الصدمة الأولى: نزيفٌ حاد لا يوقفه دواءٌ أو طَمْأنة بأنني "نضجت". نزيفٌ آخر في فترة زمنية مختلفة وسؤالٌ يكتنفه الاتّهام يطوف في الأرجاء: "كيف بدّو يصير هيك مع "بنت"؟! الصدمة الثانية: خوفٌ غير مفهوم بعد الزيارة الأولى لطبيب نسائي. قلقٌ لا يعنيني ولا أفهمه حول خصوبتي المنشودة. كيسٌ من الحبوب التي عليَّ تناولها بانتظام، وصنفٌ منها لتخفيف النزيف، وصنفٌ آخر لنزع الشعر عن جسدي، علمًا أنني لم أطلب ذلك. ثمّ صنفٌ ثالثٌ لتنظيم الدورة الشهرية وآخر لم أفهم جدواه بعد. مجرّد هورمون جديد يُدخلونه على جسدي من دون إذني.
تقيّؤ، قلق، اكتئاب. أريد تهشيم رأسي ورحمي بأقرب حائط. وزنٌ زائد، الحالة تسوء وتسوء. غيّري الحبوب، جرّبي هذه، ربما تكون أفضل، اخسري مزيدًا من الوزن. اضطرابات طعام، وزنٌ ناقص، مزيدٌ من الألم، وأسئلةٌ حول رحمي وخصوبته. لا علاج لـ"حالتي". أُقفلَ عليَّ داخل دوامّةٍ لم أخترها، وصدمة تُعاد عند كل سؤال.
أيبدو المقطع قاسيًا؟ غيرَ مفهومٍ؟ مُشوّشًا؟ إنه كلمات متقاطعة لمراحل حياة شابةٍ تعايشت مع تكيّس المبايض أو متلازمة المبيض متعدّد الكيسات منذ بلوغها حتّى اليوم. توقّفتُ عن أخذ حبوب منع الحمل عند أول سؤال طرحته على نفسي وكان سؤالًا لم يطرحه عليَّ أحد: "هل فعلًا تريدين تناول هذه الحبوب"؟ ثم توالت الأسئلة: "هل المشكلة فعلًا داخل جسدي؟ هل هو حقًّا يحاول تدميري؟ ولماذا أنا"؟
تكيّس المبايض بأصوات المتعايشين/ات معه
تُعرّف دراسة صدرت عام 2023 نُشرت في "المجلّة العالمية للتكنولوجيا والعلوم الهندسية المتقدّمة" (World Journal of Advanced Engineering Technology and Science) متلازمة تكيس المبايض1 بأنها حالةٌ تؤثر على عمل المبايض، تتطوّر على أحد المبيضَين أو كليهما حيث تنتج المبايض كميةً غيرَ اعتياديةٍ من الأندروجينات، وهي الهورمونات التي تُعدّ ذَكريّة. ويصف اسم المتلازمة الأكياس الصغيرة المتعدّدة التي تتكوّن في المبايض. تشمل أسباب متلازمة تكيّس المبايض2 عوامل وراثية وفوق جينية مُختلفة، إذ تُمثل المتلازمة التجسيد البيولوجي لشبكة معقّدة من العوامل الهورمونية، والأيضية، والوراثية، والبيئية المترابطة. وقد يؤدّي الخلل الهرموني، والالتهاب، وارتفاع مستويات الأنسولين إلى الإصابة بها3.
كلّما رَوى لي شخصٌ تجربته مع المتلازمة، تعودُ إلى رأسي صورةَ الفتاة التي كنتُها في السادسة عشرة من عمري، وهي تجرّب كل أنواع الحبوب علّها تخلُص. بعد أكثر من خمس سنوات، وجدتُ طريقي للتعامل مع تكيّس المبايض -ويا للمفاجأة- بعيدًا عن حبوب منع الحمل. لكنني طيلة هذه التجربة، كنتُ بحاجةٍ إلى أن أُسمَع وأن أصغي، لا إلى تعداد قائمةٍ طويلةٍ من الأدوية على مسمعي، بل إلى الذين واللواتي يعايشن ما اختبرتُه.
أجسادنا ليست واحدة، بالتالي، طريقة التعامل معها ليست واحدة. قد تتقاطع من حيث أشكال الأوجاع وتقارب التجارب، لكنّ كشفَ أساليب تعامل ناجحة مع تكيّس المبايض يكون من الداخل، لا من فوق، بمعنى أنّ الحل ليس بإخراس المبايض، بل بخلق مساحةٍ للإصغاء إلى أصحاب الجسد. لهؤلاء الحق في أن يكون رأيهمن مرئيًّا ومسموعًا.
