قيادة نسائية صوب العدالة البيئية والمناخية في مصر

يصف إيلان كلمان (Ilan Kelman)، خبير الكوارث والجندر، الكارثةَ بأنّها نتيجة هشاشةٍ في ظلّ المخاطر.1 فالمخاطر الطبيعية قائمةٌ ويمثِّل بعضها جزءًا من دورة الحياة والنظام البيئي. أمّا الهشاشة، فناتجةٌ عن الخيارات السياسية والاجتماعية.2 ويذكر كلمان في مقاله "فهم الهشاشة لفهم الكوارث" (Understanding Vulnerability to Understand Disaster)، بعض الأحداث التاريخية التي تضع هذه النظرية قيد الاختبار. ففي تسجيله الزلزال الذي ضرب مدينة ينجاي في بيرو عام 1970، أشار المؤرِّخ أوليفر سميث إلى التغيّرات الجغرافية والاجتماعية في المدينة، بما في ذلك تغيير موقع أحد القرى وديموغرافيّتها السكَّانية نتيجة الاحتلال الأسباني، بوصفها السبب الرئيس في  موت أكثر من 90% من سكَّان القرية.

هشاشةٌ نوعيةٌ أم إخفاقاتٌ مجتمعية؟

عند قياس مدى تأثُّر مجموعةٍ من الأشخاص بآثار التغيّر المناخي، غالبًا ما ندرس مجموعةً من العوامل: أولًا، التعرّض، وهو قياس مدى قرب مكان السكن أو العمل من موقع التلوُّث أو الكارثة المناخية؛ وثانيًا، الحساسية، وهي قياس العوامل الصحّية والاجتماعية الموجودة مُسبقًا والتي تزيد تأثير الحدث سوءًا؛ وثالثًا، الهشاشة،3 أي قدرة هذه المجموعة من الأشخاص على التغلّب على ما ينتج من تأثيراتٍ سلبية. وإذا حاولنا قياس تأثّر المرأة المصرية بالتغيّر المناخي، تتبيَّن حاجتنا للتحقّق من المزيد من المعلومات عن الحالة الاجتماعية نظرًا لتأثيرها على العوامل المذكورة سابقًا والتي نستعرض بعضها في ما يلي.

التعرّض: يرتبط تغيّر شدّة التعرّض بالقدرة على التنقّل والتحرّك بحرِّية، وعادةً ما تكون قدرة المرأة على الحركة محدودةً لاعتباراتٍ اجتماعيةٍ ودينية. بالنسبة للمرأة المصرية، ففي حال بقائها في المنزل، وهي حالةٌ شائعةٌ مُرتبطةٌ بإسقاطاتٍ أبويةٍ إمّا لإلزامها بتأدية الرعاية الأسرية، أو لحجبها عن العامّة حمايةً لــ "شرف" الزوج أو الأسرة، فإنّها تتعرّض للتلوّث الداخلي،4 فلا يُسمح لها بتغيير مقدار "التعرّض". أمّا في حال عملها في الزراعة، وهي من القطاعات شديدة الاعتماد على اليد العاملة النسائية في مصر، فتكون المرأة مُعرّضةً للانبعاثات الضارّة الناتجة عن طُرق الزراعة الحديثة،5 فيما قدرتها على الحركة وترك الريف محدودة، بسبب طغيان حركة نزوح الرجال من الأرياف إلى المدينة بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية، تاركين النساء خلفهم ليتحمّلن ظروفًا معيشيةً قاسية.

