لا أنتظر برهانا أو تأكيدا من أحد كائنا من كان، فالشمس في قلبي ليست في كبد السماء... لا حقيقة خارج ما أحسّه وأشعر به بين ثنايا روحي وتلافيف نفسي واستجابة جسدي لنداء الطبيعة وشريعة النور.
كل مساء، أقف أمام مرآة صقيلة صافية ذات إطار لمّاع منحوت من شجر الأرز... أحاكي شموخها بكامل أنوثتي المخفية والمتنكرة طيلة النهار بزي ذكوري وصوت خشن وكتفين عريضين وعروق بارزة على اليدين ولحية كثة أتعمّد إهمال تهذيبها لمراوغة شكوك الفضوليين، وأيضا لإيقاظ ضمير المتلصّصين على مؤخرتي المشدودة الممتلئة، كلّما جاوزتهم في الطريق أو انصرفتُ إلى أمر من شؤوني الخاصة بعد وقفة دردشة قصيرة أمام دكّان الحي أو وقفة استراحة مع زملاء العمل.
أشغّل أغنية شعبية راقصة وأعود إلى موضعي في مواجهة المرآة... تأثير الموسيقى كالسحر... تُخرجني عن طوْري فأنسلخ من قشرتي المزعجة الثقيلة... أتخلّص من سروال الجينز والجاكيط والقميص مُستعجلا ظهور الأميرة... أعلّق زيّ التنكّر على المشجب ومعه تلك الذكورة المُزيّفة... أبدو أبهى وأرقّ وأشهى بملابسي الداخلية... نشيطة وخفيفة كفراشة تمزّق بعناد جدار شرنقة عصيّة.
يحملني الإيقاع إلى مسرح أنا نجمته الأولى... أحيك من خيوط أشعة الشمس الملتفة حول أناملي حركات جديدة متموّجة تطبعها جيناتي الراقصة بالفطرة على خصري وبطني... أؤمن أن دفة قيادة الرقصة كائنة على رؤوس أصابع اليد، ربما لهذا السبب لا أكفّ عن التلويح بها طورا وتجميدها طورا آخر كمن يضع نقطا آخر الحركة للانتقال إلى أخرى... أتمايل... أهتز... أراقص جسدا ينعكس على المرآة... أفتتن بنهديه اللذين يكبران عند تحريك الكتفين وبشعره الذي ينمو فجأة وينزل غزيرا ناعما إلى الردفين... أنبهر أمام هذا التجلي فأتوقف للحظة... أفرك عينيّ ثم أفتحهما فأرى يدي تستقر على قلبي كحمامة سلام مؤكدة: لا تخافي، لا تشكّي... أنتَ بالحقيقة هي!
حسن شوتام
قاص ومسرحي
إضافة تعليق جديد