خمس سنوات، من المفترض هي أجمل سنوات العمر، قضيتها -وما أزال- أبحث عن مأمن من كل هذا العبث، عن طريقة أستطيع فيها لا البحث عن أجوبة، إنما القدرة على طرح الأسئلة فقط. بل والأبسط من هذا، القدرة على البوح والكلام، الحق في أن يكون ألمي مرئًيا ومعترفاً به، ألا أوصف بالجنون واللامنطقية عندما أقول أني أعاني! "شّدي حالك شوي" هذا ما ُيقال لي، عندما أحاول أن أفتح قلبي لشخص ما.
لم أشعر ولو مرة بالأمان عندما أحاول الحديث عن معاناتي، بل على العكس يدق قلبي سريعاً ويرتجف، خوفاً من الأحكام والجمل المعلبة والجاهزة التي حفظتها كحل لمعاناة لا ترى. مع كل هذا، مع معرفتي بردود الأفعال، أحاول مرات أخرى، لأن لا حل لدي سوى هذا، أن أجد يداً واحدة فقط! أدفع نفسي دفعاً، كمن ينتحر، كمن لا يبالي، أسقط في البئر المظلم.. وأناشد. لا أحد يرى، لا أحد يسمع، لا أحد هنا. وعندما أتجرأ وينطلق لساني، تأتيني الردود كرصاصات تبتر حديثي وتنهيه.
أمقت هذا المجتمع، وأكرهه. وأحياناً، أشعر أني أكره كل من يعيش قريًبا مني ولا يراني. أتعجب كيف لا يروني، وأموت ألف مرة في اليوم لهذا السبب! منذ فترة كتبت: "إني أفهم اليوم لماذا يفقد الإنسان إيمانه، لماذا يرتكب أشنع الأخطاء والذنوب، إني أفهم اليوم لماذا يستسلم الأشخاص، لماذا يذوون بعيدين، لماذا يكفون عن المحاولة، لماذا يفقدون إيمانهم، لماذا يرتكبون أشنع األخطاء والذنوب، إني أفهم اليوم كيف يكون غضب الإنسان، إني أفهم كيف تفسر أفعاله بالجنون واللامنطقية، إني أفهم كل التراكمات التي تجعل كل فعل لا مبرر له ولا تفسير، إني أفهم كيف يكون الإنسان قنبلة موقوتة، كيف ينفجر وكيف يؤذي. كيف يتحّول وحشاً أو كيف يذوب مع الأشياء، حتى لا تفرق بينه وبين الأريكة التي تجلس عليها. أفهم كيف ينتظر الإنسان، لا شيء سوى النهاية.. أفهم كيف يتعب حتى من انتظارها. وأفهم كيف لهذا كله أن يذوب ويتبدد، فقط لو كان الإنسان يشعر بالإنسان.. لو كان ألم الروح مرئياً وموجوداً ومعترفاً به عند الآخرين بعد آلاف التلويحات.. بأيدي كبيرة. يكفي أن ترى معاناة الإنسان، أن يحس وُيشَعر به. تكفي يد واحدة".
"أكره هذا المجتمع وأمقته"، لا أسباب غير منطقية، لكن بسبب سنوات ضاعت من حياتي، وتضيع إلى الآن، لأن كل ما أعيشه لا يبدو ا مهماً، بل يبدو دلالاً أو تكبراً وتعنّتاً في نظرهم. أكرهه لأنه أفقدني أهم ما قد يملكه الإنسان: الإيمان.
سنوات تضيع ما بين اكتئاب وقلق فظيعين، ونصائح تزيد عليك ألمك وحنقك من هذا المجتمع. سنوات؛ شريط من الحياة التي أريد يمر أمامي مسرعاً لا أستطيع القبض عليه، وإبطائه. سنوات من العبث، سنوات من الاأمان، سنوات من الخوف والعذاب.
إضافة تعليق جديد