ذنب النجاة: لماذا نجوتُ ولم تنجُ سارة؟

كنتُ في الحادي والعشرين من عمري عام 2017، عندما قررتُ الذهاب مع أصدقائي إلى حفلة الفرقة اللبنانية "مشروع ليلى" في القاهرة. 

حصلتُ على التذاكر في اللحظة الأخيرة، ولم أخبر أمي نيّتي في حضور الحفلة، إذ كنت أعرف مسبقًا رد فعلها تجاه الأمر برمته؛ فبالنسبة لها هذه الفرقة الغنائية سيئة السمعة، ولا يليق بفتاة محترمة أن تتواجد هناك. لذلك تظاهرت أنني سأخرج مع أصدقائي إلى أحد المقاهي، بينما تسللت إلى الحفلة التي كادت تغيّر مصيري.

لم يكن قد مضى سوى بضعة أشهر على مغادرتي السعودية، حيث وُلدت لأبوين مصريين وعشت أكثر من عشرين عامًا في بلدة نجدية صغيرة، حيث فُرض عليّ ارتداء العباءة السوداء وتغطية وجهي منذ أن كنت في التاسعة من عمري. غير أن انفصال والديّ وعودة أمي إلى مصر، ثم انتقالنا أنا وإخوتي إليها لاستكمال دراستنا الجامعية، كانا بمثابة باب انفتح أمامنا نحو الحرية.

اتفقتُ مع صديقتي على الذهاب إلى تلك الحفلة، والتي كانت مثلية مسلمة ترتدي الحجاب، وتخوض صراعًا مع عائلتها من أجل خلعه، بينما كنتُ قد خلعته مسبقًا فور عودتي إلى مصر، مستمتعةً للمرة الأولى بنسيم الهواء وهو يتخلل شعري وجسدي بحرية. لكنني كنتُ لا أزال أستكشف هويتي الجنسية، وأذكر أنني كنت أقول بكل تحدٍّ إنني "مزدوجة" مزدوجة الميول والجندر. كنت أضحك مع أصدقائي وأردد أنني تذوقت مُتعًا مختلفة في الحياة.

في ذلك اليوم شربنا الكثير من الفودكا المصرية الرديئة، التي اشتريناها من أحد محلات بيع الخمور. ناولنا البائع الزجاجة في كيس أسود، فشعرت وكأننا نهرّب شيئًا مشينًا. ففي مصر لا تُوضَع في الأكياس السوداء إلا المشروبات الكحولية والفوط الصحية النسائية، وكأنها أشياء ملطخة بالعار في الوعي الجمعي. 

لكن رغم كل الظروف، كنا مصممين على أن تكون تلك الليلة حافلة. تقدمنا بين الحشود حتى وصلنا إلى الصفوف الأولى، ومع حلول الليل وبدء الحفل أخذتنا النشوة جميعًا. شعرتُ وكأنني صرت خارج مصر، بل ربما خارج هذا العالم بأكمله. حينها بدأ بعض أصدقائي يرفعون أعلام قوس قزح، وأذكر أنني رأيت مجموعة تتشاجر بسببه. أحدهم أخرج العلم من حقيبته، بينما سارعت صديقته إلى انتزاعه وإعادته إلى الحقيبة وكأنها تحاول إخفاءه.

كانت الكاميرات تحيط بنا من كل اتجاه، وفجأة اجتاحني الخوف. شعرتُ بأن عليّ الابتعاد، فتركتُ أصدقائي وشققتُ طريقي بين الحشود حتى وصلت إلى أطراف الساحة. أضعتهم وقضيت بقية الحفلة بمفردي، ضجرة جدًا وخائفة، حتى عدتُ إلى المنزل.

في الأيام التالية، بدأت صور الحفلة بالانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي. كنت أقلبها فيما أبحث بخوف عن صورتي بينها، وينتابني الرعب من أن تكتشف أمي كل شيء وتطردني من المنزل. 

