- المُخيَّم -
كنت أمضي ليلةً أخرى بلا نوم. لم أكُن أدرِك أبدًا ما معنى الأرق حتى اضطررت إلى مواجهته بنفسي. كنت أشعر بالقلق طوال الوقت تقريبًا لعدد لا يحصى من الأسباب – من إجراءات اللجوء التي لا نهاية لها، إلى بُعدي عن أصدقائي المُقرَّبين والتعامُل مع أشخاص من خَلفيّات وجنسيّات متنوِّعة يومًا بَعد يوم، واضطراري إلى تقييد نفقاتي المعيشية بمبلغ محدود من المال في الأسبوع. أنا لاجِئ، وفي ذلك الوقت كنتُ أعيش في مخيَّم لطالبي اللجوء في هولندا. ولم يساعد موقع المخيّم، وهو قرية شبه مأهولة ليس إلا، في الخفض من مستوى التوتر الذّي كنتُ أشعر به. وكانت الخيارات المتاحة أمامنا في المخيّم محدودةً فلم يكن بوسعنا سوى أن ننتظر حتى تتم معالجة طلبات اللجوء الخاصة بنا. ويمكنني أن أؤكّد أنّ ذلك يستغرق وقتًا طويلًا للغاية!
في تلك الليالي التي كنت أقضيها قلقًا وغير قادرٍ على النوم، كنت أمضي ساعات مطوّلة على هاتفي أتنقّل من شاشةٍ إلى أخرى. وكنت أحاول في بعضِ الأحيان أن أبحث عن لقاءٍ سريعٍ أو شخص أقضي الليلة معه، علّ ذلك يمكنني من الحصول على قسطٍ من النّوم. غير أنه كان من النّادر أن يتواجد شخص على مقربة مني على صفحات المواعدة. فكان معظم سكان المنطقة من كبار السِّن والعائلات المالكة للمزارع، ولذلك وجدتُ العثور على شخص يستطيع أن يحوّل تخيّلاتي وأحلامي الجنسيّة إلى حقيقة، مهمَّة متعبة حقًا.
- حادثة -
كانت الساعة حوالي الثانية صباحًا عندما وصلتني رسالة على هاتفي تعلمني عن إقامة مجموعة من الرجال حفلة في منزلٍ يبعد عنّي 500 متر فقط! شعرت بالمفاجأة والحماسة في نفس الوقت. بدت لي هذه الفرصة مثالية بشكلٍ مريب وأردت تجاهلها لكن فضولي كان أقوى مني. فارتديت ملابسي وذهبت لأكتشف ما قد تبدو عليه حفلة جنس جماعية في تلك القرية القديمة الفارغة - ربما حقّقتُ من خلالها إحدى تخيلاتي الجنسية.
عند وصولي إلى الحفلة، وجدت أربعة رجال، اثنان منهم يمارسان الجنس، وثالث يبحث عن المزيد من النّاس على هاتفه، ورابع يحدّق بي فيما يلمس عضوه الجنسي غير المُستثار ويطلب مني التّعري. وسرعان ما لاحظت أنّ جميعهم في حالة انتشاء ناتجة عن تأثير المخدرات أو الكحول. فلم يكن أحدهم "حاضرًا" بالكامل. عرضوا عليّ بعض المخدّرات كي أصبح في مزاج جيد ولم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى أدركت أن البقاء في هذا المكان فكرة سيئة. لم أكن قد استخدمت أبدًا أيّ نوعٍ من المخدّرات ولم أكَن أنوي أن أبدأ بذلك في تلك الليلة. أضِف إلى ذلك أنني كنتُ متعبًا. على كلّ حال لم يتمتع هؤلاء الرجال بالصفات التي تجذبني عادةً.
فيما كنت على وشك المغادرة، اقترب مني أحد الرجال وبدأ يطرح عليّ أسئلة حول حياتي الشخصية. وبما أنني كنتُ في حالة مزاجية سيئة في تلك الليلة، شعرت بالرغبة بالتحدث إلى شخصٍ ما، فبدأنا بالدردشة. أخبرته عن أمورٍ كثيرة، عن سبب قدومي إلى هولندا، عن حياتي كشخص مثلي الجنس في الشرق الأوسط، وعن المشاكل التي واجهتها هناك، بما فيها دخولي إلى السّجن لمجرد أنني مثلي الجنس. ثم انتقل الحديث إلى تفاصيل حياتي اليومية في مخيّم اللاجئين في هولندا وصراعات العيش في مكان مُغلق مع أشخاص من خلفيات مختلفة ومشاركتهم الواجبات اليومية والأماكن المشتركة، من المطبخ إلى الحمّامات والمراحيض. علاوة على ذلك، كان البدل الأسبوعي المُخصص لنا ضئيلًا وبالكاد يكفي لشراء الطعام.