ريان شابّة لبنانية تعمل كمُرشدة على خطٍّ ساخنٍ مختصّ بقضايا الجنسانية، تروي تجربتَها مع تكيّس المبايض وتقول: "أتخبّط بين الحرمان والشراهة، تُزعجني علاقتي بالطعام. استغرقني الأمر طويلًا لكي أتقبّل أنه يمكنني أن آكل بشكلٍ معتدلٍ. جرّبتُ الكثير من الحميات. كنتُ أريد أن أخسر الوزن فحسب. أختبرُ اختلالًا في توازن الهورمونات، وعدمَ انتظام في الدورة الشهرية، ولدي شعرٌ زائد. لم أتفاجأ عندما عرفتُ أنني أعاني من المتلازمة؛ فأمّي مشخّصةٌ بها أيضًا، وهي وراثية".
تحدّثت ريان عن تجربتها مع الأطباء والطبيبات وشرحت: "أذكر أن الطبيبة النسائية قالت لي ’أيمتى ناوية تخسري وزن‘؟ فأجبتها حينها، ’خسرت بعض الوزن واسترجعته مؤخرًا‘، فردّت، ’أوكي، اخسري من وزنك وارجعي تعي لعندي‘! كانت طريقة تعاملها معي مزعجة فعلًا، لأنها تعرف أننا كأشخاص نعاني من المتلازمة ومن مقاومة الأنسولين؛ لذا، من الصعب أن نخسر الوزن مقارنةً بالأشخاص الذين لا يعانون منها. أعرف أن الوزن يؤثر أيضًا، لكنها دوامة لا تنتهي".
بحسب الدراسة المنشورة في "المجلّة العالمية للتكنولوجيا والعلوم الهندسية المتقدّمة"، يُصاب من 4 إلى 10%4 من الأشخاص الذين يحملون مبايض في سنّ الإنجاب بمتلازمة تكيّس المبايض. تستمر المتلازمة مدى الحياة، ويعاني، وفق "مجلّة الأبحاث حول المبيض" (Journal of Ovarian Research)، من 60 إلى 80% من الأشخاص المصابين بالمتلازمة من ارتفاعٍ في مستويات الأندروجين، ما قد يؤدّي إلى طمثٍ غير منتظم5. ويمكن أن تؤدّي أيضًا إلى انقطاع الطمث، وصعوبة في الحمل بسبب الإباضة غير المنتظمة أو انعدامها، وإلى تساقط شعر الرأس، وظهور شعر الجسم بشكلٍ مفرط، وحَبّْ الشباب، والثعلبة6. إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تكيّس المبايض يرتبط بارتفاع خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني، وبأمراض القلب والأوعية الدموية، والعقم، ومقاومة الأنسولين، والسمنة، واختلال التوازن الهورموني7.
اقترح الأطبّاء على ريان تناول حبوب منع الحمل، لكنّها رفضت. "ببساطة ليس لدي مزاج للموضوع، وأعرف تأثير هذه الحبوب عليّ، كما أنني أصلًا أستهلك أدويةً أخرى ولا أريد أن أُضغَط أكثر". وعن معاناتها المركّبة تشرح: "أسأل نفسي، لمَ تتأخر الدورة الشهرية إلى هذا الحد، ولمَ أتألّم أثناء الإباضة؟ أحيانًا أشعر بأنني أتوخّى قدومها، وكأنها علاقة حب وكره تربطني بدورتي. وجهي من أكثر العقد التي أعاني منها، فالشعر الزائد عليه يزيد الأمر سوءًا… الأمر حزين. جرّبتُ تقنيّة "الليزر" لكنها لم تفلح. استعملتُ "الواكس" (Wax) لإزالة الشعر منذ خمس سنوات حتى اليوم، لكنّ الأمر مكلفٌ جدًا. بالفعل، لا تُعطى المتلازمة الأهمية اللازمة، ولا يُحكى عنها، بحجة أنها شائعة. الأمر مزعج جدًا، ليس لدينا دراسات كافية عن تكيّس المبايض بقدر ما نملك دراسات عن أمور أخرى على الرغم من أن المتلازمة شائعة أكثر ممّا نعتقد، ومن مسؤولية مقدمي/ات الرعاية الصحية أن يأخذوا متلازمة تكيّس المبايض بجدية أكبر".
