الصفعة هي أوّل ما أتذكّره في كل مرّةٍ نتحدّث فيها عن أوّل مرّة «إجتني». ذاك الصباح، أيقظتني أمي كي نذهب لزيارة خالتي. ما إن انتهيتُ من ارتداء ملابسي حتى شعرتُ بشيءٍ ما ينسابُ مني. قلتُ لوالدتي: «نزل دم». كنتُ أعلم أنها «رح تجيني» من أحاديث الصبحيّات، لكنّ الفكرة لم تكن واضحةً في ذهني.
أصرّت والدتي على مرافقتي خطوةً بخطوةٍ من البداية. أنزلَت سروالي الداخلي وعلّمتني كيف أضع الفوطة الصحية. كانت تبتسم فرحًا.
عندما وصلنا إلى بيت خالتي، قالت لها: «عرفتي؟ لارا إجتها». لشدّة فرحتها، صفعَتني خالتي كي تبارك لي، فكانت صفعةً أدارَت وجهي 180 درجة!
عمّ الضحك المكان. صُدمت لدرجة أنني لم أعرف ما إذا كان عليّ الضحك أم البكاء. تسمّرتُ في مكاني وقلت: «وجّعتيني».
«لازم تنضرب البنت بس تجيها»، شرحَت لي خالتي. لكنها لم تكن تعرف السبب، فهذا ما كانت سمِعته.
منذ ذلك اليوم، أصبح لديّ سرٌّ أخبئه كل شهرٍ عن إخوتي. أخبّئ الفوط وأنتبه ألّا يسيل الدم على ثيابي. عندما أحيض في خلال شهر رمضان، يتوجّب عليّ أن آكل سرًا كي لا يعرف إخوتي، «عيب».
منذ سنتَين، وفي أثناء غوصي في رحلة اكتشاف ذاتي، تصالحتُ مع فكرة أن الحديث عن الدورة الشهرية «أمرٌ عادي» وأنها ليسَت عيبًا. صرتُ أشعر بأنها قوّةٌ تتجدّد في داخلي كل مرّة. باتت تذكّرني بقوتي وقدرتي على التحمّل والتجدّد بشكلٍ دوري. أعتقد أنّها تعلّمني كيفية الاتصال بجسدي والاستماع إليه.
في أثناء ورشة «نروي قصصنا مع الدورة الشهرية»، استطعتُ تحويل هذه القصة إلى رسمة. تحدّثنا عن فقر العاطفة، وكيف يحتفظ البعض بكلّ شيءٍ لأنفسهم، فترجمتُ هذا الفقر إلى صورة. تخيّلتُ جسدًا يحتضن كل شيءٍ في داخله، ورأسه اتّخذ شكل تلك الصفعة التي كانت تفتقر للعاطفة. قرّرتُ أن أضعها في إطار، وأكسره وأمشي بعيدًا.
أردتُ أن أسير في طريقٍ جديدةٍ يملؤها حبّ النفس وقبول الذات والعاطفة، متذكّرةً دومًا أن ما من أحدٍ يعرف ما أريد سواي.
ملاحظة: هذا النص جزء من سلسلة مواد عن تجارب الأشخاص الذين واللواتي يحِضن بعنوان "إجت ومعها قصة". تتألّف السلسلة من مواد تم إنتاجها في خلال ورشة إبداعية بعنوان "نروي قصصنا مع الدورة الشهرية"، نظمتها مؤسسة "جيم" ومبادرة "جييتنا" في تموز/يوليو 2023 في لبنان، بالإضافة إلى مواد مستكتبة. تم تمويل الورشة وإنتاج المواد من قبل برنامج "نحن نقود"، وهو برنامج مدته خمس سنوات ممول من وزارة الخارجية الهولندية.
إضافة تعليق جديد