 من قانون الأسرة أو "المدوّنة" لعام 2004 من منظورٍ نسوي أمازيغي.18 هذا التدبير القانوني، الذي يهدف إلى حماية الحقوق المالية للزوجَين عند الزواج، وليس فقط عند الطلاق، مُستلهمٌ في الواقع من الممارسة الأمازيغيّة المعروفة بـ "تمزلت"، الذي يُوازي مفهوم "الكدّ والسعاية" في الفقه الإسلامي،19 ويكرّس للمرأة مبدأ الذمّة الماليّة، أي حقوقها الماديّة والمعنويّة في المال الذي شاركَت زوجها في تكوينه. إلّا أن الاختلافات في التفسيرات القانونية والتطبيقات التي تبتعد عن مفهوم تمزلت دفعَت بالنساء في منظمة صوت المرأة الأمازيغية إلى إعادة مركَزة المنظور الأمازيغي النسوي في التطبيق المتساوي للمادة 49 من قانون الأسرة. كذلك تمكن مقاربة أوكردة وتايسي بوصفهما مفهومَين قانونيَّين من شأنهما أن يُفيدا جميع النساء في البلاد، شرط أن تشمل عملية المأسَسة النسوياتِ التقاطعياتِ اللواتي يراعين تنوّع الهويات والمعارف، بما في ذلك الأمازيغيّات منهنّ.

_________________________________

ملاحظة: تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع مؤسسة هينرش بُل، مكتب المغرب. الآراء الواردة هنا تعبر عن رأي من ألّف النص وبالتالي لا تعكس بالضرورة وجهة نظر المؤسسة.

 

 

  • 1. استمرّ الاستعمار الفرنسي للمغرب رسميًا من عام 1912 حتى عام 1956.
  • 2. يُشار إليها في المقال باسم "الغرب".
  • 3. ثاني أعلى نسبة في البلاد. المصدر: المملكة المغربية - المندوبية السامية للتخطيط  
  • 4. اتُفق على أنواع التعويضات بحسب كل حالة، إما تعويضات مالية أو حيازة قطع أرضٍ في مناطق أخرى.
  • 5. في عام 2019، أقر مجلس النواب مشروع قانون رقم. 62.17 و63.17 و64.17، محدّدًا على نحوٍ أدقّ شروط الصلاحيات الإدارية لوزارة الداخلية في ما يتعلق بشؤون الجماعات السلالية والأراضي الجماعية، وقواعد عمليات ترسيم الأراضي المرتبطة بهذه الجماعات، وحصر الأراضي الجماعية بتلك الواقعة في محيطٍ زراعي مروي، باستثناء تلك التي تقع ضمن اختصاصات التخطيط العمراني. تشير النصوص أيضًا إلى المساواة الجندرية بعباراتٍ عامةٍ وفقًا للمادة 19 من الدستور الجديد لعام 2011.
  • 6. بين آذار/مارس 2019 وكانون الثاني/يناير 2020، عندما صُوّت على القوانين الجديدة التي تحكم الأراضي الجماعية في البرلمان، نشرَت المنصّات الإعلامية الحكومية مثل وكالة المغرب العربي للأنباء، والمنصّات الأكثر نقديّة، مثل تيل كيل، والمتخصّصة مثل الإيكونوميست، عدة مقالات تشيد بانتصار الحركة السلالية.
  • 7. الحقّ في الأرض يعني حماية الأرض من الاستثمار واستخراج مواردها، وتجديد صحّتها، وتعزيز إنصاف الأشخاص الذين جُرّدوا من الأرض ووصولهم/ن إليها.
  • 8. من بين المقالات الإخبارية عن الأراضي الجماعية التي نُشرت في 5 منصّات إعلامية مغربية معروفة خلال العقد الماضي، يتحدّث أكثر من نصفها عن الموضوع من منظورٍ جندري عن جماعةٍ من الغرب؛ في حين تتناول المقالات الأخرى مسائل المساواة الجندرية في جميع المناطق الأخرى في البلاد.
  • 9. مثل أحفاد جيش البخاري الذين كان لهم أيضًا حقوق على الأراضي الجماعية منذ عهد مولاي إسماعيل (القرن السابع عشر).
  • 10. Katherine Hoffman, Anthropology in the Archives: History in Gendered Testimony and Text. Hespéris tamuda/Université Mohammed V, Faculté des lettres et des sciences humaines, 2021, p. 36.
  • 11. المصدر السابق، ص. 38.
  • 12. يعتمد هذا المقال على بحث أوسع يتناول الخطاب الإعلامي للحركة النسائية السلالية في المغرب. يستند التحليل إلى مجموعة من المقالات المنشورة بين عامَي 2011 و2021، على منصات مختلفة تمثل مواقف سياسية متنوعة في المشهد الإعلامي المغربي المكتوب.
  • 13. كانت تُعرف سابقًا بإقليمٍ واحدٍ "سوس-ماسة-درعة".
  • 14. Fadma Aït Mous and Yasmine Berriane, « Femmes, droit à la terre et lutte pour l’égalité au Maroc: Le mouvement des soulaliyates », In Hassan Rachik (dir.), Contester le droit. Communautés, familles et héritage au Maroc (Casablanca : La Croisée des chemins), 2016, p. 87-173.
  • 15. الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب هي إحدى أقدم المنظمات النسوية غير الحكومية في المغرب وأكثرها تمكّنًا.
  • 16. Fadma Aït Mous and Yasmine Berriane, « Femmes, droit à la terre et lutte pour l’égalité au Maroc: Le mouvement des soulaliyates », In Hassan Rachik (dir.), Contester le droit. Communautés, familles et héritage au Maroc (Casablanca : La Croisée des chemins), 2016, p. 87-173.
  • 17. Katherine Hoffman, Anthropology in the Archives: History in Gendered Testimony and Text. Hespéris tamuda/Université Mohammed V, Faculté des lettres et des sciences humaines, 2021, p. 35-58.
  • 18. مدونة الأسرة المغربية الصادرة في عام 2004.
  • 19. يُساوى مفهوم "تمزلت" بمفهوم "الكدّ والسعاية"، على الرغم من وجود اختلافاتٍ في التفسير والتنفيذ والتطبيق.