لماذا يعجز الأشخاص غير المعياريين في الأردن عن الحديث عن صحتهن الجنسية؟

الصحة الجنسية أساسية في حياة وصحة ورفاهية الأفراد وهي تنعكس على صحة ورفاهية المجتمع عامةً. لكن لماذا يصعب علينا كأشخاص غير معياريّات ومعياريّين1 الحديث عن تجاربنا المرتبطة بجنسانيتنا وصحّتنا الجنسية؟ وكيف بإمكاننا أن نكسر حواجز التردّد والصمت والوصم كي نُخرج مفهوم الصحة الجنسية من دائرة التابوهات؟ للإجابة على هذه الأسئلة، نظّمنا مع شركائنا مساحة "أمان" في عمّان جلسة دعمٍ وتشاركٍ وحوارٍ عن التجارب المرتبطة بالجسد والجنسانية والجندر للأشخاص غير المعياريّين والمعياريّات، وذلك في إطار أحد مشاريع المساحة المعروف بـ "قعدة"، وهي عبارةٌ عن مجموعة دعمٍ تقاطعية وتشاركية. نشارك في ما يلي - بالعامّية الأردنية - أبرز المواضيع والهموم التي أثارَتها المشاركات والمشاركون في الجلسة ولخّصها لنا فريق "أمان"، مرفقةً برسوماتٍ لجلنار.


مفهوم الصحة الجنسية2 مفهوم جديد علينا كأشخاص غير معياريين ومعياريات، وبنحاول نغوص فيه وبنفتّش على مصادر حوالينا عنه ومش دائمًا نستطيع الوصول إلها. تختلف الطرق ومحاولاتنا للوصول للمعلومات حسب الطبقة الاجتماعية إللّي جايين منها، وحسب اذا بنعرف نقرأ إنجليزي أو لا، وإذا قادرين وعارفين وعنّا وصول للإنترنت، وإذا في مساحة شخصية أصلًا لنكتشف هذا الموضوع. وكتير تعتمد المسألة على الدوائر المحيطة فينا وقدّيش فعليًا بنقدر نكون مبيّنات/ين ونحكي إنه نحنا ناشطات/ين جنسيًا أو عنّا الرغبة والتساؤلات حول هذا الموضوع. بشكل أساسي، الموضوع هذا ما بينحكى فيه ولسّا موصوم بشكل كبير، حتى بالدوائر الآمنة نظرًا لأنه ما عنّا معرفة عنّه. فدائمًا خوفنا بوقّفنا وبيمنعنا من الوصول للمعلومات في ظل بنية مجتمعية كاملة خلتّنا نخاف تمرق الفكرة براسنا، مش حتى نحكي عنها.

في خلال القعدة، ركّزنا على تجاربنا الشخصية، وقال أحد المشاركين إنه سمع مصطلح الصحة الجنسية من معارفه في المساحات اللامعياريّة3 إللّي هو جزء منها. وتابع: "أنا استخدمت الإنترنت للحصول على المزيد من المعلومات. أحيانًا بحاول تشخيص نفسي ذاتيًّا عن طريق مقارنة الأعراض إللّي بعاني منها بالأعراض المذكورة على صفحات المواقع الطبية بدون الرجوع للمختصّات/ين طبّيًا. وبعد كل جلسة من البحث والتشخيص الذاتي، كنت أستنتج إنه أنا ميّت أو على وشك الموت الحتمي".

قلّة المساحات إللّي تسمح لنا نحكي بهذه المواضيع بتأثّر بشكل مباشر في قدرتنا على التعامل مع هذه المشاكل. فحتى في دوائرنا الصغيرة والمنفتحة اجتماعيًا، بنسكّت بعض ونمنع بعضنا البعض من مشاركة تجاربنا مع الآخرين. مثلًا، من الصعب علينا مناقشة صحتنا الجنسية أحيانًا مع بعض معارفنا ويقال إلنا دائمًا "لا تفكروا تجيبوا سيرة، بدكم تنفضحوا؟؟" كل هذا بسبّب الصورة السلبية إللّي رح تنعكس على الشخص أو الأشخاص.

بتمتد وبتبدأ محاولة تخويفنا من اكتشاف أجسادنا من داخل بيوتنا. قالت لنا إحدى المشاركات في النقاش: "الأهل أحيانًا بيعطونا بعض المصطلحات إللّي ممكن تساعدنا في البحث من غير انتباه منهم، لمّا يحذروننا من التفكير بجنسانيتنا وامتداداتها في حياتنا الشخصية كمحاولة لكبت ومنع اكتشاف هذا الجزء من حالنا. وبيربطوه بالخوف أو العقاب إذا قمنا بهذا الإشي مع حالنا أو مع أشخاص آخرين وأخريات. العائلة بخبرتها المحدودة تمتلك معلومات مغلوطة أو منقوصة عن الجنس والجنسانية، وتحاول تخويف أولادها وبناتها من استكشاف ذواتهم والتعرّف عليها بصورة آمنة. الأهل بيكرّروا نفس الصور والقصص إللّي انحكتلهم، وما في معلومة طبّية حقيقية بيعتمدوا عليها، لأن تجربتهم مبنية على حالة من الخوف الجماعي من إكتشاف أجسادهن/م".

