ماذا لو سمح لي التحدث عن الكسّ في سنٍّ مبكرة؟

08/08/2023
1173 كلمة

نشأتُ في بيتٍ محافظٍ في حيٍّ شعبي متواضعٍ في مدينة طرابلس، ولم أنعم بالوصول إلى معلوماتٍ عن جسدي حتّى صرتُ راشدةً ومُستقلّةً عن أسرتي. أبلغ اليوم 29 سنة. جهلي بجسدي خلق لديّ مخاوفَ كثيرة، بحتُ ببعضٍ منها وأخفيتُ البعض الآخر، لكن في الحالتَين، أعاقت هذه المخاوف تمتّعي بحياةٍ صحّيةٍ على المستويَين الجسدي والنفسي.

لم أتعلّم أسماءَ الأعضاء التناسلية من أمّي ولا أختي الكبرى ولا أيّ أحدٍ آخر، ولا حتّى في المدرسة. كنا، إن احتجنا إلى التكلّم عنها، نقول "devant" وتعني "أمام" بالفرنسية، كما كنّا نستخدم "derrière" اسمًا للمؤخّرة، وتعني "خلف". تعلّمتُ الأسماء الفعليّة لتلك الأجزاء عندما أحرجتُ نفسي مرّتين، ومن المُحتمل أنني تعرّضتُ إلى العديد من المواقف المُحرجة المماثلة من دون أن ألاحظ حتّى. 

المرّة الأولى

كنتُ في السادسة من عمري وكان في بيتنا ضيوفٌ عندما طلبَت مني أمّي أن أحضر لها كيسًا من المطبخ. في طريقي إلى الصالون، قرّرتُ أن أغني أغنيةً للكيس ولكنّني استخدمتُ مصطلحاً آخر من دون إدراكٍ منّي، فخرجَت من فمي الأغنية كالتالي: "إجا الكِس، كِس، كِس". ركضَت أمي نحوي فورًا محاوِلةً إسكاتي قبل أن يسمعني الضيوف لكنّها حتمًا لم تكن أسرع من صوتي، وقالت: "توقفي عن قول هذه الكلمة! عيب!". وعندما سألتُها عن السبب قالت: "تعني 'devant'". وهكذا تعلّمتُ أن عضوي التناسلي اسمه "كسّ".

المرّة الثانية

كنتُ في السابعة عشرة من عمري، وأتحدّث عبر برنامج MSN مع صديقٍ كنتُ أكنّ له الإعجاب. أخبرَني في خلال محادثتنا أنه سيرسل لي نكتةً وأنه يعتذر مسبقًا لاحتوائها على كلامٍ نابٍ. قرأتُ النكتة ولكنّي لم أفهم كلمة "وإير" التي تكرّرَت في بداية كلّ سطرٍ منها. سألتُه عن معناها فأجابني فقط برموزٍ خجولة: 😳😳😳. استنتجتُ يومها أنّ عضوه التناسلي اسمه "إير". في الواقع، لم نكن نلجأ إلى استخدام عباراتٍ كهذه ضمن الأسرة، ولم يُسمح لنا بالاختلاط بسكّان الحيّ، فانحصرَت صداقاتنا بالأقارب وزملاء المدرسة حيث لا تهاون مع الكلام النابي. 

تعلّمتُ أسماء الأعضاء التناسلية لكنّني لم أتعلم أيّ شيءٍ عنها. لم أعرف حتى كيف يبدو شكلها. لم أرَ جسدًا غير جسدي، ولم يخبرني أحدٌ عن التغيّرات التي قد تحدث في مرحلة البلوغ. أخذَتني أمي مرّةً لزيارة طبيبةٍ نسائيةٍ عندما اشتكيتُ من شعورٍ بالحرقة عند التبوّل. عاينَتني الطبيبة ثم تكلّمَت مع أمي وأخبرتها عن المرهم الذي يجب علينا شراؤه ودهنه لمعالجة المشكلة. لكنّ أيًّا منهما لم تشرح لي علّتي، علمًا أنّ شكل ولون أشفاري كان يتغيّر في تلك الفترة، إذ كنتُ في الثانية عشرة من عمري وعلى وشك البلوغ. كرهتُ تمامًا أن أكشف أعضائي لتتفحّصها الطبيبة أو لتدهن أمّي لي المرهم قبل غيابها لأداء العمرة. بعد عودتها سألَتني إن كنتُ أنهيتُ الدواء، فأجبتُها من دون إضافة أيّ تفاصيل عن اعتقادي بأنّ المرض يتفاقم.

