تحاول حركة ''مساكتاش'' التوعية بالآثار السلبية لمختلف أنواع العنف ضد النساء وتحديدًا فعل التحرش الجنسي كفعل قد يتحول في الكثير من الحالات إلى حوادث اغتصاب، وتصحيح فكرة أن التحرش لا علاقة له بلباس المرأة أو جسدها كما تكرس لذلك العقلية الذكورية.
"مساكتاش"، بالعاميّة المغربية تعني لن أسكت بضمير المتكلم المؤنث، هذا الهاشتاغ المغربي الذي انطلق من تويتر يراه البعض امتدادًا لحركة ''أنا أيضًا'' العالمية، وقد جذب اهتمام الصحافة الدولية منذ أن تداولته مجموعة من الناجيات من التحرش الجنسي أواخر شهر سبتمبر الماضي على تويتر وفايسبوك. تزامن انطلاق حملة "مساكتاش" بالصدفة مع اليوم الذي أُلقي فيه القبض على المغنّي المغربي سعد المجرّد من قبل الشرطة الفرنسيّة بتهمة محاولة اغتصاب فتاة بمدينة ''سان تروبي'' الفرنسية شهر أوت (أغسطس) الماضي، هذه الصدفة الزمنية دفعت الحملة في نفس اليوم من انطلاقها إلى دعوة القنوات الإذاعية المغربية إلى وقف بث أغاني سعد لمجرد، وقد استجابت لهذه الدعوة إذاعتا 2M وHITRADIO.
جاء ظهور حملة "مساكتاش" في سياق اجتماعي عرف سلسلة من الحوادث التي تعرضت فيها مجموعة من الفتيات والنساء لاعتداءات جنسية. كانت أبرزها قضية خديجة القاصر المُنحدرة من نواحي بني ملال غرب المغرب، التي اغتُصبت من قبل 14 شابًا بعد اختطافها ووشم جسدها وتعذيبها بالحرق، وقد عرفت هذه القضية تضامنًا وطنيًا مع الناجية، وتقوم ليلى السلاسي وماريا كريم المُنخرطتان في حملة "مساكتاش" بمرافقة خديجة أثناء محاكمات المتهمين، التي كان آخرها يوم 14 نوفمبر الجاري ولكن تأجّل النظر في ملف القضية إلى يوم 11 ديسمبر.
تعتبر الناشطة النسوية المغربية ليلى السلاسي وهي إحدى مؤسسات ''مساكتاش'' أن هذه الحملة ''جاءت لتُسمع صوت النساء في المغرب بعد أن صرن غير قادرات على التسامح مع التحرش الجنسي أو تجاوزه''. ويتمثل الهدف المحوريّ لهذه الحملة في ''إدانة كل أشكال العنف وخلق موجة من السخط القادر على رفع الوعي حول هذه القضية، واستنكار العنف الجندريّ والجرائم المرتكبة في حق المرأة المغربية''، حسب سارة الرايس إحدى الناشطات ضمن ''مساكتاش''.
ترسانة من القوانين ولكنّها غير كافية
عرف السياق المغربي في مجال مناهضة العنف ضدّ النساء تاريخًا طويلا بدأ منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، على يد حركات نسوية ناضلت من أجل نيل الاعتراف بدور المرأة في المجتمع والتوعية بخطورة العنف الممارس ضدها على أساس النوع الاجتماعي. لكنّ مطالب الحركة النسويّة المغربية لم تتبلور حتى بداية التسعينيات، إذ بادرت هذه الحركة سنة 1992 ممثلة في اتحاد العمل النسائي إلى إطلاق حملة المليون توقيع من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية. وتضمنت العريضة المطلبية الدعوة إلى منع تعدد الزوجات، وإلغاء الوصاية على المرأة في الزواج، وإقرار المساواة بين الزوجين في الحقوق والواجبات الزوجية، وإقرار حق المرأة في الولاية على أبنائها. إلا أنّ هذه العريضة لم تسلم من هجوم رجال الدين والحركات الإسلامية الذي وصل إلى حدّ التكفير والتهديد بالقتل. لم تكن التعديلات على مدوّنة الأسرة سنة 1993 في مستوى تطلعات النشطاء الحقوقيين والمنظمات النسوية لذلك قام الملك محمد السادس سنة 2001 بإنشاء لجنة ملكية لاقتراح توصيات لتعديل مدونة الأحوال الشخصية، هذه التوصيات قُدمت للبرلمان للتشريع في أكتوبر من سنة 2003، وجاء إجماع البرلمان المغربي في يناير من سنة 2004. ومن أهم ما جاء في المدوّنة المساواة في سن الزواج بين المرأة والرجل وذلك برفعه إلى سن 18 عامًا بعد أن كانت المرأة تُزوج في سن 15 عامًا.
