"ما بقيتش حاملة ندخل ليهم" (أي: لم أعد أستطيع تحمّلهم)، بهذه الجملة أجابتني سمر ذات الـ22 ربيعًا والمقيمة في الرباط بخصوص سؤالي عن شعورها كامرأة مثليّة تجاه استخدام تطبيقات المواعدة في المغرب، ثمّ أردفت قائلةً إنه "إرهاق المواعدة"، قبل أن تطلعنا على مزيد من التفاصيل حول رحلتها مع تلك التطبيقات: "قمتُ أوّلاً بتحميل تطبيق Tinder ثم تطبيق Her بعد مرور أشهر، ولكن بصراحة غالبًا ما أشعر كمغربية مثليّة بأنني محكومة بالحبس… الحبس ديال رتابة التطبيقات، الحبس ديال جسد موصوم بالعار في مجتمعنا، وإذا تجرّأتِ على تحرير نفسك، غا يدخلوك للحبس ديال بصح".
تعكس كلمات سمر التحدّيات والإحباطات التي يواجهها كثير من أفراد الميم-عين والأشخاص الكويرز في المغرب في معرض سعيهم/ن خلف التجارب الرومانسية والحميمية عبر الإنترنت، رغم أن كثيرًا من المغاربة عمومًا يرون في تطبيقات المواعدة والتعارف وسيلةً مثاليةً للبحث عن الحب والتواصل في مجتمع يتعامل مع الود والتقارب والمُغازلة كأنها تصرّفات مشينة ينبغي إخفاؤها، إذ غالبًا ما تتحوّل الفضاءات العامة إلى مساحاتٍ معادية لمظاهر الحب، ما يضاعف صعوبة التواصل بأريحية، خصوصًا لأفراد مجتمع الميم-عين +.
لا شك في أنّ تطبيقات المواعدة الرقمية تمتلك مزايا شتّى، بدءًا من توفير إمكانية إخفاء الهوية وتحديد الموقع الجغرافي ثم الفلترة أو التنقية، وهي خصائص وظيفيّة تُمكّن المستخدمين/ات من التواصل مع أشخاص داخل دوائرهم/ن الاجتماعية وخارجها، كلٌّ بحسب تفضيلاته/ا التي غالبًا ما ترتبط بالعمر والاهتمامات وأهداف العلاقة دون الاضطرار إلى مغادرة منازلهم/ن، ما يُولّد إحساسًا بالراحة والأمان لدى كثر.
من هنا لا عجب أن تُعلّق ريما، 20 عامًا، على استعمال Bumble بأنه "مريح وآمن"، وأن يقول كريم، 23 عامًا، "إن تطبيق Grindr شفاف في ما يخص موقع المُستخدمين/ات"؛ ما يعني أن كليهما يتّفق على أن تطبيقات المواعدة توفر للأشخاص الكويرين/ات بيئةً أكثر أمانًا لاستكشاف العلاقات العاطفية، لا سيما للذين يعيشون في مناطق مُحافظة أو حتى معادية لوجودهم/ن كالمغرب.
وعدٌ هشّ بالأمان
تقعُ سلامة المُستخدمين/ات وأمانهم/ن في صميم الوعود التسويقية التي تطلقها تطبيقات المواعدة باستهدافها مجتمع الميم عين، على سبيل المثال تؤكد التطبيقات الشهيرة مثل Her وHornet وGrindr لمستخدميها أنهم سيدخلون "مساحة آمنة" عند تنزيل التطبيق تضعهم على اتصال بعالم غير مرئي من الأفراد المتطابقين مع اهتماماتهم (matches) والموجودين حولهم، وذلك من خلال خدمات الدردشة القائمة على الموقع.