تُعدّ النساء الحوامل الأكثر حساسيةً تجاه التلوّث الذي يؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ على الأم والجنين، فالتعرّض للجزيئات الصغيرة الناتجة عن العوادم وغيرها من الملوّثات اليومية يتسبّب في تعقيداتٍ صحيةٍ للأم

الحساسية: ترتفع الحساسية الجمعيّة في مصر بسبب عدم جاهزية الأنظمة الطبّية. وبالإشارة إلى محدودية الحركة الناتجة عن تضييقات النظام الأبوي، تُفرَز العديد من العواقب الصحّية منها أمراض ضغط الدم، والسكّر وغيرها من الأمراض غير المُعدية. وترتفع نسبة الإصابة بها بين النساء بالمقارنة مع الرجال في مصر.6 وتزيد المشكلات الصحّية ربطًا بارتفاع نسبة التلوّث وزيادة التقلّبات المناخية. فثمّة علاقة طرديّة مباشرة بين نسَب الوفيّات الناتجة عن التلوّث والأمراض غير المُعدِية.7 وتُعدّ النساء الحوامل الأكثر حساسيةً تجاه التلوّث الذي يؤثِّر بشكلٍ مباشرٍ على الأم والجنين، فالتعرّض للجزيئات الصغيرة الناتجة عن العوادم وغيرها من الملوّثات اليومية يتسبّب في تعقيداتٍ صحيةٍ للأم قد تنجم عنه ولادةٌ مبكرةٌ وصغر حجم المولود نسبةً للعمر الحملي.8 تلك الحساسيّات المُرتبطة بالنوع الاجتماعي تتعرّض لها النساء، وتجعل التلوّث والكوارث المناخية أكثر أذًى لهنّ.

الهشاشة: يُعدّ الفقر أحد أهمّ مُسبّبات الهشاشة. وغالبًا ما تكون المجموعات المُهمّشة فقيرةً ومُقصاةً عن المشاركة في الاقتصاد وغير قادرةٍ على الوصول إلى وسائل التكيّف البسيطة، مثل أجهزة التبريد والتدفئة والأكل الصحّي والتريّض، عدا عن ميلها إلى تفادي التطبّب بسبب ارتفاع التكلفة أو ضيق الوقت المُتاح.9 في مصر، تشير الإحصاءات إلى ارتفاع نسبة الفقر بين النساء بنحو 2 إلى 3% عن نسبته بين الرجال في الحضر، وتزداد النسبة لتبلغ 4 إلى 5% في الأرياف. كما تبلغ نسبة النساء العاملات في قطاع الاقتصاد غير الرسمي 60%، ما يسلبهنّ الحماية الاجتماعية ويفاقم هشاشتهنّ الصحية والاقتصادية والبيئية. وكما التعرّض والحساسية، تؤثِّر محدوديّة الحركة في قدرة النساء على التكيّف مع نتائج التلوّث والتغيّر المناخي، وتجعلهنّ أكثر هشاشةً لأنّها تحدّ من قدرتهنّ على الالتحام بالمجتمع وبناء حياةٍ تعليميةٍ ومهنيّة. وعندما نتحدّث عن وضع النساء في مصر، لا بدّ من التحدّث عن التحرّش، إذ بحسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA، بلغت هذه النسبة 99.3% من النساء في 2013. هذا الرقم الصادم ليس إلا تعبيرًا كمّيًا عن تجارب معظم النساء المصريّات في المجال العام. وهذه الجريمة اليومية التي تتعرّض لها المرأةُ تؤثّر في جميع جوانب حياتها، وتعرقل مسيرتها التعليمية والمهنية وتحدّ من فرصها، بحيث يتراجع مركزها الاجتماعي ويزداد وضعها هشاشة.

أيضًا، على الرغم من ارتفاع نسبة النساء العاملات بالزراعة في مصر، إلّا أن نسبة تملّكهن الأراضي الزراعية بلغَت 2% فقط في عام 2014،10 وهي إحدى أدنى النسَب عالميًا. إنّ انخفاض نسبة امتلاك الأراضي الزراعية يعني عدم قدرة النساء العاملات بالزراعة على اتخاذ القرارات المُتعلّقة بالتكيّف ومواجهة التحدّيات المناخية المؤثِّرة بالنشاط الزراعي،11 ما يزيد من هشاشتهنّ وتأثير تلك العوامل عليهن. وعلى صعيدٍ آخر، تواجه النساء تشريعاتٍ تُفقرهنّ، مثل التشريعات المُتعلّقة بالميراث، والتي تستند إلى الشريعة الإسلامية وتُطبّق على المرأة المصرية باختلاف العقيدة. تلك التشريعات تسلب المرأة قدرًا من أمنها الاقتصادي واستقلاليتها

