لا يمكن في هذه اللحظة، وفي هذه النقطة على الخريطة، وداخل هذا السياق الذي نعيشه، ألّا تكون كلمة "حرب" جزءًا من قاموس حياتنا اليومية. يحدّثوننا عن حربٍ في أوكرانيا تؤثّر على سعر رغيف الخبز هنا في القاهرة، لكن الحرب أقرب بكثير في غزة والسودان وسوريا ولبنان وحتى ليبيا. ورغم اختلافها المكاني لكن المشترك بينها واحد لا يتغيّر، ودائمًا الفئات الأضعف هي التي تدفع الثمن.
فتحت المعجم بحثًا عن معنى كلمة "حرب": "بينهم سِجال، قتال ونِزال بين فئتين دون انتصار طرف أو هزيمة آخر". أفكر في هذا التعريف، وأراه يغفل الكثير من حقائق الحرب. لكن أهمّ ما يغفله هو أن الحرب فعلٌ مذكّر، ولكي تكتمل السخرية فالكلمة نفسها مؤنثة، أما في الواقع فالرجال هم من يبدؤون الحروب، وهم من يستخدمون النساء وأجسادهن كورقة ضغط في المعارك. قصص اغتصاب النساء في الحروب، أو استخدامهن كدروع بشرية، أو كوسيلة ضغط على الرجال المحاربين، كلها أمثلة على هذه الممارسة الذكورية البحتة التي يُسلّح فيها جسد المرأة ضدها، وضدّ الطرف الذي تنتمي إليه.
أفكّر في أن مصر ليست في حالة حرب، ولكن مُنيت بثنائية قطبية منذ عام 2014، حين صار هناك "الإخوان" و"الشعب المصري"، وبدأ ما يمكن أن نسميه مرحلة "الحرب على الإرهاب". أفكر في كل هذا من خلال تجربتي كامرأة عاصرت أحداث 2011 و2014 ورغم كل تلك السنوات من هذا التاريخ لم يُصنع حتى الآن فيلم عن أحداث مؤثرة ككشوف العذرية في ميدان التحرير، عن "العباية أم كباسين" وسحل البنات في الشوارع، عن العلاقات الجنسية الكاملة في خيم المتظاهرين، أو عن تلك اللحظات القليلة داخل الميدان حين كانت مجموعات من المتطوعين تسحب المتظاهرات بعيدًا عن التحرش الجماعي.
هذه اللحظات حتى الآن ذات صبغة مذكرة في التاريج الجمعي، بينما جسد المرأة وتجربتها فيها مهمّشان. لم يبقَ منها سوى صور سيدات في الخمسينيات والستينيات من أعمارهن يرقصن على أغنية "بشرة خير" أمام لجان "الانتخابات"؛ تلك الصور التي تحولت إلى "ميم" على السوشيال ميديا و تُستخدم في الكليبات الوطنية بعد عام 2014.
المرأة في عصر ما بعد 2014 هي أم الشهيد من الشرطة أو القوات المسلحة، أو زوجته التي يكرّمها رئيس الجمهورية في سياق "الحرب على الإرهاب".
أفكر في نساء غزة؛ والتي انحصرت الأرقام التي تخصّهن في عدد النساء الحوامل تحت القصف، فيما تُشيد صفحات بالمرأة الفلسطينية التي يُهدّ بيتها أو تُقصف أو تُقتل أو تُجرح، لكنّها دائمًا تظهر "مستورة" مرتديةً حجابها، أو يُحتفى ببراعتها في إعداد الطعام بأقل الإمكانيات. جسدها موردٌ يجب ستره ويدها يجب أن تُطعِم.
أفكر في كل هؤلاء النساء والفتيات اللاتي تُستخدم أجسادهن منذ فجر التاريخ كأوراق ضغط على الرجال في الحروب؛ فيُغتصبن ويُختطفن ويُقتلن كي ينتصر رجالٌ في الحرب.