تعلّمتُ أسماء الأعضاء التناسلية لكنّني لم أتعلم أيّ شيءٍ عنها. لم أعرف حتى كيف يبدو شكلها. لم أرَ جسدًا غير جسدي، ولم يخبرني أحدٌ عن التغيّرات التي قد تحدث في مرحلة البلوغ

اعتقدتُ وقتذاك أنّ تغيّر شكل أعضائي سببه مرضٌ غامضٌ أصابني. لم أكن أعرف أنّ البلوغ يغيّر شكل الأشفار ولونها. لم أخبر أمي أنّ شكل أشفاري استمرّ بالتغيّر بعد إنهاء العلاج لأنّي لم أُرد زيارة الطبيبة مجدّدًا. احتفظتُ بتلك المعلومة سرًا لاعتقادي بأنها دليلٌ على استمرار المرض.

كان ذلك في عام 2007، وعلى الرغم من بداية انتشار استخدام الإنترنت، إلا أننا لم نكن نمتلك اشتراكًا في الشبكة أو حاسوبًا في بيتنا المتواضع. إضافةً إلى ذلك، لم أكن لأفتّش عن معلوماتٍ عن الأعضاء التناسلية - حتى إن توفّر لي الوصول إلى الإنترنت - خوفًا من العار المُلازم لفضول المعرفة عن "أمورٍ معيبة" كما يصِفها مجتمعي. كنتُ لأشعر بالذنب والخجل من نفسي حتى إن أبقيتُ فعلتي سرًّا، علمًا أنّني استنبطتُ ضرورة التستّر على الأمر نتيجة غياب أيّ حديثٍ في محيطي عن الأعضاء التناسلية وكلّ ما يتعلق بها، بالإضافة إلى إخفاء واقع الدورة الشهرية، وأدواتها وتبِعاتها من التخلّف عن أداء فريضة الصلاة والصوم في رمضان. كما اعتقدتُ حينذاك أنّ مشاركة مخاوفي أو طرح أسئلتي على أمي أو صديقتي أو أيٍّ كان سيطبعني بالخزي، ويشوّه صورتي ويغيّر نظرتهمن لي.

************

مرّ عقدٌ من الزمان صاحبَني في خلاله خوفٌ من تداعيات ذلك المرض الذي لم أعرف حتى ما هو. هل يتفاقم إلى حدٍّ كبيرٍ ويتسبّب بموتي؟ هل هو مرضٌ مُعدٍ؟ هل سأتمكّن من الزواج والإنجاب؟ هل سأتسبّب بأمراضٍ مزمنةٍ لزوجي وأولادي؟ هل فات الأوان وتعطّل جهازي التناسلي كلّه؟ هل عليّ إخبار الشاب الذي أُعجب به لأمنحه فرصة الاختيار قبل تطوّر أيّ مشاعر عميقةٍ بيننا؟ هذه التساؤلات وغيرها أرّقَتني يوميًّا طيلة عشر سنواتٍ إلى أن قرّرتُ مواجهة شبح ذلك المرض الغامض.

كنت في الثانية والعشرين من عمري عندما لاحظت أن الدورة الشهرية تسبّب آلامًا. وظنًّا مني أن المرض الغامض كان يفتك برحمي، قرّرتُ البحث في هذه المعضلة وحلّها. تجدر الملاحظة أنني لم أتعلّم من أحدٍ ضرورة تتبّع دورتي الشهرية، ولم أعتد تدوين مواعيدها، ناهيك عن أيّ معلومةٍ أخرى تتعلّق بها. زرتُ طبيبًا عامًا من دون أن أخبر أحدًا، ولِحُسن حظي كانت تتدرّب في عيادته طبيبةٌ شابة. كتبتُ في دفترٍ صغيرٍ جميع المعلومات والملاحظات المهمّة التي أردتُ مشاركتها عن الألم الذي اختبرتُه في خلال آخر دورةٍ شهرية، وعن الإفرازات التي لاحظتُها، والتغييرات التي كنتُ شهدتُها في أعضائي التناسلية في سنّ الثانية عشرة. رحتُ أقرأها للطبيبَين وأشرح لهما معاناتي من مرضٍ لا أدري ما هو منذ عشر سنوات. فسألاني، آسفَين، عمّا إذا كنتُ متزوّجةً أو أمارس الجنس. وقالا إنّ الشرح المفصّل الذي قدّمتُه لا يدلّ على مرضٍ بالضرورة، وطلبا مني وصفًا دقيقًا لشكل أعضائي لأنّي رفضتُ الخضوع للكشف الطبّي. غارقةً في خجلي، وصفتُ لهما يومها شكل أشفاري ولونها وملمسها، لكنّهما بقيا عند رأيهما بأنّ كلّ المعلومات التي قدّمتها لا تحمل أيّ دليلٍ على وجود أمرٍ غير طبيعي، ومن دون أن يكتشفا جهلي بهذه المسائل أو أن يحاولا تفسير ألف باء الأمور لي. 