لكن ماذا يحدث عندما لا تعمل تطبيقات المواعدة هذه كـ"مساحات آمنة" للعلاقات الحميمة كما هو مُفترض؟ كيف يستجيب المستخدمون/ات عندما لا تقتصر التطبيقات على إتاحة فرص التواصل العاطفي والجنسي فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى الكشف غير المرغوب فيه عن الميول الجنسية والعنف والأذى؟
على هذا الهاجس يعلّق نضال، 19 عامًا: " لقد جعلتُ من تجربتي مع تطبيقات المواعدة تجربة قصيرة جدًا؛ فقد أغرتني فكرة التعرّف إلى أشخاص جدد لم أكن لألتقي بهم لولا التطبيق وأعجبني الأمر، ولكن مع مرور الوقت لم أعد أشعر بالأمان، فكيف لي أن أتأكّد من هوية مَن أحادث ونواياهم؟".
وكما حدث مع نضال يبتعد عددٌ من المستخدمين/ات عن تطبيقات المواعدة حين يجدن أن آثارها السلبية تفوق فوائدها، إذ تنطوي المواعدة عبر الإنترنت على أخطار مختلفة تمسّ مباشرةً السلامة الجسدية للمستخدمات، إضافة لحالات التحرّش الجنسي والاعتداءات بل حتى الجرائم المنظّمة مثل السطو والنهب وجرائم الكراهية المبنية على النوع الاجتماعي والميول الجنسية.
ويضيف نضال بنبرة قلقة: "سولي أي لوبيا1 (اسألي أي مِثليّ)؛ لقد سمعنا جميعًا عن أشخاص تم إغراؤهم بموعد غرامي لم يكن في الواقع إلا فخًا للاعتداء عليهم وإذلالهم".
فإن كان خيار إخفاء الهوية على التطبيقات يُمكّن المستخدمات من حماية أنفسهن، فإنه أيضًا سلاح ذو حدين، إذ إن الخاصية نفسها تتيح للمعتدين التنكّر وإضمار نواياهم الماكرة خلف ملفات شخصية مفبركة لاستدراج ضحاياهم.
علاوةً على ذلك، فإن العديد من تطبيقات المواعدة رغم توفيرها أدوات سلامة متنوّعة، فإنها تبقى مشاريع هادفة للربح محكومة بمبادئ رأسمالية محضة.
على سبيل المثال، فإن تطبيق HER للمواعدة المصمّم خصيصًا لـ"النساء المثليات، وغير الثنائيات، والعابرات جندريًا"، يروّج لنفسه على أنه "مكان آمن" للمستخدِمات للالتقاء والدردشة والمغازلة؛ يتيح التطبيق خاصية "وضع التخفي" (incognito mode) ليُمكّن المستخدمات من استكشاف المنصة دون الكشف عن هوياتهمن، لكن هذه الخاصية متاحة فقط بمقابل مادي، ما يجعل الأمان والسلامة امتيازًا لا يمكن الحصول عليه إلّا لمَن يستطيع تحمّل تكلفته، لذا يصبح من المُلحّ على المستخدمات/ين تطوير مهارات التعامل مع المخاطر الأمنية عند استعمال تطبيقات المواعدة.
ما معنى الأمان في مجتمعٍ يحترف الوصم والتجريم؟
بالنسبة للمستخدمين/ات الكوير المغاربة، تتحوّل مهارة الحفاظ على الأمن إلى مسألة حيوية في ظل بيئة قانونية وثقافية معادية لهمن، إذ تجدر الإشارة إلى أن المادة 489 من القانون الجنائي المغربي تجرّم العلاقات المثلية وتفرض عقوبات بالسجن تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات إلى جانب غرامات تتراوح بين 200 و1000 درهم.
بالإضافة إلى تلك المادة، يستهدف البندان 483 و484 السلوكيات التي تُعد "مخالفة للأخلاق العامة" وتُستخدم غالبًا بشكل تعسّفي ضد أفراد الميم-عين، حتى في غياب الانتهاكات القانونية الواضحة، كما يؤدّي الافتقار إلى الحماية القانونية من التمييز على أساس الميول أو الهوية الجنسية إلى تفاقم المضايقات في الفضاءين العام والخاص.