المتلازمة أخفّ وطأة على بعض العابرين
تختلف تجربة جيس عن تجربة ريان لجهة كيفيّة اختبار العوارض. جيس، وهو رجلٌ عابرٌ من لبنان، يشارك رحتله مع المتلازمة: "أدركتُ أن لدي متلازمة تكيّس المبايض عندما انقطعتْ دورتي الشهرية لمدّة ستّة أشهر، فزرتُ حينها طبيبًا نسائيًا بعدما ظهر الشعر الزائد على وجهي وصدري. بصراحة، لم يزعجني الموضوع، لأنني أحبّ هذا الشعر، إذ كانت المتلازمة بالنسبة إلي أداةً مؤكّدةً لجندري. كما ارتفع لدي هورمون التستوستيرون، فأحببتُ المتلازمة أكثر. النقطة الوحيدة التي أزعجتني كانت الآلام الحادّة أثناء الدورة الشهرية".
يتشارك جيس مع ريان تجربتَه الصعبة مع الجسم الطبي، ويروي: "إحدى الطبيبات قرّرتْ إعطائي أدوية هورمونية تُعطَى عادةً إلى النساء العابرات من أجل خفض مستوى التستوستيرون لديهنّ، وبالتالي، المساعدة في إزالة شعر الجسم. طبيبةٌ أخرى قالت لأمّي، ’جوزيها بيمشي حالها، وكل البنات عندن تكيّس، ولازم تضعف‘"!
يتابع جيس: "وصفَتْ لي تلك الطبيبة سبعة أدوية هورمونية في الوقت الذي كنتُ أفكّر فيه ببدء رحلة العبور الهورموني بما أنّ دورتي انقطعت؛ لكنها أعطتني عكس ما أريد. أخذتُ الأدوية مدّة شهرين ثمّ توقّفت عن أخذها، بسبب ما ذكرت، وأيضًا بسبب تأثيرها السلبي على مزاجي. بعد هاتين التجربتين، لم أعد أفكّر في زيارة الأطبّاء مجددًا وفقدتُ ثقتي بهمن حتى اليوم. لم أعالج المتلازمة، تعايشتُ معها وأحببتُها أكثر وقلتُ في نفسي، ’هذا أنا‘! وحتّى عارض تأخّر الدورة الشهرية كان إيجابيًا بالنسبة إلي، والجندر الذي أنتمي إليه كان سعيدًا بي. اتّبعتُ نظامًا غذائيًا خاصًّا بعد إصابتي بالسرطان، فعادتْ دورتي الشهرية، لكنّ الآلام استمرّت. لو كان هناك أطباء وطبيبات يُشعرون الكويريين/ات بأمان، لكنتُ بدأتُ رحلة عبوري منذ زمن وما اضطررتُ إلى المرور بكل ما مررتُ به. كان يمكنني الاستفسار أكثر عن حالتي من دون أن يقول لي أحد ’اتجوّز بيمشي حالك‘".
تُذكّر قصّة جيس بأن الحديث عن متلازمة تكيّس المبايض لا يجب أن يتم من دون النظر إلى العابرين/ات أو الكويريين/ات وتجاربهمن معها، وإلا اعتُبر ذلك شكلًا من أشكال الإقصاء. كما تُذكّر أيضًا بأسلوب الأنظمة الصحية الرأسمالي والأبوي بالتعامل مع أجسادنا كمجرّد أرقام تُسجّلها الدراسات، وأجساد مُعدَّة لاستهلاك الأدوية والطعام، بما يدلّ إلى أنظمة متشابكة همُّها السيطرة على أجسامنا لضمان ربحها واستمراريتها، ونهجُها تسطيح تجاربنا، علمًا أننا لسنا نسخًا مُكرّرة عن بعضنا، ذلك أن تكيّس المبايض لا يؤثر بالطريقة نفسها على جميع المُصابين/ات به، وتجربة جيس خير دليل على ذلك.
كيف نُعمّم إذًا علاجًا واحدًا على الجميع؟ وبأي حقّ يُفرَض على الأشخاص التخلّص من أمرٍ مُساعدٍ لهمن فقط لأنه، وتبعًا لوجهة النظر السائدة، حُكمًا أزمة؟ مجدّدًا، يزيح هذا المنطق الستار عن المعاناة التي تواجه الكويريين/ات في مجتمعاتنا في معرض بحثهمن عن مساعدة طبية، إذ غالبًا ما يجدون أنفسهمن أمام مرآةٍ لأحكام المجتمع، لا أخلاقيات الطب وأصول المتابعة العلاجية الموجّهة.
