قضية هاجر الريسوني: بُعبع التهم الجاهزة وأزمة الحريات بالمغرب

30/10/2019
1082 wörter

خلقت قضية هاجر جدلا داخل المغرب وخارجه لعدة أسباب، أولها أن قضيتها قضية حقوقية نسوية وثانيها لأن هاجر صحافيّة بإحدى الصحف الورقيّة المعروفة وهي "أخبار اليوم"، إضافة إلى انتمائها لعائلة أغلب أعضائها منخرطون في العمل الصحفي والسياسي.

كانت هاجر تُعدّ نفسها لتحتفل منتصف هذا الشهر مع حبيبها بحفل زفافهما، لكن القانون سلبها حريتها هي وشريكها ليُسلب معها حقها في الاحتفاظ بحميمية جسدها لنفسها. فبدل أن تكون العروس كانت السجينة.

تُوبعت هاجر الريسوني منذ اعتقالها نهاية شهر أوت (أغسطس) الماضي بعد خروجها من عيادة طبيب نسائي بتهمتين، الأولى: ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، والثانية: القبول بالقيام بعملية إجهاض، واتّهم خطيبها الحقوقي السوداني رفعت الأمين بالفساد والمشاركة في عملية الإجهاض، كما تُوبع الطبيب بممارسة الإجهاض وطبيب التخدير والسكرتيرة بالمشاركة في العملية.

بعد خمس جلسات حُكم على هاجر وعلى خطيبها نهاية شهر سبتمبر المُنقضي، بسنة سجنًا نافذًا وعلى الطبيب النسائي بسنتين سجنًا نافذًا ومنعه من مزاولة مهنة الطب لمدة سنتين ابتداء من يوم الإفراج عنه، وإدانة طبيب التخدير بسنة سجنًا والسكرتيرة بثمانية أشهر سجنًا موقوفة التنفيذ.

جريمة الفساد التي اتُهمت بها هاجر حسب القانون الجنائي المغربي في الفصل 490 هي "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية"، ويعاقب عليها بالسجن من شهر واحد إلى سنة، لكن الفصل 493 من نفس القانون يُقر أن جريمة الفساد لا يُعاقب عليها ما لم تُثبت بمحضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة تلبس أو بناءً على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي. 

أما التهمة الثانية وهي الإجهاض فقد حدد عقوبتها المشرع المغربي في الفصل 449 من سنة إلى خمس سنوات سجنًا وغرامة مالية قدرها مئتي درهم مغربي وتُضاعف في حالة الشخص المتعود على ارتكاب هذه الجريمة بمقتضى الفصل 450 من القانون الجنائي، وتُعاقب المرأة التي تجهض نفسها أو تحاول ذلك أو حاولت أو رضيت باستعمال ما أرشدت إليه من وسائل مؤدية إلى الإجهاض بالسجن من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة مالية قدرها خمسمائة درهم مغربي.

كان لهاجر فضل في إعادة النقاش حول معضلة الحريّات الفردية والحق في الإجهاض داخل مجتمع محافظ يرفض الآخر المختلف ويُجرّم العلاقات خارج "شرعيّة" مؤسسة الزواج

خلقت قضية هاجر جدلا داخل المغرب وخارجه لعدة أسباب، أولها أن قضيتها قضية حقوقية نسوية وثانيها لأن هاجر صحافيّة بإحدى الصحف الورقيّة المعروفة وهي "أخبار اليوم"، إضافة إلى انتمائها لعائلة أغلب أعضائها منخرطون في العمل الصحفي والسياسي. هذه الأسباب مجتمعة جعلت قضيتها تحظى باهتمام وانتباه الرأي العام الوطني والدولي، حيث تداولت عدة مواقع عربية وغربية قضية هاجر الريسوني وواكبت تطوراتها، وعرف هاشتاغ #هاجر_ليست_مجرمة انتشارًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي منذ القبض عليها، وأدانت أزيد من 70 جمعية من المجتمع المدني الوطني وممثلي القطاع الطبي في المغرب محاكمة هاجر، وبادرت بعض الفعاليات للمطالبة بإطلاق سراحها. إذ وجه الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان رسالة مفتوحة إلى ملك المغرب يُطالبه فيها بالتدخل لتبرئة هاجر مما نُسب إليها، وعبرت فيدرالية رابطة حقوق النساء المغربية في بيان لها عن استيائها من الحكم، الذي وصفته بـ"القاسي" والصادر في حق هاجر الريسوني ومن معها، وعن مواصلتها التعبئة والتنسيق من أجل الإفراج عنهم، والتضامن معهم كضحايا قوانين متخلفة، ومجحفة، وتمييزية ماسة بالحقوق والحريات.

