بشكل ذكوريّ فج يظهر تامر حسني في فيلم الفلوس، رجلًا مفتول العضلات يرتاد الجيم ويجيد العراك بالأيدي، ينجح في إغواء النساء بسهولة، جدع وشهم رغم أنه النصاب في الفيلم، ينقذ صديقه الخائن من الموت مرتين، ويقول عن نفسه: "أنا حرامي، نصاب، لكن عندي مبادئ". الفيلم من تأليف محمد عبد المعطي، وقصة تامر حسني، وإخراج اللبناني سعيد الماروق الذي أخرج فيلم "365 يوم سعادة" وهو فيلم كوميديّ رومانسي يحتفي أيضًا بنموذج الرجل الفحل متعدّد العلاقات.
يروي الفيلم حكاية نصّاب محترف، سيف، تستعين به حلا (زينة) لمواجهة نصّاب آخر استولى على أموالها. تمتاز الشخصية بخفة الظل وسرعة البديهة، يُلقي الكثير من النكات التي يغلب عليها الطابع الجنسي، والتي في أغلبها تُصوّر الجنس ميدانًا لإثبات الفحولة وتفوّق الذكر على الأنثى، أو الذكر الأكثر فحولة على الأدنى منه، وهي بهذا المعنى تزدري الجنس نفسه وتحتقره، وتوفر مناخًا اجتماعيًا يتصالح مع الفكرة نفسها، ويكرّسها عبر السخرية.
لا تدور الأحداث حول قصة الاحتيال المذكورة، وإن كانت نظريًا هي محور الفيلم، إلا أن أحداث الفيلم في الحقيقة تدور بشكل شبه كامل حول استعراض تامر حسني لمفهومه عن الذكورة والفحولة الجنسية، وهو أمر ينضح به هذا العمل بداية من النكات والتلميحات الجنسية وصولًا إلى تسليع جسد الأنثى.
الفحل مقابل المخصي
يلعب دور
لا يتوقف حضور سلّام على إبراز الفرق بينه وبين البطل، بل يحوّله تامر حسني إلى أضحوكة، في العديد من المشاهد التي يكون فيها سلّام مادة للتندر والسخرية من كونه "ذكرًا غير مكتمل الذكورة". كأن يستجدي حسني ضحكات الجمهور بعراك سخيف بالأيدي بينه وبين سلًام الجبان. في مشهد آخر يحاول سلًام تقليد الذكر الفحل بوضع يده على قدم زينة، فتبدأ في نهره، يضحك المشاهد في قاعة السينما عند تلك اللقطة، والتي يبدو مغزاها واضحًا، جسد المرأة ليس محصّنًا أو ذا خصوصية إلا أمام الرجال غير مكتملي الذكورة وفق معايير المجتمع، بينما مكتملو الفحولة كتامر حسني يمكنهم فعل أي شيء يريدونه. أسوأ ما في ذلك المشهد هو إظهار النساء كذكوريّات وأنّهن يتبنيّن أخلاق المنظومة السائدة.
يمتلك تامر حسني سيارة بورش، بينما يظهر الممثل محمد سلّام في أحد المشاهد وهو يقود سيارة أخرى بسرعة كبيرة، ليقف مباشرة أمام سيارة حسني، في اللحظة التي ينقشع فيها الغبار الذي أثارته السيارة نكتشف أنه يقود سيارة سيات قديمة، وهي مفارقة تثير ضحك الجمهور في قاعة العرض، خاصّة وأن قوة كل سيارة تقاس "بالحصان"، وهي إحالة لم يصعب على الجمهور فهمها. سلّام إذن هو مجرد سنّيد بالمعنى التقليدي للكلمة، أو كيس ملاكمة يوجّه له البطل اللكمات والسباب، والنكات الجنسية.
الكثير والكثير من الفاتنات المغرمات
إلى جانب البطلتين اللتين تلعب دورهما زينة وعائشة بن أحمد، لدينا ظهور عابر للعديد من النساء، كلّهن يشتركن في أمرين، الأول أن ظهورهن بلا أية قيمة درامية وحذفهنّ لن يؤثر على الأحداث، والثاني أنّهن جميعّا منجذبات لتامر حسني، إما يمارسن الجنس معه أو يرغبن في التقاط صور له أو يقعن في حبه، أو يشتهينه جنسيًا في صمت.
تظهر المرأة الأولى بجوار تامر حسني في الفراش، تقول له: "أنا بحبك جدًا ونفسي أقضي باقي عمري معاك"، ليسألها: "إنت اسمك إيه أصلًا؟". الواضح أنها علاقة جنسية عابرة ومع ذلك لم تستطع المرأة الغريبة مقاومة سحر تامر. تختفي بعد ذلك ولا نراها مطلقًا، لا نعرف لماذا ظهرت ولا أين اختفت، فالهدف من وجودها ليس سوى تعريف المشاهد بفحولة البطل الجنسية، وهو أمر غير مهم للقصة الدرامية.