قد تختلف التجارب والأعراض إذًا، ولكن لا شك في أنها تتشابه في الكثير من الأحيان أيضًا، نظرًا إلى تشاركنا العيش تحت النظام الأبوي والرأسمالي نفسه. هذا النظام الذي لا يفوّت فرصةً لتوظيف معاناة بشريّة لخدمته وإسقاط أحكامه وقيمه على أجسادنا.
حبوب منع الحمل: أبعِدوها عنّي
في هذا الإطار، تخبرنا إيلينا وهي مترجمة في العشرينات من عمرها: "كان عمري 16 سنة عندما لاحظتُ أن شعري يتساقط ووزني يزيد من دون مبرّر. كنتُ أعاني من أوجاعٍ أثناء الدورة الشهرية والجميع من حولي كان يحاول تطبيع الألم، لكنني كنتُ ألاحظ أنه ليس ألمًا عاديًا. قرّرتْ أمي أخذي عند طبيب نسائي أخبرني أنه يكره النساء الممتلئات ويحبّ النحيلات وأنّ زوجته نحيلة. لم يشرح لي شيئًا، فقط قال إنه سيقوم بأخذ صورة. ثم أخبرني أن لدي كيسًا على المبيض، ووصف لي حبوب منع حمل مركّبة عرفتُ لاحقًا أنها ممنوعة في أوروبا وأميركا، ودواءً للشعر الزائد على وجهي. وقال لي ’قفي، أفخاذك سمينة، يجب أن تنحفي‘. شكّلت التجربة صدمةً لي، ومنذ ذلك الوقت، لم أعد أذهب إلى طبيب/ة نسائية".
تصف إيلينا فترة تناولها لحبوب منع الحمل بأنها "أسوأ فترة في حياتها"، إذ عانت من انقباضات في الرحم، وتقلّب المزاج، وقلق، فيما انتظمت دورتها الشهرية. "قرّرتُ التوقف عن أخذ الحبوب لأن الأمر كان كارثيًا، وفضّلتُ تحمّل أعراض المتلازمة مقارنةً بأعراض حبوب منع الحمل"، على حدّ قولها.
يُحيل تصرّف الطبيب مع إيلينا إلى ممارسة شائعة قائمة على تسخيف آلام النساء التي غالبًا ما تبقى غير مرئية، خاصة عندما يتعلّق الأمر بآلام الدورة الشهرية أو الأعراض الجانبية لموانع الحمل. وهذا التجاهل ليس عَرضيًا بل هو تجاهل واستخفاف أرساهما نظامٌ طبيّ ذكوري بنى نفسه على إلغاء المداويات والساحرات8 واستبدالهنّ بالأطباء البيض النظاميين9.
تتابع إيلينا وصفَها لمعاناتها قائلةً: "لم تتحسّن أعراضي، على الرغم من أن نمط حياتي صحّي جدًا. أقوم بكل ما عليّ فعله، لكنّ جسدي لا يتعاون معي. ما زال وزني يزيد أحيانًا وبطني السفلي -حيث تقع مبايضي- يكبر. الأمر متعب ومزعج جدًا، لدرجة أنني أفقد أحيانًا قدرتي على التحمّل. لا أقوى على ممارسة الرياضة بسبب اكتئابي، لكنني أحاول. أتناول مضادات القلق والاكتئاب، ولا أحد يفهم. كما تؤدّي حالتي الاقتصادية دورًا في عدم اتّخاذي أي خطوة أخرى لأن كل الحلول مكلفة".
