في الكثير من الأحيان تشعرالنساء بصعوبة والتباس في التعبير عن حقهن بأجر لقاء الأعمال المنزلية، وهذا ناتج عن اختزال موضوع نيل الأجر مقابل الأعمال المنزلية بشيىء مادي، مبلغ من المال مثلًا، عوضًا عن مقاربته على أنه وجهة نظر سياسية.
هذا النص منقول عن موقع مشروع الألف
الترجمة الأولى: ندى دلال | مراجعة الترجمة والتحرير: سعود المولى
منشورات Power of Women Collective and Falling Wall Press, 1975
يقولون إنه حب. نحن نقول هو عمل غير مدفوع الأجر.
يسمونه برودًا جنسيًا. نحن نسميه تغيبًا إراديًا.
كل إجهاض هو حادث عمل.
المثلية والغيرية الجنسية هما من ظروف العمل...!! لكن المثلية الجنسية هي تحكّم العمال بالإنتاج وليس نهاية العمل.
المزيد من الابتسامات؟ المزيد من المال. لا شيء أقوى من المال في تدمير الميزات الشفائية للابتسامة.
أشكال العصاب، والانتحار، والإخصاء جنسي: أمراض مهنية تصيب ربة المنزل.
في الكثير من الأحيان تشعرالنساء بصعوبة والتباس في التعبير عن حقهن بأجر لقاء الأعمال المنزلية، وهذا ناتج عن اختزال موضوع نيل الأجر مقابل الأعمال المنزلية بشيىء مادي، مبلغ من المال مثلًا، عوضًا عن مقاربته على أنه وجهة نظر سياسية. والفرق بين هذه الموقفين شاسع؛ فالنظر إلى الأجر مقابل الأعمال المنزلية على أنه شيء مادي، وليس وجهة نظر ورؤية ، هو فصل المحصلة النهائية لنضال المرأة عن النضال نفسه، وتفويت أهميته ومعناه وذلك بتمويه وتحويل الدور الذي فرض على النساء لعبه في المجتمع الرأسمالي.
عند مقاربتنا للأجور من خلال هذه الطريقة المختزلة، نبدأ بسؤال أنفسنا: ما الفرق الذي سيحدثه توفر المال في حياتنا؟ قد نتفق على أنه سيحدث فرقا كبيرا للنساء اللواتي ليس لديهن أي خيار سوى الزواج والعمل المنزلي. ولكن بالنسبة إلى اللواتي يبدو أن لديهن خيارات أخرى - عمل مهني، زوج متنور، حياة اجتماعية، علاقة مثلية، أو مزيج من كل هذا - فإنه لن يحدث الكثير من الفرق على الإطلاق. بالنسبة لنا هناك طرق أخرى يمكن أن تحقق لنا الاستقلال الاقتصادي، وآخر ما نريده هو تعريف أنفسنا بوصفنا "ربات بيوت"، وهو مصير نتفق جميعنا على أنه أسوأ من الموت إذا جاز التعبير. لكن المشكلة في هكذا موقف هي أننا عادة ما نضيف في خيالنا قليلًا من المال إلى هذه الحياة البائسة التي نحياها الآن ثم نسأل أنفسنا ماذا بعد ؟ على افتراض كاذب أننا نستطيع تحصيل ذلك المال يومًا ما من دون إحداث ثورة في كل علاقاتنا الأسرية والاجتماعية في أثناء مسيرة النضال لأجله . لكن إذا أخذنا أجورًا مقابل الأعمال المنزلية كوجهة سياسية ، يمكننا أن نرى أن الكفاح من أجله سيؤدي إلى ثورة في حياتنا وفي قوتنا الاجتماعية كنساء. ومن الواضح أنه إذا فكرنا بأننا لا "نحتاج" ، فذلك لأننا سلمنا وقبلنا مختلف أشكال بغاء الجسد والعقل التي نحصل بواسطتها على المال اللازم لإخفاء تلك الحاجة الدفينة. وكما سأحاول تبيانه هنا فإن الحق بالأجر مقابل العمل المنزلي ليست فقط وجهة ثورية ، بل هي المنظور الثوري الوحيد من وجهة نظر نسوية، وبالتالي لكل الطبقة العاملة.