لمّا نبدأ نتساءل عن أجسادنا، تبدأ تنبنى فكرة التابو والحرمان من المعلومات الصحيحة. بتبدأ بـ"هُش" صغيرة بالبيت لمّا نسأل أوّل مرة. ويتمّ إقصاء الفرد من باقي أفراد العائلة خوفًا من "التأثير عليهن/هم" و"فتح العيون". ويتمّ تحريم فتح هذه المواضيع تمامًا. قالت مشارِكة بالقعدة: "أنا قدرت أوصل لمعلومات مهمة عن الصحة الجنسية بشكل سرّي عن طريق البحث في مكتبة العائلة في موسوعة أمراض عامة تحتوي على معلومات عن الأمراض المنقولة جنسيًّا". 

وبيوصل الكبت لحدّ البهدلة أو الطرد من المدرسة إذا انفتح الموضوع هناك. ويتمّ تلقيننا إنه أجسادنا مو إلنا، ولا يمكن أن نتعرف عليها أو نمتلكها أو حتى نستمتع فيها زيّ ما بدنا. مثل كأن إحنا آخر الأشخاص إللّي إلنا كلمة على أجسادنا!  

نحنا تعرّفنا على هذه المفاهيم عن الصحة الجنسية من التلفزيون نحنا وصغار عن طريق مشاهدة مسلسلات درامية عربية بتناقش بعض المفاهيم إللّي ممكن تكون مغلوطة، وبأفضل الأحوال، منقوصة.

جزء من تجمّعاتنا العائلية كان مبني حول التلفزيون، وبس نخلص عشاء بيكون المسلسل بدأ، وبنتجمّع حواليه كل ليلة، زيّ "جميل وهناء" أو "عائلة ونيس". بس كان في مسلسل إسمه "حاجز الصمت"، كان لونه أحمر، وفيه موسيقى درامية، وفي مشهد ببيّن فيه دَرَج بتندِفِش عنه امرأة وبتموت، وأشخاص بتمّ معالجتهم بمعزل عن المجتمع. وبالمسلسل كمان، كان في ناس خايفة تحكي قصتها، وبكون عادةً صوتهم عم يرجف، والكاميرا عم تقرّب على وجه الممثّل هو وعم يسترجع لحظات الندم. كان الهدف إنه "نتعلّم الدرس". أغلب لحظات الندم كانت مربوطة بالنشاط الجنسي، وكان المسلسل بيركّز على الصحة الجنسية وبشكل أساسي السيدا (الإيدز) وتبعاته. كان الهدف الأساسي لهذا العمل كسر حاجز الخوف والصمت بالنسبة للإيدز. بس المشكلة في المسلسل هي أنه ربط الحياة الجنسية حصرًا بالمرض، كأنه نهاية كل شخص بمارس الجنس خارج إطار الزواج راح تكون بمنفى عن كل إللّي بحبهم، وراح يموت ببطء. وتم تصوير الشخص المُصاب بالالتهابات المنقولة جنسيًا كأنه وحش أو شيء مخيف ومُعدي من لمسة واحدة، حتى ما نقدر نشارك معهم كاسة الميّ أو نلمس أغراضهم الشخصية زيّ فرشاة الأسنان. ولازم يكونوا بعاد عنا لنحمي حالنا من المرض إللّي بمثلوه. هذه الصورة إللّي تكوّنت من وسائل الإعلام والتلفزيون أخدت سنين لتفكيكها عند الأشخاص القادرين على تفكيكها، بس تأثيرها لسّا موجود براسنا.

لمّا نحاول نوصل لخدمات طبية من غير تمييز، بمعظم الأوقات ما بنقدر نختار الأشخاص إللّي بيقدّمولنا الخدمة.4 فالخدمة تعتمد على مزاج الأطباء والطبيبات وقديش هم حابّين/ات يكونوا احترافيّين/ات ومتعاونين/ات، وحسب قديش إنت ظاهر/ة كشخص غير معياري أو معيارية. وإذا حسّوا في شي غريب وحبّوا ما يقدمولنا الخدمة أو ما عجبهم شكلنا، ممكن بكل بساطة يحكوا: "ما دخلني". وما في وسائل للمساءلة عشان نقدر بأيّ شكل ناخد حقنا. بنهاية اليوم، هم بيعتبروا حالهم أصحاب الحق على أجسادنا وكيف نستعملها. وإذا لقطنا إلتهاب جنسي، ممكن يكون جزء من "معاقبتنا" على هذا الفعل هو حرماننا من الخدمات الصحية.5