كان الرّجل منتشيًا جدًا، ما دفعه إلى التفاعل عاطفيًا مع قصّتي، ورأيتُ الدموع تتجمع في عينيه. بدأ يعانقني ويقبّلني ويقول لي إنه سيكون دائمًا بجانبي! اعتبرت أنّ كلامه مبالغٌ به وهممت بمغادرة المكان. غير أنّه قال إنه يود لو أبقى ودفع لي 20 يورو. شعرت بحيرة من أمري وأنا أحمل النقود في يدي لكنّه في تلك اللحظة أضاف 20 يورو أخرى، وأخرى بعد، وأخرى، حتى أصبحت أحمل مبلغ 80 يورو. لم يصف ما كان يحصل صراحةً لكن المعنى كان واضحًا – فقد عُرض عليّ المال مقابل البقاء عاريًا في حفلة الجنس هذه، على أمل أن أصبح في مزاج جيد وأمارس الجنس معهم. أشعرتني هذه الفكرة بالتوتر وأصررت على المغادرة. قال الرجل إنه كان ليقلّني في سيارته إلى المنزل ولكنّه منتشيًا، وأضاف أنّ بإمكاني استخدام المال الذي أعطاني إياه لاستدعاء سيارة أجرة. وهذا ما فعلت. أخذت المال وغادرت.
بالنسبة لشخص يحصل على 50 يورو في الأسبوع من مخيّم اللاجئين، وجدتُ الـ 80 يورو التي حصّلتها في أقل من ساعتين مبلغًا كبيرًا. شعرت بالحيرة حول ما حدث، إذ كانت المرة الأولى في حياتي التي يقدّم لي فيها شخص ما المال مقابل قضاء بعض الوقت معًا - وكنت راضيًا عن ذلك. زاد شعوري بالأمان لبعض الوقت. فبات بإمكاني شراء سترة دافئة أو أحذية مضادة للماء، أو حتى النوم بشكل أفضل إذ لدي ما يكفيني من الطعام. بقيت هذه الأفكار تدور في رأسي عندما عدت إلى غرفتي، ففكرت في سبلٍ تخوّلني الاستفادة أكثر من كوني شابًا وسيمًا متحدرًا من مجتمع شرقي، وهي خصائص وجدها الناس مميزةً لسبب ما! ربما يمكنني أن أقدّم خدمات التدليك أو الحضن أو حتى إشباع التخيلات الجنسية. كنت بحاجة إلى المال، وبعد ذلك اللقاء غير المتوقّع، بدت كل هذه الخيارات مُحتملة.
- البداية -
كانت الأيام تمر، وتوافقًا مع إيماني بأن كل شيء يحدث لسبب، التقيت بصديق قديم في حفل مخصص للاجئين من مجتمع الميم. وفيما كنا نتحدث، أعلمني عن موقع على شبكة الإنترنت كان يستخدمه للترويج لنفسه لممارسة الجنس مقابل أجر. لم يكن جادًا في مجال العمل هذا برأيي، بل أراد فقط أن يكسب بعض المال الإضافي. أمّا بالنسبة لي، فشكّلت تلك اللحظة الشرارة التي أطلقت قصة جديدة لا تزال مستمرة حتى اليوم. فعدت تلك الليلة إلى منزلي وأعددت صفحتي الخاصة على نفس الموقع، وبدأت رحلتي.
لم أكن أظنّ أنّ الأمر سيطول صراحةً، بل وجدتُ في هذا العمل طريقة سهلة لكسب المال كوني لاجئًا في انتظار صدور قرار بشأن ملفّه.
في البداية، كانت صفحتي على موقع التعرّف بسيطةً نسبيًا. لم أكن أمتلك المال للحصول على صور احترافية مثيرة مثل الآخرين، أو للدفع مقابل النفاذ إلى حساب شخصي مميّز، وبالتالي لم أتلقَّ طلبات كثيرة من الزبائن. وأتذكر أن زبوني الأوّل طلب تدليكًا عاريًا فقط، وترددت في الذهاب لأن الرجل كان يسكن في مكان بعيد عني وخفت من أن يكون الطلب مزيفًا. لكنني اضطررت للمخاطرة وإلاّ ذهب كلّ الجهد الذي بذلته في إنشاء صفحتي على الموقع، وفي التعوّد على فكرة ممارسة الجنس مقابل المال، سدىً. لحسن الحظ، كان طلب الزبون صادقًا. قمت بتدليكه على الرّغم من قلّة خبرتي وأحب ذلك فعلًا! شعرت بمدى سعادته وبطاقته الايجابية حتى أنه وصل الى حالة النشوة من دون أن يلمس عضوه التناسلي! في نفس الوقت، أعترف أنني كنت متوترًا. ولم تنفك الأفكار السيئة تراودني وأنا أسمع قلبي ينبض في أذني. هل أقوم بالعمل الصائب؟ ماذا لو قبضت علي الشرطة؟ هل ما أفعله قانونيًا؟ عندما ذهب زبوني إلى الحمّام، ارتديت ملابسي واستعددت للمغادرة. كنت متوترًا للغاية لدرجة أنني أردت الذهاب من دون أن أطلب أجري. توجّهت نحو الباب وعندما لاحظ الزبون أنني على وشك المغادرة ناداني وأعطاني المال. شكرني وابتسم. وفجأة اختفى القلق! غادرت المبنى مرتاحًا وسعيدًا وتوجّهت إلى أقرب سوبرماركت لشراء بعض الطعام اللذيذ. في غرفتي، دوّنت ما حدث في مذكّرتي الخاصة وجلست في سريري وغفيت.