"كَدْح الحب"
من المهم هنا الاعتراف بأنه عند حديثنا عن العمل المنزلي فإننا لا نتحدث عن وظيفة كسائر الوظائف، إنما نحن نتحدث عن التلاعب الأكثر انتشارًا، والعنف الأكثر خفية وإبهامًا الذي ارتكبته الرأسمالية على الإطلاق بحق أي جزء من الطبقة العاملة. والحال أنه في ظل النظام الرأسمالي يكون كل عامل وعاملة عرضة للتلاعب والاستغلال ، وأن الغموض التام يكتنف علاقته/علاقتها مع رأس المال. ويعطي الأجر الانطباع أن الصفقة عادلة: تعملون فتحصلون على أجوركم، وبالتالي فأنت ورئيسك على قدم المساواة. في حين أن الأجر في الواقع، بدلًا من أن يكون ثمنًا لكامل العمل الذي تقوم/تقومين به، يخفي كل الأعمال غير المدفوعة الأجر التي تمثل الربح العائد لرأس المال. لكن الأجر فيه اعتراف على الأقل بأنك عامل، ويمكنك المساومة والنضال حول ذلك الأجر، وضد شروطه وكميته ، وضد شروط وكمية ذلك العمل. إن الأجر يعني أن يكون العامل طرفًا في العقد الاجتماعي، وليس هناك شك في معنى ذلك: أنت تعمل، لا لأنك ترغب في ذلك، أو لأنه من طبيعة الحال ، ولكن لأنه الشرط الوحيد الذي يسمح لك أن تعيش. ولكن مع كل هذا الاستغلال الواقع عليك ، فإنك لست أنت هذا العمل. فأنت اليوم ساعي بريد، وغدًا سائق أجرة. وكل ما يهم هو كم من هذا العمل يقع عليك القيام به، وكم من هذا المال تستطيع تحصيله.
لكن الوضع يختلف نوعيّاً في حالة الأعمال المنزلية. والفرق يكمن في حقيقة أن الأعمال المنزلية لم تفرض على المرأة فحسب، بل هي تحولت إلى صفة طبيعية من صفات جسدنا وشخصيتنا الأنثوية، إلى حاجة داخلية، وإلى طموح، يفترض أنه يأتي من عمق شيمنا الأنثوية. كان على العمل المنزلي أن يتحول إلى صفة طبيعية، عوضًا عن إعتباره عقدًا اجتماعيًا وذلك لأنه منذ بداية المخطط الرأسمالي للنساء أريد لهذا العمل أن يكون من دون أجر. كان على رأس المال أن يقنعنا بأنه نشاط طبيعي لا يمكن تجنبه، لا بل واعتباره مكملًا لكياننا وذلك لجعلنا نقوم به من دون أجر. بالمقابل شكلت ظروف العمل المنزلي غير المأجور السلاح الأقوى بيد الرأسمالية في تعزيز الفرضية العمومية القائلة بأن العمل المنزلي ليس عملًا، وبالتالي قطع الطريق أمام النساء للكفاح ضده، فيما عدا بعض الحالات الخاصة في غرف النوم-المطبخ حيث توافق المجتمع بكل تهكم على تبخيس قدره، معززًا بذلك اختزال أحد الأبطال في الصراع. فنحن من منظورهم مجرد عاهرات شاكيات، لا نساءًا في صراع.
