منذ أن كنت صغيرة، أمي كانت تريد أن تقمع شيئًا في شخصيتي، فكانت ترفض أن أخرج للعب مع أولاد الحيّ، تقول أنه يؤثر سلبًا على شخصيتي الأنثوية، فكانت تشتاط غضبًا كلما كنت ألعب كرة القدم، وأركض حافية القدمين، وأرفض لبس الفساتين ولا أتسلى بوضع الماكياج، ولا أسرق أحذيتها، كانت تشدنّي من قميصي وتقول أنني أتصرف كالعيال، وتجبرني على أن أكون نسخةً من بنات العائلة، من رأيها أن أكون نسخةً أفضل من إظهار شخصيتي العفوية الحقيقيّة.
لم أفهم هذا القالب الأنثوي، لماذا كل أنثى لابد أن تكون بنفسِ المواصفات؟ ، لماذا أمي كانت تظن أنني مثل أخواتي، وأن بإختلافي هذا شذوذًا غير مقبول ولابد من إصلاحه أو قمعه، معنى الأنوثة والذكورة مطاطيّ، لذلك ليس هنالك مواصفات محددّة تبرهن على الأنوثة أو الذكورة، ولكن أمي كانت تتوقع مني ذلك، حتى وأنا بعمرٍ صغير، كلما غفت قليلًا عن تصرفاتي عادت بغضبٍ أكثر حِدّة توبخني أنها ستحرمني من اللعب، أو الخروج من المنزل اذا تصرفت "كالأولاد".
عندما كبرت قليلًا كنت أحرص على الذهاب مع أبي لكل مباريات فريقه المفضل، وكنت أقتص من مصروفي لأشتري قميص النادي، مع تدخلات أمي الكثيرة أبي رفض أن يأخذني مجددًا ومن الأفضل ان لا أحب كرة القدم لأنها رياضة "للرجال"، هكذا قال، بعد أن أحتد النقاش بينهم، حُرمت من الذهاب، لم أفهم كيف من الممكن أن تكون هناك رياضات للنساء ورياضات للرجال ؟ كيف يكون ذلك، لكن أمي كانت تضع القيود، وكان أبي يُنفذ، حتى انني أتذكر أنها كانت ترمي قمصان الأندية خاصتي وتشتري لي قمصانًا باللون الوردي عوضًا عنها.
مرحلة طفولتي لم تكن الاسوأ، في المراهقة بعد أن هيئتني أمي لأن أكون أنثى تمامًا بلا اية شوائب، لم تعجبها أفكاري، كانت تفرض الحجاب وأنا أرفضه، تفرض عدم الخروج من المنزل، وكنت أخرج خلسةً، تفرض القوانين وأنا أكسرها، كنت متأثرة بالنسوية وهي تلاحظ، وتنتظر الفرصة المناسبة لتشكيل شخصيتي كما يحلو لها، وعندما وجدت الفرصة المناسبة لتمسكني متلبسة بالجرم، اقرأ كتابًا لنوال السعداوي، وجهت لي سيلًا من الشتائم، والضرب والتكفير، ثمّ صادرت الكتاب للأبد.
الخروج من الخزانة
عندما كنت بعمر الواحد والعشرين، كانت أمي تصرّ بأنها تريدُ تزويجي، ولكنني كنتُ أرفض، دائمًا الإجابة تكونُ لا، والأسباب تختلف، "أريد إكمال تعليمي" وَ "لا يوجد شخص مناسب"، "لست مستعدة لتكوين عائلة"، والحقيقة تختلف كليًا، لكنني تربيّت على إخفاء ذاتي الحقيقية، صرتُ بعد كثيرٍ من الضغط والقمع، الإبنة المثالية، وأمي لا تريد سماع حقيقتي على أيّة حال، لكنها كانت تتمادى، كل يوم تضيف مزيدًا من الشروط لأنال حبّها، وبما أنها علّمتني ان أتحمل ضغطها، تظن أنني سأتحمل للأبد.
كانت تسترق السمع كلما كنت أعقد اجتماعًا عفويّ مع أخواتي، أناقش المثليّة، والنسوية، دون خوفٍ من أن يتم تحريفي مجددًا، وكلما استرقت السمع تظاهرت بأنها لا تعرف شيئًا عن توجهاتي، حتى عندما أعترفتُ لأخوتي أنني مثلية، سمعت، ولم تُبدي رأيًا، لكنها كثّفت ضغطها لتزويجي، حتى انها رفضت سماع الأعذار، لا أعذار، تريد مني أن أقول سمعًا وطاعة.
آخر مرة فاتحتني بموضوع الزواج خرجت عن النص الذي كتبته لي، لأنني مثلية، لا أريد لأنني مثلية، أو كما قالت "شاذة"، لقد كنتُ الشذوذ التي كانت دائمًا تحاول ترويضه، وفشلت.
أمي كانت تتوقع مني أن أبدو كأي بنت بالعائلة، أريد أن أغازل الأولاد، أو أحب رجلًا مفتول العضلات، أضع الماكياج وألبس فستانًا لامعًا، ولكنني لم أكن شيئًا كهذا، أريد أن أبدو طبيعية حين أقول انني مثلية الجنس، ولا يروقني شيءٌ مما تريده أمي لي، وهنا كان الصراع الأزلي، أنا أريد اختيار الحياة التي أريدها، وهي تريد الحياة التي رسمتها لي.
لكنني كنتُ أنا، منذ سن الخامسة حتى الآن، أنا، لستُ أمي.
إضافة تعليق جديد