لم أكتفِ بهذا الرأي، إذ لم يمنحني يقينًا بأنّني بخيرٍ وبأنّ مستقبلي كزوجةٍ وأمٍّ ليس بخطر. لاحظَت الطبيبة المتدرّبة ذلك فقالَت لي: "أنصحكِ بأن تدوّني بعض البيانات عن دورتكِ الشهرية لتتمكّني من معرفة ما إذا كانت طبيعية وأن تنتبهي في حال عدم انتظامها". وأضافَت: "أمّا بالنسبة إلى شكل أعضائك التناسلية، هل سبق لكِ أن نظرتِ إلى صورٍ لتتعرّفي إلى ما يبدو عليه جسم المرأة الطبيعي؟ أنصحكِ بفعل ذلك أيضًا. ابحثي على الإنترنت وانظري إلى بعض الصُّور لتتعلّمي وتتمكّني من الحكم بنفسك إن كان جسمك سليمًا أم لا". لم أتوقّع هذه النصيحة! نظرًا إلى كلّ ما أحاط بي من تكتّمٍ وتجنّبٍ لأيّ كلامٍ عن الأعضاء التناسلية وكلّ ما يتعلّق بها، والتحفّظ على لفظ أسمائها حتى، استغربتُ أن يكون بمقدوري التعلّم عنها، ولم يكن سهلًا استبعاد الشعور بأنّ ما كنتُ أفعله "عيب". 

ذُهلتُ عندما رأيتُ تنوّع أشكال أعضاء النساء! كدتُ لا أصدق ما رأيت! لستُ مريضة! رميتُ الحمل الثقيل الذي رافقَني طيلة العقد المنصرم وغمرَتني سعادةٌ عارمةٌ عندما تيقّنتُ بأنّ جسمي سليم

في الليلة نفسها، انتظرتُ حتى نام الجميع، اختبأتُ تحت الغطاء في السرير وأخرجتُ هاتفي وبدأتُ بالبحث عن موارد تعليميةٍ عن الأعضاء التناسلية الأنثوية. ذُهلتُ عندما رأيتُ تنوّع أشكال أعضاء النساء! كدتُ لا أصدق ما رأيت! لستُ مريضة! رميتُ الحمل الثقيل الذي رافقَني طيلة العقد المنصرم وغمرَتني سعادةٌ عارمةٌ عندما تيقّنتُ بأنّ جسمي سليم. شعرتُ بقوةٍ مستجدّة، كأنّ تلك الطبيبة منحَتني إذنًا لأتعرّف إلى جسمي، وأعطتَني استقلاليةً حرّرَتني من قيود المجتمع التي كبّلَتني بجهلي وخوفي. كم كانت حياتي لتكون أسهل لو سُمح لي التعلّم من قبل! لكنتُ أحببتُ جسمي بدل الشعور بالخوف والعجز أمام ما أجهله عنه.

ما زلتُ أضحك - وأبكي أحيانًا - عندما أتذكر كمّ الهمّ والحزن اللّذين حملتُهما بسبب الجهل وأوهامي بأنّني سأموت من المرض، أو في أحسن حال، لن أتمكّن من الإنجاب وسأعيش تعيسةً وربما وحيدة. وفي المقابل، تغمرني فرحةٌ عامرةٌ كلّما تذكرتٌ أنّني لستُ مريضة. فعلًا لأمرٌ مضحكٌ مُبكٍ!