والحال أن اعتبار أنه من الطبيعي أن تكوني ربّة منزل يظهر من خلال حقيقة أن الأمر يستلزم عشرين عامًا على الأقل من التنشئة الاجتماعية – التدريب اليومي الذي تقوم به أم من دون أجر – لتهيئة المرأة لهذا الدور، ولإقناعها بأن الأطفال والزوج هم أفضل ما يمكن أن تتوقعه من الحياة. لكن ذلك بالكاد ينجح. فبغض النظر عن جودة تدريبنا، قلة من النساء لا يشعرن بالخداع فور انتهاء زفافهن خاصة عند وقوفهن أمام بالوعة قذرة. ولا يزال وهم الزواج بدافع الحب مسيطرًا على كثيرات منا. وهناك الكثيرات منا يعترفن أنهن يتزوجن من أجل المال والأمان. ولكن آن لنا أن ندرك أن كمية الحب والمال المنشودين قليلة جدًا مقارنة بالعمل الهائل الذي ينتظرنا. لهذا تقول لنا جداتنا "استمتعن بحريتكن ما دمتن قادرات، وتبضعن الآن ما تردنه ...". لكن يبدو للأسف ان التمتع بأية حرية هو ضرب من المستحيل في ظل تربية وتدريب يطوعاننا من اليوم الأول في حياتنا على الوداعة ، والخنوع والاتكالية، والأسوأ من ذلك كله على التضحية بالنفس ونكران الذات وحتى الاستمتاع بذلك. وإذا لم تحبي هذا الوضع، فهي مشكلتك أنت، فشلك أنت، ذنبك أنت، وشذوذ في طبيعتك أنت.
علينا الاعتراف بأن رأس المال قد حقق نجاحا باهرًا جدًا في تغييب حقيقة عملنا المنزلي. حيث قام بخلق تحفة حقيقية على حساب النساء. لقد أنكر حقها بأجر مقابل الأعمال المنزلية عبر تحويله إلى عمل نابع عن الحب. وقد أصاب في هذا العديد من الطيور بحجر واحد. فهو كسب أولًا كمية هائلة من العمل المجاني من دون أجر تقريبًا ، وضمن أن تكون المرأة بعيدًا كل البعد عن أن تناضل ضده، تسعى بحماس في إنجازه وكأنه أفضل ما تقوم به في الحياة (الكلمات السحرية: "نعم، حبيبتي، أنت امرأة حقيقية "). في الوقت نفسه، قام رأس المال بتأديب العمال الذكور أيضًا بأن جعل إمرأته (كأنها ملكه) تعتمد على عمله هو وأجره هو ، فحاصر العامل وضبطه هكذا بمكيدة إعطائه خادمة مكافأة له على ما يقوم به هو من خدمة في المصنع أو المكتب. في الحقيقة، إن دورنا كنساء هو أن نعمل بالسخرة ولكن بسعادة، والأهم أن نكون الخادمات المحبات من "الطبقة العاملة"، أي من تلك الفئات من البروليتاريا التي كان رأس المال مدبرًا على منحها المزيد من السلطة الاجتماعية. بنفس الطريقة التي خلق الله بها حواء لإعطاء المتعة لآدم، خلق رأس المال ربة البيت لخدمة العامل جسديًا، عاطفيًا وجنسيًا - لتربية أبنائه (لهم إذن أبناؤه هو) وإصلاح جواربه ودعم وتعزيز أناه المسحوق في العمل والعلاقات الاجتماعية (والتي هي غالبًا علاقات وحدة وعزلة) التي خصصها له رأس المال. هذا هو بالضبط المزيج الغريب من الخدمات الجسدية والعاطفية والجنسية التي على النساء تأديتها لرأس المال الذي ابتدع الشخصية المحددة لتلك الخادمة التي هي ربة المنزل والذي يجعل عملها شديد الإرهاق وغير مرئي في آن. ليس صدفة أن معظم الرجال يبدأون التفكير في الزواج بمجرد الحصول على وظيفتهم الأولى. ليس فقط لأنهم أصبحوا قادرين على ذلك ماديًا، ولكن لضرورة وجود شخص في المنزل يعتني بهم لكي لا يصابوا بالجنون بعد قضاء يوم عمل شاق . كل امرأة تعرف أن هذا ما يجب عليها أن تفعله لكي تكون امرأة حقيقية تحظى بزواج "ناجح". وفي هذه الحالة أيضًا، كلما كانت الأسرة أكثر فقرًا كلما زاد استرقاق المرأة، وليس ذلك بسبب الوضع المالي للأسرة فحسب. ففي الحقيقة، لرأس المال سياسة ازدواجية، الأولى موجهة لعائلات الطبقة الوسطى والثانية لعائلات الطبقة العاملة. وليس من قبيل المصادفة أن نجد الذكورية الأكثر تطورًا في أسر الطبقة العاملة: فكلما زادت الضغوطات والضربات التي يتعرض لها الرجل في العمل كلما كان على الزوجة أن تتدرب على استيعابها، متيحةً له بذلك استعادة "أناه" على حسابها.