وتؤكّد لينا البالغة 21 عامًا والمقيمة في الدار البيضاء أن تلك التطبيقات رغم تصميمها بما يحرص على سلامة المستخدمين/ت وأمنهم/ن، فإنها عاجرة عن تغيير الواقع القانوني والاجتماعي السائد في بلدانهم/ن، وبالتالي لن تستطيع منع وقوع المآسي: "إذا شي واحد خدا تصاورك ولا مساجاتك ونشرهم، واش التطبيق غينفعك؟ ما نقدر نشكي لا لعائلتي، لا للبوليس. وأصلا فيناهو القانون اللي غايحميك؟"
ورغم أن لينا لم تكن على دراية بمقترح تشريع القانون المتعلّق بمحاربة العنف ضد النساء، بما في ذلك العنف الرقمي، ولكنها في الوقت نفسه لا تؤمن بأنّ وجود مثل هذا القانون كفيل أصلًا بحماية المشتكين/ات، وذلك أن ثقل وصمة الخزي والعار المرافقة للجنسانية وثقافة لوم الضحية هو تفكير سائد في المجتمع المغربي.
حملة كراهية سابقة لا يزال الكويريون/ات يحملون أوزارها حتى اليوم
نتيجة لكل ما سبق، قد تؤدّي أفعال المغازلة البسيطة، مثل مشاركة صورة سيلفي أو إرسال أخرى عارية أو حتى الدردشة إلى عواقب وخيمة، إذ يمكن توظيف تلك المواد كسلاح لابتزاز المستخدمين/ات أو تشويه سمعتهم، ولهذا يسأل سمير 21 عامًا "حالما تصبح المحادثة حميمية ينتابني القلق والشك. ماذا لو كان هذا فخًا؟ ماذا لو أدّى إلى الكشف عن ميولي؟".
كان سمير في السادسة عشرة من عمره فقط عندما شهد المغرب إحدى أكبر حملات الكراهية ضد أفراد مجتمع الميم-عين خلال الحجر الصحي الأوّل ضد وباء كوفيد. آنذاك استخدمتْ مؤثرةٌ مغربيةٌ معروفة، وهي امرأة عابرة جندريًا تقيم خارج المغرب، صفحتها الخاصة على إنستغرام لحث متابعاتها من النساء إلى تحميل تطبيقات مثل Grindr وPlanetRomeo واستخدامها كأدوات تساعد في "الكشف" عن الرجال في محيطهنّ والتقصّي عمّا إذا كانوا مثليين. بفضل ميزة البحث القائم على الموقع، حُددت هويات مستخدمي هذه التطبيقات من قبل أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو الزملاء واستنتاج ميولهم الجنسية اعتباطيًا، والأسوأ من ذلك نشر لقطات الشاشة لمحادثات وبعض الصور ومشاركتها على فيسبوك.
أدّت هذه الحملة2 إلى استدراج أكثر من مئة ضحية وطُرد إثرها الكثيرون/ات من منازلهم في خضمّ الحجر الصحي، كما فقد العشرات وظائفهم وانتحر أربعة أشخاص على الأقل بعد نشر صورهم علنًا على الإنترنت.
إن أظهر هذا الحدث شيئًا فهو أن بعض الخصائص الوظيفية في التطبيقات والمُصمّمة لتسهيل الاستخدام يمكن أن تنقلب في لحظة واحدة إلى أدوات تُلحق الأذى بالمستخدمين/ات، في ظل غياب الحماية القانونية واستمرار وصمة العار التي ترافق الجنسانية -لا سيما الجنسانية الكويرية- ما يؤثر سلبًا على الصحة العقلية والنفسية للمعنيين/ات.
