على الرغم من أن التعديلات الدستورية تضمنّت رفع كوتة النساء في البرلمان إلى 25%، إلا أن الخطاب الموجه من الدعاية في معظم الحملات المطبوعة والمسموعة كان ذكوريًا بامتياز.
انتهى الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر يوم 22 أبريل 2019 حيث شارك 27 مليون و193 ألف مصري ومصرية في الاستفتاءات ووصلت نسبة الموافقة على التعديلات الدستورية 88,83 % أما نسبة الرفض كانت 11,17% وفقًا لموقع الهيئة الوطنية للانتخابات.
وكان أول أبريل 2019 بمثابة بداية الحملات الدعائية للمشاركة في الاستفتاء على مجموعة من التعديلات الدستورية التي لم تظهر لها مسودة كاملة حتى يوم 16 ابريل 2019 - أي قبل التصويت بأربعة أيام فقط -، وبالرغم من غياب المسودة انطلقت أغلب الدعاية للتشجيع على التصويت بنعم.
وعلى الرغم من أن التعديلات الدستورية تضمنّت رفع كوتة النساء في البرلمان إلى 25%، إلا أن الخطاب الموجه من الدعاية في معظم الحملات المطبوعة والمسموعة كان ذكوريًا بامتياز، محتفيًا بالرجال وكأن النساء محرومة من التصويت أو كتلة هشّة لا قيمة لها.
راجل ابن راجل ...
إهداء إلى شعب مصر التي ليس بها نساء
أهدت الفنانة نانسي عجرم أغنيتها "راجل ابن راجل" إلى الشعب المصري في 10 أبريل 2019، دون مناسبة وطنية واضحة غير اقتراب التصويت على التعديلات الدستورية على الرغم من أنها لا تحمل دعوى صريحة للتصويت.
استحضرت كلمات الأغنية التي كتبها ملاك عادل الصورة النمطية لمصر المرأة والأم التي تحتاج للرعاية والحماية والبناء من قبل أبنائها الرجالة ولاد الرجالة حيث يقول مذهب الأغنية:
اللي قلبه على البلد دي يبقى راجل وابن راجل
اللي هيعدي البلد دي يبقى راجل وابن راجل
علّي وابني دى مصر يا ابني وانت راجل وابن راجل
اللي قلبه على البلد دي يبقى راجل وابن راجل
أما عن الصورة فقد احتفت بالمشاهد الكبرى للعمال في المصانع وأصحاب الحرف اليدوية والجنود في الجيش في مقابل مشاهد قليلة لنساء سائرات في الشوارع وأخريات يرقصن أثناء حفلة "تنجيد بالقطن المصري" لأثاث عروس وهو احتفال مشهور يسبق الفرح.
استعانت المخرجة بتول عرفة بإضافة صور لأخبار عن أبطال وبطلات في المجال الرياضي ورواد للأعمال وانتصرت أيضًا فيها للرجال حيث ظهرت 6 صور لرجال في مقابل صورتين للنساء مع استمرار هتاف الأغنية الأساسي "يبقى راجل ابن راجل".
وفي مركزية بالغة استعانت المخرجة بمجموعة من العازفين للمزمار الصعيدى يعزفون في أماكن داخل القاهرة التي تألفت في الفيديو كليب بصورها المكررة؛ الأهرامات، والمشاريع العملاقة، وعربة الفول، وكوبان الشاي، وخان الخليلي.
إعمل الصح ...
الوصاية خير من الاختيار
استمدت الحملة شعارها من جملة الفنان غسان مطر ذي الصوت الجهوري والذي وجهها للفنان أحمد مكي حين تقمّص الشخصية الهزلية "حزلقوم" في فيلم "لا تراجع ولا استسلام"، في استخفاف واضح بعقلية المواطن المصري الذي ينتظر النخبة أن تقول له إعمل الصح وشارك بنعم دون أن تعرف فحوى التعديلات لأننا نعرف مصلحتك، وسرعان ما انتشرت هذه العبارة في كل مكان وعلى ألسنة متعددة، وتصل أيضًا إلى مطار القاهرة.
الشارع
لا يمكنك السير في شارع بمصر منذ بداية أبريل 2019 إلا وستجدين ملصقًا عملاقًا لحملة "إعمل الصح" التي تبناها العديد من المؤيدين وتحديدًا حزب مستقبل وطن، وهي حملة متكاملة غطت جدران معظم الشوارع بملصقاتها إضافة إلى شاشة عملاقة في ميدان التحرير تعرض أغاني الحملة وفيديوهاتها وشعاراتها.