فأنت تضرب زوجتك وتنفس عن غضبك تجاهها عندما تكون محبطًا أو يغلبك التعب من عملك أو عندما تنهزم في صراع (لكن العمل في المصنع هو بحد ذاته هزيمة). وكلما كان الرجل خادمًا متحكَّماً ومضبوطًا من مخدومه، كلما مارس هذا الدور على زوجته. منزل الرجل قلعته ويتعين على زوجته أن تتعلم: الانتظار بصمت عندما يكون مزاجه متعكرًا، وأن تعيد لملمته عند انهياره وسخطه على العالم، وأن تقمع حاجتها للجنس عندما يقول "أنا متعب جدًا الليلة"، أو عندما يتسرّع خلال مطارحة الغرام، فيكون، كما عبرت إحدى النساء، "جاهزًا لممارسة الجنس حتى مع جرة مايونيز". (لقد وجدت النساء دائما طرقًا للرد، أو الالتفاف على الأمر، ولكن دائمًا بطرق منعزلة وخصوصية، فتصبح المشكلة حينها كيفية إخراج هذا الكفاح من المطبخ وغرفة النوم إلى الشارع).
هذا الاحتيال المكنى بأسماء الحب والزواج يؤثر علينا جميعًا، حتى لو لم نكن متزوجات، لأنه بمجرد توطين العمل المنزلي كشيء طبيعي مخصوص لجنس واحد ، سوف تصبح صفة مؤنثة تسمنا كلنا نحن الإناث. فإذا صار من الطبيعي أن نقوم بأشياء معينة، فسيصير من الطبيعي توقع قيام جميع النساء بها، لا بل والاستمتاع بذلك، حتى من أولئك النساء اللواتي يسمح لهن وضعهم الاجتماعي التهرب من بعض هذه الأعمال أو من معظمها (بمقدور أزواجهن تحمل نفقات الخادمات والأطباء النفسيين وأشكال أخرى من الاسترخاء والتسلية). قد لا نكون نخدم رجلًا واحدًا، ولكننا جميعنا في علاقة الخادم بمخدوم هو عالم الذكور بأكمله . هذا هو السبب في أن مسمى"أنثى" فيه انتقاص وإهانة واحتقار.
("ابتسمي يا عسل، ما هي مشكلتك؟" هذا أمر يشعر كل رجل أنه يحق له طرحه عليك، سواء كان زوجك، أو الرجل الذي يأخذ تذكرتك، أو رئيسك في العمل).
المنظور الثوري
يمكننا إذا بدأنا من هذا التحليل أن نرى الأبعاد الثورية لطلب الأجور مقابل الأعمال المنزلية. إنه الطلب الذي به تنتهي طبيعتنا ويبدأ به نضالنا؛ لأننا وبمجرد المطالبة به نعلن رفضنا اعتبار أن العمل المنزلي تعبير عن طبيعتنا، وبالتالي رفضنا دور الأنثى لذي اخترعه رأس المال لنا.
إن المطالبة بأجور مقابل الأعمال المنزلية هو في حد ذاته تقويض لتوقعات المجتمع منا، لأن هذه التوقعات - جوهر التطبيع الاجتماعي – جميعها مبنية على حالتنا غير المأجورة في المنزل. وبهذا المعنى، فإنه من العبثي مقارنة نضال المرأة من أجل الأجور بنضال العمال الذكور في المصنع عند مطالبتهم بزيادة أجورهم. فالعامل المأجور الذي يكافح من أجل المزيد من الأجور يواجه تحديًا لدوره الاجتماعي ولكنه لا يزال ضمنه. في حين أننا عندما نكافح من أجل الأجور نكافح بشكل مباشر ولا لبس فيه ضد دورنا الاجتماعي.