هشاشة المرأة مُركّبة، لا لأسبابٍ عضويةٍ أو طبيعية، وإنما نتيجةً لموقع النساء في النظام الأبوي، والترابط بينه وبين سلطة المال، ما يعزّز الامتياز الذكوري بشكلٍ رسمي

تذكّرنا هذه السياقات الاجتماعية بأنّ هشاشة المرأة مُركّبة، لا لأسبابٍ عضويةٍ أو طبيعية، وإنما نتيجةً لموقع النساء في النظام الأبوي، والترابط بينه وبين سلطة المال، ما يعزّز الامتياز الذكوري بشكلٍ رسمي، كما في حالة تشريعات الميراث، أو بشكلٍ غير رسمي، أسوةً بتراجع حيازة النساء الأراضي الزراعية ونقل ملكيّتها للأزواج أو الأقارب. وتكمن أهمية هذا التناول للهشاشة في انعكاسه على الحلول المطروحة. فسرديّة هشاشة المرأة المُجرَّدة من الرؤية الاجتماعية التقاطعية التي تضع في اعتبارها الطبقة الاجتماعية، والدّين، والسنّ، والوظيفة وغيرها من الاعتبارات، تغذِّي سرديّة ضعف المرأة "طبيعيًا" وحاجتها للحماية. ولكن في واقع الأمر، نجد أنّ تمكين المرأة يبدأ بإزالة التحدّيات الأبوية.

عجلةُ القيادة واتجاه السير

تنشأ الهوية الجندرية في البيئة الاجتماعية المحيطة متأثرةً بالأدوار الاجتماعية المُتعارف عليها في المجتمع،12 وتتأثّر الانطباعات والتوجّهات والحلول التي يطرحها الفردُ بهذه التنشئة والأدوار. مثلًا، يرتبط مفهوم الهشاشة والتغيّر المناخي عند الرجال بالسرديّة الرسمية للدولة والاقتصاد وغيرها من الانطباعات المعتمِدة أساسًا على المدخلات الإعلامية، بينما يرتبط مفهوم النساء للهشاشة بالتجارب الشخصية والاحتكاك بالمجتمع. وهنا يبرز التباين في تحديد المفاهيم المُتعلقة بالتغيّر المناخي، ومن ثمّ الهشاشة والتكيّف، بحيث تشتبك المرأة بالحياة اليومية للناس والأُسَر المحيطة، ما يولّد لديها انطباعاتٍ أكثر قربًا من الواقع المحلّي وأكثر شمولًا للأفراد بمختلف احتياجاتهم/ن،13 بينما يعتمد الرجال في العادة على المنتجات الإعلامية المرئية والمقروءة والمسموعة التي غالبًا ما تطرح رؤيةً وطنيةً عامةً أقلّ خصوصية.14 ونجد أيضًا أنّ النساء يتّجهن إلى طرح حلولٍ مجتمعيةٍ تضمن لهنّ ولغيرهنّ قدرًا من الاستقرار15 بدلًا من الحلول التكنولوجية، وذلك نظرًا لاحتكاكهنّ الأكثر حميميةً بما حولهنّ،16 واختلاف تجربتهنّ الحياتية،17 ومحدوديّة وصولهنّ إلى الموارد، وافتقادهنّ إلى البنية التحتية للحماية الاجتماعية. 

لكنّ التحدّيات لا تتعلّق بمجرّد وصول المرأة إلى هدفٍ أو منصبٍ قياديّ ما، بل يتطلّب الأمر وجود برنامج سياسي مناهضٍ للأنظمة القائمة ويتمتّع بالدعم ليكتسب مقوّمات النجاح، خصوصًا أن العراقيل حتّى في المناصب المرموقة. وأحيانًا، يزداد انتقاد المجتمع للمرأة، أو استخدامها في محاولةٍ لكسب نقاطٍ في "سباق" العدالة الجندرية من دون منحها فرصةً حقيقيةً للعمل والقيادة. 