كما قام تجمع آفاز الدولي بإطلاق عريضة إلكترونية تطالب ببراءة هاجر وحريتها وصلت إلى أزيد من عشرة آلاف توقيع. وأعلنت أزيد من خمسين صحفية من جميع أنحاء العالم، عن دعمهن لهاجر وطالبن بإطلاق سراحها من خلال فيديو نشرنه على يوتيوب. وتكفّلت منظمة منّا لحقوق الإنسان بنقل شكاية هاجر لمجلس حقوق الإنسان في جنيف الموجهة لستة مقررين أمميّين وعلى رأسهم المقررة الخاصة بالعنف ضد النساء. وعلقت هبة مريّف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة العفو الدولية، تعقيبًا على الحكم بإدانة هاجر قائلة: "إن حكم اليوم بمثابة صفعة شديدة لحقوق المرأة في المغرب. فما كان ينبغي أن تُعتقل هاجر الريسوني وخطيبها والعاملون الطبيون المتورطون في القضية في المقام الأول. وبدلاً من التشهير العلني بهاجر الريسوني وانتهاك خصوصيتها وإدانتها بتهم ظالمة، ينبغي على السلطات المغربية أن تلغي إدانتها، وأن تأمر بإطلاق سراحها فورًا ودون قيد أو شرط، وكذلك إطلاق سراح جميع المتهمين في هذه القضية''. 

صدر عفو ملكي لهاجر وخطيبها والطبيب، ولكن هذا العفو يُفرج عنها من السجن ولا يبرئُها أو يُعيد لها اعتبارها بعد التشهير الذي تعرضت له

وأمام ضغط المجتمع المدني المحلي والدولي صدر عفو ملكي لهاجر وخطيبها والطبيب، ولكن هذا العفو يُفرج عنها من السجن ولا يبرئُها أو يُعيد لها اعتبارها بعد التشهير الذي تعرضت له. وفي هذا السياق يُوضح عبد المولى المروري محامي هاجر في نص نُشر على أحد المواقع أن تهمتي الفساد والإجهاض غير ثابتتين في ملف هاجر بأدلة قانونية وواقعية وعلمية قُدمت للمحكمة، لكن الثابت في الملف هو انتهاك قرينة البراءة وعدم التطبيق السليم للقانون بداية باعتقالها بالصدفة إضافة إلى الفحص بالإكراه الذي تعرضت له بدافع الخبرة الطبية الذي يُعتبر تعذيبًا لأنه تم دون موافقتها.

لكن قضية هاجر في الأصل ليست قضية حرية شخصية وفردية فقط، بل هي قضية لها خلفية سياسية حسب ما أوردت في أول رسالة لها من السجن. حيث قالت عن فترة التحقيق معها: "سألني الأمن عن كتاباتي السياسية وعمي أحمد وعمي سليمان أكثر مما سألوني عن التهم الملفقة ضدّي"، مُضيفة: "أنا أؤدي بالنيابة ضريبة عائلة قالت لا، في زمن الهرولة لقول نعم، وها أنا أمشي إلى قدري بقلب مفجوع ورأس مرفوع". 

كان لهاجر فضل في إعادة النقاش حول معضلة الحريّات الفردية والحق في الإجهاض داخل مجتمع محافظ يرفض الآخر المختلف ويُجرّم العلاقات خارج "شرعيّة" مؤسسة الزواج. ومعلوم أن العديد من المنظمات المغربية والعشرات من النشطاء والناشطات يعملن ويعملون على الضغط في اتجاه إلغاء تجريم العلاقات الجنسية المثلية أو بين شخصين مختلفي الجنس لا تربط بينهما رابطة زواج. وقد دعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان منذ 2012 إلى إلغاء الفصل 490 وضمان الحق في الممارسة الجنسية بين رجل وامرأة بعد توفر شرط التراضي بينهما، لكنه ما يزال مجرد نقاش ولم يبلغ بعد مرحلة بلورته في مشروع قانون. وإيمانا منهن أن الفصل 490 هو فصل قانوني يتدخل في الحرية الشخصية للنساء والرجال أطلقت الكاتبة المغربية الفرنسية ليلى السليماني والمخرجة المغربية صونيا التراب نداءً يوم 23 من شهر سبتمبر المنقضي ''خارجات وخارجون عن القانون Moroccan outlaws''، وقّع عليه أكثر من 10,000 مواطنة ومواطن مغربي، تعبيرًا عن رفضهم ورفضهنّ للاستمرار في معاقبة الأفراد على ممارستهم لحريتهم الفردية. 

أما الإشكالية الثانية التي لعبت قضية هاجر دورًا في إعادة النقاش حولها إلى الواجهة، هي الحق في الإجهاض، إذ صادف النطق بالحكم في قضية هاجر مرور يومين على اليوم العالمي للإجهاض الآمن في 28 سبتمبر الذي صار مُعترفًا به ابتداءً من سنة 2015. هذا التاريخ الذي يأتي كل سنة ليجدد الحوار حول ضرورة تفعيل الحقوق الإنجابية وتشريع الإجهاض والسماح للأم بتقرير مصير حملها وعدم الاضطرار لتعريض صحتها للخطر باختيار الإجهاض السري وغير الآمن.

مازال قانون الإجهاض في المغرب مجرد مشروع قانون في أروقة البرلمان. إلا انه بعد عودة النقاش حول الإجهاض إلى الواجهة حددت لجنة العدل والتشريع في البرلمان المغربي دورة نوفمبر المقبل موعدًا من أجل تقديم التعديلات على مشروع القانون والتصويت عليه ضمن التعديلات المفروض أن تطرأ على القانون الجنائي. وفي انتظار حدوث تغييرات قانونية ترفع الضرر عن المرأة لأنها المتضررة الأولى من اعتبار الحرية الجنسية والإجهاض جرائم يُعاقب عليها القانون المغربي، الذي يكرس ويعيد إنتاج السلطة الذكورية والأبوية، سيظل حق المرأة بالتصرف في جسدها مطلبًا منشودًا تُناضل من أجله.