وعلى المنوال نفسه ثمة فرق نوعي بين نضالات العامل المأجور ونضالات العبد من أجل أجر ضد هذه العبودية. غير أنه ينبغي أن يكون واضحًا أننا عندما نكافح من أجل أجر فإننا لا نكافح من أجل الدخول في العلاقات الرأسمالية، لأننا أصلًا لم نكن خارجها أبدًا. نحن نكافح من أجل كسر مخطط رأس المال المعد للمرأة، وهي لحظة أساسية من لحظات مخطط الفصل بين العمل والقوة الاجتماعية داخل الطبقات العاملة ، والتي تَمَكَّن النظام الرأسمالي من خلاله في الحفاظ على سطوته. وبالتالي، فإن الأجور مقابل الأعمال المنزلية هو مطلب ثوري ليس لأنه بذاته يدمر رأس المال، بل لأنه يهاجم الرأسمال ويجبره على إعادة هيكلة العلاقات الاجتماعية بحيث تصبح أكثر ملاءمة لنا وبالتالي أكثر ملاءمة لوحدة الطبقة العاملة. في الواقع، إن المطالبة بالأجورمقابل العمل المنزلي لا تعني القول إننا في حال نيلنا للأجر سنواصل القيام بالعمل المنزلي؛ بل هي تعني بالضبط العكس، أي القول إن المطالبة بالمال مقابل العمل المنزلي هو الخطوة الأولى نحو رفض القيام بتلك الأعمال لأن طلب الأجور يجعل عملنا مرئيًا، وهو الشرط الذي لا غنى عنه لبدأ النضال ضده هذا العمل، في جانبه المباشر كعمل منزلي وفي صفته الأكثر خبثًا بأنه أنوثة.
ودحضًا لأي اتهام لنا "بالاقتصادوية" علينا أن نتذكر أن المال هو عمليًا رأس المال، أي أنه هو القدرة على قيادة العمل المأجور. ولذلك، فإن إعادة الاستحواذ على تلك الأموال التي هي ثمرة عملنا وعمل أمهاتنا وجداتنا، هو في الوقت عينه، تقويض لقدرة رأس المال على إجبارنا على العمل بالسخرة. ولا ينبغي لنا ألّا نثق بقدرة الأجور في عملية إزالة الغموض عن أنوثتنا وجعل عملنا مرئيًا – أوثتنا كعمل – نظرًا لأن عدم تقاضينا لأجور كان له السلطة الأقوى في تشكيل هذا الدور وفي إخفاء عملنا. المطالبة بالأجور للعمل المنزلي هو جعل المسألة واضحة أن عقولنا، وأجسادنا وعواطفنا جرى تشويهها لتقوم بوظيفة محددة، في وظيفة محددة، ومن ثم جرى إعادة رميها لنا بوصفها نموذجًا ينبغي لنا جميعًا الالتزام به إن أردنا أن يعترف بنا كنساء في هذا المجتمع.
أن نقول إننا نريد أجورًا مقابل العمل المنزلي هو فضح حقيقة أن الأعمال المنزلية هي عمليًا اال لرأس المال، وإن رأس المال جنى ويجني مالًا من طبخنا، وابتسامتنا، وممارستنا الجنس. وهو يدل في الوقت نفسه أننا طهينا، وابتسمنا، ومارسنا الجنس على مر السنين ليس لأنه كان أهين علينا أكثر من أي شخص آخر، بل لأنه لم يكن لدينا خيار آخر. تشوهت وجوهنا من كثرة الابتسام، فقدنا مشاعرنا من كثرة الحب، وقد تركتنا تلك المبالغة في جنسانياتنا معدمات من أي نشاط أو دافع جنسي.