- الجيّد والسيئ -
اكتسبت خبرة إضافية مع كل زبون جديد، وقابلت أشخاصًا أحبوا طاقتي وجسدي وبالطبع عضوي الذكري أيضًا. استمتعت بدخول منازلهم وفهم حياتهم والتعرف على أسرارهم ورؤية الابتسامات على وجوههم طوال الوقت الذي نقضيه معًا. لقد ساعدتني فكرة عرض الأشخاص عليّ المال مقابل لِقائهم أو التعرّف عليهم أو ممارسة الجنس معهم، في إعادة بناء ثقتي بنفسي ومنحتني الاستقرار المالي. فبعد أن أمضيت سنوات تحت سيطرة الأسرة والمجتمع والتقاليد، شعرت أنني شخص مستقل لأول مرّة في حياتي. بدأت أقدّر ما كنت أفعله أكثر فأكثر، خاصّة بعد مقابلة أشخاص آخرين مثلي يمارسون الجنس كمهنة في الحي الذي كنت أسكن فيه. ووجدت قدرًا كبيرًا من الدعم والتحفيز والاحترام من الأشخاص المقرّبين مني والزبائن على حد سواء.
يحبّ الناس ممارسة الجنس وكسب المال. وقد يبدو الجمع بين الاثنين أمرًا أُحسد عليه، لكن كسب المال من خلال ممارسة الجنس على مدار العامين الماضيين قد طرح عددًا من التحديات بالنسبة لي.
فممارسة الجنس مقابل المال، كما اعتدت أن أشير إليها، هي عمل حقيقي وينطوي على الكثير من الجهد الجسدي والعاطفي. عندما يكون الجنس مصدر دخلك الرئيسي، أو حتى الوحيد، فإنك تمارسه حتى لو لم تكن في المزاج المناسب لذلك أو حتى لو لم تشعر بالانجذاب تجاه زبائنك. هذا بصرف النظر عن المرات التي يكون فيها العميل عديم الاحترام ويعاملك بطريقة مُذلّة لأنه "يدفع لك، لذا عليك أن تفعل ما يريد". بالإضافة إلى ذلك، ثمة توجّه متزايد في مجتمع المثليين نحو تعاطي المخدرات القوية أثناء ممارسة الجنس. أتلقى الكثير من هذه الطلبات وأجد صعوبة في كثير من الأحيان في التعامل معها، خاصة وأنني لا أتعاطى المخدرات أصلًا. تشكّل إدارة الزبائن خلال تلك اللقاءات وتلبية رغباتهم المدفوعة بتأثير المخدرات، مع الحرص على عدم تجاوزي حدودي الخاصة، عملًا شاقًا.
كما لاحظت أنّ عملي يجعل من الصعب، وأحيانًا من المستحيل، عليّ أن أحافظ على علاقات طويلة الأمد وذات معنى مع شركائي وبعض من أصدقائي. فليس الجميع على استعداد لقبولك كما أنت. مثلًا، واجهت الكثير من الرفض عندما شاركت قصتي عن العمل في مجال الجنس مع عدد قليل من أصدقائي من مجتمعات أكثر تقليدية. أمّا شريكي الحميمي الحالي، فيتقبّل عملي إلى حدٍّ ما لكنه يشعر أيضًا بالغيرة من ممارستي الجنس مع رجال آخرين. وما لم يساعدني هو أنني فقدت اهتمامي بممارسة الجنس ورغبتي فيها لفترة من الوقت، إذ عندما تمارس الجنس مع الزبون، يتطلّب الأمر أحيانًا الكثير من التمثيل. فمن المهم بالنسبة للكثيرين أن يشعروا بأنهم يستطيعون إرضاءك جنسيًّا. وفي حالتي، خفّض هذا التمثيل المستمر من رغبتي في ممارسة الجنس.
- الخلاصة -
ما أحاول أن أقوله في النهاية هو أنني، نعم، أكسب مدخولًا جيدًا من خلال العمل في مجال الجنس، لكن عليّ في الوقت نفسه أن أتخلى عن أشياء لا يقدّر معظم الناس أهميتها، مثل القدرة على التصريح علنًا عن مجال عملي. ولكن في نهاية المطاف، ما يهم هو رضا الشخص عن نفسه. وحتى الآن، الإجابة بالنسبة لي هي "نعم، أنا راضٍ"، ويمكنني التغلّب على الجوانب السلبية التي شاركتها معكم. هل أعتبر هذا المجال مناسبًا كمسار مهني؟ لا أعرف. تتطلب ظروف حياتية محددّة أحيانًا إجراءات محددّة، وبالنّسبة لي كان العمل في مجال الجنس هو الإجراء الذي اتخذته. لا أعرف ما الذي سيأتي به الغد، لكنّني اليوم أرضى بأن أُلقّب عامل جنس!
Comments
رائع ومثير
جميل ومتير
إضافة تعليق جديد