فيسبوك
في سياق الحملة، انطلقت مجموعة من صفحات الفيسبوك التي حملت نفس العنوان "اعمل الصح" والتي لم تراكم أيّاها جمهورًا كبيرًا من المشاركين والمشاركات. انطلقت أولى تلك الصفحات يوم 24 مارس 2019، ولم توضح في معلوماتها جهة النشر أو الدعاية، غير أنها نشرت مجموعة من الصور التي استخدمت أفعال الأمر للمذكر: وفر مأوى، اطعم غلبان، ازرع شجرة، ساعد غيرك، وغيرها من النداءات التي غالبًا ما تستخدمها الأحزاب اليمينية التي تجد الإحسان حلا للفقر.
وخلال أسبوعين نشرت الصفحة فيديوهات قصيرة لعدد من الفنانين والفنانات يأمرون المواطن المصري الذكر بالمشاركة مع إشارة في اليد ترمز لعلامة صح علامة على الموافقة على التعديلات ويذكر أن على الصفحة 223 مشاركًا ومشاركة فقط.
ثم انطلقت صفحات أخرى حاملة لنفس الشعار وناشرة لمحتوى مشابه من مقاطع الفيديو والصور وتغطية مجريات الاستفتاء، حيث وصل عدد متابعات ومتابعي إحداها إلى 891 شخصًا.
اعمل الصح ... مصطفى حجاج
أكملت الحملة دعواتها بإطلاق أغنية للفنان مصطفى حجاج بعنوان "اعمل الصح"، والتي يحافظ فيها محمد عاطف على لغة الوصاية والأمر حيث تقول الكلمات:
اعمل الصح اللي لازم يتعمل
بيك وبيا مصر حلم هيكتمل
ربنا موصي عليها وكلنا
يوم من الأيام عليها هنتسأل
مع التأكيد على صورة مصر الأم المستضعفة التي تحتاج من أبنائها الاهتمام ورد الجميل والتكاتف والتحمل، هؤلاء الأبناء هم بالطبع العمال والجنود الأسود والنسور الذكور ولا عزاء للسيدات
مصر أمي وحضنها مليان أمان
مش هننسى جميلها أبدا مهما كان
من الوهلة الأولى وحتى نهاية الأغنية يمكنك التأكد من أن المخرجة بتول عرفة - مخرجة "راجل ابن راجل"- هي نفسها التي أخرجت "اعمل الصح" حيث أن الأهرامات تتصدر المشهد يليها مشاهد المجاميع للشباب والشابات والعمال والجنود في تكرار متعمد وهيمنة لصورة القاهرة الكلاسيكية للجوامع والكنائس والشوارع والمشاريع وكأن مصر كلها هي القاهرة.
هناك غياب تام لأي لغة مؤنثة أو استحضار موازٍ لصورة النساء، مع الاسترسال في استجلاب صور الرجال، والتي تبلورت في مشهد يجسّد شهامة المطرب الذي أوقف نزاعًا بين رجال في الشارع وبنفس الطريقة أوقف شابًا يتحرش لفظيا بامرأة وكأن التحرش نزاعٌ بين طرفين متعادلين ويحتاج التصدي له بالإبعاد وليست جريمة تستحق اللجوء الى الشرطة.
اعمل الصح ... حمو بيكا ومودي أمين ونور التوت
ولم تخرج المهرجانات خارج المعادلة، وهي نوع من الغناء الشعبي الجماعي المتزايد في الانتشار والذي خرج في بدايته من المناطق المهمشة على تخوم العواصم الكبرى في القاهرة والإسكندرية. ونظرًا للنجاح الباهر الذي حققه الفنان حمو بيكا مؤخرًا، فقد أنتجت الحملة أغنية تحمل نفس شعار الحملة "اعمل الصح".
يبدو أن الشاعر الفاجر كاتب مهرجان اعمل الصح أدرك أن الكتابة ستكون خالية من نص التعديلات غير الموجودة من الأصل حتى لحظة إنتاج الاغنية، ولأنه لا يجيد استخدام الصور الكلاسيكية للأغاني الوطنية كنظرائه من الشعراء المحترفين، بدأ الأغنية بضرورة دعم الأخ لأخيه ثم أفرط في صفات الرجولة المعيارية وهي الشهامة والأخوة وتقديم الدعم والسند والرضا والصبر، ثم انتقل إلى امتداح مصر وفجأة امتدح الرئيس النسر والجدع والذي يفكر في شعبه دائمًا والذي أنهى "شغل سنين خلصته في شهر"، بينما وصف المواطن بالمقاتل المهاجم المناضل.