الأجور مقابل الاعمال المنزلية ليست سوى البداية، ولكن رسالتها واضحة: من الآن فصاعدًا يجب أن نؤجر عليها لأننا كأناث لا نستطيع أن نضمن شيئًا بعد الآن. يجب أن تسمى الأشياء بأسمائها؛ العمل هو عمل؛ لكي يتسنى لنا تدريجيًا إعادة اكتشاف ما هو الحب وابتكار ما ستكون عليه جنسانيتنا التي لم نعرفها قط. أما من وجهة نظر العمل فبإمكاننا أن نطالب بأجور بدلًا من أجر واحد، لأننا كنا مجبرات على القيام بعدة أعمال في آن واحد. نحن خادمات، بغايا، ممرضات، طبيبات نفسانيات. هذا هو جوهر الزوجة "البطلة" الذي يُحتفل به في "عيد الأم". لكن نقول: توقفوا عن الاحتفال باستغلالنا، ببطولاتنا المفترضة.
من الآن فصاعدًا نريد مالًا لكل لحظة من لحظات العمل الذي قمنا به، حتى نتمكن من رفض بعضه، وفي نهاية المطاف كل شكل من أشكاله. لذلك وفي هذا الإطار لا شيء أقوى فعلًا من إظهار أن فضائلنا الأنثوية لها قيمة مالية يمكن حسابها، كانت حتى اليوم حكرًا لرأس المال، الذي أمعن في زيادتها بقدر ما زادت هزيمتنا؛ من الآن فصاعدًا مواجهة الرأسمالية بمعيارنا منوط بمقدار تنظيمنا لقوتنا.
النضال من أجل الخدمات الاجتماعية
هذا هو المنظور الأكثر راديكالية الذي يمكن أن نتبناه لأنه على الرغم من أننا يمكن أن نطلب كل شيء، الرعاية النهارية، والمساواة في الأجر، ومغاسل عموميّة مجانية، لكننا لن نحقق أي تغيير حقيقي إلا عبر مواجهتنا دور المرأة من جذوره. إن كفاحنا من أجل الخدمات الاجتماعية، أي من أجل تحسين ظروف العمل، سيكون دائمًا محبطًا إذا لم نثبت أولًا أن ما نقوم به من أعمال هو عمل. وما لم نكافح ضده كله بالتمام فلن نحقق انتصارات في أي من حيثياته وتفاصيله. سوف نفشل في النضال من أجل مغاسل عموميّة مجانية ما لم نكافح أولًا ضد مقولة أننا لا نستطيع أن نحب إلا في مقابل العمل المتواصل الذي لا نهاية له، والذي يومًا بعد يوم يشل أجسادنا، حياتنا الجنسية، وعلاقاتنا الاجتماعية ، ما لم نتخلص أولًا من الابتزاز الذي يستغل حاجتنا لتبادل الحنان والحب فيجعله عملًا واجبًا يعزز لدينا الشعور بالإستياء والغضب تجاه أزواجنا وأولادنا وأصدقائنا والشعور بالذنب من استيائنا هذا. الحصول على وظيفة ثانية لا يغير هذا الدور، كما تشهد على ذلك سنين متواصلة من عمل النساء خارج المنزل. فالوظيفة الثانية لا تزيد في استغلالنا فحسب ، بل تعيد ببساطة ابتكار واستنساخ أدوارنا بأشكال مختلفة؛ يبدو ذلك جليًا كيفما توجهنا؛ فالعمل الذي تقوم به النساء هو مجرد استكمال للعمل المنزلي بكل آثاره. هذا يعني أننا لا نتحول فقط إلى ممرضات وخادمات ومدرسات وسكرتيرات - جميع الوظائف التي نتدرب عليها جيدًا في المنزل - لكننا في الوقت عينه نصبح مربوطات بالعوائق ذاتها التي تحبطنا في صراعاتنا داخل المنزل: العزلة ، حقيقة أن حياة الآخرين تعتمد علينا، أو استحالة معرفة أين يبدأ عملنا وأين ينتهي، أين ينتهي عملنا وتبدأ رغباتنا. هل جلب القهوة إلى المدير والدردشة معه حول مشاكله الزوجية هو من أعمال السكرتارية أو هو خدمة شخصية؟ هل حقيقة أننا مرغمات على القلق تجاه منظرنا في العمل هو شرط من شروط العمل أو هو نتيجة الغرور الإنثوي؟ (حتى وقت قريب كان يتم وزن مضيفات الطيران في الولايات المتحدة بشكل دوري وكان يجب عليهن اتباع نظام حمية غذائي-عذاب تعرفه جميع النساء - خوفًا من تسريحهن). وكثيرًا ما يقال - عندما تتطلب احتياجات سوق العمل وجودها – "بإمكان المرأة القيام بأي وظيفة من دون أن تفقد أنوثتها"، وهو ما يعني ببساطة أنه مهما كانت طبيعة عملك فأنت مجرد فرج.