التحدّيات لا تتعلّق بمجرّد وصول المرأة إلى هدفٍ أو منصبٍ قياديّ ما، بل يتطلّب الأمر وجود برنامج سياسي مناهضٍ للأنظمة القائمة ويتمتّع بالدعم ليكتسب مقوّمات النجاح

قد تكون الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة البيئة المصريّة سابقًا، المثال الأبلغ عن الكفاية المهدورة للسيّدات المصريّات في مجال البيئة، لاسيّما بعد إقالتها من منصبها بسبب اعتراضها على قرار استيراد الفحم في مصر، والذي أثار انتقاداتٍ واسعةً داخل مصر وخارجها. وعبَّرت إسكندر عن بعض التحدّيات التي واجهتها عندما حاولَت طرح نظام تدويرٍ للقمامة نتيجة تعنّت شركات جمع القمامة وهيئة النظافة، وذكرَت أنّ غالبية تلك المعوقات كانت روتينية. أُقيلَت إسكندر في 2014 بعد عامٍ واحد من تقلّدها منصب وزيرة للبيئة قبل تنفيذ الكثير من المشاريع التي كانت خطَّطت لها، وتولّى الدكتور خالد فهمي وزارة البيئة، فانقلَب على موقف الوزارة الرافض لاستيراد الفحم، ورحّب باستخدامه تماشيًا مع موقف غرفة التجارة التي كانت تحت سيطرة قطاع صناعة الأسمنت، أحد أكثر الصناعات تلويثًا، مُعلنًا ترحيبه بأيّ إجراءاتٍ قانونيةٍ قد تتّخذها المجتمعات المُتضرِّرة. كذلك ألغى فهمي المشاريع التي كانت إسكندر خطّطت لها. وتولَّت الأخيرة بعد إقالتها منصبَ وزيرة التطوير الحضريّ والعشوائيّات في محاولةٍ للاستفادة من خبرتها في مجال إدارة المخلَّفات، إنّما من دون منحها أيّ سلطةٍ تنفيذيةٍ فعليّة.

العبرة المُستقاة هي أنّ السّعي لتبوّؤ المرأة مناصب قيادية ليس كافيًا. يجب أن تُمنح أو أن تَنتزع سلطاتٍ تشريعيةً أو تنفيذية، تمامًا كما أنّ الحدّ من الانبعاثات والتكيّف مع آثارها غير كافٍ. ثمّة حاجةٌ لتغيير النظام الذي سلّم السلطةَ للمال ومنح الأولوية للربح. تلك الأنظمة تعيد إنتاج نفسها وتتكئ على مرآة المجتمع التي لا تعكس الواقع، بل تعكس ما رُدّد طويلًا حتى ظننّا أنه الحقيقة.

وعلى الصعيد القاعدي، تكثر المبادرات النسائية التي تهدف إلى رفع مستوى معيشة المرأة ودرء العبء المجتمعي عنها. تهدف إحدى المبادرات في محافظة المنيا إلى توفير بيئة عمل آمنة للعاملات بالزراعة بعد انتشار حوادث الاعتداء الجنسي في النقل الجماعي الذي تستخدمه السيّدات العاملات للتنقّل بين القرى والحقول. أنشئت المبادرة من قبل سيّدة مقيمة في المنيا، استأجرت شاحنة لنقل السيّدات من المناطق المحيطة بغرض مراقبة السائقين وحماية النساء. انتشرت أخبار المبادرة وبدأت النساء باللجوء إلى صاحبة المبادرة مباشرة، وارتفع عدد الشاحنات حتى أصبحت المبادرة مسؤولة عن أكثر من 50 شاحنة و1000 عاملة. لاحقًا سُجِّلت المبادرة كجمعية أهليّة تتنوّع أنشطتها بين توفير الحماية للنساء، وتوفير مساحة لمشاركة الإنجازات والتحدّيات التي تواجهها النساء في مجال الزراعة، بالإضافة إلى تطوير التدريبات في مجال الزراعة وطرق التكيّف مع التحدّيات المناخية والبيئية، وطرق الزراعة المستدامة ومصادر الطاقة المُتجدّدة، بالإضافة إلى تطوير محتوى عن النوع الاجتماعي والتحدّيات التي تواجه المرأة، لعرضه على الرجال العاملين في الحقول المجاورة والمهندسين الزراعيين.

