أخبرونا في الصغر، منذ نعومة الاظافر وبريق الجبينين ناعمي الملمس، منذ الكلمات الأولى، بأننا أولاد. نحب أن نلعب بالكرة، نرتدي الألوان الغامقة، نسرع في الركض ونضرب بعضنا.
أخبرونا، بأن علينا مسؤولية أخواتنا، خالاتنا، عماتنا، أقاربنا الإناث الهادئات، بأن أصواتنا أعلى منهن مجتمعات، أكثر سماعًا، بأن لنا الحق أكثر من الجميع، وبأنهن مساكين حينما ولدن هكذا، بدورٍ أكثر ضيق، وبأن العوض علينا. أخبرونا أنهن الأخوات والأمهات اللواتي يمشين بهدوء، يتكلمن بهدوء، كأن في أقدامهن وحناجرهن قد زرع الله اغلالًا وحجارة. يعبرن الشوارع وكأنهن يحملن جبلًا من الهم والتملص من الأعين. يخفين الضربات، وتلاحقهن التهم الجاهزة والمراقبة الدائمة.
أخبرونا بأن ننجب شعبًا كاملًا لنعوض أهوال الحروب والمجازر، جنودًا آخرين للطائفة. لقد كان الجميع يردد هذه الجملة وأذكرها بدقة. أنا أذكر الكثير بالفعل، بأننا قد خلقنا مع الخوف من القنابل والتفجيرات، وبأن البناء المسلح بالحديد قد يقتل على الأقل نصف العائلة وليس كلها.
من 18 عامًا قد ولدت، في السنة ذاتها لاجتياح الغزو الأمريكي. ولدت قبل أن يعلن البلد تحريره من القائد الكبير. اعتقد أهلي بأنني قد قدمت مع الدولار، وعلى ذلك يكون مستقبلي. لكنني قدمت مع حفرة، والكثير من الزجاج المتكسر.
كبرت مع الخوف، مثل معظم من كان في جيلي ممن لم يكن يهمهم شراهة أكل الشوكولا، أطفال الأزقة والقطاعات الفقيرة.
أخبروني بأن قوس قزح هو قوس الشيطان، وبأنني غدوت في هيئة لا تصلح بالذكر الحامي: لمعان الأظافر الوردية وحركات اليد والرقص على أغاني روتانا... أخبروني بأنني مجاهرٌ بأنوثتي بشكلٍ او بآخر، بأنني فضلت الطريق السيء، وبأننا أبناء الطبقة المتوسطة نحمل أحلام أجيال من الأجداد غير المتعلمين وليس علينا أن نكون خيبة أمل أخرى.
لكنني لم أجد نفسي سوى وردة سحقها الشيخ في طريقه إلى المسجد. تمنيت أن أكون حقلًا. فهل سيستطيع فعلها؟ لقد كانت الوحدة تنهش الطفولة تلك التي زُرع فيها القلق من الشماغات الحمر والكلاشينكوف وكفوف حسن التربية وأطفال المدرسة المشاغبين وعنف اللغة الجارحة.
تربينا، وأخفينا ما نحب.
أخفينا ما نكره.
حفظنا القواعد.
لعبتنا المفضلة كرة القدم.
عشيرتي هي الأفضل.
أنا الجندي القادم، أنا الشهيد القادم.
كلمتي واحدة وكلمة أختي إثنين.
خشونة صوتي يجب أن تكون مثل أبي.
لا تصبح مثل الطنطات. عليك قص شعرك.
اختر كلماتك بعناية وبقوة، والعب بالسيارات.
عزيزي، عليك أن لا ترى ابنة الجيران مرةً اخرى.
حافظ على رجولتك، وارتدِ الزي التقليدي.
أخبرني أبي بأنني محمل بالذنب. لقد كنت خيبة أمل. وأخبرني الأستاذ بأن من الواجب حرقي أمام 40 طالبًا، ثم مدرسةً كاملة. أصبحت أنا أيضًا ممن تتم الوصاية عليهم، أخوات وأمهات. أصبحت أحمل الهم على ظهري. أسحبه وكأن جسدي هو أيضًا عيبٌ وحرام.
قالوا إن ملامح الجمال يجب أن تكون مشوهة، عادية، رجولية، مع شاربين على وجهي الطفولي.
إضافة تعليق جديد