بينما كنت أدرس طوال الليل لامتحانٍ مهم، راودني سؤال: لماذا على النساء إخفاء علامات الإجهاد؟
في اليوم التالي، صحوت مبكرًا للذهاب إلى الكلية. وأنا أهمّ بالخروج، قالت لي زميلتي في السكن: "لماذا لا تضعين بعض أحمر الشفاه؟ شكلِك يبدو مرهقًا".
فكّرت حينها: لماذا عليّ أن أُخفي إرهاقي؟ لماذا علينا كنساء أن نظهر كروبوتات بأفضل حالٍ دائمًا؟ وكأننا لا نتعرّض للتعب والإجهاد الجسدي والنفسي، وكأنّ علامات التعب شيءٌ يجب إخفاؤه؟ لماذا أصبحت ملامحنا الطبيعية تُسمّى "شكلِك تعبان"؟ الشحوب والهالات السوداء حول العينين ردّة فعلٍ طبيعية لأجسامنا نتيجة الظروف التي قد نمر بها.
يُتوقّع من الفتيات والنساء أن تلتزمن بمثاليات حول الجمال والمظهر والوزن والسلوكيّات، تفرضها صناعاتٌ مترابطةٌ تؤثّر على الصورة التي تكوّنها النساء حيال أنفسهنّ وتستغل شعورهن بالسوء تجاه أنفسهن لتحقيق الأرباح. فمن صناعة الإعلام وصناعة الإعلانات، إلى صناعة الترفيه وصناعة الموضة، وصناعة مستحضرات التجميل، وصناعة الحميات، تتعرَّض النساء إلى وابلٍ من الصور النمطية التي تحدّد نوع ولون وتصفيفة شعرهنّ، ولون بشرتهنّ، وشكل شفتيهنّ وأنفهنّ ووجنتيهنّ، وطول قوامهنّ ووزنهنّ، حتى لو تطلب ذلك القيام بعمليات وممارسات غير ضرورية ومؤلمة، بالإضافة إلى نوع وشكل ملابسهنّ وأكسسواراتهنّ، وتصرّفاتهنّ في عملهنّ وحياتهنّ الخاصة وكيفية التعبير عن أفكارهنّ ومشاعرهنّ… إن هذه الصور والأنماط التي تفرضها هذه الصناعات جزءٌ من النظامين الأبوي والرأسمالي وإحدى وسائل تحكّمهما بأجساد النساء. تحاول إجبارهنّ على تطويع أجسادهنّ لوهم الجمال المثالي. تدفعهنّ إلى تدارك أيّة شائبة قد تشوّه هذه الصورة حتى لو كانت حبّة شباب متمردة على كل المواعيد المهمة. وتسعى إلى خلق هوسٍ بالامتثال لمعايير أبوية تحولّنا إلى نسخٍ طبق الأصل. فأين فرادتنا في كلّ هذا؟ وكيف نستعيد حرّيتنا برسم صورتنا لأنفسنا وحدنا؟
أتمنى أن نكون أكثر أريحية مع أجسادنا ومظهرنا. لا بأس بوضع المكياج، فهو شيءٌ نستمتع به، ولكن لنتذكر أنه ليس حاجةً أساسية، وأنّ المظهر المرهَق من علامات الحياة وتجاربها ومشقّاتها.
* الرسمة لدارين خالد. للاطلاع عليها على حدة، الرجاء الضغط هنا.
إضافة تعليق جديد