ثم لدينا حلا (زينة) الفتاة التي ينقذها البطل من لص قام بسرقتها، يطارده ويسترد الشنطة المسروقة، وعندما يعود إليها يأمرها بحدّة "اركبي العربية"، تسارع زينة للاطمئنان عليه، لكنه ينهرها رافعًا صوته مرة أخرى: "بقولك اركبي العربية"، إنه يصرخ في فتاة لا يعرفها حتى ويُملي عليها ما يجب أن تفعله، لأنه يشعر بالاستحقاق كذكر منتصر أمام أنثى في موقع ضعف.
نكتشف بعد ذلك أن سيف (تامر حسني) ليس إلا نصّاب يسعى للاحتيال على زينة وسرقتها، إلا أنها ورغم الأذى الذي تتعرض له على يديه، تقع في حبه بعد ما خدّرها وسرق أموالها. لا تنشغل زينة كثيرًا بالمال الذي فقدته، بل تكون مهمومة بسؤال وحيد توجهه له بشكل مباشر: "عملتلي إيه بعد ما خدّرتني؟" يجيبها: "أحلفلك محصلش حاجة"، فترد "ليه محصلش حاجة ليه!". حتى الفتاة التي وقعت ضحية نصبه تُفصح عن رغبتها في ممارسة الجنس معه. مع العلم أن تامر حسني بعد أن قام بتخديرها جعلها تغسل له قدميه ثم أرسل لها الفيديو، لكنّها ما زالت تراه رجلًا مناسبًا للحب لأنّه ذكر قوي.
عندما يذهب سيف لملاقاة صديقه سليم (خالد الصاوي) تظهر فجأة فتاة تطلب منه أن تلتقط سيلفي معه بمناسبة عيد ميلادها. تُصرّ الفتاة على إخراج فتاة أخرى من الكادر "لأنها عايزة يتصوروا هما الاتنين بس"؛ رغبة الاستئثار هنا تلاقي النكتة الملائمة تمامًا، "بس إحنا كدة أربعة" مشيرًا إلى نهديها. حضور هذه الفتاة أيضًا بلا أيّة قيمة سوى التأكيد على صورة تامر حسني كذكر مشتهى تحب النساء الاستئثار به ولو في صورة تذكارية عابرة، ثم إعطائه مساحة لإلقاء نكاته الجنسية ونظراته الذكورية والمتحرشة أحيانًا بجسد المرأة.
في مشهد آخر يظهر تامر حسني في منزل هايلة (عائشة بن أحمد) عاري الجذع تمامًا، وتبدأ الكاميرا بشكل إيروتيكي واضح بتتبّع قسمات جسده، الذي يبدو أنه اعتنى به خصيصًا لأجل هذا المشهد. تركّز الكاميرا على عضلاته البارزة وقسماته المنحوتة، بينما تلتقط في المقابل نظرات هايلة التي يظهر عليها الارتباك والانبهار، وهي تحاول التلصّص على جسده وإخفاء اشتهائها الواضح في عينيها؛ يدرك حسني رغبتها، لكن تعلو وجهه ملامح الانتصار واللامبالاة المصطنعة.
يمكن اعتبار فيلم الفلوس أحد أكثر أفلام السينما المصرية ذكورية
هذا المشهد مكثّف وغنيّ في دلالاته، ويضاعف قيمة تفسيره الجنساني أنه بلا أيّة قيمة فنية ولا توظيف درامي، أو حضور أصيل في السرد يدفع لتطور الشخصيات أو يصنع حدثًا مؤثرًا أو يساهم في تطوير الصراع، أي أن التفسير الجنسيّ هو المدخل الوحيد الممكن.
يمكن اعتبار فيلم الفلوس أحد أكثر أفلام السينما المصرية ذكورية، فمن الصعب أن تجد مشهدًا لا يظهر فيه تامر حسني متباهيًا بصفاته الذكورية. إنها مشاهد ونكات يلقيها تامر حسني نفسه لا الشخصية التي يلعبها. وهو الأمر الذي اعتاد على فعله طوال مسيرته سواء في أفلامه أو أغانيه مثل أغنية "سي السيد" التي تعتبر تجسيدًا صارخًا للميزوجينيّة. الفلوس فيلم دون رؤية إخراجيّة، كرّس الكليشيهات حول العلاقات بكوميديا متهالكة ومُفرغة من المعنى وصوّر النساء قليلات الحيلة منبهرات بالأجساد المفتولة العضلات ولا يبحثن سوى عن فحل يمارسن معه الجنس ويُخرسهنّ متى يشاء.
إضافة تعليق جديد