ولكن من الملفت للنظر أنه قام باستحضار صورة لمصر مختلفة عن الأغاني سابقة الذكر وهي صورة عن امرأة حاضرة وقوية في ذاتها حين قال:
مصر انتِ قيمة وانتِ سيمة
مصر مصدر للهزيمة
كلّه ضرب مفيش شتيمة
فضلا عن توصية للمستمع بحماية النساء وعدم إيذائهن حين قال
بت جبهتك حافظ عليها
إياك تسوقها وتغدر بيها
المهرجان غير مصور ولكن تظهر مجموعة المصنعين في لقطات فردية كلا حسب مشاركته في الغناء على خلفية للأهرامات تتخلل اللقطات شعار "اعمل الصح" ثم تنتهى الأغنية بلقطة جماعية لكل المشاركين في المهرجان من مهندس الصوت والموزع.
ويذكر أن مطربي المهرجانات توقفوا في السنوات الأخيرة عن طرح خطاب سياسي مباشر في كلماتهم، واكتفوا بالحديث عن هموم اجتماعية واقتصادية ليعبروا عن قضايا الفئات المهمشة التي يمثلونها من باب الفضفضة غالبًا، مبتعدين عن المطالبة بالتغيير أو التمرد، وهو الأمر الذي حقق لهم الشهرة الآمنة التي هي منطقة مقاومتهم المتاحة، وقد أدوها بكفاءة مذهلة فبعد سنين من تهميش أهالي المناطق غير الرسمية وإصرار الدولة على إظهار صورة مشيطنة للفقير والتخويف الدائم منه، خرجت المجموعات الغنائية بتجربة أصيلة فنية واحتلت مساحتها في الثقافة الشعبية التي حرمت منها لسنوات.
لذا فإن استخدام المهرجانات في الدعاية السياسية أو حتى الدعاية الاجتماعية هو في ذاته ابتذال واستغلال لأنه يدجن التجربة ويجبرهم على تغيير اللغة، ومن هنا فإن ما حدث بإنتاج هكذا مهرجان ليس احتفاء بالمهرجانات كأحد أشكال الثقافة الشعبية وإنما تقويضها من أجل الوصول لقاعدة شعبية أوسع.
وبالرغم من عدم وجود جهة واحدة واضحة قد تبنّت حملة إعمل الصح، لكن توالي هذه الأعمال سويًا وبنفس الشعار يوحي بأنه كان هناك توافقٌ ما على الأقل على السير بهذا الاتجاه.
انزل وشارك ...مسار إجباري وأحمد شيبة
المفاجأة المفزعة..... المكررة
انزل وشارك واوزنها
واختار حياتك وارسمها
هذا هو مطلع أغنية انزل وشارك الذي قدمها فريق مسار اجباري مع الفنان الشعبي أحمد شيبة. وبعيدًا عن أن حالة تزويج الشعبي بموسيقى الأندرجراوند أو البديلة انتقلت من مرحلة التجربة الفنية إلى حالة مبتذلة تحاول أن تكسر بشكل مفتعل الطبقية وتؤكد قبول الطبقة الوسطى للطبقة الشعبية رغم كل مخاوف الطبقة الوسطى من الانحدار الطبقي ورغم تاريخ احتقار الطبقة المهمشة للنخبة في الطبقة الوسطى، إلا أنها أصبحت موضة وطريقة لتوسيع قاعدة الجمهور.
آدي الألم وآدي الميزان وآدي الطريق
وانت الحكم وانت برضه الفريق
حافظ كاتب الكلمات محمد عاطف نسبيًا على فتح مساحة اختيار في أول الاغنية حتى يلتزم بحثّ المواطن على المشاركة في الاستفتاء بعد التأني والتفكير ودون الحض على قبول التعديلات الدستورية أو رفضها، ولكنه سرعان ما عاد لاستخدام أفعال الأمر الموجهة للمواطن الذكر بالمشاركة وكانت الصورة التي تكونت من مشاهد للحياة اليومية للمصريين السعداء في الشوارع النظيفة ووسط المشروعات التي تحقق الرفاهية والرضا المتناهي على وجوه كل المشاركين في الأغنية كافية لتؤكد احتفاء صنّاع الأغنية بالتعديلات الدستورية.