حكالنا أحد المشاركين عن كونه دكتور في حياته العملية، وقال: "إذا حسّوا مقدّمات أو مقدّمي الخدمات أنه المرضى ما بيتناسَبوا مع المعايير الخاصة فيهم، ممكن يصدروا أحكام عليهم ويخرقوا خصوصيّتهم ويشاركوا معلومات عنهن. هذا الإشي دفعني لتقديم خدمات ونصائح بشكل شخصي وخارج أوقات الدوام لأشخاص غير معياريّين حسّيت إنهم مش قادرين يوصلوا بشكل حقيقي للخدمات الصحية".6

معظم مراكز الخدمات الصحية إللّي بتقدّم معلومات وخدمات تتعلّق بالصحة الجنسية للنساء بتمّ حصرها بالنساء المتزوجات. وهذه الظاهرة بتشكّل وسيلة سيطرة وتحكّم بأجساد النساء وحرّيتهن الإنجابية. وواقع الحال أنه أوّل سؤال بينطرح بالعلن على أيّ امرأة بتراجع عيادة نسائية، هو عن حالتها الزوجية ونشاطها الجنسي. وحسب الجواب على هذا السؤال، بتمّ تقديم الخدمة أو لا. وعلى الأغلب، تُلغي المؤسسة الطبية والمجتمع على نطاق أوسع كل حياتك الجنسية، إذا كنتي ناشطة خارج إطار الزواج. وهذا النوع من التمييز بتقديم الخدمات يمنعنا دائمًا من المحاولة للوصول للخدمة وبحسّسنا بالإهانة. السؤال عن "الحالة الزوجية" بحدّ ذاته بيشعِرنا بالخطر وعدم الأمان.

طريقة عمل المنظومة الطبية بالوقت الحالي ما بتناسب احتياجاتنا كأفراد، وهذا الشيء يدفعنا لإيجاد حلول بديلة للوصول للمعلومات، والاعتماد على التجربة الشخصية ومشاركتها مع بعضنا. لتعزيز التوعية ونشر المعلومات الوقائية والعلاجية بمختلف الإلتهابات المنقولة جنسيًّا، ممكن، مثلًا، توفير هذه المعلومات بشكل مفتوح في العيادات والمراكز الطبية المختلفة كوسيلة لكسر التابو والخوف الدائر حول هذا الموضوع، وإيجاد طرق لمساءلة مقدّمي/ات الخدمات. 

أهم الوسائل لبناء المساحات الآمنة لنقدر نحكي عن تجاربنا والتعبير عنها، هي الصّلات والعلاقات الشخصية المختلفة إللّي ممكن تؤدي لتشكيل مجموعات دعم متفهّمة وآمنة. ممكن نلاقي المساعدة أحيانًا من مصادر غير متوقّعة، مثلًا كبار العائلة. من المهم أنه نبحث في كلّ المصادر المتاحة لنا، لأن ممكن نلاقي إللّي منحتاجه هناك.


غالبًا ما يتم حصر مفهوم الصحة الجنسية بالتوعية من الالتهابات المنقولة جنسيًا ومعالجتها. لكن الصحة الجنسية هي حالة من العافية الجسدية والعاطفية والنفسية والاجتماعية المرتبطة بجنسانيتنا، وليست مرتبطة حصرًا بغياب المرض أو اختلال وظيفة أحد أعضائنا أو العجز. وهي تتطلب مقاربة إيجابية وحاضنة للتنوع الجنساني والعلاقات الجنسية، بما في ذلك خوض تجارب جنسية ممتعة وآمنة، بعيدًا عن أي شكل من أشكال الإكراه والتمييز والعنف. فلا بد من احترام الحقوق الجنسية لجميع الأشخاص وحمايتها لتحقيق الصحة الجنسية وصونها.

 

 

  • 1. أشخاص لا تتوافق جنسانيتهم و/أو سلوكياتهم أو تعابيرهن الجندرية مع المعايير السائدة في المجتمع والمرتبطة بالجندر والجنسانية.
  • 2. يشمل مفهوم الصحة الجنسية الحالة الجسدية والعاطفية والنفسية والاجتماعية المرتبطة بالجنسانية، إلى جانب الأمراض التي قد يصاب بها الأفراد.
  • 3. أماكن حاضنة للاختلاف الجنساني والتنوع الجندري.
  • 4. من الصعب اختيار مقدمي أو مقدمات الخدمات الصحية في القطاع الحكومي أو العام. لكن باستطاعة الأشخاص اختيار مقدمات أو مقدمي الخدمات الصحية في القطاع الخاص، إلا أن هذا لا يضمن عدم تعرّضهم/ن للتمييز.
  • 5. الحكومة في الأردن مسؤولة عن توفير العلاج للأردنيين والأردنيات في حال إصابتهم بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز).
  • 6. المقاربة الشمولية للصحة تتناول احتياجات الأفراد الجسدية والنفسية والاجتماعية.