المنطق المتداول يجعل من المرأة "مُذنبة" بدل أن تكون "ضحية/ناجية"
لم تكن هذه التعديلات، رغم أهميتها، كافية فقد تعالت الأصوات المنادية بضرورة إلغاء القانون الذي يسمح للمُغتصب بالزواج من الضحيّة لكن دون جدوى. لاحقًا، وبعد عامين من إقدام أمينة الفيلالي القاصر ذات الـ16 سنة والمنحدرة من مدينة العرائش شمال المغرب على الانتحار بسُمّ الفئران سنة 2012 بسبب تزويجها من مُغتصبها بموجب القانون، قامت حركة واسعة في صفوف الجمعيات النسوية بقيادة تحالف ربيع الكرامة الذي يضم 22 جمعية، أدّت إلى فتح نقاش سنة 2014 تحت قبّة البرلمان المغربي انتهى بإلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي والتي تنص على أن القاصر التي اختطفت أو غُرّر بها، إذا كانت بالغة وتزوجت من اختطفها، أو غرر بها فإنه لا يمكن متابعته إلا بناء على شكوى من شخص له الحق في إبطال الزواج ولا يجوز الحكم بمؤاخذته إلا بعد صدور حكم بهذا البطلان حقًا.
هذا وصادق مجلس النواب سنة 2016 على مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء، لكنه بقي مشروع قانون معلّق في أروقة البرلمان في انتظار مصادقة مجلس المستشارين عليه لإتمام "مسطرة" المصادقة ليكون جاهزًا للتفعيل. هذه المسطرة لم تتم إلا في شهر فبراير الماضي من السنة الحالية في محاولة لتعزيز مبدأ محاربة العنف ضد النساء قانونيًا من خلال مواده التي اتخذت أشكالا زجرية كما جاء في المادة 503 من هذا القانون، والتي تنص على أنه يُعتبر مرتكبًا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة مالية من 2000 إلى 10.000 درهم كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها بأفعال وأقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية، وتُضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلا في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن. ويُعاقب بالحبس من ثلاث الى خمس سنوات وغرامة من 5000 إلى 50.000 درهم إذا ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول أو المحارم أو من له سلطة على الضحية كما في حالة القاصر.