من الجدير بالذكر أن الصورة في الأغنية حافظت على وجود عادل للنساء والرجال على حد سواء، سواء في مشاهد الحياة اليومية أو في مشاهد التصويت في اللجان وحتى مشاهد الاحتفاء بالأبطال الرياضيين.
أيضا خرجت الصورة من مركزيتها وتمحورها داخل القاهرة مستعينة بمشاهد من الإسكندرية وأسوان ومشهد من الريف لفلاحين ومشهد لسيارة يركبها مواطن من سيناء، الأمر الذي يحسب للأغنية التي لم تقتصر على تمثيل القاهرة والقاهريّين.
وقد أثارت الأغنية ضجة كبيرة على السوشيال ميديا وتحديدًا بين جمهور فريق مسار إجباري الذي اعتبرها خيانة للاتجاه الثوري الذي بدأ به الفريق مشواره الفنى بعد ثورة 25 يناير بباقة من الأغاني مثل: الشهيد، مفيش حاجة، مرسال لحبيبتي، وغيرها، ومعبرًا عن قضايا الشباب الاجتماعية في أغانٍ مثل بقيت حاوي و شيروفوبيا واقرا الخبر، إلخ.
وكان رد الفنان هاني الدقاق مطرب الفريق رسالة موجهة لابنته ومتزامنة مع هجوم جمهوره عليه تقول "عايزك تفتكري دايمًا إني في حياتي حاولت اعمل المستحيل عشان اخليكي في أمان حتى لو المستحيل ده ضد كل حاجة أنا مقتنع بيها واتربيت عليها، أنا ماعرفش الخوف غير بعد ما انتي ظهرتي في حياتي، الخوف عليكي، إلتمسي لي الأعذار.
باطل
ذكورية الخطاب والتمثيل الضعيف للنساء لم يقتصر على الحملات المؤيدة للتعديلات الدستورية، فقد انطلقت الحملة الدعائية التي دعت لرفض التعديلات الدستورية بموقع إلكتروني وصفحة على موقع الفيس بوك يوم 6 أبريل 2019 بصورة لرجل يشير بإبهامه إلى الأسفل رمزًا لرفض التعديلات الدستورية وبلغة مذَكّرة واضحة في رسالتها:
شارك في الاستفتاء الحر
عشان مصر اللي بنحلم بيها ...
عشان مصر يبقى فيها تعليم بجد ما يفرقش بين غني وفقير
عشان ارضنا و ارض اجدادنا ما تتبعش.
عشان فرص عمل لكل شباب مصر .
عشان يكون فيه حرية وكرامة بدون خوف وقهر
خلال أيام زاد عدد المعجبين بالصفحة حتى وصل إلى 144 ألف مشارك، وأعلنت الصفحة عن تعرض الموقع الرسمي للحجب خمس مرات، ولم تقدم الصفحة أية مناقشات لأي من التعديلات الدستورية، فقط برّرت دعمها للرفض من أجل التعديل الخاص بزيادة الفترة الرئاسية ذاكرة هذا في رسالتها الرئيسية بلغة الجمع
عشان نرفض تكريس الحكم في ايد شخص واحد … ونرفض قتل حلم التداول السلمي للسلطة في مصر
تهميش النساء ...كمكون فني سياسي اجتماعي
في اللحظة ذاتها التي تعمل فيها العديد من المنظمات والهيئات من أجل تحقيق أوضاع أفضل للنساء ،وبامتداد مجهود سنوات من أجل الوصول لتعديلات دستورية طفيفة أو تغيرات في التشريعات والقوانين، يظل تهميش النساء والاستياء من وجودهن في المجال العام مكونًا اجتماعيًا غير مرتبط بطبقة اجتماعية أو مستوى تعليمي معين، ولأن الفن وليد صراعات هذا المجتمع بالضرورة سيعكس تكريسه للعنف الرمزي الممارس على النساء ورغبة الأنظمة الاجتماعية والسياسية الأبوية في إخماد أصواتهن والتخلص منها، إلا إذا خرج الفن للحظة متعدية الصراع متجهًا إلى دوره الأساسي في طرح الأسئلة حول العدالة والتغيير وهنا سيتلاقى الفن مع المنظور النسوي للفن كأداة يمكنها تحقيق العدالة في عوالمها المتخيلة ومن ثم تسريبها إلى الواقع.
إضافة تعليق جديد