أفكر في الحروب الكبرى في تاريخ البشرية، وكيف حاصرت السرديات السائدة النساء في أدوار ثابتة مثل: الممرضة، الحبيبة، الضحية، أو رمزًا للصبر والستر. هل كسرت السينما هذه الصورة يومًا؟ أم أن المرأة حتى حين وُضعت على الجبهة، بقيت تصوّر بالطريقة النمطية ذاتها؟
المرأة "سيدة بيتٍ" ولو كانت على الجبهة
في عام 2024، أي بعد حوالي 80 عامًا من انتهاء الحرب العالمية الثانية، أنتجت "نتفلكس" فيلمًا من إخراج تايلر بيري، وهو أكبر مخرج ومنتج أمريكي من أصول أفريقية، وصاحب أكبر استوديوهات في أتلانتا – جورجيا. والذي حمل اسم The Six Triple Eight وتدور أحداثه حول كتيبة من النساء السود، تُرسل إلى أوروبا لحل أزمة البريد، بعد أن توقفت الرسائل بين الجنود وذويهم، ما أدى إلى تدهور معنويات الجنود بشكل كبير. تُكلف هذه الكتيبة بمهمة مستحيلة، لكن النساء ينجحن في إيصال الرسائل وحل الأزمة رغم كل أشكال التمييز التي واجهنه بسبب جنسهن أو عرقهن.
الفيلم يحاول أن يبدو تقدميًا، لكنه في النهاية يكرس صورة المرأة في دور "سيدة المنزل" حتى وإن كانت على الجبهة؛ فالنساء يستخدمن خبرتهن في العطور والأقمشة والتدبير المنزلي لترتيب الرسائل وفرزها، بالاعتماد على "خبراتهن النسائية".
من أشهر أفلام الحرب العالمية الثانية هو فيلم The English Patient (إنتاج 1996)، الذي يروي ملحمة رومانسية بين جندي مشوّه والممرضة التي تعتني به. في هذا الفيلم تظهر المرأة في دور "مقدّمة الرعاية" (caregiver)، ذلك الكائن القدَري الذي يدفع الرجل نحو الحب والنجاة.
تتكرر هذه الصورة النمطية في عشرات الأفلام، حيث تُحصر المرأة في أدوار مثل: الممرضة أو الزوجة أو الحبيبة التي تنتظر الجندي الغائب، إذ دائمًا ما تُقدَّم كشخصية مساندة تدفع الرجل للأمام، حتى في الأفلام التي تبدو أنها موضوعها الأساسي، وحتى عندما تكون البطلة في دور الضحية أو السجينة أو المستغَلّة جنسيًا أو على علاقة غير شرعية مع المحتل، فهي دائمًا مفعول بها كما في فيلم Suite Française (إنتاج 2014)، والتي تدور قصته عن امرأة فرنسية تقع في حب الضابط الألماني الذي احتل قريتها، واتخذ من منزلها مقرًا له.
الملاك الأحمر
ومع ذلك فهناك أفلام حاولت كسر هذا النمط، ونظرت إلى المرأة كذات تمتلك ردّة فعل حتى لو وُضعت في موقع المفعول بها، من خلال حبكة تشتبك مع حضور النساء في الحرب لا بوصفهن رموزًا أو أدوات، بل كشخصيات حقيقية تحملن أثر العنف ويخضنه أيضًا.
في عام 1966، أي بعد 21 عامًا من انتهاء الحرب العالمية الثانية، صدر الفيلم الياباني Red Angel (الملاك الأحمر) من إخراج يسوزو ماسمورا (Yasuzo Masumura). والذي يروي قصة ممرضة شابة تخرجت للتو من كلية التمريض، وأرسلت مباشرة إلى الجبهة وتحديدًا إلى الصين. تبدأ عملها في مستشفى بعيد عن خط النار، حيث يستكمل الجنود تعافيهم قبل إعادتهم إلى المعركة، أو يُنفَون بعيدًا عن الجبهة إن كانت حالتهم لا تسمح بالعودة إلى القتال، حتى لا يطّلع عامة الناس في الداخل على فظائع الحرب.
تجد الشابة العشرينية العذراء نفسها فجأة وسط الموت والألم، الذي يدفع بأحد الجنود المرضى لاغتصابها. تُخبِر كبيرة الممرضات، فتردُّ ببساطة: إنه عنيف، حاولي تجنبه.
لاحقًا تُنقل إلى مستشفى ميداني على الجبهة، حيث المشهد أكثر قسوة: عشرات بل مئات من الجنود المصابين، وعمليات بتر يومية للأطراف، وألم لا ينتهي، وذلك تحت إشراف الطبيب أوكابي.
