كيف يمكن ان نتجاوز هذا "التباين" ونقطع الطريق على "صراع أجيال" محتمل؟
من موقع صوت النسوة
تعترض مسيرة الحركة النسائية الكثير من العقبات، منها الموضوعية ومنها الذاتية. لكني ساتناول عقبة جديدة على هذه الحركة (وان كانت قديمة في تاريخ المجتمعات) الا وهي "صراع الاجيال". فما مدى تأثير هذه "العقبة" على الحركة النسائية اللبنانية ، وكيف السبيل الى تخطيها؟
ظاهرة "الصراع الأجيال" ليست جديدة، بل إنها قائمة على امتداد جميع الأزمنة ، وقد عرفتها المجتمعات عبر التاريخ بجوانبها السلبية والإيجابية. تبرز هذه الظاهرة بشكل جلي في الحقب التي تكون فيها تغيرات الأنماط الثقافية والاجتماعية حادة وتخلق ردود فعل كثيرة ومتفاوتة تجاه هذه المتغيرات، خصوصا الاختلاف في المفاهيم ووجهات النظر بين الشباب وجيل الكبار، ويتجلى هذا الاختلاف بشكل قوي في المساحات التي تتطلب تقاطع آراء وتجارب من أجيال مختلفة.
ولعل ابن خلدون هو أول من تناول مفهوم "الجيل" عند العرب في مقدمته الشهيرة، وان كان قد سبقه في مقاربة ظاهرة صراع الأجيال الفيلسوف اليوناني أفلاطون الذي رأى في صراع الأجيال قوة حركة للتغير الاجتماعي. أما جورج أورويل فقد لخص هذه الظاهرة في مقولته " يتخيل كل جيل أنه أفضل من الذي سبقه وأكثر حكمة من الذي يليه"!!
أما بالنسبة لعلم الاجتماع فإن التغير في حجم وشكل المجتمع مصحوب دائما بتغير في المفاهيم وأساليب الحياة الجديدة من أجل أن يستطيع المجتمع التكيّف مع هذه التغيرات والحفاظ على التوازن وتحقيق الاستقرار، لذلك من الطبيعي أن تتغير شخصية الإنسان طبقا لما يدور حوله من تحولات وتطورات في شتى مجالات الحياة، وبالتالي فإن هذه العلاقة الجدلية والضرورية بين الشباب وكبار السن حالة صحية وطبيعية ومرتبطة بطبيعة الفرد والمجتمع ومسيرة الإنسان وهي حالة عامة لا تقتصر على شعب واحد أو مجتمع واحد، ففي كل مرحلة من مراحل الحياة البشرية تكون هناك فجوة بين الأجيال المختلفة في الأعمار والأفكار والطموحات وهذه الفجوة تتراوح بين خيارات الصراع والانعزال والتكامل بين هذه الأجيال، فمفهوم "الصراع" هو تفاعل يدل على الحركية للبحث عن توازن مستمر في الوجود أو الحياة، وتتعدد أشكاله بين ما هو صحي وايجابي وما هو مرضي وسلبي ليحقق التوازن وليحافظ على تواجد المكونات دون إقصاء أو تدمير لطرف على حساب طرف آخر.
اذن ظاهرة صراع الاجيال ليست بجديدة، لكن نظرا للتطورات السريعة التي يمر بها العالم في جميع مجالات الحياة، ازدات الفجوة ما بين الاجيال وكثرت التباينات في بحيث اصبح خطر ان يتحول هذا "الصراع = المنافسة" من خلاف طبيعي في وجهات النظر ضمن سياق التطور الاجتماعي العام الى نوع من الصدام والتنافر.
هذا بشكل عام، فماذا عن الحركة النسائية في لبنان؟
تعتبر الحركة النسائية في لبنان من اقدم الحركات النسائية في العالم العربي، وقد اتسمت تاريخيا بطرح القضايا العادلة والانسانية بكل جرأة ومثابرة، فحققت الكثير من الانجازات في سبيل تحقيق المساواة والغاء التمييز ضد المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبقي لديها الاكثر للعمل على تحقيقه.
لذا تقوم الناشطات في كل جمعية على حدة او بالعمل الجماعي احيانا بالعمل الدؤوب لتحقيق ما تبقى من مطالب يعملن على تحقيقها من ضمن اجندات وضعنها مسبقا.
الا ان نمط الحياة في الاونة الاخيرة اصبح يتغير بوتيرة سريعة، واستجدت قضايا لم تكن تشكل من قبل ظاهرة جدية بالنسبة للرائدات من الاجيال السابقة او حتى لجيل الكبيرات من المناضلات الحاليات. قضايا تبناها جيل الشاب ( والبعض من جيل الكبار)،اما بحكم انه يلامسها ويعيشها او انه تعاطف معها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. قضايا مستجدة على اجندة الحركة النسائية مثل قضايا : العاملات الوافدات، اللاجئات والنازحات ( ما عدا قضية اللاجئات الفلسطينيات فهي موجودة من قبل)، الاتجار بالبشر (خصوصا البغاء القسري)، الاجهاض ، المثلية ...