السّعي لتبوّؤ المرأة مناصب قيادية ليس كافيًا. يجب أن تُمنح أو أن تَنتزع سلطاتٍ تشريعيةً أو تنفيذية

على الرغم من نشأة تلك المبادرة بشكل فردي وعفوي، إلّا أن القيادة النسائية في هذه الحالة ساهمت في تحديد الأولويات من وجهة نظر نسويّة. إنّ البدء بحماية النساء من الخطر المباشر كان الخطوة الأهم، ولأن النساء يتعرّضن لذلك التحدّي بشكل مستمرّ، فقد ساهمت القيادة النسائية في فهم وطأة ذلك التحدّي على حياة النساء العملية، وكانت الأقدر على الوصول إلى حلّ يعفي النساء من اللوم نتيجة تعرّضها لمضايقات، وتطوير نظام محاسبة لحماية النساء. كانت هذه الانطلاقة قادرة على تحرير النساء من العبء الذهني والنفسي المصاحب للعمل، ليصبح التعلّم جزءًا من عملهن اليومي، والاستدامة هدفًا يمكن التركيز عليه والرغبة فيه، وكذلك سهّل إدماج المجتمع الأوسع تحت ضمانات الحماية والأمان. كما رفعت تلك المبادرة جزءًا من الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية - ومن ثم البيئيّة - عن العديد من النساء، ومنحتهن قدرًا من الصلابة في مواجهة التحدّيات، وأعطتهن فرصة ليكنّ جزءًا من جهود ممارسة الزراعة المستدامة.

المستقبل أنثى

لطالما كان التدهور البيئي والكوارث المناخية قضايا وثيقة الصّلة بالقضايا الاجتماعية. فالصّناعات الاستخراجية التي يُعتمد عليها لتوليد الطاقة الأحفورية، والتي تمثّل دعامة النظام الرأسمالي، كانت مرتبطةً بنُظُمٍ استعماريةٍ تسعى لنهب الثروات. تلك النُظُم ترى في الآخر عقبةً في طريق الربحية. وإذا كان الاستعمار في الماضي يتخذ شكل الحروب والغزوات، ها هو يتخذ في العصر الحديث شكلَ الحياة اليومية، فنجد أنّ التعرّض للتلوّت يفيض عن حدّه في المناطق المُهمّشة، والتطوّر غير المحدود يرتبط بتهجير المجتمعات، والحفاظ على نموذج العرض والطلب يُشترَط بفرض نمط حياةٍ استهلاكي. 

وتتشابك الأبوية مع النظام الرأسمالي، فتتجاهل العمل المنزليّ ومساهمته في الاقتصاد، وترى عمل المرأة في الحقول "مساهماتٍ أُسرية" بدلًا من كونه عملًا منظّمًا واستغلاليًا، كما تنظر إلى الاحتياجات النوعيّة للمرأة بوصفها "تحدّياتٍ" في مكان العمل، بحيث نشهد فصل السيّدات من وظائفهنّ عند زواجهنّ أو حملهنّ أو ولادتهن. باختصار، يُنظر للمرأة في ظلّ الرأسمالية والأبوية باعتبارها عقبةً أمام مراكمة المزيد من الأرباح. 

يأتي التركيز على هشاشة المرأة في تقارير التكيّف نتيجةً لوقع الضرر الأكبر عليها، لكن كما سبق الذكر، فإن ذلك الضرر غير منزّه عن السياق الاجتماعي وتوغل الثقافة الأبوية في أوجه الحياة المختلفة، سواء الأسرية أو المهنية