النظام الغذائي العالمي كأداة للتحكّم بالأجساد
تشير بعض الدراسات10 إلى أن الأنسجة الدهنية تشكّل عاملًا مهمًّا يساعد في تطوّر متلازمة تكيّس المبايض واستمرارها. وقد رُبطت الحميات الغذائية عالية الدهون بتطوّر الاضطرابات الأيضية وزيادة الوزن ومقاومة الأنسولين، مما يُفاقم السمنة ويُضعف المبيض. من هنا، تتطلّب الإدارة الفعّالة لمتلازمة تكيّس المبايض تدخّلاتٍ في نمط الحياة، مثل تعديل النظام الغذائي، وفقدان الوزن، والنشاط البدني، والصحة النفسية. غير أنّ الحديث عن مسبّبات المتلازمة وربطها بالسمنة بشكل أساسي، مع إغفال السياقات المختلفة التي يعيش الأشخاص ضمنها والنظام الغذائي العالمي الذي يعتمد على الدهون واللّحوم والبذور المُهجّنة خدمةً للنظام الرأسمالي، يُعدّ إجحافًا ونزعًا للموضوع من إطاره الأوسع عبر تسطيحه وحصره بالقرارات الفردية للأشخاص، أي تحمليهمن المسؤولية الكاملة عن حالتهمن، في ظلّ عدم أخذ الجانب الطبقي والاقتصادي في الاعتبار ضمن سلّة الحلول التي تُطرح على الفرد للتعامل مع أعراض المتلازمة. من هنا، نرى كيف يتناسى الكثير من الأطباء والطبيبات حقيقة أن معظم خيارات طعامنا مفروضة علينا11، إذ إن معظم بذور الخضروات التي نأكلها مستوردة مع كلفة تلوّث عالية ومبيدات سامّة تنهش من صحة التربة وبالتالي صحة الطعام الذي نستهلكه.
قد يلجأ البعض إلى حميات مختلفة أملًا بالخلاص، أو يحاولون ويحاولن جعل طعامهمن أكثر عضويةً عبر اللجوء إلى خيارات صحية أكثر وغير مسمّمة، لكن الخيار لا يأتي في فضاء غير طبقي. في هذا الإطار، يتحدّث كريم حكيم، مدير "دكّان المزرعة" وهو مشروع تضامني واختباري يقدّم خصومات على أسعار المنتجات الغذائية والمنزلية تستجيب إلى وضع المشترك/ة الاجتماعي والمالي. بحسب كريم، لدى المشروع هدفان: "هدف بيئي، حيث يعتمد الدكّان على منتجات وطنية التصنيع وتعتمد المنتجات الزراعية على أساليب زراعة مستدامة خالية من المواد الكيميائية الضارة؛ وهدف اجتماعي، حيث أن المصدر المباشر لمعظم منتجاتنا من مزارعين/ات صغار وتعاونيات". ويتابع كريم: "إنّ نموذجنا الاقتصادي مبني على مبدأ إعادة توزيع الثروات، يساعد وفقه المشترك/ة الميسور/ة ماديًا بطريقة غير مباشرة المشتركين/ات الأكثر فقرًا في الحصول على المنتجات المتوفرة بسعر الجملة وأحيانًا حتى بأقل من سعر الكلفة".
قد تكون هذه المبادرات خطوة جيّدة في اتجاه تحقيق عدالة غذائية توفّر للطبقات المفقرة خياراتٍ صحيةٍ بأسعار مقبولة، فيصبح من الممكن تطبيق مبدأ عدم فصل الحلول لأعراض تكيّس المبايض أو غيره من المتلازمات عن سياقها الطبقي.
يشرح كريم: "قد لا تكون الخصومات على الأطعمة العضوية كافيةً إذ تبقى ضعف سعر المنتجات الموجودة في السوق. ولا تزال الأطعمة العضوية بالنسبة إلى أصحاب الدخل المحدود باهظة الثمن، والهاجس المالي كبير جدًا. لذا، يصعب على الكثيرين/ات الربط بين المشاكل الصحية اليومية ونوعية الطعام. لكنّ الوضع يختلف لدى الطبقات المتوسطة والأعلى دخلًا، حيث يُسجّل فيها إقبالٌ على المنتجات العضوية، لا سيما من النساء أو العائلات التي تحوي أولادًا".
من وجهة نظر رجاء الخطيب، وهي أخصائية تغذية مُعتمدة في مسائل اضطرابات الأكل: "هناك حميات غذائية قاسية ومتطرّفة يتم التسويق لها في معرض التعامل مع تكيّس المبايض وكأنّها الأفضل، مثل الصيام المتقطّع أو "الكيتو" (Keto)، أي حمية النشويات المنخفضة. كما أن هناك سياسة تثقيف عبر التخويف، ما يزيد الأمر سوءًا، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالنشويات. المشكلة الأساسية الناتجة عن حميات "الترند" (Trend) أنها شمولية ولا تأخذ في الاعتبار الاختلافات الفردية بين الأشخاص وأجسامهمن. كما أن هناك تطبيع مع فكرة أن الأشخاص المتعايشين مع المتلازمة يجب أن يستهلكوا طعامًا أقل بسبب مشاكلهم الأيضية، لكن هذه الفكرة غير صحيحة. إن المتلازمة شائعة جدًا، ما قد يوحي أنها مفهومة، لكن في الواقع الأمر ليس كذلك. والأطباء والطبيبات يحصرون "العلاج" بالحبوب الهورمونية ولا يوفّرن المعلومات الكافية للأشخاص، بل يحمّلونهمن مسؤولية خسارة الوزن من دون الأخذ في الاعتبار كل الأعراض المصاحبة للمتلازمة التي تُصعّب خسارة الوزن أصلًا، وتجعلهمن أكثر عرضة للإصابة باضطرابات الطعام. لكن في بعض البلدان هناك نظرة شاملة أكثر للتكيّس من حيث العلاج بالمكمّلات أو الأعشاب أو الأدوية التقليدية".