غير أن ردات الفعل من قبل الجيل السابق على الالتزام او حتى على رفع شعارات بعض هذه القضايا كانت اما الرفض الكلي بحجة تعارضها مع القيم الاجتماعية او الدينية وانها غريبة كليا ودخيلة على مجتمعاتنا، او التحجج بانها ليست من أولوياتنا في هذه الفترة.
اذن ، هناك بداية "مواجهة" أو تباين في وجهات النظر. فاذا اضفنا اليها واقع التطور التكنولوجي الذي اصبح يستعمله ويعتمد عليه كثيرا جيل الشباب، خصوصا في مجال التواصل ، بينما الغالبية من الجيل السابق لا تتمكن جيدا من استعمال بعض هذه التقنيات او لا تستفيد من استعمالها. تصبح "الفجوة" أكبر بين الاجيال ويصبح التخوف على الحركة النسائية مبررا ، فكيف يمكن ان نتجاوز هذا "التباين" ونقطع الطريق على "صراع أجيال" محتمل؟
الاختلاف مرده الحرص على مصلحة الحركة النسائية
برأيي ان مفتاح الحل يكون بالحوار، الحوار البناء ، حيث يعرض فيه كل طرف رأيه ،مخاوفه وحججه، ما هي المشكلة بنظره وكيف يرى الحل.
حوار يأتي اليه الطرفان بدون أفكار مسبقة عن بعضهما البعض :
- فلا جيل الشباب متسيب ولا يحترم التقاليد والعادات الموروثة ، ولا الجيل السابق رجعي ،متشدد، ومتشبث بالماضي ... بل تفهم بأن لكليهما منظومة قيم ونمط حياة مختلف عن الاخر.
- الكل يعيش المشكلة :"لا أحد يعيش على كوكب آخر" .. ولا أحد يريد أن يتبنى قضايا غريبة عن مجتمعاتنا..
كذلك لا بد أن نتذكر دائما ان الاختلاف مرده الحرص على مصلحة الحركة النسائية وليس شخصيا، وان كل جهودنا يجب ان تتوحد رغم علمنا المسبق بوجود تباينات فيما بيننا، ولنذكر انفسنا دائما بما يلي:
- لا أحد يمتلك المعرفة التامة والخيار الصحيح: الكبير لديه تجربتة الخاصة وتراكم المعرفة ، والصغير كذلك لديه "الانترنت " الذي يزوده بخلاصات التجارب السابقة.
- الحقيقة نسبية ، ما يعتقد طرف انه صحيح ليس بالضرورة ان يوافقه عليه الطرف الآخر.وانه لا يمكن حل بعض القضايا برضا كامل لكل الطرفين ، وخاصة اذا اختار أحد الطرفين رفض المفاوضات والثبات على ما يريد. لذا يجب علينا ان نسأل انفسنا الى أي مدى تهمنا القضية ما وراء النزاع.
- لنضع انفسنا دائما في مكان الطرف الآخر، ونحاول اعادة تحليل موقفنا ووجهة نظرنا على ضوء التطورات ونتساءل هل هناك امورا أقل اهمية يمكن التنحي عنها للمحافظة على ما يهمنا بصورة اكبر.
- ان "الخلاف بالرأي لا يفسد للود قضية" ... وانه مهما كان اختلافنا لن نفقد احترامنا المتبادل لبعضنا.
- أخيرا وليس آخرا ، اعادة النظر ببعض الامور التي يعتبر الخوض فيها من المحرمات (التابوهات) فالاديان والقيم وجدت لخدمة الانسان وتنظيم العلاقات فيما بيننا وليس لقهرنا والمساهمة او التغاضي عن انتهاكات حقوقنا.
والأهم ضرورة الفهم الصحيح لآلية العلاقة بين الاجيال عبر تحديد اهداف هذه العلاقة وابعادها النضالية والانسانية.
بنظري ان حل اشكالية "الاختلاف بوجهات النظر" بين الاجيال في الحركة النسائية سهل جدا ، لانه يقع ضمن فئة واعية ومتطوعة للعمل الاجتماعي. فئة لديها الحس الاجتماعي وحب التغيير والاهم من كل هذا فئة تؤمن بالديمقراطية. واملي كبير باننا سنرتكز على ما تم انجازه بالماضي لننطلق لبناء مستقبل يليق بنا ، مستقبل عماده الشباب الذي سيغير حتما الى الافضل.
فلنبادر الى جلسات حوار، نبحث فيها كيفية ردم الفجوة بين الاجيال بحيث نحول الاختلاف بوجهات النظر من عامل صراع وتفكك الى عامل تكامل وتجدد.
إضافة تعليق جديد