وفي الوقت نفسه، امتلأت صفحات فيسبوك بالتعليقات المختلطة عن الحفلة، فاكتشفتُ أن كثيرين ممن كنت أعتبرهم أصدقاء لم يكونوا سوى أشخاص يعبرون عن أفكار معادية لمجتمع الميم. شعرت بالخذلان والخديعة، وهو ما دفعني لحظر كل من يتحدث عنهم بسوء، حتى إنني حظرت شخصًا كنت أواعده دون أن يرفّ لي جفن.

الخوف أنقذني 

في الأيام التي تلت الحفلة، جاءت أمي وسألتني: لقد كنتِ في تلك الحفلة التي يتحدث عنها الجميع على التلفزيون، صحيح؟ لكنني أنكرتُ، وشعرت بعار شديد، ليس لأنني كذبت فحسب، بل كذلك لأنني تركت أصدقائي وحدهم/ن، خاصة بعدما قرأت الأخبار المتتالية عن اعتقال الشرطة لأكثر من ستين شخص كانوا هناك.

اطمأننتُ على صديقتي التي رافقتني إلى الحفلة، وتأكدت أن الاعتقال لم يطلها، إذ لم تظهر صورتها في أي مكان.

لكن رغم امتناني للخوف الذي أنقذني، لم أستطع التخلص من شعور العار. عار تركي أصدقائي وصديقاتي وحدهنّ يواجهون/ن مصيرهم/ن. حتى أولئك الذين لم أكن أعرفهم شخصيًا، كانوا أصدقائي بشكل ما. كنا جميعًا نشعر بالتضامن وكأننا جسد واحد.

كان أثر تلك الليلة وما تبعها بالغًا علينا؛ اجتاحنا الخوف، ووجدتُ نفسي أتراجع خطوةً إلى الخلف  ونفرت من مواعدة الفتيات. كنت أشعر طوال الوقت أنني معرضة للاعتقال في أي لحظة، وأنني سأواجه المصير نفسه: التعذيب والإهانة والتحرش.

كان من بين الذين أُلقي القبض عليهم في تلك الحفلة أحمد علاء وسارة حجازي. سمعنا جميعًا ما حلّ بهما: التعذيب ثم اللجوء إلى كندا، قبل أن تنهي سارة حياتها بعد سنوات، منهكةً من النبذ والطرد وآثار التعذيب على يد الشرطة.

كتبت سارة حجازي في اليوم الذي سبق وفاتها "السماء أحلى من الأرض" ثم انتحرت. 

تركت سارة حجازي رسالة انتحار مكتوبة بخط اليد، تقول فيها:

"إلى إخوتي، حاولت النجاة وفشلت، سامحوني. 

إلى أصدقائي، التجربة قاسية وأنا أضعف من أن أقاومها، سامحوني. 

إلى العالم، كنت قاسيًا إلى حد عظيم، ولكني أسامح".
كنا نحزن فرادى

عندما قرأت خبر انتحار سارة حجازي، شعرت بمرارة خانقة وبكيت مثلما فعل الجميع تقريبًا. لكن تعليقات الكراهية أخذت تتردّد في مواقع التواصل الاجتماعي. هناك من تمنّى لها الجحيم لأنها -بحسب قولهم- ماتت كافرة، فهي لم تمت فقط منتحرة، بل كانت قد خلعت الحجاب ولم تكن عذراء.

بدأت أتساءل: أي دين يمكن أن يحرض على التعذيب والنبذ والطرد يمكن أن يكون دينًا للإنسان؟ وأين أذهب بحزني؟ لم يكن هناك مجموعات يمكننا الانتماء إليها لنتضامن معًا. كنا نحزن فرادى بصمت. كل شيء قد يشكل خطرًا، والتهم جاهزة لتُلفَّق للجميع.

قضيت بعدها أعوامًا في وحدة قاسية. تركت أمي وعائلتي وانتقلت للعيش بمفردي مركزة على دراستي للدراما وعلى عملي الصحافي، لكن فكرة واحدة كانت تلاحقني كل يوم: الرحيل عن هذه البلاد، أو الانتحار.