أما بالنسبة لاقتراح التطبيع الإجتماعي وتنظيم العمل المنزلي بجعله مشتركًا، فإن عددًا من الأمثلة كافٍ لإظهار الفارق بين هذه البدائل ومنظورنا. إن إنشاء حضانة بالطريقة التي نريدها والطلب من الدولة دفع ثمنها أمر، وتسليم أطفالنا إلى الدولة، والطلب منها السيطرة عليهم، وتأديبهم، وتعليمهم احترام العلم الأمريكي ليس لمدة خمس ساعات، بل لمدة خمسة عشر أو أربع وعشرين ساعة أمر آخر. وتنظيم الطريقة التي نريد أن نأكل بها (من قبل أنفسنا، أو في مجموعات... إلخ)، ثم الطلب من الدولة دفع ثمنها أمر، وأن تطلب من الدولة تنظيم وجباتنا أمر آخر معاكس. ففي الحالة الأولى نستعيد بعض السيطرة على حياتنا، أما في الثانية فنحكم سيطرة الدولة علينا.
النضال ضد الأعمال المنزلية
تقول بعض النساء: كيف سيغير تقاضينا لأجور مقابل الأعمال المنزلية مواقف أزواجنا تجاهنا؟ ألن يتوقعوا منا تأدية المهام عينها أو ربما أكثر مما سبق بمجرد اننا نتقابض أجرًا مقابلها؟ لكن هؤلاء النساء لا يرين أن (الرجال) سيتوقعون الكثير منا لأننا بالتحديد لا نؤجر مقابل عملنا، فهم يفترضون أن "هذا عمل المرأة" الذي لا يكلفها الكثير من الجهد. فالرجال قادرون على تلقي خدماتنا والاستمتاع بها لأنهم يفترضون أن الأعمال المنزلية سهلة بالنسبة إلينا، وأننا نتمتع بها لأننا نقوم بها بدافع الحب. هم يتوقعون أن نكون ممتنات لأن الزواج بهم أو العيش معهم قد أعطانا الفرصة للتعبير عن أنفسنا كنساء (أي لخدمة أزواجنا)، "أنتي محظوظة لأنك وجدت رجلًا مثلي". فقط عندما يرى الرجال عملنا بوصفه عملًا - حبنا بوصفه عملًا - والأهم من ذلك تصميمنا على رفض كلاهما، حينها فقط سيغيرون موقفهم تجاهنا. عندما تخرج المئات والآلاف من النساء
إلى الشوارع لتقول إن عملها الذي لا ينتهي في التنظيف، ، وكونها حاضرة دومًا على الصعيد العاطفي، وممارستها الجنس عند الطلب مخافة فقدانها "وظيفتها"، هي أعمال مكروهة صعبة وشاقة تبدد حياتنا ، عندها فقط سيشعر الرجال بالخوف وبتقويض وضعهم كرجال.
