اتوق الى شعري المجعد ! اتوق الى التحرر !

سنوات مضت منذ غادرتني تلك الطفلة المتحررة بجناحين تعانقان السماء و عناد يابى ان ينكسر امام جليد و اسوار محاكم اعرافهم و قوانينهم . تلك المراهقة التي كنت عليها في سنواتي الجامعية الاولى بشعر اسود مجعد و عينان كسواد الليل يشعان نظرة تحدي و وجود ذات معنى .
هذا الهواء الثوري تعزز بدراستي في مجال الصحافة و دخولي هذا العالم الجديد و انا اتابع بدهشة لوحات النضال في صفوف الطلبة في معهدي ممن يتكلمون بفصاحة في الحقوق و الحريات و يصولون و يجولون في الجامعة بااصوات واثقة قوية و حكايات عن ماركس و الطبقية و النظام الديكتاتوري و الحريات و غيفارا و القضية الفلسطنية ...القضية !
ذاك الاندهاش بالوهج الثوري يجعلك تبدو كالمسحور ..ربما ..
لا اعلم لماذا ! المهم اني وقعت في اعجاب او حب هذه الروح و هؤلاء " الثوريين " الذين يعتلون منابر الجامعة و تصدح اصواتهم عاليا دون خوف في زمن الطاغية بن علي في تونس حيث قليلون هم من يجرؤون على الحديث بطلاقة في الشان العام .فما بالك في معهد للصحافة !
تشبعت بهذه المشاهد التي صادفتني لاول مرة في حياتي و لا اعلم ان هي اقنعت فكري ام لا في تلك المرحلة صراحة لكن روحي وجدت ضالتها فيها .
في تلك الفترة معهدنا كان يستقبل طلبة من مختلف الجنسيات و كان حضور الاشقاء الفلسطنيين لافتا و اعدادهم كثيرة مقارنة بالجنسيات الاخرى .
هذا التنوع فتح بصيرتي على عوالم اخرى و ثقافات اخرى و قضايا اهم .الرجة التي تعرض لها كياني في تلك الفترة لازمتني طوال حياتي و لم تتركني رغم انها الان محتجزة في اعماقي .
ايقاعات الدبكة الفلسطنيية و انغامها " يا ظريف الطول وقف تقلك ..رايح ع الغربة و بلادك احسنلك
يا ظريف الطول وين مهاجر وين ..نتمنى من الله ترجع ..."
ادمنت لوحات الدبكة الفلسطنيية ..تفاصيل الحياة ..وقعت بحب هذا الفلسطيني الثوري الذي غادر الى وطنه و ترك لي اثرا كالفراشة لا يمحى هو كوفية و قضية احملهم الى اليوم معي رغم الخيبات .
مع تواتر الزمن تطورت المفاهيم في عقلي و تغيرت و تغير كياني معها او ربما ضاعت مني روح تلك الفتاة الثورية .
عدت الى اسوار سجن القوالب المتشابهة بخضوع غريب و عن طواعية لم افهم سببها الى حدود اللحظة .لممت شعري المجعد الثائر وطوقته على شكل كعكة مستديرة و احكمت اغلاقها و اخفيته تحت لحافا يسمى خمارا اغير لونه كل مرة حسب ما يقتضيه تناسق الالوان .
الى اليوم لا اعلم لماذا فعلت هذا ...او ربما هي سلطة الاحساس بالانتماء الى العادي - المتشابه -اللاغريب .
منذ تلك اللحظة و انا ابحث عن روحي التائهة بين خصلات شعري المجعد فهي وحدها من تشبهني و اتوق الى لحظة لقائها بعد ان اتخلص من قيودي الذاتية و اهجر صاحبة الخمار - الفتاة الي تشبه الكثيرات و لكنها لا تشبهني !

إضافة تعليق جديد

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.