بدأت حالتي النفسية بالتدهور. لجأت إلى معالجة نفسية، ورغم أني لم أخترها بشكل عشوائي، لكن التجربة كانت قاسية، فبمجرد مصارحتي لها بأنني لا دينية ومزدوجة الميول، كادت تطردني. طبيبة أخرى سألتني ببرود لماذا لم أجْرِ عملية ترقيع البكارة حتى الآن؟ وطبيب ثالث لم يستمع إليّ، واكتفى بوصف قائمة طويلة من الأدوية في جلسة لم تتجاوز عشر دقائق، بينما كل ما كنت أحتاجه هو أن أحكي فيما يستمع إليّ أحد.

كان صوتي مكتومًا، ولم يكن حولي أصدقاء. بعد تلك الحفلة تفرقت المجموعة التي كنت أخرج معها. صديقتي التي ذهبت معي غرقت في إدمان المخدرات، وصديق آخر حاول الانتحار برمي نفسه في نهر النيل.

لكنه لم يمت، بل نجا مثلما نجونا جميعًا. نجونا من الاعتقال والانتحار، لكننا لم نكن بخير. كنا خائفين/ات ومنبوذين/ات. نحاول الفرار خارج البلاد، وقد أصبنا جميعًا بعقدة الناجي التي كبّلتنا بالذنب، فأخذت أتساءل: لماذا نجوت أنا ولم تنجُ سارة؟

كنت أفكر في سارة يومًا بعد يوم. ثم واعدت فتاة كانت صديقة لها قبل سفرها، وإن لم تستمر علاقتنا طويلًا، فجميعنا كنا غارقين في الاكتئاب.

"أوروبا كذبة كبيرة"

خلال تلك السنوات كنت أبحث عن طرق للسفر، لكنني لم أكن أعرف أيٌ من المنظمات يمكن الوثوق بها؟ ربما توجد العديد من المنظمات الداعمة لمجتمع الميم في مصر والدول العربية، لكن نطاق عملها يظل محدودًا. لحسن الحظ تم قبولي في منحة إقامة فنية في باريس شاملة السفر والإقامة لعدة أشهر، حيث كان من المقرر أن أعمل خلالها على كتابي الشعري الخامس.

بعد ذلك قدّمت طلب اللجوء في فرنسا. لم تكن مسألة أني كويرية السبب الوحيد لذلك، ولكن القاهرة قهرتني بعد القضية الشهيرة التي رفعتها ضد أحد الناشرين بتهمة التحرش الجنسي، والتي انتهت بحكم القاضي ببراءته، لأنني - حسب كلماته - "كاتبة ومعتادة على تأليف القصص." لكن هذه مسألة أخرى...

ما كان واضحًا لي حينها أن كل شيء حولي كان يقول: غادري. لم تكن القضية سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، وفي تلك اللحظة عزمت على السفر إلى فرنسا.

مثّلت فرنسا بالنسبة لي "بلد الأحلام"، كما كانت أمريكا في حكايات المهاجرين الأوروبيين. نشأت على مشاهدة السينما الفرنسية، وعشقت جان رينوار وفيلمه "الوهم الكبير"، الذي تحدث فيه عن وهم الانتماء والمواطنة. ومع ذلك لم يخطر لي يومًا أنني سأصبح لاجئة، وأن فرنسا التي طالما حلمت بزيارتها كسائحة ستصبح بلد المنفى.

حين وصلت إلى فرنسا، أدركت أن الحلم قد يتحول إلى كابوس وأن الحياة لا تشبه الأفلام. تجربة اللجوء في أوروبا قد تكون أقسى ما يمكن أن يمرّ به إنسان، خاصة لمن يحمل جروح الماضي أو يعيش الهروب. أدركت أيضًا أن المؤسسات الأوروبية التي تتشدق بالحريات غالبًا ما تستغلها كغطاء، وأن المجتمع لا يزال غير متقبل للأفراد الكويريين/ات.

على سبيل المثال، شريكتي في السكن وهي امرأة روسية عابرة، تعرضت لحوادث عنف متكررة منذ وصولها إلى فرنسا. أخبرتني أن رجلين رمياها بزجاجات بيرة فارغة في الشارع لمجرد أنها تبدو كعابرة، خاصة في المدن الفرنسية الصغيرة، حيث ما يزال السكان متشبثين بالكاثوليكية المحافظة، أو في المدن التي يغلب عليها الطابع اليميني.