لكن هذا أفضل شيء ممكن حدوثه من وجهة نظرهم ، فمن خلال فضح الطرق التي اعتمدها رأس المال لتعزيز انقسامنا (قام رأس المال بتأديبهم من خلالنا وتأديبنا من خلالهم وتحريضنا ضد بعضنا البعض)، فنحن -عكازهم!عبيدهم! سلاسلهم!- نقود معركة تحريرهم. بهذا المعنى، فإن المطالبة بالأجور مقابل الأعمال المنزلية هي أكثر تربوية لهم من محاولة إثبات قدرتنا على العمل مثلهم فضلًا عن قدرتنا القيام بنفس وظائفهم . نترك هذا الجهد المجدي لـ "المرأة صاحبة السيرة المهنية"، المرأة التي تهرب من قمعها لا من خلال قوة الوحدة والنضال، ولكن من خلال قوة السيد، قوة لممارسة الإضطهاد – عادة ضد النساء الأخريات. لسنا مضطرات أن نثبت أن بإمكاننا "كسر حاجز الوظائف العليا". الكثيرات قمن بكسر هذا الحاجز منذ فترة طويلة واكتشفن أن " بزة العمل " لا تعطينا سلطة أقوى من " مَرْيُول البيت"؛ ربما حتى أقل، إذ علينا أن نرتدي كلاهما الآن، ولا يبقى لدينا ما يكفي من الوقت والطاقة والقدرة على النضال ضدهما. باختصار الأشياء التي علينا إثباتها هي مقدرتنا على كشف ما نقوم به حاليًا، ما يفعله رأس المال بنا، وقوتنا في النضال ضده.
للأسف، العديد من النساء - لا سيما العازبات منهن - يخشين من فكرة "الأجور مقابل الأعمال المنزلية" مخافة التماهي ولو للحظة مع دور ربة المنزل. فهن يدركن أن هذا المركز (أي ربة المنزل) هو الأكثر وهنًا في المجتمع، لذلك لا يردن الاعتراف بحقيقة أنهن ربات منازل أيضًا. هنا بالضبط يكمن ضعفهن، وهو ضعف يتم صونه وإدامته عبر الحرمان من الهوية الذاتية. نحن نريد ويتوجب علينا أن نقر بأننا جميعًا ربات بيوت، نحن جميعًا بغايا و نحن جميعًا مثليات، لأنه ما لم نعترف بعبوديتنا لا يمكننا الاعتراف
بكفاحنا ضدها، لأنه طالما نعتقد بأننا شيء أفضل، أو شيء مختلف عن ربة البيت، فإننا نقبل منطق "السيد"، وهو عمليًا منطق تقسيم وفرز، وبالنسبة إلينا هو منطق العبودية . نحن جميعًا ربات بيوت لأنه بغض النظر عن مكان وجودنا أو طبيعة عملنا يمكنهم الاعتماد علينا لمزيد من العمل، ولمزيد من الخوف عندنا في طرح مطالبنا، وضغط أقل عليهم لتحصيل المال، لأن عقولنا موجهة إلى مكان آخر؛ إلى ذلك الرجل الذي سوف "يرعانا" في حاضرنا أو في مستقبلنا.
نحن أيضا نقوم بخداع أنفسنا بفكرة أنه يمكننا الهروب من الأعمال المنزلية. لكن كم منا، على الرغم من العمل خارج المنزل، قد نجين من ذلك؟ هل يمكننا حقًا أن نتجاهل فكرة العيش مع رجل؟ ماذا لو فقدنا وظائفنا؟ ماذا عن الشيخوخة وفقدان حتى الحد الأدنى من قوة الشباب (الإنتاجية) والجاذبية (إنتاجية الإناث) التي نتمتع بهما اليوم؟ وماذا عن الأطفال؟ هل سنأسف في يوم من الأيام لأننا اخترنا عدم الإنجاب، أو حتى التفكير جديًا بطرح هذا السؤال؟ وهل بإمكاننا أن نتحمل علاقات مثلية؟ هل نحن على استعداد لتحمل أثمان العزلة والاستبعاد؟ لكن أيضًا هل يمكننا حقًا تحمل إقامة علاقات مع الرجال؟
السؤال هو: لماذا تكون هذه هي البدائل الوحيدة المتاحة لدينا؟ وما هو نوع النضال الذي سوف يأخذنا إلى أبعد من ذلك؟
نيويورك، ربيع 1974
إضافة تعليق جديد