في أحد الأيام يصل الجندي الذي اغتصبها مصابًا بجروح خطيرة. تتوسل إلى الطبيب لإنقاذه، لكنه يجيبها بأن لا أمل في علاجه. يضيف: إن كنتِ مصرة سأحاول، لكن في المقابل... تعتقد أنه يطلب منها شيئًا جنسيًا، ومع ذلك توافق.
نكتشف أن هول الحرب حوّل الطبيب إلى مدمن مورفين، لذا لجأ إلى الممرضة لتُعطيه الحقنة في غرفته، ويطلب منها أن تبقى بجانبه حتى ينام، مطمئنًا إياها بأنه لن يقترب منها جنسيًا، لأنه أصبح عقيمًا بسبب المورفين، وخلال هذه الليالي التي تمضيها بقربه تتطوّر مشاعرها تجاهه، لكنها تظل صامتة.
في المستشفى تتعرّف على جندي فقد ذراعيه، يعلم أنه لن يعود إلى اليابان وأنه سيُنفى إلى الهامش. يطلب منها أن تساعده على الاستمناء فتوافق. وفي يوم إجازته، تصطحبه إلى غرفة فندق، وهناك يستحمان سويًا وتمارس معه الجنس.
هذه الشابة التي دخلت الحرب كملاك أبيض عذراء وبريئة، تتحوّل إلى امرأة تدرك أن العذرية والبراءة لا مكان لهما وسط هذا الخراب. تحب طبيبًا مدمنًا للمورفين، وتحاول مساعدته على الإقلاع عنه حتى لو ليوم واحد، فقط ليكون قادرًا على النوم بجانبها. نراها تربطه في السرير، وتمنعه من الجرعة، ثم تمارس معه الحب.
تصبح "ملاكًا أحمر" غيّرته الحرب؛ غيّرت إحساسه بجسده وملكيته له، فيتحول من ذكورية العذرية إلى نسوية العطاء والتواصل الجسدي. تتحوّل من مفعول بها إلى فاعلة، لا تملك الكثير لكنها تملك قرار ما يُفعل بجسدها، وكيف تستخدمه في التخفيف عن نفسها ومن حولها.
أجد أن هذه المحاولة تخلو من أي رومانسية تقليدية، مثل تلك التي ظهرت في فيلم Hiroshima Mon Amour (هيروشيما حبي، 1959، إخراج آلان رينيه)، أو Memoirs of a Geisha (مذكرات غيشا، 2005، إخراج روب مارشال)، وكلاهما تناول الحب في اليابان خلال الحرب.
أما "الملاك الأحمر" فهو فيلم من وجهة نظر المهزوم؛ لا يُجمّل الحرب ولا يُعيد إنتاجها كقصة حب، بل يعرضها ببشاعتها ويجعل من الحب والجنس موقفًا، فيما يعرض طريقةً تعامل المرأة مع الذكورية السامة التي تُنتجها الحرب.
عدسة الهزيمة
أفكر بالهزيمة وبالطرف المهزوم وقدرته على رواية حكايته. أفكر في هزيمة 1967، التي أطاحت بالحلم الناصري في لحظة واحدة؛ سقطت معها القومية العربية والجولان والقدس وأجزاء من الضفة، وحينها تغيّر كل شيء.
ومن مصر البلد المهزوم، وبعد مرور حوالي 22 سنة من تلك الهزيمة (وهي نفس المدة التي فصلت بين نهاية الحرب العالمية الثانية وإنتاج Red Angel ) يقدّم الكاتب والمخرج رأفت الميهى فيلم "سيداتي آنساتي" (1989).
وبينما تناول الفيلم الياباني الحرب بوضوح ودراما مباشرة، اختار الميهى أن يتحدث عما بعد الحرب عبر الكوميديا. لكن ما يجمع الفيلمين هو تلك الرغبة في كسر الصور النمطية عن النساء، وإعادة تخيّلهن في إطار جديد، يُسائل تلك الصور ويتحداها بدلُا من إعادة تثبيتها.