لم يكن العنف الجسدي وحده المشكلة، بل حتى في العلاقات العاطفية، كان الرجال الفرنسيون البيض الذين واعدوها يرونها مجرد "تجربة". أخبرتني أن بعضهم كان ينجذب إليها لأنها عابرة، لكن بعد ممارسة الجنس معها يشتمونها ويحتقرونها لنفس السبب.

زميلتي في الجامعة وهي أيضًا امرأة عابرة، تحدثت بأسى عن النظرة القاسية التي يواجهها العابرون والعابرات، وقالت: في نظرهم، لسنا سوى دمى... أوروبا هذه كذبة كبيرة.

الإنسان لا ينجو من مأساته

عندما أدركت ذلك اجتاحني الاكتئاب من كل جانب. حينها فهمت لماذا انتحرت سارة في المنفى. كنت أعتقد أنني نجوت أخيرًا، لكنني وجدت نفسي مضطرة إلى الصراع يوميًا لأتأقلم في بلد لا أفهمه ولا أتحدث لغته، بينما يغمرني شعور الاغتراب.

ورغم أن كل شيء متوفر، وأن فرنسا منحتني الأمان والحرية والعلاج النفسي الذي أستمر عليه منذ عامين تقريبًا، فهمت أن الإنسان لا ينجو من مأساته، مهما انتقل إلى بلد آخر.

ما زلت أحاول التعايش مع التمييز الذي يطالنا كأشخاص من خلفيات عربية أو شرقية. على سبيل المثال، المؤسسات التي تدعم الأفراد الكويريين الأوروبيين أو البيض تحظى بتمويل مرتفع، بينما المؤسسات التي تُعنى بالأفراد العرب أو الملونين غالبًا ما تكون مواردها محدودة، إن لم تكن معدومة.

ما زلت أجرُّ ماضيَّ معي، وما زلتُ أتذكر أصدقائي في القاهرة، وأتواصل أحيانًا مع من بقي منهم هناك. البعض يقول إن الوضع بات أفضل حالًا، أو إن الأمر يعتمد على الطبقة التي ينتمي إليها الشخص؛ فكلما كنتَ من طبقة غنية، كان المجتمع المحيط أكثر تسامحًا معك، وربما لا ينالك الاعتقال بسبب الامتيازات التي تمنحها لك طبقتك. البعض الآخر ما يزال يسعى للسفر، رغم أنني شخصيًا لم أرَ في السفر والهجرة إلا شرّاً لا بدّ منه.

كل ما كنتُ أتمناه هو أن أعيش بسلام في بلدي، أن تتقبلني أمي وألا يشعر والدي أنني خيّبتُ أمله، ألا أبتعد عن إخوتي وعن شوارع القاهرة التي أحب. لكنني وجدت نفسي مضطرة إلى النفي منها.

مضى عامان على لجوئي إلى فرنسا، وقد اختلطتُ كثيرًا بمجتمع الميم عين هنا وبأشخاص من خلفيات متعددة. لكنني لاحظت أن العرب والشرقيين/ات يشتكون من التعامل الفوقي الذي يلقونه من البيض. تقول صديقتي راء "إنهم يقولون لنا: نحن سنعلّمكم كيف تكونون كويريين، رغم أنني كويرية منذ الأزل، ولا أحتاج إلى من يعلّمني عن هويتي."

تشتكي أيضًا من الصورة النمطية المفروضة على الكويريين/ات في الغرب، خاصة كونها كويرية وأمًّا في الوقت ذاته. تشعر بأنها غير قادرة على تصنيف نفسها ضمن القوالب الجاهزة، لأن هويتها كما تقول متغيرة ومتعددة الأبعاد. لكن هذا الأمر جعلها عرضة للنبذ، لأنها لا تتماشى مع الصورة المتوقعة للكويريين/ات في المجتمعات الغربية، حيث يتم تحديد مظهرهم/ن وفق معايير معينة مثل قصات شعر محددة وأسلوب لباس معين وتعبيرات نمطية عن الهوية.

تشعر أن الغرب يتعامل مع الكويرية وكأنها اختراع خاص به، في حين أن العديد من المجتمعات الأخرى حول العالم، كانت أكثر تسامحًا مع الأفراد الكويريين/ات، وأكثر تقبلًا لاختلاف هوياتهم/ن دون الحاجة إلى وضعهم في قوالب ثابتة.