وفي ما يخصّ تحدّيات التغيّر المناخي، تتركّز مجهودات اتفاقية الأمم المتّحدة الإطاريّة لتغيّر المناخ على شقّين رئيسيين: شقّ التخفيف، المتعلّق بحدّة انبعاثات الغازات الدفيئة ومصادرها وطرق خفضها. وشقّ التكيّف، المتعلّق بالكوارث المناخية الناتجة عن الانبعاثات وكيفية مواجهتها. وتُذكر النساء مرّاتٍ عدّة في تقارير اتفاقية الأمم المتّحدة الإطاريّة لتغيّر المناخ في شأن التكيّف بينما لا يُذكرن في تقارير التخفيف من الانبعاثات، ما يضعهنّ في موقع المُتلقّي. ولا يدلّ ذلك بالضرورة على إقصاء النساء من عمليّة التخفيف وإيجاد الحلول، لكنّه يعزّز الافتراضات المُسبَقة عن نوع الحلول المطلوبة وهويّة القائمين عليها. فالانطباع السائد هو أنّ التغيّر المناخي يحتاج إلى حلٍّ تكنولوجي للحفاظ على نمط حياتنا الحالي. ويُغذّى ذلك بتوجّهات النُظُم الرأسمالية والأبوية التي تتجاهل حقيقة أنّ نمط عملها ينطوي على ظلمٍ لمختلف المجموعات وعلى استغلالٍ للموارد، عدا عن مساهمته في وضع المرأة في موقع الضحية والرجل في موقع المنقذ.18 ويأتي التركيز على هشاشة المرأة في تقارير التكيّف نتيجةً لوقع الضرر الأكبر عليها، لكن كما سبق الذكر، فإن ذلك الضرر غير منزّه عن السياق الاجتماعي وتوغل الثقافة الأبوية في أوجه الحياة المختلفة، سواء الأسرية أو المهنية. من هنا يبقى التمثيل النسوي الحقيقي بعيدًا من الترميز، وإتاحة المجال لتطوير النظم الاقتصادية النسوية من الخطوات الحتمية لدرء الضرر البيئي عن المرأة وغيرها من المجموعات المهمّشة،19 ووقف المدّ الاستعماري الناهب للثروات والحقوق. عدا أن التكيّف مع التلوّث أو الفقر أو غيرها من الأعراض المجتمعية، هو نتيجة سيطرة مجموعة واحدة مُتجانسة على النظم الاقتصادية والسياسية، تتجاهل كلّ من لا ينتمي إليها، وحقوقهم واحتياجاتهم. وتختلف الرؤية السياسية والاجتماعية للمرأة نتيجة وجودها في ذلك الموقع، ممّا يؤثّر على طرق تحديد الأولويات ورؤية التحدّيات.20 وتتّجه النساء عمومًا لإيجاد حلول أكثر ملائمة، وأكثر راديكالية، وأقل كلفة،21 مُستلهمات من مهارات الإدارة في ظل المصاعب التي يحتجنها في إدارة الحياة داخل وخارج المنزل. ولأن النساء ينشأن في المجتمع نفسه الذي يخبرهن أنهن غير قادرات، تصدق بعضهن أنهن عاجزات، فنجدهن أقل إقدامًا على المناصب المهمّة22 التي من شأنها أن تغيّر مجتمعاتهن.

أفكر كثيرًا في الشّعارات التي تتبنّاها القضايا المختلفة، وينتابني شعورٌ بعدم الارتياح تجاه ما قد ينتج عنها من اختزالٍ لقضايا بالغة التعقيد. وغالبًا ما تكثر لافتات "المستقبل أنثى" في مسيرات وتحرّكات يوم المرأة العالمي وغيرها من المناسبات الرمزية التي تهدف للاحتفال بالمرأة. أتفق مع ذلك الشعار، ولا أشعر معه بالاختزال الواضح في شعاراتٍ أخرى، ليس لاعتباراتٍ فوقيةٍ أو تمييزية، ولكن إذا كان زمن التلوث والحلول الرأسمالية ذكرًا، وحتى يستعيد الزمن حياديته الجندرية، على المستقبل أن يكون أنثى.