في بوستر الفيلم يظهر الممثل محمود عبد العزيز مرتديًا بذلة رسمية، محاطًا بأربع نساء يرتدين فساتين الزفاف، وهي صورة ترتبط في الذاكرة الجمعية بالفحولة والهيمنة، على طريقة "الحاج متولي" أو "السيد أحمد عبد الجواد".
لكنّ الميهى يقلب المعادلة عبر قصة تدور عن أربع نساء يعملن في شركة، ويقرّرن اختيار الساعي الفاشل الحاصل على دكتوراه ليكون زوجًا مشتركًا لهن. هذا الرجل ابن مرحلة الهزيمة، فهو متعلّم ومثقّف لكنه متعالٍ وغارق في فشله وتصوراته الذكورية حول ما يظن أنه يستحقه من العالم ومن النساء.
حين يتلقى العرض يوافق، ويعيش مع السيدات الأربع، لكن حين يحاول التمرد عليهن، تطلقّه اثنتان وتتزوجان مدير الشركة الذي يتصوّر بذكوريته أن هذا الترتيب هو دليل على فحولته.
يدخل الرجلان في صراع "الضراير" المعتاد، لكن بعد قلب الأدوار الجندرية. حتى إن الدكتور يبدأ في الشعور بـ "أعراض الحمل"، ويشمّ رائحة الفراولة.
حتى قصص الحب الجانبية في الفيلم تنقلب على الصور النمطية، مثل الشاب الريفي الذي يحب السيدة العجوز تريز ويغار عليها حتى من الهاتف المعطل، في قلب واضح لصورة المرأة الغيورة أو الرجل المتصابي. تريز بشدة عذوبتها ورقتها تعبر عن حبها لزوجها بأمومة، وتقدّم تصورًا عن الأنوثة يتجاوز كل ما هو سائد.
هذا الفيلم الذي يُقدَّم في قالب كوميدي يعتمدُ على قلب الأدوار الجندرية، فيخرج من قلب الهزيمة والتطبيع وسياسات الانفتاح، ليتحدث عن مجتمع فقد بوصلته في أبسط تفاصيله.
لكنه في لحظة إعادة التخيُّل يكشف عن ممارسة نسوية للسلطة، وهي سلطة لا تنقل بتتحوّل إلى عنف، ولا تنشغل بأجساد الرجال أو تشييئهم. وحتى في أكثر لحظاتها قوة لا تُقلِّد النساء نموذج السيطرة الذكورية، بل يبحثن عن مساحات للتعايش والمشاركة.
هذه السخرية تتماشى بعمق مع المزاج المصري، الذي يواجه كل شيء - حتى الألم - بالفكاهة، كما ينسجم عنف "الملاك الأحمر" مع ثقافة الكاميكازي اليابانية.
أفكر كثيرًا في أن رواية المنتصر غالبًا ما تكون ذكورية، والتي تُعيد تشكيل العالم برؤية أحادية الجندر، وتُلبس القبح ثوب الرومانسية. أما رواية المهزوم فبرغم مرارتها تمنح مساحة أوسع لتحدّي الأدوار الجندرية، وتَمنح البطل المضاد مكانًا، وتفتح المجال لنقد الذات والتأمل في هشاشتها.
بعد هزيمة 1967 وبالتحديد في عام 1970، كتب رأفت الميهي سيناريو فيلم "غروب وشروق" (إخراج كمال الشيخ) خلال لحظة مربكة تكسر بها حلم القومية العربية، فيما لا تزال حرب الاستنزاف قائمة، وجمال عبد الناصر ما يزال حاضرًا في المشهد.
الميهي، الشاب الذي تشكل وعيه على خطاب الثورة، يكتب إلى جانب كمال الشيخ أحد مخرجي ما قبل 1952، وصاحب أسلوب سينمائي دقيق محسوب، ينتمي إلى ما يُعرف بتكنوقراط السينما.
يصوّر الفيلم جهاز البوليس السياسي في العهد الملكي، من خلال مجموعة رجال يعيشون بلا هدف تائهين في الملذات، حتى يُقتل أحدهم على يد رئيس الجهاز، فيتحوّلون من رجال مأزومين بشهواتهم إلى مناضلين يحاولون استعادة كرامتهم وسط الخراب.