عاشت صديقتي راء، وهي مصرية الأصل في فيتنام وماليزيا قبل انتقالها إلى فرنسا حيث تحطم حلمها. تقول"أشعر وكأنني مطعونة في ظهري."، وهو ما دفعها لتقرر أن تترك أوروبا كلها، وتنتقل للعيش في آسيا أو أفريقيا، حيث ترى أن المجتمعات هناك أكثر تسامحًا، ولا تستغل الأفراد الكويريين وهوياتهم كما يحصل في الغرب. 

في مواجهة كلّ أشباحي

بالنسبة لي حاولتُ خلال العامين الماضيين أن أعيش حياة هادئة، لكنني وجدتُ نفسي في كثير من الأحيان مضطرة إلى الاشتباك والمواجهة بسبب خلفيتي الشرقية التي تعرضني أحيانًا للتمييز من البيض، وبسبب كويريتي واختلافي في المعتقدات، مما يجعلني عرضة للنبذ من المجتمعات الشرقية في أوروبا وتكتلاتها. تلك المجتمعات التي رغم كونها مهاجرة، تظل محافظة ومتشددة وربما تكون أقل تسامحًا من البلدان التي أتينا منها. 

لهذا يعيش الأفراد الكويريون في المنفى بين نارين هما: الماضي والحاضر، دون أن يجدوا انتماءً كاملًا لأي منهما. يطالبهم كل طرف بالتخلي عن جزء أصيل من ذواتهم/ن، أو يعرّضوهم/ن للتمييز، ويدفعون بهم/ن إلى مواجهة تصورات مختلفة عن هويتهم/ن، سواء كانت التصورات الأوروبية البيضاء التي تحاول فرض فهم محدد للكويرية عليهم/ن، أو الرؤى الدينية التي تحكم عليهم بالرفض المطلق وترى أن مصيرهم الجحيم دون أي أفق للتسامح. 

ورغم أن عامين في عمر الإنسان ليسا بالزمن الطويل، فقد شعرتُ وكأنهما عشر سنوات. ما زلتُ أحاول العثور على مكان أنتمي إليه، وما زلتُ أبحث عن هويتي وأحاول التعافي من الماضي ومن الحاضر. منذ أن أتيتُ إلى فرنسا، وأنا مضطرة لمواجهة كل أشباحي وكل ما هربت منه. 

كان اللجوء إلى العلاج النفسي ومحاولة التعافي أهم خطوتين اتخذتهما تجاه نفسي، بتشجيع الأصدقاء فمعظم الأفراد الكويريين/ات الذين أعرفهم لجؤوا إلى العلاج النفسي. 

لحسن الحظ وجدنا هنا العديد من المعالجين/ات الجيدين/ات، وأصبحت غرفة العلاج النفسي مساحة آمنة دون خوف من أن يبلّغ عنك طبيبك، أو أن "تُفضح" في مجتمعك أو أن ينتهي بك الأمر معتقلًا.  

هرعنا إلى العلاج في محاولة لتخفيف الغربة، والتصالح مع الماضي والحاضر، وتخفيف القلق حيال المستقبل. لكن رغم ذلك ما زلتُ متعبة بشكل ملحوظ. هناك أيام أشعر فيها بأنني تعافيت تمامًا، وأيام أخرى أعود فيها إلى نقطة الصفر. لكنني بدأتُ أتقبل هذا الإنهاك المستمر والتعب الدائم كجزء من الرحلة أيضًا.  

أذهب إلى الجامعة لدراسة اللغة، ويسألني الجميع "لماذا تبدين متعبة طوال الوقت؟" ولا أعرف بماذا أجيب. كل ما أعرفه أنني متعبة ومنفية، لا عن وطن أو بلد بعينه بل الأمر أشبه بنفي كوني، ولا أعرف حتى إلى أين ومتى العودة؟ 

    آلاء

    شاعرة وصحافية ومخرجة مقيمة في فرنسا.

    إضافة تعليق جديد

    محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

    نص عادي

    • لا يسمح بوسوم HTML.
    • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
    • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.