 

 

  • 1. James Lewis & Ilan Kelman, “Places, People and Perpetuity: Community Capacities in Ecologies of Catastrophe”, ACME: An International E-Journal for Critical Geographies, 2015 p. 197, Accessed: March 2023.
  • 2. المرجع السابق.
  • 3. Science for Environment Policy, “Links between noise and air pollution and socioeconomic status”, European Commission, 2016, p. 20, Accessed: March 2023.
  • 4. Indoor House Pollution, World Health Organization, 2022, Accessed: May 2023.
  • 5. Hardhat, “A Look at Egypt’s Most Polluting Sectors”, Enterprise, November 2020, Accessed: April 2023.
  • 6. Somaya El-Saadani, et al. “Quantifying Non-Communicable Diseases’ Burden in Egypt Using State-Space Model.” PLOS ONE, edited by Zheng Xu, vol. 16, no. 8, Aug. 2021, Accessed: April 2023.
  • 7. NCD Alliance, Environment and Climate, 2016, Accessed: April 2023.
  • 8. Aweke A. Mitku, Temesgen Zewotir, Delia North, Prakash Jeena, Kareshma Asharam, Sheena Muttoo, Hasheel Tularam & Rajen N. Naidoo, ”Impact of ambient air pollution exposure during pregnancy on adverse birth outcomes: generalized structural equation modeling approach”, BMC Public Health 23, 45 (2023). Accessed: April 2023.
  • 9. Science for Environment Policy, Links between noise and air pollution and socioeconomic status, European Commission, 2016, p. 20, Accessed: March 2023.
  • 10. Bipasha Baruah & Dina Najjar, “Gender Equality, Climate Change and Agriculture in the MENA region: Priorities and Possibilities, Beirut, Lebanon”, International Center for Agricultural Research in the Dry Areas (ICARDA), 2022, p. 6, Accessed: March 2023.
  • 11. المرجع السابق.
  • 12. Houria Djoudi et al, “Beyond dichotomies: Gender and intersecting inequalities in climate change studies”, Ambio 45 (Suppl 3), The Royal Swedish Academy of Sciences, 248–262, 2016, p. 252, Accessed: March 2023.
  • 13. Alice H. Eagly, “Women As Leaders: Leadership Styles Vs. Leaders’ Values and Attitudes”, Gender and Work, 2013. Accessed: May 2023.
  • 14. Houria Djoudi et al, “Beyond dichotomies: Gender and intersecting inequalities in climate change studies”, Ambio 45 (Suppl 3), The Royal Swedish Academy of Sciences, 248–262, 2016, p. 252, Accessed: March 2023.
  • 15. Mona Daoud, “Using Fieldwork to Explore the Linkages between Gendered Livelihoods and Adaptation to Climate Change: Insights and Challenges”, SAGE Publications, 2016, Accessed: March 2023.
  • 16. Alice H. Eagly, “Women As Leaders: Leadership Styles Vs. Leaders’ Values and Attitudes”, Gender and Work, 2013. Accessed: May 2023.
  • 17. Houria Djoudi et al, “Beyond dichotomies: Gender and intersecting inequalities in climate change studies”, Ambio 45 (Suppl 3), The Royal Swedish Academy of Sciences, 248–262, 2016, p. 252, Accessed: March 2023.
  • 18. Mona Daoud, “Is Vulnerability to Climate Change Gendered? And How? Insights from Egypt”, Regional Environmental Change 21 (2): 5, 2021, p. 2, Accessed: March 2023.
  • 19. Joanna Flavell, Mainstreaming Gender in Global Climate Governance: Women and Gender Constituency in the UNFCCC. 1st ed., Routledge, 2022, p. 47 Accessed: May 2023.
  • 20. Rebecca Pearse, “Gender and Climate Change”, WIREs Climate Change, vol. 8, no. 2, March 2017. Accessed: May 2023.
  • 21. Mona Daoud, “Using Fieldwork to Explore the Linkages between Gendered Livelihoods and Adaptation to Climate Change: Insights and Challenges”, SAGE Publications, 2016, Accessed: March 2023.
  • 22. Mona Daoud, “Using Fieldwork to Explore the Linkages between Gendered Livelihoods and Adaptation to Climate Change: Insights and Challenges”, SAGE Publications, 2016, Accessed: March 2023.