ورغم إصدار قانون ضد التحرش وتحيينه للعمل به لكنّه ظلّ غير كاف لأنه بحاجة إلى تعميم الوعي بأن فعل التحرش ليس فعلا عاديًا يمكن التعايش معه. فالمنطق الذكوري في المجتمع المغربي يربط فعل التحرش الجنسي بلباس المرأة ويُبرره بالمرجعية الدينية، هذا المنطق المتداول يجعل من المرأة "مُذنبة" بدل أن تكون "ضحية/ناجية"، فمثلا عندما تذهب إحدى الناجيات من التحرش الجنسي لتقديم شكوى لدى الشرطة تُفاجئ بأول سؤال يُطرح عليها: ماذا كنت ترتدين عندما تم التحرش بك؟
"ما ساكتاش" تُطلق صفارات الإنذار لفضح المتحرشين
أمام ما يحدث داخل مراكز الشرطة وفي الشارع من تبخيس للمرأة وتحويلها إلى "مُذنبة"، تحاول حركة ''مساكتاش'' من خلال حملتها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التوعية بالآثار السلبية لمختلف أنواع العنف ضد النساء وتحديدًا فعل التحرش الجنسي كفعل قد يتحول في الكثير من الحالات إلى حوادث اغتصاب، وتصحيح فكرة أن التحرش لا علاقة له بلباس المرأة أو جسدها كما تكرس لذلك العقلية الذكورية. وتُشجّع الحملة الناجيات من التحرش الجنسي على مشاركة قصصهن على الإنترنت مُرفقة بهاشتاغ ''مساكتاش'' لفضح المتحرشين من أجل الوعي بضرورة التبليغ عن حالات التحرش ووضع شكايات لدى السلطات لينال المجرم عقابه. واختير للحركة اسم ''مساكتاش'' لأنّ الصمت طالما ارتبط بالرضى والقبول والانصياع، وهذا ما تريد الحركة أن تساهم في تغييره من خلال الكشف عن التحرش الجنسي باعتباره اعتداءً معنويًا وماديًا تتعرض له المرأة في الفضاء الخاص والعام. وفي خطوة عملية للحركة من أجل محاربة التحرش في الفضاء العام قامت يوم 10 نوفمبر المنقضي بتوزيع عدة صافرات على النساء في شوارع مدينة الدار البيضاء المغربية تحت شعار ''إيلا ضسر صفري'' بمعنى إذا تجاوز الحد الأدنى استعملي الصافرة، وذلك من أجل فضح المتحرشين الذين يستعملون عبارات وإيحاءات جنسية في الفضاءات العمومية ليكون التصفير بمثابة إشعار بأن المُتحرَّش بها في خطر خاصة عندما يصل الأمر في بعض الحالات إلى العنف المادي.
تظل "مساكتاش" صرخة نسوية من عمق معاناة المرأة المغربية ضدّ المتحرشين وضدّ كلّ البُنى الفكرية التقليدية الذكورية
نجحت حملة "ما ساكتاش" في التجييش ضدّ المُتحرّشين حيث انخرط ضمن صفوفها أشخاص يحاربون التمييز والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي. عبد الحق العمراني شاب مغربي يبلغ 28 عامًا انخرط في الحملة كما العديد من الرجال الآخرين للدفاع عن ضحايا التحرش والاعتداء الجنسي. يقول عبد الحق عن أسباب انضمامه إلى الحركة: ''أعتقد أن هناك تفاوتًا كبيرًا بين النساء والرجال في مجتمعنا الذي أنتج نظام هيمنة ضد المرأة، فالنظام الأبوي يبرر هذا الاضطهاد بحقيقة أن النساء مختلفات جسديًا إلى غير ذلك من الحجج الواهية، وأعتقد أنه يجب علينا جميعًا المساعدة في تفكيك هذه المفاهيم التي تتسبب في استمرار سلسلة الهيمنة والقمع" مُضيفًا قوله: "أؤيد بشكل كامل مساكتاش في هذه المعركة لإدانة العنف ضد المرأة، في سياستنا المغربية شديدة الفحولة التي تغذت على نظام أبوي متجذر بعمق في الضمير الجمعي حيث تعتبر المرأة المغربية الحلقة الأضعف في هذه السلسلة المتواصلة من القمع ونحن في حاجة إلى التجمعات والحركات النسوية التي تدين العنف ويجب على الرجال المساهمة في هذه المعركة".
رغم الانتقادات التي طالت حركة ''مساكتاش'' منذ انطلاقها، بدءًا بمُعجبي المغني المغربي سعد المجرد الذين قاموا بانتقاد دعوة الحركة إلى وقف بث أغانيه، مرورًا بسخرية ذكورية من المنخرطات في الحركة على أنهن قبيحات ولا أحد يمكن أن يتحرش بهنّ، إلى تعليق الداعية المغربي رضوان عبد السلام على مبادرة التصفير ضد التحرش قائلا: ''
إضافة تعليق جديد