في قلب الدراما يظهر مشهد محوري يفتح فيه الزوج شقّة صديقه والتي كانت وكر ملذّاته الخاصة، ليجد زوجته نائمة بقميص النوم في سرير أعز أصدقائه.
يجرّها على السلم بهذا الشكل، ويُلقي بها عند قدمي والدها رئيس جهاز البوليس السياسي، والذي يقتل الزوج لستر الفضحية، ومن هنا تشكّل تلك اللحظة نقطة التحوّل في مسار الفيلم.
المرأة في بداية الفيلم ليست أكثر من هوس جماعي لشلة من الرجال، فهي مساحة استعراض للفحولة والتباهي بالعلاقات الجنسية، والمغامرات التي تشكّل جوهر هويتهم وتُبقيهم منفصلين عن واقع بلدهم المحتل.
تتحول المرأة إلى أداة إلهاء وغواية ورمز الشرف الذكوري الذي يتنازع عليه الرجال. ولهذا حين تُسحب على السلالم بقميص النوم، ينهار التوازن وتتغيّر مسارات كل شخصيات الفيلم.
هذه الذكورية المرتبكة التي تُمارس ازدواجية المعايير، تجسّد - من وجهة نظري - لحظة الانتقال من عقلية المنتصر (أبناء مؤسسة السينما بعد حرب 1956 زمن الردّ على العدوان الثلاثي والقومية العربية والوحدة مع سوريا)ـ إلى وعي المهزوم الذي لم يسلّم بعد لكنه بدأ يُقاوم من موقع مختلف. وهو ارتباك يعريه الفيلم بدقة.
ومع ثبات الهزيمة حتى بعد حرب 1973، وما تلاها من اتفاقية السلام عام 1979 والانفتاح الاقتصادي واغتيال الرئيس السادات وصعود التيار الوهابي، يصنع الميهي فيلمًا من موقع المهزوم. ينقل المعالجة من الدراما إلى الكوميديا، ومن المرأة كـ"مفعول به"، إلى امرأة تسعى لتصور مجتمع يمكن أن يكون لها فيه مكان مختلف، وربما مخرج من الركود.
يبدأ هذه المحاولة في فيلم السادة الرجال (1987)، حيث تتحوّل فوزية إلى "فوزي أبو رجلين حلوة". الفيلم يروي قصة امرأة متزوجة وأمّ تتحوّل إلى رجل. نرى بيتًا يتكوّن من "أب وأب" يربّيان طفلًا، لكن هذا "الرجل الجديد" أكثر رِقّة وأكثر حساسية تجاه الآخرين، لا يشبه رجال المرحلة السابقة.
أفكر في أن الهزيمة لغويًا مؤنثة. ربما لهذا السبب تحديدًا تأتي السرديات التي تخرج من قلبها لتكون أكثر صدقًا، وأقل افتتانًا بالنصر وأكثر تفهّمًا للهشاشة. الهزيمة هي التي أنجبت البطل المضاد، وفتحت الباب أمام الـqueer coding أو الترميز الكويري، وقدّمت تصوّرات مختلفة عن الجسد والمرأة، ومكانها في هذا العالم.
أسأل نفسي هل بمرور عشرين عامًا من الآن سيتمكّن صانعو الأفلام في بلادنا المهزومة من إنتاج حكايات بلغة مختلفة؟
لغة لا تشبه الأجندات المتداولة ولغة الأرقام الحالية والنشرات الإخبارية، ولا تُعيد إنتاج الفيتيش fetish الذي يصوغه المنتصر عن ألم المهزوم؟ هل سنصنع أفلامًا لا تطابق توقعات الغرب عن وجعنا؟ لا تسرد تاريخنا بلغة الاحتلال، ولا تقدم علاقات المستعمِر والمستعمَر بلمسة رومانسية؟ أفلام لا تحوّل الحب وسط الحرب إلى قصة عذبة، ولا المهاجرين غير الشرعيين إلى أبطال سباحة، بل تعترف بالهزيمة وتفهمها، وتحاول أن تقاوم من داخلها دون تجميل. أفلام تجرّب أن تفكّك الأدوار الجندرية، وتبحث عن أفق يشبهنا نحن، لا ما يُفترَض بنا أن نكون عليه.
إضافة تعليق جديد