وتتابع رجاء شارحةً كيف أن كثافة الأحكام السلبية وكثرة المعلومات والحميات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تُربك الأشخاص، وتشارك استنتاجها: "من خلال تجاربي ومتابعتي لقصص الآخرين، فهمتُ أهميّة موازنة مستويات السكر في الدم خلال اليوم، وذلك عبر زيادة كمية البروتين والألياف إلى الوجبات للتعامل مع مقاومة الإنسولين، واختيار النشويات الكاملة، والحركة والرياضة مثل حمل الأوزان، وكذلك إدراك أعراض الدورة الشهرية مثل الشراهة وتقلّباتها لتعلّم كيفية التعامل معها بالأطعمة. كما أنّ هناك أهمية لتنظيم الجهاز العصبي، لأن غالبية الأشخاص يسجّلون مستويات كورتيزول عالية يُمكن موازنتها عبر تمارين التنفّس أو جلسات العلاج النفسي. من المفضّل العمل مع الجسد وليس ضده لأنه حتمًا سيساعدنا".
بناءً على كل ما سبق، أعتقد أن تكيّس المبايض أبعد بكثير من مجرّد متلازمة ذات أعراضٍ متعدّدة وأسبابٍ مختلفة. فقد حان الوقت لأن ننظر إليها كأداةٍ تساعدنا في التحكّم بأجسادنا والسيطرة أكثر على نظامنا الغذائي. علينا العمل للحؤول دون تحوّل المتلازمة إلى أداة تُفرَضُ عبرها خياراتٌ تجعل مبايضَنا آلةً أخرى لخدمة الرأسمالية والنظام الصحي العالمي، ومن ثم إلقاء المسؤولية علينا عبر نزعها من سياقها الاقتصادي والطبقي والاجتماعي والجندري والسياسي.
- 1
G. Usha kiran, “Overview Of Polycystic Ovary Syndrome (PCOS),” World Journal of Advanced Engineering Technology and Sciences, 25 February 2023, p. 12, https://wjaets.com/content/overview-polycystic-ovary-syndrome-pcos
- 2
G. Usha kiran, p. 14
- 3
Dr T. Barber, “Obesity and Polycystic Ovary Syndrome”, PubMed- Wiley Online Library, August 2006, pp. 138-139, https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/16886951/
- 4
G. Usha kiran, p. 11
- 5
Mahtab Badri‑Fariman, “Association between the food security status and dietary patterns with polycystic ovary syndrome (PCOS) in overweight and obese Iranian women: a case-control study” Journal of Ovarian Research, 13 October 2021, p. 2, https://ovarianresearch.biomedcentral.com/articles/10.1186/s13048-021-00890-1
- 6
وهي بقع تظهر إثر السقوط المفاجئ للشعر من فروة الرأس أو أماكن أخرى من الجسم.
- 7
G. Usha kiran, p. 12
- 8
بربارة أيريريش وديردري إنغليش، الساحرات والقابلات والممرضات: تاريخ النساء المداويات، النسخة العربية، بيروت، مشروع الألف، 2018، ص. 18-19
- 9
بربارة أيريريش وديردري إنغليش، الساحرات والقابلات والممرضات: تاريخ النساء المداويات، النسخة العربية، بيروت، مشروع الألف، ص. 54-55-56
- 10
Yingxue Han, “Effect of High Fat Diet on Disease Development of Polycystic Ovary Syndrome and Lifestyle Intervention Strategies,” PubMed, May 2023, pp. 3-4, https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/37432488/
- 11
زينب ديراني، "ما بين المبيض والنظام الغذائي"، من كتاب "ما تبقّى: تصوّرات نسوية بيئيّة"، بيروت، ورشة المعارف، 2022، ص. 17
إضافة تعليق جديد