عن الذنب

عمر الخطيب

"ترويحة" تزور "جدل"

ننشر على جدل هذا النص الذي يتفاعل مع كوميكس "ترويحة" - وهي مجموعة قصص مصوّرة تتناول تجارب مراهقات/ين يعيشون توجهات جنسية وجندرية مختلفة. 

انظروا الحلقة 2 من "ترويحة" خلال الرابط

ننشر هذه االمادة كثمرة من ثمار التعاون بين موقع جيم ومؤسسة القوس.

 

يعلم الأشخاص المقربين منّي حالتي الماديّة التي أشكو منها باستمرار، وكان من الغريب قبل بضعة أشهر أن أزيد الأعباء عبئًا وأشتري لأمي نشافة ملابس هديّة لأمّي بمناسبة عيد الأمّ. هديّة سأدفع ثمنها على أقساط لعام كامل وهو ما لا يرغبه أيّ شخص منّا، خاصّة ذوي الحسابات البنكيّة السالبة أمثالي. فرحت كثيرًا بالهديّة، وامّي وكذلك، إلى أن جاءت اللحظة الكاثارسيسية بنكتة لصديقة صدوقة مازحة عندما أخبرتها عن الهديّة "إنت بس بدّك تنشّف مشاعر إمّك".

لسنوات طويلة لم تعرف أمّي عن توجهاتي الجنسية والعاطفية، أو على الأقلّ لم نواجه الأمر ولم نتحدّث عنه. حالة الإنكار وتجنّب الحديث عن الموضوع هي ما صبغ علاقتنا، باستثناء ملاحظات ومناوشات هنا وهناك حول تعبيري الجندري، وملاحظات وأسئلة غريبة حول من زار بيت العائلة من أصدقائي الكويريات.

في العام الأخير، لم يعد ثمّة خيار سوى المواجهة. لم يكن الحدث هادئًا أو تقليديًا بكشف محادثة على هاتفي أو إفصاحي للعائلة بشكل مباشر أو بفسد أحد الأخوة أو أفراد العائلة للسرّ الخطير. انفجرت القضيّة كلّها مجتمعيًا، ولموقعي في العمل في القوس والحديث حولها، انفجر ما يتعلق بها الجانب في حياتي -بما فيه نشاطي الاجتماعي حول الموضوع- في وجه أهلي.

ورد الامر إلى مسامع أهلي عن طريق العائلة الأكبر والجيران وأهل البلد ولم يعد من سبيل للإنكار والهرب. بعض المحادثات الكثيفة مع أمّي ومرّ الأمر بسلاسة -نسبيًا- طبعًا مع الكثير من التحدّي، وكان الألم الأكبر لي ولأهلي هو ما اضطرّوا أن يعيشوا من عنف من المحيط تعاطيًا مع كويريّتي وعملي في القضايا الكويريّة.

سنوات طويلة من العيش مع مؤسسات -على رأسها الأسرة- تذنّبنا، تكللت بهذا الحدث ما أوقعني بدوّامة مؤلمة وقاسية من الشعور بالذنب نبعت من التصديق فعلًا بأني سبب تعاسة أهلي وفضيحتهم؛ نوبات شديدة من البكاء ورغبة في إيذاء النفس يرافقهم شعور مستمر بكره النفس، كلّ ذلك انتقامًا للذنب الذي اقترفته، والذي يبدو أنه كوني أردت النجاة والعيش.

لم ينفصل عملي يومًا عن حياتي الشخصيّة كونه حول قضيّة أعيشها وتعيشني، وكان دائمًا مصدرًا لي للتعلم حول حياتي الشخصية والتأمل فيها، وهي لربّما نعمة محروم منها الكثيرين. كان وجودي ضمن فريق العمل على كوميكس ترويحة صفعة قوية لي للتفكّر والنظر في بنى القمع التي تتجلّى في مشاعر نعيشها يوميًا، وأشدّها وأكثرها إلحاحًا بلتفكير بالنسبة لي كان الشعور بالذنب.

أدركت مدى مرافقة هذا الشعور لي في حياتي وتحكّمه في تصرّفات وقرارات ومسارات وعلاقات فيها؛ بسعيي الدائم أن أعوّض أهلي عن ألمهم "بسببي"، استنزاف نفسي للحفاظ على علاقات اجتماعيّة، استنزاف نفسي للمثالية في الحياة المهنيّة والأكاديمية، و و و 

كأشخاص ولدنا في أسر غيريّة نوويّة في الرأسماليّة اللعينة، يُزرَع فينا هذا الشعور ويكبر معنا من مراحل مبكّرة جدًا، بشكل أساسي لشعورنا بالتناقض وعدم الرضى بمخالفة أسرنا التي قدّمت لنا الرعاية والدعم في الطفولة خاصّة في الحالات التي تكون الأسرة في مواضع هشّة مجتمعيًا، بالأخصّ نحن كنساء ومثليين وترانس.

عودةً للنشافة وصديقتي، وبعد مسار ليس سهلًا من التأمّل؛ لا أريد أن أنشّف مشاعر، أحد تجاهي أو مشاعري أنا بالذنب تجاه الأشياء والأشخاص. أريد أن أتخلص من فكرة أن الذنب ذنبي أصلًا وأني السبب، وأنه ليس شعوري أنا ومسألتي الشخصيّة.