يتذكر سمير هذه الحادثة المؤلمة مشيرًا إلى مدى تأثيرها في وعيه الجنسي وصحته النفسية رغم أنه لم يكن ضحية مباشرة لها، ويضيف بابتسامة خجولة على وجهه: "بصفتي رجلًا مثليًا يعيش في المغرب عانيتُ كثيرًا من مشاكل على مستوى الصحة العقلية، وأظن أن استعمال تطبيق Grindr زاد من حدّة أعراضي، لكنني تعلمتُ أيضًا كيفية استخدامه بشكل أفضل بمساعدة ناشطي مجتمع الميم-عين".
لا شك في أن استعمال تطبيقات المواعدة قد يساهم مباشرة في تدهور الصحة العقلية للمستخدمين/ات، بما في ذلك انخفاض تقديرهم/ن لذواتهم/ن وتفاقم شعورهم/ن بالعزلة وتسليع العلاقات، الأمر الذي يتحدّى تصوير تلك التطبيقات كـ"مساحات آمنة" خالية من التعقيد، وفي هذا الإطار يؤكد سمير أنّ ضمان سلامة المستخدمين/ات يتطلب جهدًا كبيرًا وتفكيرًا استراتيجيًا، ولذلك طوَّر برفقة أصدقائه استراتيجيات للسلامة تمكنه من مواصلة المواعدة عبر الإنترنت بمزيد من الأمان والثقة، والتي تشمل تبنّي المزيد من الحذر تجاه المستخدمين/ات غير المعروفين/ات وتبادل المعلومات مع الأصدقاء والصديقات والامتناع مؤقتًا عن استخدام التطبيقات عند الحاجة، وخصوصًا في سياق النشاط الجماعي.
نحو طرح جديد يستند إلى مفهوم أوسع للأمان
خلال العقد الماضي، وتحديدًا بعد حملة الكراهية المذكورة آنفًا وفي ظل استمرار افتقار مجتمع الميم-عين والأشخاص الكوير إلى الحماية القانونية، سعتْ منظمات مغربية مناضلة من أجل حقوق الكويريين/ات إلى التعاون مع شركات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المواعدة نظرًا لامتلاكها معلومات حساسة تخصّ المستخدمين/ات، ودعتها إلى تحمّل المسؤولية الأخلاقية تجاه مستخدميها المغاربة عبر الحفاظ على حقوقهم/ن في الخصوصية والكرامة والسلامة الجسدية.
ولكن ألا تتناقض هذه المطالب مع استراتيجيات الظهور و"الخروج من الخزانة" المتداوَلة في بلدان الشمال العالمي حيث تًصمم هذه التطبيقات وتُبتكر؟ أليس الهدف من تطوير خوارزميات منصّات التواصل الاجتماعي بما في ذلك تطبيقات المواعدة، هو تشجيع التفاعل وتعزيز التواصل عبر نشر ومشاركة أكبر قدرٍ من المحتويات؟
لذا وبعد سرد الأفكار والتجارب أعلاه من الطبيعي أن يُطرح هذا السؤال: هل بإمكان تطبيقات المواعدة السائدة اليوم أن تشكل مساحاتٍ آمنةً للمستخدمين/ات غير المُقيمين/ات في الشمال العالمي في حال لم تكن أُسَر هؤلاء ومجتمعاتهم/ن المحليّة وقوانين أوطانهم قادرةً على حمايتهم في المقام الأول؟
- 1
مسبّة تم التطبيع معها واستعادتها من طرف بعض الكويريين/ات في المغرب، وتعني الكلمة "فاصوليا" في الدارجة المغربية، لكنها تُستخدم أيضَا للإشارة إلى شخص كويري.
- 2
B. Ale-Ebrahim, "Making Visible the Unseen Queer: Gay Dating Apps and Ideologies of Truthmaking in an Outing Campaign in Morocco," in L. H. Skalli, N. Eltantawy (eds.), The Palgrave Handbook of Gender, Media and Communication in the Middle East and North Africa, Cham 2023, p. 31-48
إضافة تعليق جديد