أتذكّر جيدًا من طفولتي مقرّ الاتحاد العام النسائي في دمشق - الشعلان. لسنوات، كنتُ خلال مروري في ذلك الشارع أنظر إلى اللافتة التي تحمل شعار الاتحاد. في الحقيقة، كنتُ أظنّه مقرًّا عسكريًا ما أو مركزًا تابعًا لإحدى وحدات الجيش. لكن مع تقدّمي في السّن وحضوري حصص مادة "القومية"، علمتُ أنه اتحادٌ يعنى بحقوق المرأة السورية.
كنتُ أرى في قياديّات الاتحاد معلّماتِ مادة "القومية" التي كنّا ندرسها في المدرسة، وهدفها أن نحفظ أقوال "القائد الخالد" ونردّد شعاراتٍ لم نفهم منها شيئًا.
تتلخّص مهمّة المنضويات في الاتحاد بجدولة اجتماعاتٍ ونشاطاتٍ تفصّل مطالب السوريّات على مقياس القائد والحزب، ومن ثم المجتمع. ورغم الإصلاحات الإيجابية المحدودة التي تمكّن الاتحاد من تحقيقها، أعاقَت نسوية السلطة الحركات النسويّة القاعدية وحاربَتها، بالترافق مع التعقيدات التي فرضَها النظام على تسجيل أيّ منظمةٍ أو تجمّعٍ نسوي. في الوقت عينه، انشغلَت مُخابراتُ النظام بملاحقة النسويات المناضلات في سبيل التحرّر من النظام القمعي والأبوي على حدٍّ سواء.
في مقال لها، أشارَت فرح دعيبس إلى ما يسمّى بـ "نسوية الدولة"، حيث تستحوذ أنظمةٌ أبوية، استبداديةٌ في معظم الأحيان، على مشروع تحرّر النساء، ما يحدّ من إمكانية تحقيق إصلاحاتٍ نسويةٍ فعليّةٍ في دول المنطقة. وأدّى ذلك على مدى عقودٍ إلى ترويض الخطابات والمطالب والنشاطات السياسية النسوية، وإفراغ الحراك النسوي من دافعه السياسي. وغالبًا ما تركّز نسوية الدولة على الإصلاحات التشريعية والقانونية، متجاهلةً العوامل الاجتماعية والثقافية التي تُفاقم التمييز ضد النساء، ما يُؤدّي إلى ندرة الإصلاحات الشاملة والفعّالة.
ينطبق هذا تمامًا على الواقع السّوري.
تم إنجاز هذه المادة بدعم من مؤسسة CREA
إضافة تعليق جديد